• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / إدارة واقتصاد
علامة باركود

رد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز على مقال الدكتور إبراهيم الناصر

رد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز على مقال الدكتور إبراهيم الناصر
الشيخ محمد بن صالح الشاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/5/2013 ميلادي - 15/7/1434 هجري

الزيارات: 22264

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز على مقال الدكتور إبراهيم الناصر


ردَّ سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله على مقالة الدكتور إبراهيم بن عبدالله الناصر الآنفة الذكر، وقد اتسم ردُّ سماحته بالشمولية والفوائد المتعددة، ولأهميته فقد أوردته لينتفع به من قرأه من إخواننا المسلمين[1].

 

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله[2]:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد اطَّلعتُ على البحث الذي أعده الدكتور إبراهيم بن عبدالله الناصر تحت عنوان: (موقف الشريعة الإسلامية من المصارف)؛ فألفيته قد حاول فيه تحليل ما حرم الله من الربا بأساليب ملتوية، وحجج واهية، وشبه داحضة، ورأيت أن من الواجب على مثلي بيان بطلان ما تضمنه هذا البحث، ومخالفته لما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة من تحريم المعاملات الربوية، وكشف الشبه التي تعلق بها، وبيان بطلان ما استند إليه في تحليل ربا الفضل وربا النسيئة، ما عدا مسألة واحدة وهي ما اشتهر من ربا الجاهلية؛ من قول الدائن للمدين المعسر عند حلول الدين: إما أن ترْبي، وإما أن تقضي.

 

فهذه المسألة عند إبراهيم المذكور هي المحرمة من مسائل الربا، وما سواها فهو حلال.

 

ومن تأمل كتابته اتضح له منها ذلك، وسأبين ذلك إن شاء الله بيانًا شافيًا، يتضح به الحق، ويزهق به الباطل، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

وإلى القارئ بيان ذلك:

أولًا: قال إبراهيم في أول بحثه ما نصه: (يمكن القول: أنه لن تكون هناك قوة إسلامية بدون قوة اقتصادية، ولن تكون هناك قوة اقتصادية بدون بنوك، ولن تكون هناك بنوك بلا فوائد!).

 

والجواب أن يقال: يمكن تسليم المقدمة الأولى؛ لأن المسلمين في كل مكان يجب عليهم أن يعنوا باقتصادهم الإسلامي بالطرق التي شرعها الله سبحانه؛ حتى يتمكنوا من أداء ما أوجب الله عليهم، وترك ما حرم الله عليهم، وحتى يتمكنوا بذلك من الإعداد لعدوهم، وأخذ الحذر من مكائده، قال الله عز وجل: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1].

 

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [البقرة: 282] إلى قوله سبحانه: ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾ [البقرة: 282] الآية، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29] الآية، وقال سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60].

 

والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهي مشتملة على توجيه الله سبحانه لعباده إلى التعاون على كل ما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم، وأمرهم بالتعاون على البر والتقوى، وتحذيرهم من التعاون على الإثم والعدوان، كما أمر سبحانه بالوفاء بالعقود وإثبات حقوقهم بالطرق الشرعية، وحذرهم من أكل أموالهم بالباطل، وأمرهم سبحانه بالإعداد لعدوهم ما استطاعوا من قوة، وبذلك يستقيم اقتصادهم الإسلامي، ويحصل بذلك تنمية الثروات، وتبادل المنافع، والوصول إلى حاجاتهم ومصالحهم بالوسائل التي شرع الله لهم.

 

كما حذَّرهم سبحانه في آيات كثيرة من الكذب والخيانة وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق، ومن أكل أموالهم بينهم بالباطل والإدلاء بها إلى الحكام؛ ليميلوا عن الحق إلى الحكم بالجور، وعظّم سبحانه شأن الأمانة، وأمر بأدائها في قوله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ [الأحزاب: 72] الآية.

 

وحذرهم عز وجل من خيانة الأمانة في قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]، ووصف عباده المؤمنين في سورة المؤمنون وفي سورة المعارج بأنهم يرعون الأمانات والعهود، وذلك في قوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].

 

فمتى استقام المسلمون على هذا التعليم والتوجيه وتواصوا به وصدقوا في ذلك فإن الله عز وجل يصلح لهم أحوالهم، ويبارك لهم في أعمالهم وثرواتهم، ويعينهم على بلوغ الآمال والسلامة من مكائد الأعداء.

 

وقد أكد هذه المعاني سبحانه في قوله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، وفي قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

 

وقال سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 71]، والآيات في هذا أكثر من أن تُحصر.

 

وأما المقدمتان الثانية والثالثة - وهما قوله: (ولن تكون هناك قوة اقتصادية بدون بنوك، ولن تكون هناك بنوك بلا فوائد) -؛ فهما مقدمتان باطلتان، والأدلة الشرعية التي قدمنا بعضها، وما درج عليه المسلمون من عهد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أنشئت البنوك، كل ذلك يدل على بطلان هاتين المقدمتين؛ فقد استقام اقتصاد المسلمين طيلة القرون الماضية، وهي أكثر من ثلاثة عشر قرنًا بدون وجود بنوك، وبدون فوائد ربوية، وقد نمت ثروتهم، واستقامت معاملاتهم، وحصلوا على الأرباح الكثيرة، والأموال الجزيلة، بواسطة المعاملات الشرعية.

 

وقد نصر الله المسلمين في عصرهم الأول على أعدائهم، وسادوا غالب المعمورة، وحكَّموا شرع الله في عباده، وليس هناك بنوك ولا فوائد ربوية؛ بل الصواب عكس ما ذكره الكاتب إبراهيم، وهو أن وجود البنوك والفوائد الربوية صار سببًا لتفرق المسلمين، وانهيار اقتصادهم، وظهور الشحناء بينهم، وتفرق كلمتهم، إلا من رحمه الله، وما ذاك إلا لأن المعاملات الربوية تسبب الشحناء والعداوة، وتسبب المحق ونزع البركة وحلول العقوبات؛ كما قال عز وجل: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276]؛ ولأن ما يقع بين الناس بسبب الربا من كثرة الديون ومضاعفتها بسبب الزيادة المتلاحقة كل ذلك يسبب الشحناء والعداوة؛ مع ما ينتج عن ذلك من البطالة، وقلة الأعمال والمشاريع النافعة؛ لأن أصحاب الأموال يعتمدون في تنميتها على الربا، ويعطلون الكثير من المشاريع المفيدة النافعة، من أنواع الصناعات وعمارة الأرض، وغير ذلك من أنواع الأعمال المفيدة.

 

وقد شرع الله لعباده أنواعًا من المعاملات يحصل بها تبادل المنافع، ونمو الثروات، والتعاون على كل ما ينفع المجتمع، ويشغّل الأيدي العاطلة، ويعين الفقراء على كسب الرزق الحلال، والاستغناء عن الربا والتسول، وأنواع المكاسب الخبيثة، ومن ذلك المضاربات، وأنواع الشركات التي تنفع المجتمع، وأنواع المصانع لما يحتاج إليه الناس من السلاح والملابس والأواني والمفارش وغير ذلك، وهكذا أنواع الزراعة التي تشغل بها الأرض، ويحصل بها النفع العام للفقراء وغيرهم.

 

وبذلك يعلم كل من له أدنى بصيرة أن البنوك الربوية ضد الاقتصاد السليم، وضد المصالح العامة، ومن أعظم أسباب الانهيار والبطالة ومحق البركات وتسليط الأعداء، وحلول العقوبات المتنوعة والعواقب الوخيمة، فنسأل الله أن يعافي المسلمين من ذلك، وأن يمنحهم البصيرة والاستقامة على الحق.

 

ثانيًا: قال إبراهيم: (إن وظيفة الجهاز المصرفي في اقتصادٍ ما تشبه إلى حد قريب وظيفة القلب بالنسبة لجسم الإنسان تمامًا...إلخ).

 

والجواب: ليس الأمر كما قال؛ بل يمكن أن يقوم الجهاز المصرفي بما ذكره الكاتب، من غير حاجة إلى الربا، ولا ضرورة إليه؛ كما قام اقتصاد المسلمين في عصورهم الماضية، وفي عصرهم الأول الذهبي بأكمل اقتصاد وأطهره من دون وجود بنوك ربوية كما تقدم، وقد نصر الله بهم دينه، وأعلى بهم كلمته وأدرّ عليهم من الأرزاق والغنى، وأخرج لهم من الأرض ما كفاهم وأغناهم وأعانهم على جهاد عدوهم، وحماهم به من الحاجة إلى ما حرم الله عليهم.

 

ومن درس تاريخ العالم الإسلامي من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما قبل إنشاء المصارف الربوية علم ذلك يقينًا، وإنما يؤتى المسلمون وغيرهم في اقتصادهم ونزع البركات مما في أيديهم بأسباب انحرافهم عن شريعة الله، وعدم قيامهم بما أوجب الله عليهم، وعدم سيرهم على المنهج الذي شرعه الله لهم فيما بينهم من المعاملات، وبذلك تنزل بهم العقوبات، وتحل بهم الكوارث بأسباب أعمالهم المخالفة لشرع الله؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

 

وقال عز وجل: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 65، 66].

 

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].

 

ثالثًا: ذكر إبراهيم في بحثه ما نصه: (والسؤال الذي لم نعثر له على جواب حتى الآن هو: كيف ينظر فقهاء المسلمين إلى الظاهرة الاقتصادية للفائدة، ولماذا يعتبر القرض بالفائدة محرمًا في نظرهم؟... إلخ).

 

والجواب عما ذكره هنا إلى نهاية بحثه المشار إليه أن يقال:

إنما نظر الفقهاء من سائر علماء المسلمين في أمر الفائدة، وعلقوا بها التحريم؛ لأن الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناطت بها التحريم، وهى أحاديث مستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[3]، لا مغمز فيها، وهي تدل دلالة صريحة قطعية على أن بيع المال الربوي بجنسه مع أي زيادة - ولو قلّت - ربا صريح محرم، ولكن الكاتب إبراهيم المذكور هداه الله وألهمه رشده أعرض عنها كلها، ولم يلتفت إليها، وإنما تكلم على الربا المجمل الوارد في القرآن الكريم، وحاول بكل ما استطاع أن يحصر الربا في مسألة واحدة، وهي: ما إذا أعسر المدين واتفق مع الدائن على إمهاله بفائدة معينة.

 

هذا ملخص بحثه، وما سوى ذلك فقد حاول في هذا البحث إلحاقه بقسم الحلال لحاجة الناس - بزعمه - إلى ذلك، وأن هذا هو الذي تقوم به المصارف، وزعم أن الحاجة داعية إلى ذلك، وأن مصالح العباد لا تتم إلا بهذه المعاملات الربوية التي تستعملها البنوك، وقد تعلق بأشياء مجملة من كلام الموفق بن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم رحمهم الله جميعًا فيما ذكروه عن المصلحة، وأن الشرع لا يمنع تحقيق المصالح التي تنفع المسلمين بدون ضرر على أحد، ولا مخالفة لنص من الشرع المطهر.

 

وهذا كله لا حجة له فيه؛ لأن المصالح التي أراد هؤلاء الأئمة وأمثالهم تحقيقها إنما أرادوا ذلك حيث لا مانع شرعي يمنع من ذلك، وذلك في المسائل الاجتهادية التي لا نصّ فيها يُوضِّحَ الحكم الشرعي.

 

وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على تحريم ربا الفضل، وعلى تحريم ربا النسيئة، وذكر بعض أهل العلم أن تحريم ربا الفضل من باب تحريم الوسائل؛ لأن عاقلًا لا يبيع شيئًا بأكثر منه من جنسه يدًا بيد، وإنما يكون ذلك إذا كان أحد العوضين مؤجّلًا، أو كان أحدهما أنفس من الآخر، ولهذا لما باع بعض الصحابة رضي الله عنهم صاعين من التمر الرديء بصاع واحد من التمر الطيب، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبا عَيْنُ الرِّبَا لاَ تَفْعَلْ" الحديث، متفق عليه[4].

 

وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ"[5]، وفي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ"[6].

 

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة في الصحيحين وغيرهما.

 

وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه: "إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ"[7]، فالمراد به عند أهل العلم معظم الربا، وليس مراده - صلى الله عليه وسلم - كل أفراد الربا، للحديثين السابقين، وما جاء في معناهما من الأحاديث الصحيحة.

 

وقد علم أن المعاملات الربوية تجمع بين ربا الفضل وربا النسيئة، فإن المودع بالفائدة قد جمع هو وصاحب البنك بين الأمرين، وهما النسيئة والفائدة فباء بإثم المعاملتين، وأما كون المرابي الباذل للفائدة قد يكون محتاجًا فهذا ليس هو الموجب للتحريم وحده؛ بل قد جمع هذا العقد بين الربا وبين ظلم المعسر بتحميله الفائدة وقد عجز عن الأصل، وبذلك تكون المعاملة معه على هذا الوجه أعظم تحريمًا وأشد إثمًا؛ لأن الواجب إنظاره وعدم تحميله ما حرم الله من الربا.

 

وأما اشتراك الدائن والمدين في الانتفاع بالمعاملة الربوية، وأن كل واحد منهما يحصل منها على فائدة، فهذا الاشتراك لا ينقل المعاملة من التحريم إلى الحل، ولا يجعلها معاملة شرعية يباح فيها الربا؛ لأن الشارع الحكيم لم يلتفت إلى ذلك؛ بل حرم الفائدة تحريمًا مطلقًا، ونص على ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة، منها ما تقدم.

 

ولو كان انتفاع المدين بالفائدة يحلها لنصَّ عليه المولى سبحانه، وبينه في كتابه الكريم أو على لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم وقد قال الله عز وجل في سورة النحل: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]، وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُم شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ"[8].

 

ومعلوم أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - هو أفضل الرسل وأكملهم بلاغًا وأتمهم بيانًا، فلو كانت المعاملة بالفائدة المعينة جائزة، إذا كان المدين ينتفع بها لبينها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته، وأوضح لهم حكمها، فكيف وقد بين - صلى الله عليه وسلم - في صريح أحاديثه تحريمها والتحذير منها والوعيد على ذلك.

 

وقد علم أن السنة الصحيحة تفسر القرآن، وتدل على ما قد يخفى منه؛ كما قال تعالى: ﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، وقال عز وجل: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، وقال عز وجل: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64]. والآيات في هذا المعنى كثيرة.

 

وأما ما نقله عن الشيخ رشيد رضا في إجازته الربا في صندوق التوفير فهو غلط منه، ولا يجوز أن يعوَّل عليه والحجة قائمة عليه، وعلى غيره من كل من يحاول مخالفة النصوص برأيه واجتهاده.

 

وقد تقرر في الأصول أنه: لا رأي لأحد ولا اجتهاد لأحد مع وجود النص، وإنما محل الرأي والاجتهاد في المسائل التي لا نص فيها؛ فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر - إذا كان أهلًا للاجتهاد، واستفرغ وسعه في طلب الحق -؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ"، متفق على صحته من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه[9]، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله[10].

 

أما المسائل التي نص على حكمها القرآن الكريم، أو الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سنته؛ فليس لأحد أن يجتهد في مخالفة ما دل عليه النص؛ بل الواجب التمسك بالنص وتنفيذ مقتضاه بإجماع أهل العلم، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

رابعًا: ثم قال الكاتب الدكتور إبراهيم في نهاية البحث ما نصه: (وخلاصة البحث بعد هذه المقارنة الواضحة بين الربا الذي ورد تحريمه في القرآن الكريم، وبين المعاملات المصرفية؛ يتضح لنا أن المعاملات المصرفية تختلف تمامًا عن الأعمال الربوية التي حذر منها القرآن الكريم؛ لأنها معاملات جديدة لا تخضع في حكمها للنصوص القطعية التي وردت في القرآن الكريم بشأن حرمة الربا، ولهذا يجب علينا النظر إليها من خلال مصالح العباد وحاجاتهم المشروعة؛ اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إباحته بيع (السّلم)[11] رغم ما فيه من بيع غير موجود، وبيع ما ليس عند البائع، مما قد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأصل، وقد أجمع العلماء على أن إباحة (السّلم) كانت لحاجة الناس إليه.

 

وهكذا فقد اعتمد العلماء على (السّلم) وعلى أمثاله من نصوص الشريعة في إباحة الحاجات التي لا تتم مصالح الناس في معاشهم إلا بها).

 

والجواب أن يقال:

إن المعاملات المصرفية لا تختلف عن المعاملات الربوية التي جاء النص بتحريمها، والله سبحانه بعث نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الثقلين، وشرع لهم من الأحكام ما يعم أهل زمانه ومن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة، فيجب أن تعطى المعاملات الجديدة حكم المعاملات القديمة إذا استوت معها في المعنى، أما اختلاف الصور والألفاظ فلا قيمة له؛ إنما الاعتبار بالمعاني والمقاصد.

 

ومعلوم أن مقاصد المتأخرين في المعاملات الربوية من جنس مقاصد الأولين وإن تنوعت الصور، واختلفت الألفاظ، فالتفريق بين المعاملات الربوية القديمة والجديدة بسبب اختلاف الألفاظ والصور مع اتحاد المعنى والمقاصد تفريق باطل.

 

وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قول من قال يوم حنين: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؛ مثل قول بني إسرائيل لموسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138] [12]، ولم ينظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اختلاف الألفاظ لما اتحد المعنى.

 

وهكذا عاقب الله بني إسرائيل لما نصبوا الشباك يوم الجمعة ليصيدوا بها الصيد المحرم عليهم يوم السبت[13]، ولم يعذرهم بهذه الحيلة؛ مع أنهم لم يأخذوا الصيد من الشباك إلا يوم الأحد، وذلك لاتحاد المعنى، وإن اختلفت الوسيلة.

 

والأمثلة على هذا كثيرة في النصوص الشرعية.

 

وقد صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَت اليَهُودُ؛ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ الله بَأَدْنَى الحِيلِ!"[14].

 

وأما التشبيه (بالسّلم) فهو من باب المغالطة والتعلق بما لا ينفع؛ فإن إباحة (السّلم) من محاسن الشريعة الكاملة، وقد أباحه الله سبحانه لحاجة العباد إليه، وشرط فيه شروطًا تخرجه عن المعاملات المحرمة؛ فهو عقد على موصوف في الذمة بصفات تميزه وتبعده عن الجهالة والغرر، إلى أجل معلوم بثمن معجل في المجالس يشترك فيه البائع والمشتري في المصلحة المرتبطة على ذلك، فالبائع ينتفع بالثمن في تأمين حاجاته الحاضرة، والمشتري ينتفع بالمسَلَّم فيه عند حلوله؛ لأنه اشتراه بأقل من ثمنه عند الحلول، وذلك في الغالب، فحصل للمتعاملين في عقد (السّلم) الفائدة من دون ضرر ولا غرر ولا جهالة ولا ربا.

 

أما المعاملات الربوية فهي مشتملة على زيادة معينة نص الشارع على تحريمها في بيع جنس بجنسه نقدًا أو نسيئة، وجعله من أكبر الكبائر لما له سبحانه في ذلك من الحكمة البالغة، ولما للعباد في ذلك من المصالح العظيمة والعواقب الحميدة؛ التي منها سلامتهم من تراكم الديون عليهم، ومن تعطيلهم المشاريع النافعة والصناعات المفيدة اعتمادًا على فوائد الربا.

 

وأما زعم الكاتب إبراهيم: (أن المصارف والأعمال المصرفية حاجة من حاجات العباد لا تتم مصالح معاشهم إلا بها... الخ).

فهو زعم لا أساس له من الصحة، وقد تمت مصالح العباد في القرون الماضية قبل القرن الرابع عشر، وقبل وجود المصارف، ولم تتعطل حاجاتهم ولا مشاريعهم النافعة، وإنما يأتِ الخلل وتعطل المصالح من المعاملات المحرمة، وعدم قيام المجتمع بما يجب عليه في معاملة إخوانه من النصح والأمانة والصدق والبعد عن جميع المعاملات المشتملة على الربا، أو الغرر أو الخيانة أو الغش، والواقع بين الناس في سائر الدنيا يشهد بما ذكرنا.

 

ولا سبيل إلى انتعاش المصالح وتحقيق التعاون المفيد إلا بسلوك المسلك الشرعي المبني على الصدق والأمانة، والابتعاد عن الكذب والخيانة وسائر ما حرم الله على العباد في معاملاتهم؛ كما قال الله سبحانه في كتابه المبين: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

 

وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البيِّعانِ بِالخِيَارِ مَا لَم يَتَفَرَّقَا؛ فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعِهِما، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحقَت بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"، متفق على صحته[15]، وعن أبي سعيد رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ يدا بيد، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآخِذُ وَالمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ"، رواه أحمد والبخاري[16].

 

وعن جابر رضي الله عنه قال: "لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: آكِلَ اَلرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ"، رواه مسلم[17]، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بالوَرِقِ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والشعير بالشَّعيرِ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ"، متفق عليه[18].

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا"[19]، رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ؟"، فقَالُوا: بَلى يا رَسُولَ الله، قَالَ: "الإِشْراكُ بالله وَعُقوقُ الْوالِدَيْنِ"، وَكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقالَ: "أَلا وَقَوْلُ الزّورِ، ألا وشهادة الزور"، متفق عليه[20]، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

 

ولا يجوز لأحد من الناس أن يحلل ما حرم الله بالنص قياسًا على ما حلل الله بالنص، ومن حاول أن يحلل ما حرم الله من الربا قياسًا على ما أحل الله من السلم فقد أتى منكرًا عظيمًا، وقال على الله بغير علم، وفتح للناس باب شر عظيم وإفساد كبير، وإنما يجوز القياس عند أهل العلم القائلين به في المسائل الفرعية التي لا نص فيها إذا استوفى الشروط التي تلحق الفرع بالأصل، كما هو معلوم في محله.

 

وقد حرّم الله القول عليه بغير علم، وجعله في مرتبة فوق مرتبة الشرك، وبين عز وجل أن الشيطان يدعو إلى ذلك ويأمر به، كما يدعو إلى الفحشاء والمنكر، قال الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [البقرة: 282]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق علماءهم لبيان ما أوجب الله عليهم من أحكام شرعه، والدعوة إلى دينه، والتحذير مما يخالفه، وأن يكفيهم شر أنفسهم، وشر دعاة الباطل، وأن يوفق الكاتب إبراهيم للرجوع إلى الحق والتوبة مما صدر منه، وإعلان ذلك على الملأ؛ لعل الله يتوب عليه؛ كما قال عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168، 169].

 

ولا شك أن مقاله يحتاج إلى أكثر مما كتبت، ولكن أرجو أن يكون فيما بينته مقنعًا وكفاية لطالب الحق.

 

والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصل الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

 

من كتاب "رسالتان في القدر والربا ومقالات متنوعة" للمؤلف



[1] ومن الردود على بحث الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز الناصر:

1- دراسة لمقال الدكتور إبراهيم بن عبدالله الناصر موقف الشريعة الإسلامية من المصارف، للدكتور محمد بن أحمد الصالح، مجلة البحوث الإسلامية، تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، السعودية، العدد (18)، عام (1407هـ)، (ص137).

2- بل الفائدة المصرفية من ربا النسيئة، للدكتور شوقي أحمد دنيا، المصدر السابق (ص163).

[2] انظر: المصدر السابق (ص122).

[3] سيأتي ذكر بعض هذه الأحاديث.

[4] أخرجه البخاري برقم (2080)، ومسلم برقم (1595)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[5] أخرجه البخاري برقم (2177)، ومسلم برقم (1584)، (75).

[6] أخرجه مسلم برقم (1587)، (81).

[7] سبق تخريجه.

[8] جزء من حديث أخرجه مسلم برقم (1844).

[9] أخرجه البخاري برقم (7352)، ومسلم برقم (1716).

[10] سبق تخريجه بمثل الحديث السابق.

[11] بيع السلم هو بيع فيه تعجيل الثمن وتأخير السلعة، وقد أباحته الشريعة لحاجة البائع والمشتري، لكن يشترط فيه شروط تخفف من الغرر، وتحقق أكبر قدر يمكن من المصلحة، ودليله حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم. أخرجه البخاري برقم (2239)، ومسلم برقم (1604).

[12] لحديث أبي واقد الليثي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى خيبر مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم". أخرجه أحمد في المسند (5/218)، والترمذي برقم (2180)، والطبرانى (3/244)، رقم (3292)، وابن حبان (15/94)، رقم (6702). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق صحيح ابن حبان: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2180).

[13] يشير إلى قصه أصحاب السبت من بني إسرائيل التي ذكرها الله تعالى في قوله ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 163]، وانظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/291)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (7/304)، وغيرها من التفاسير.

[14] أخرجه ابن بطة في إبطال الحيل (ص40)، قال ابن كثير في تفسيره (2/267): أخرجه ابن بطة بإسناد جيد، وقال الألباني: إسناده جيد كما قال الحافظ ابن كثير، انظر: السلسلة الضعيفة للألباني برقم (416)، وآداب الزفاف له (ص104)، وإرواء الغليل له أيضًا (5/375).

[15] أخرجه البخاري برقم (3457)، ومسلم برقم (1532)، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.

[16] أخرجه البخاري برقم (2176)، ومسلم برقم (1584)، (82).

[17] أخرجه مسلم برقم (1598)، وأخرجه مسلم برقم (1597)، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما.

[18] أخرجه البخاري برقم (2134)، ومسلم برقم (1586).

[19] أخرجه مسلم برقم (101)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[20] أخرجه البخاري برقم (2511)، ومسلم برقم (87)، عن أبي بكرة رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرد الوارف على من أباح ربا البنوك والمصارف
  • مناقشة ما ورد عن ابن عباس بأن الربا خاص بربا النسيئة
  • رثاء العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز بن باز

مختارات من الشبكة

  • الرد على المخالف عقديا: رد ابن تيمية على أبي حامد الغزالي أنموذجا (WORD)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الرد على المخالف عقديا: رد ابن تيمية على أبي حامد الغزالي أنموذجا (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (9)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (8)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (7)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (6)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (5)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (4)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (3)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (2)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- الحمد لله
ilyas ahmed - الجزائر 26-05-2013 11:21 AM

الحمد لله على نعمة الإسلام

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب