• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ دبيان محمد الدبيان / بحوث ودراسات
علامة باركود

الماء الراكد إذا لاقته نجاسة فلم تغيره

الماء الراكد إذا لاقته نجاسة فلم تغيره
الشيخ دبيان محمد الدبيان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/9/2013 ميلادي - 4/11/1434 هجري

الزيارات: 57136

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الماء الراكد إذا لاقته نجاسة فلم تغيره


اختلف العلماء في الماء إذا لاقته نجاسة فلم تغيره:

فقيل: إذا كان الماء قليلاً، فإنه ينجس ولو لم يتغير، وإذا كان كثيرًا، فإنه لا ينجس إلا بالتغير، وهذا مذهب الحنفية[1]، والشافعية[2]، وقول في مذهب الحنابلة[3]، على خلاف بينهم في حد القليل والكثير[4].

 

وقيل: إن الماء لا ينجس إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة، وهذا مذهب مالك في رواية المدنيين عنه [5]، ورواية عن أحمد[6]، وإليه ذهب ابن المسيب، والحسن البصري[7]، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي[8]، واختاره ابن المنذر[9]، وابن تيمية [10]، وغيرهم.

 

وقيل: إن كانت النجاسة بول آدمي أو عذرته المائعة، فإنه ينجس ولو كان كثيرًا إلا أن يشق نزحه.

 

وإن كانت النجاسة غيرها، فإنه ينجس إذا كان دون القلتين، فإن كان قلتين فأكثر، لم ينجس إلا بالتغير، وهذا قول في مذهب الحنابلة[11].

 

دليل الحنفية على اعتبار الخلوص:

قالوا: إن الله - سبحانه وتعالى - حرم علينا الخبائث، ولم يفرِّق بين حال انفرادها واختلاطها بالماء، فإذا غلب على ظننا أن النجاسة تخلص إلى الطرف الآخر، فإن من استعمل الماء يكون قد استعمل النجاسة، واستعمال النجاسة لا يجوز، والأخذ بغلبة الظن طريق شرعي؛ فإن كثيرًا من الأحكام الشرعية مبنية على الظن، وليس على اليقين.

 

وأما الدليل على تقدير الخلوص بالحركة أو بالمساحة أو بغيرهما، فلا دليل خاص عليها، وإنما رأى بعض الحنفية أن غلبة الظن قد لا تنضبط، فاجتهدوا في تحديد مقدار الماء الذي تخلص النجاسة إلى طرفه الآخر، لكن الأصل هو غلبة الظن.

 

وأما الدليل على أن الماء القليل ينجس ولو لم يتغير، فهناك مجموعة أدلة، منها:

الدليل الأول:

(88) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبدالله بن عبدالله، عن ابن عمر، قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الماء يكون بأرض الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: ((إذا كان الماء قلتين، لم يحمل الخبث))[12].

 

[إسناده صحيح - إن شاء الله] [13].

 

وجه الاستدلال: من الحديث من وجهين:

الوجه الأول:

أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث))، مفهومه أنه إذا كان دون القلتين، فإنه يحمل الخبث.

 

الوجه الثاني:

لو كان الماء لا ينجس إلا بالتغير، لم يكن للتحديد بالقلتين فائدة؛ لأن الماء إذا تغير بالنجاسة نجس، ولو كان مائة قلة.

 

الدليل الثاني:

(89) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، قال: أخبرنا أبو الزناد، أن عبدالرحمن بن هرمز الأعرج حدثه، أنه سمع أبا هريرة، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)).

 

ولمسلم: ((ثم يغتسل منه)).

 

وجه الاستدلال:

أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن البول في الماء الدائم، وقد يتغير، وقد لا يتغير، ونهيه عن الاغتسال فيه دليل على أنه يؤثر فيه البول، ولم يشترط الرسول - صلى الله عليه وسلم - التغير.

 

الدليل الثالث:

(90) ما رواه مسلم، قال: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب)).

 

(91) ورواه مسلم من طريق علي بن مسهر، عن الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليرقه، ثم ليغسله سبع مرار))[14].

 

وجه الاستدلال:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب، وجعله طهارة لهذا الإناء، كما أمر بإراقة سؤره، ولم يفرق بين ما تغير وما لم يتغير، وهذا دليل على أن النجاسة تؤثر في الماء ولو لم يتغير الماء.

 

الدليل الرابع:

(92) ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي، قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد بن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))؛ وأخرجه البخاري دون قوله: ثلاثًا[15].

 

وجه الاستدلال:

قال النووي - رحمه الله -: نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غمس يده، وعلله بخشية النجاسة، ويعلم بالضرورة أن النجاسة التي قد تكون على يده وتخفى عليه لا تغير الماء، فلولا تنجسه بحلول نجاسة لم تغيره لم ينهه.

 

دليل من قال: لا ينجس الماء إلا بالتغير:

الدليل الأول:

قال -تعالى-: ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ الآية[16]، وهذا الماء الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغيره باقٍ على صفته التي خلقها الله عليها، لا في لونه، ولا في طعمه، ولا في رائحته، فكيف يحرم الوضوء منه، ونعدل إلى التيمم مع وجوده؟

 

الدليل الثاني:

قوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾[17]، فقد سمى الله الماء طهورًا، وهو إنما يكون طهورًا بصفته، فلا ينزع عنه اسم الطهورية حتى تنتفي عنه هذه الصفة بالتغير، فأخبر الله - سبحانه وتعالى - أن الماء طاهر في نفسه مطهر لغيره، فوجب ثبوت هذا الوصف له على كل حال، حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك، فإذا أطلق الله ذلك ولم يقيده بحال دون حال، فكل شيء خالطه من شيء نجس أو طاهر، ولم يغير ذلك المخالط له أحد أوصافه، بقي على أصله من الطهارة والتطهير، كان الماء قليلاً أو كثيرًا، إلا أنا نكره استعمال القليل منه الذي لا مادة له ولا أصل، مع كونه في الحكم طاهرًا.

 

الدليل الثالث:

(93) ما رواه أحمد، قال: ثنا عبدالصمد بن عبدالوارث، ثنا عبدالعزيز بن مسلم، قال: ثنا مطرف، عن خالد بن أبي نوف، عن سليط بن أيوب[18]، عن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ من بئر بضاعة، فقلت: يا رسول الله، توضأ منها وهي يلقى فيها ما يلقى من النتن؟ فقال: ((إن الماء لا ينجسه شيء))[19].

 

[صحيح بشواهده وسبق تخريجه].

 

وجه الاستدلال:

أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حكم أن الماء طهور لا ينجسه شيء، وهذا يشمل القليل والكثير، بقي ما تغير بالنجاسة، فإنه نجس بالإجماع، وما عداه فهو طهور.

 

الدليل الرابع:

الأصل في الماء أنه طهور، ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو قول صاحب لا مخالف له، والفرق بين الماء النجس والماء الطهور هو أنه يوجد في الماء النجس صفات يحكم من خلالها بنجاسته، فإذا لم يظهر في الماء أثر النجاسة؛ لا في لونه، ولا في طعمه، ولا في رائحته، فكيف نحكم عليه بأنه نجس؟[20].


الدليل الخامس:

معلوم أنه إذا استحال الشيء بالشيء حتى لا يرى له ظهور، يحكم له بالعدم، وعلى هذا فلو وقعت قطرة من لبن امرأة في ماء، فاستهلكت، وشربه الرضيع خمس رضعات فأكثر، لم تنتشر الحرمة، ولو كانت قطرة خمر فاستهلكت في الماء ألبتة، لم يجلد بشربه، فكذلك لو كانت قطرة بول لم تغير الماء يبقى الماء على أصله [21].

 

الدليل السادس:

(94) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، أن أبا هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوه، وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين))[22].

 

وجه الاستدلال:

قالوا: نعلم قطعًا أن بول الأعرابي باقٍ في موضعه، وإن صب عليه ذلك الماء، وإنما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بطهارة ذلك الموضع؛ لغلبة الماء له، واستغراقه عليه، واستهلاك أجزائه لأجزاء البول لغلبته عليه.

 

وقال الباجي: وهو حجة على أبي حنيفة والشافعي وغيرهما، في قولهم: إن قليل الماء ينجسه قليل النجاسة، وإن لم تغيره، وهذا مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أرفع المواضع التي يجب تطهيرها، وقد حكم النبي فيه - صلى الله عليه وسلم - بصب دلو من ماء على ما نجس بالبول، ولا معنى له إلا تطهيره للمصلين فيه[23].

 

قلت: ولا ينفكون منه بالتفريق بين ورود النجاسة على الماء، وورود الماء على النجاسة؛ لأن هذا التفريق لم يقم عليه دليل، وسيأتي بحثه - إن شاء الله تعالى.

 

الجواب عن الأدلة السابقة:

أما الجواب عن حديث القلتين، فمن وجهين:

الوجه الأول: أن يقال: عندنا منطوق ومفهوم، والمنطوق مقدم على المفهوم.

 

فحديث: "الماء طهور لا ينجسه شيء" منطوقه يشمل القليل والكثير.

 

وحديث: "إذا بلغ الماء قلتين، لم يحمل الخبث" منطوقه موافق لحديث: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء"؛ لأن منطوقه أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء.

 

ومفهومه: أن الماء إذا كان دون القلتين فإنه ينجس، وهذا المفهوم معارض لمنطوق حديث أبي سعيد، فيقدم المنطوق على المفهوم، فنأخذ من حديث القلتين منطوقه فقط، ولا نأخذ مفهومه؛ لأنه يعارض منطوق حديث أبي سعيد.

 

قال ابن المنذر في الأوسط للتدليل على هذه القاعدة: ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ﴾ الآية[24]، فأمر بالمحافظة على الصلوات، والصلوات داخلة في جملة قوله: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ﴾[25]، ثم خص الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها، فقال: ﴿ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾[26]، فلم تكن خصوصية الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها مخرجًا سائر الصلوات من الأمر العام الذي أمر بالمحافظة على الصلوات" اهـ [27].

 

فكأن ابن المنذر يقول مفهوم ﴿ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾[28] الآية، لم يؤخذ ويعارض به منطوق ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ﴾.

 

أو نقول بتعبير آخر: إذا ذكر عموم، ثم ذكر فرد من أفراد العموم يوافق العموم في الحكم، فإن هذا الفرد لا يعتبر مخصصًا ولا مقيدًا للعموم.

 

مثال ذلك: إذا قلنا: أكرم طلبة العلم، فهذا لفظ يفيد عموم الطلبة، ثم قلنا: أكرم زيدًا، وكان زيد من طلبة العلم، فإنه لا يفهم منه تخصيص الإكرام لزيد وحده.

 

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" هذا عام يشمل القليل والكثير، ثم أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحديث القلتين، أن الماء الكثير لا ينجس، فهو فرد من أفراد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء طهور لا ينجسه شيء"، فلا يقتضي تخصيصه ولا تقييده.

 

الوجه الثاني: أن يقال: إن الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعطي حكمًا أغلبيًّا وليس حكمًا مطردًا، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث ابن عمر: "إذا كان الماء قلتين، لم يحمل الخبث"، هل معنى ذلك أنه لا ينجس أبدًا؟

الجواب: لا؛ إذ لو تغير بالنجاسة، لنجس إجماعًا، ولكن معنى لم يحمل الخبث؛ أي: غالبًا لا يتغير بالنجاسة.

 

ومفهومه: إذا كان دون القلتين، فإنه يحمل الخبث؛ أي: في الغالب أيضًا، وليس مطلقًا، وكيف نعرف أنه حمل الخبث أو لم يحمل؟

الجواب: نعرف ذلك بالتغير، فالغالب أن الماء إذا كان دون القلتين أنه يتغير بالنجاسة، فإن لم يتغير عرفنا أنه لم يحمل الخبث.

 

فإذا كان منطوق الحديث يحمل على الغالب بالإجماع، فكذلك مفهوم الحديث ينبغي أن يحمل على الغالب من باب أولى؛ لأن المفهوم أضعف من المنطوق[29].

 

أما الجواب عن حديث "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" واستدلالهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نهى عن الاغتسال في الماء الدائم بعد البول فيه إلا لأنه يتنجس بذلك، فالجواب عن ذلك:

أولاً: أن النهي عن الاغتسال فيه لا يدل على أنه تنجس، ألا ترى أن الجنب قد نهي عن الاغتسال في الماء الدائم مع أن بدنه طاهر كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المؤمن لا ينجس))؛ متفق عليه، ومع ذلك لو انغمس في الماء الدائم، فإنكم لا تقولون بنجاسته، كما هو مذهب الحنابلة والشافعية، ورواية في مذهب الحنفية.

 

ثانيًا: لم يتعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحكم الماء، ولم يقل: إنه أصبح نجسًا بمجرد البول فيه، فالحديث ليس فيه إلا النهي عن البول في الماء الدائم وعن الاغتسال فيه.

 

ثالثًا: أن الماء الدائم يشمل ما فوق القلتين وما دون القلتين، وما يشق نزحه وما لا يشق، وما يتحرك آخره بتحرك طرف منه وما لا يتحرك.

 

قال ابن القيم:

"إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البول في الماء الدائم، ثم يغتسل البائل فيه، هكذا لفظ الصحيحين: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه))، وأنتم تجوزون أن يغتسل في ماء دائم قدر القلتين بعد ما بال فيه، وهذا خلاف صريح للحديث.

 

فيقال لصاحب القلتين: أتجوز بوله في الماء فيما فوق القلتين؟

إنْ جوَّزته، فقد خالفت ظاهر النص، وإن منعته، فقد نقضت دليلك.

 

وكذلك يقال لمن حده بمشقة النزح أو التحريك.

 

أما تفريق الظاهرية - رحمهم الله - فإنه غريب جدًّا، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البول في الماء الدائم، مع أنه قد يحتاج إليه، فلأن ينهى عن البول في إناء ثم يصبه فيه بطريق الأولى. ولا يستريب في هذا من علم حكمة الشريعة وما اشتملت عليه من مصالح العباد ونصائحهم، والظاهرية البحتة تقسي القلوب، وتحجبها عن رؤية محاسن الشريعة وبهجتها، وما أودعته من الحكم والنصائح والعدل والرحمة [30].

 

وعلق النووي على هذا المذهب، فقال: "وهذا مذهب عجيب وفي غاية الفساد، فهو أشنع ما نقل عنه إن صح عنه - رحمه الله - وفساده مغنٍ عن الاحتجاج عليه؛ ولهذا أعرض جماعة من أصحابنا المعتنين بذكر الخلاف عن الرد عليه بعد حكايتهم مذهبه، وقالوا: فساده مغنٍ عن إفساده، وقد خرق الإجماع في قوله "في الغائط" إذ لم يفرق أحد بينه وبين البول، ثم تفريقه بين البول في نفس الماء، والبول في إناء ثم يصب في الماء - من أعجب الأشياء".

 

حتى قال - رحمه الله -: وفي الصحيح: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله))، فلو أمر غيره فغسله، إن قال داود: لا يطهر لكونه ما غسله هو، خرق الإجماع، وإن قال: يطهر، فقد نظر إلى المعنى وناقض، والله أعلم[31].

 

فإن قيل: ما الحكمة إذًا من النهي عن البول في الماء الدائم؟

فالجواب:

أولاً: سدًّا للذريعة؛ لأنه قد يفضي الإذن بالبول فيه إلى تنجسه، وليس مجرد البول فيه ينجسه، ولكن إذا تكاثر البول في الماء الدائم قد يتنجس، فمُنع سدًّا للذريعة.

 

ثانيًا: لأن الطباع مجبولة على كراهية استعمال الماء الدائم الذي يبال فيه؛ ولذلك نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجنب عن الاغتسال فيه، وإن كان بدن الجنب طاهرًا، فيكون النهي من أجل استقذار النفس له.

 

ثالثًا: أن البول في الماء الدائم، ثم استعماله بعد ذلك - قد يصيب الإنسان بنوع من الوساوس، هل استعمل البول باستعمال الماء أم لا؟ فأحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقطع وساوس الشيطان، فنهى عن البول في الماء الدائم، لا أن مجرد البول القليل يكفي لتنجيسه، والله أعلم [32].

 

أما الجواب عن حديث الولوغ، فيمكن أن يجاب بأحد جوابين:

أولاً: زيادة "فليرقه" زيادة شاذة [33].

 

ومع الحكم بشذوذ "فليرقه"، إلا أن المعنى يقتضي تنجس الماء ولو لم يتغير؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بغسل الإناء، وجعل ذلك طهارة للإناء.

 

(95) فقد روى مسلم من طريق ابن سيرين وهمام بن منبه، كلاهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب))[34].

 

ومعلوم أن نجاسة الإناء إنما جاءت من نجاسة الماء؛ لأن الولوغ إنما وقع على الماء، فتنجس الإناء لنجاسة الماء؛ ولأن النجاسة لو كانت للإناء وحده، لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يغسل من الإناء جهة الولوغ فقط، فلما أمر بغسل الإناء كله، علم أن النجاسة إنما سرت عن طريق الماء المتنجس. فإن قال قائل: إذًا كيف حكمتم على الأمر بالإراقة بالشذوذ؟

فالجواب: لا يلزم من الحكم بنجاسة الماء الحكم بوجوب إراقته؛ لأن الماء إذا تنجس لا يكون نجس العين؛ إذ يمكن تطهيره، وإذا أمكن تطهيره أمكن الانتفاع به، بخلاف ما إذا أوجبنا إراقته.

 

ولا يعني ذلك إذا حكمنا بنجاسة الماء أن نقول بنجاسة كل ماء قليل حلت فيه نجاسة ولو لم يتغير؛ لأن الكلاب خصت ببعض الأحكام من دون سائر النجاسات، فمنها التسبيع، ومنها التتريب، فلا يقاس الأخف على الأغلظ.

 

على أنه قد يقال: لا نسلم عدم التغير؛ لأن لعاب الكلب له لزوجة قد لا تتحلل في الماء فتظهر على شيء منه، فيكون هذا نوعًا من تغير الماء عن طبيعته بالنجاسة، فينجس، والله أعلم.

 

وسوف تأتي أقوال العلماء في نجاسة الكلب وكيفية التطهر منه - إن شاء الله تعالى.

 

أما الجواب عن حديث النهي عن غمس اليد في الماء، فقد استدل به من الحنابلة ابن قدامة[35]، واستدل به من الشافعية النووي على نجاسة الماء اليسير إذا لاقى النجاسة ولو لم يتغير، قال النووي: "فنهاه - صلى الله عليه وسلم - عن غمس يده، وعلله بخشية النجاسة، ويعلم بالضرورة أن النجاسة التي تكون على يده، وتخفى عليه لا تغير الماء، فلولا تنجسه بحلول نجاسة لم تغيره، لم ينهه"[36]. اهـ.

 

وكيف يستدل به الحنابلة - رحمهم الله - وهم يرون أن العلة في النهي تعبدية، وأن الماء يكون طاهرًا عندهم غير مطهر: لا طهور ولا نجس؟ وكيف يستدل به الشافعية، وهم يرون أن غمس القائم من نوم الليل يده في الماء غاية ما فيه أنه مكروه، ويصح التطهر منه؟ فكيف صح دليلاً لهم في هذه المسألة، وهم لا يرون أبدًا نجاسة الماء إذا غمس النائم فيه يده؟ فهذا نوع من التناقض - والله أعلم - وكما بينت سابقًا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يتعرض لحكم الماء، إنما نهى النائم عن غمس يده، ولو غمسها كان آثمًا إذا كان عالمًا بالنهي، والماء طهور، والله أعلم.

 

فالراجح من الخلاف: أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وهذه المسألة أطلت فيها البسط؛ لأنها من المسائل الشائكة، قال ابن القيم عن هذه المسألة: هنا معترك النزال وتلاطم الأمواج، وهي مسألة الماء والمائع إذا خالطته النجاسة فاستهلكت، ولم يظهر لها فيه أثر ألبتة[37]. وقال الشوكاني: وهذا المقام من المضايق التي لا يهتدي إلى ما هو صواب فيها إلا الأفراد [38]. اهـ

 

فلا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.



[1] شرح فتح القدير (1/70)، تبيين الحقائق (1/21).

[2] حاشية البجيرمي (1/27)، الأم (1/18)، أسنى المطالب (1/14)، المجموع (1/162)، المهذب (1/6).

[3] الكافي (1/8) كشاف القناع (1/38)، المغني (1/31).

[4] اختلف الحنفية والشافعية في مقدار الماء القليل والماء الكثير، مع اتفاقهم أن الماء القليل ينجس ولو لم يتغير بخلاف الماء الكثير:

فمذهب الحنفية في حد الماء القليل هو أن ينظر، فإن كانت النجاسة تخلص إلى الطرف الآخر، لم يتوضأ منه، وإن كانت لا تخلص إلى طرفه الآخر، توضأ من الطرف الآخر، وكيف نعرف أن النجاسة تخلص إلى الجانب الآخر؟ على أقوال عندهم، منها:

الأول: أن الرد إلى رأي المبتلى به، فإن غلب على ظنه وصول النجاسة إلى الجانب الآخر، لم يتوضأ به، وإلا توضأ به، وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - وقد رجحه ابن نجيم في البحر الرائق (1/78، 79)، قال: وممن نص على أنه ظاهر المذهب شمس الأئمة السرخسي في المبسوط. وجاء في البناية في التحديد قال: "إن غلب على الظن وصول النجاسة إلى الجانب الآخر، فهو نجس، وإن غلب عدم وصولها، فهو طاهر"، وقال عنه: "هذا هو الأصح، وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة".

القول الثاني: قالوا: يعتبر الخلوص بالحركة، فإن كان إذا حرك أحد طرفيه، تحرك الطرف الآخر، تنجس ولو لم يتغير، وإن كان لا يتحرك الطرف الآخر، فلا ينجس إلا بالتغير، واختلفوا في نوع الحركة:

فقيل: المعتبر حركة المغتسل، وهذا اختيار أبي يوسف، ومحمد في رواية؛ لأن الغالب في الحياض الاغتسال منها، وأما الوضوء فإنما يكون في البيوت.

وقيل: بحركة المتوضئ، وهو مروي عن أبي حنيفة.

وقيل: المعتبر حركة اليد من غير وضوء ولا اغتسال.

القول الثالث: قدره بالمساحة، على اختلاف بينهم اختلافًا كثيرًا، أشهرها عشرة أذرع في عشرة أذرع.

القول الرابع: قالوا: يوضع في الماء صبغ، فحيثما وصل الصبغ اعتبر وصول النجاسة.

ومنهم من اعتبر التكدر.

وأما مذهب الشافعية في حد القليل من الكثير، فجعلوا التقدير بالقلتين، فإذا بلغ الماء قلتين، فهو كثير، لا ينجس إلا بالتغير، وإن كان دون القلتين، نجس ولو لم يتغير، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.

وأما المالكية، فيقدرون القليل بآنية الوضوء ونحوها.

انظر في مذهب الحنفية: بدائع الصنائع (1/71)، شرح فتح القدير (1/79)، البناية (1/330 - 334)، المبسوط (1/87)، المبسوط للشيباني (1/50)، البحر الرائق (1/78).

وانظر في مذهب الشافعية: الأم (1/18)، أسنى المطالب (1/14)، المهذب (1/6).

[5] المدونة (1/132)، ورجحه ابن عبدالبر في التمهيد (1/327)، والاستذكار (2/103)، الخرشي (1/76، 81)، وقال ابن رشد في بداية المجتهد (1/249): "ويتحصل عن مالك في الماء اليسير تقع فيه النجاسة ثلاثة أقوال، قول: إن النجاسة تفسده، وقول: إنها لا تفسده إلا أن يتغير أحد أوصافه، وقول: إنه مكروه".

[6] المغني (1/31)، المحرر (1/2).

[7] الأوسط (1/266)، المجموع (1/163).

[8] انظر المرجعين السابقين.

[9] الأوسط (1/267-272).

[10] مجموع فتاوى (21/30).

[11] التفريق بين بول الآدمي وعذرته، وبين سائر النجاسات، فالأول إذا وقع في الماء فإنه ينجس الماء الكثير ولو لم يتغير إلا أن يشق نزحه، والثاني إذا وقع في الماء تنجس ما كان دون القلتين فقط، هذا مذهب المتقدمين من الحنابلة، أما مذهب المتأخرين فلا فرق عندهم بين البول والعذرة، وبين سائر النجاسات، فإذا وقعت في ماء قليل دون القلتين، نجس ولو لم يتغير، وإذا وقعت في ماء كثير، لم ينجس الماء إلا بالتغير. انظر الإنصاف (1/60)، الفروع (1/85)، كشاف القناع (1/38)، المبدع (1/57)، الكافي (1/8)، المحرر (1/2)، المغني (1/31).

[12] المصنف (1/133) رقم 1526.

[13] الحديث قد ضعف بأمور، منها:

أولاً: الاضطراب في السند.

ثانيًا: الاضطراب في المتن.

ثالثًا: الشذوذ.

رابعًا: كونه موقوفًا.

خامسًا: الجهل بمقدار القلة.

أما الجواب عن اضطراب السند، فالحديث أخرجه ابن أبي شيبة (1/133) وأبو داود (63)، والنسائي في الكبرى (50)، وفي الصغرى (52)، وابن الجارود في المنتقى (45)، وعبد بن حميد في المسند كما في المنتخب (817)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/15)، والدارقطني (1/14، 15)، وابن حبان (1249)، والحاكم في المستدرك (1/132)، والبيهقي في السنن (1/260، 261) وفي المعرفة (2/85)، وفي الخلافيات (3/146)، وابن الجوزي في التحقيق (1/34)، من طرق كثيرة، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبدالله - المكبر - بن عبدالله بن عمر عن أبيه.

وإسناده صحيح.

وأخرجه النسائي (328)، والدارمي (732)، وابن خزيمة (1/49)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/15) وفي مشكل الآثار (3/266)، وابن حبان في الصحيح من طريق أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيدالله - المصغر - بن عبدالله بن عمر عن أبيه. وهذا إسناد صحيح أيضًا.

وتابع عباد بن صهيب أبا أسامة، فرواه الدارقطني (1/18-19) ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (3/165-166) فرواه عن الوليد بن كثير به، بذكر عبيدالله - المصغر - إلا أن عباد بن صهيب مجروح، جاء في ترجمته:

قال علي بن المديني: عباد بن صهيب ذهب حديثه. الجرح والتعديل (6/81).

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: تركنا حديث عباد بن صهيب قبل أن يموت بعشرين سنة. المرجع السابق.

وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، منكر الحديث، ترك حديثه. المرجع السابق.

وبناءً على ما سبق يتضح لنا من الإسنادين، أنه قد اختلف على محمد بن جعفر بن الزبير فيه؛ فتارة يرويه أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبدالله - المكبر - عن أبيه.

وتارة يرويه أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيدالله - المصغر - عن أبيه، وقد توبع الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر عن عبيدالله - المصغر - عن أبيه.

تابعه محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر به.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/133)، وأحمد (2/12، 27)، أبو داود (64)، والترمذي (67)، وابن ماجه (517)، والدارمي (731)، وأبو يعلى في المسند (5590)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/15، 16)، والدارقطني (1/19، 21) والحاكم في المستدرك (1/133، 134)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/26، 261)، وابن الجوزي في التحقيق (1/33)، وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث عند جماعة من المذكورين؛ فانتفت شبهة التدليس.

وهذا إسناد حسن؛ من أجل محمد بن إسحاق، فإنه صدوق يدلس.

وأخرج الحديث أبو داود (63)، وابن الجارود في المنتقى (44)، وابن حبان (1253)، والدارقطني (1/15، 16، 17)، والحاكم (1/133)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/260)، من طريق أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله - المكبر - بن عبدالله بن عمر، عن أبيه.

وبناء عليه؛ فيكون الحديث قد اختلف فيه على الوليد بن كثير، فصار تارة يرويه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وتارة يرويه عن محمد بن عباد بن جعفر، ومحمد بن عباد لا يرويه إلا عن عبدالله - المكبر - عن أبيه، بينما محمد بن جعفر بن الزبير تارة يرويه عن عبدالله، وتارة يرويه عن عبيدالله.

ووقف العلماء من هذا ثلاثة مواقف:

الموقف الأول: بعضهم حكم عليه بالاضطراب في سنده، وبالتالي ضعف الحديث:

منهم: الإمام عبدالله بن المبارك كما في الأوسط (1/271).

وابن عبدالبر كما في التمهيد (1/335)، والاستذكار (1/204).

وابن العربي كما في القبس (1/130)، والعارضة (1/84)، وأحكام القرآن (3/..).

وابن القيم كما في تهذيب السنن (1/62).

الموقف الثاني: الترجيح بين هذه الطرق، وممن سلك مسلك الترجيح أبو داود في سننه وأبو حاتم وابن منده.

فرجح أبو داود طريق محمد بن عباد، فقال - رحمه الله - (63): حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي وغيرهم قالوا: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه، وساق الحديث.

قال أبو داود: هذا لفظ ابن العلاء، وقال عثمان والحسن بن علي عن محمد بن عباد بن جعفر، وهو الصواب. اهـ

ورجح أبو حاتم وابن منده رواية محمد بن جعفر بن الزبير.

جاء في العلل (1 رقم 96) قال ابن أبي حاتم: "قال أبي: محمد بن عباد بن جعفر ثقة، ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة، ولمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه".

وقال ابن منده فيما نقله عنه الزيلعي في نصب الراية (1/106) "واختلف على أبي أسامة، فروي عنه، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر. وقال مرة: عن محمد بن جعفر بن الزبير، وهو الصواب؛ لأن عيسى بن يونس رواه عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل فذكره". اهـ.

الموقف الثالث: من رجح الجمع بين هذه الطرق، وهو الصواب، فقد أخرج الدارقطني (1/18)، والحاكم (1/133)، والبيهقي (1/260، 261) من طريق علي بن عبدالله بن مبشر الواسطي.

وأخرجه الدارقطني (1/18) ومن طريقه البيقهي في السنن (1/260) والخلافيات (3/157) من طريق ابن سعدان، كلاهما عن شعيب بن أيوب، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر ومحمد بن عباد، عن عبدالله - المكبر - بن عبدالله بن عمر عن أبيه.

قال الدارقطني (1/17): فلما اختلف على أبي أسامة في إسناده، أحببنا أن نعلم من أتى بالصواب، فنظرنا في ذلك فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعًا، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ثم اتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر، فصح القولان جميعًا عن أبي أسامة، وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وعن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه. فكان أبو أسامة مرة يحدث به عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومرة يحدث به عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر. والله أعلم. اهـ

وقال الحاكم (1/133): قد صح وثبت بهذه الرواية صحة الحديث، وظهر أن أبا أسامة ساق الحديث عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا، فإن شعيب بن أيوب ثقة مأمون، وكذلك الطريق إليه، وقد تابع الوليد بن كثير على روايته عن محمد بن جعفر بن الزبير تابعه محمد بن إسحاق بن يسار القرشي. اهـ

وصححه العلائي في جزئه (ص: 35)، وقال: نعلم بهذا أن الراوي الواحد إذا كان ضابطًا متقنًا، وروى الحديث على الوجهين المختلفين أن كلاًّ منهما صحيح. اهـ

كما صححه على الوجهين عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/154-155).

وقال الحافظ في تلخيص الحبير (1/17): "والجواب أن هذا ليس اضطرابًا قادحًا فيه، فإنه على تقدير أن يكون الجميع محفوظًا، انتقال من ثقة إلى ثقة، وعند التحقيق فالصواب أنه: عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله بن عبدالله ابن عمر - المكبر.

وعن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر - المصغر.

ومن رواه على غير هذا الوجه، فقد وهم.

قلت: لم أدرِ لِمَ لم يعتمد الحافظ رواية محمد بن جعفر بن الزبير عن عبدالله - المكبر - واعتبرها وهمًا؟

فقد أخرج الحديث كما سبق: ابن أبي شيبة (1/133)، وأبو داود (63) وابن الجارود في المنتقى (45)، والدارقطني (1/14، 15)، وابن حبان (1249)، والبيهقي (1/260/261) من طرق عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر، عن عبدالله - المكبر - عن أبيه.

ولهذا قال أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي ( 1/99) متعقبًا كلام الحافظ: "وما قاله الحافظ من التحقيق غير جيد، والذي يظهر من تتبع الروايات أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وعن محمد بن عباد بن جعفر، وأنهما كلاهما روياه عن عبدالله وعبيدالله ابني عبدالله بن عمر عن أبيهما".

وهذا الكلام من العلامة أحمد شاكر جيد، إلا أن محمد بن جعفر بن الزبير هو الذي روى الحديث عن ابني عبدالله بن عمر عن أبيهما، وأما محمد بن عباد، فلم يروه إلا عن عبدالله المكبر فقط. والله أعلم. وبهذا يندفع الاضطراب في السند.

الجواب عن اضطراب المتن:

أعله قوم باضطراب المتن، انظر تهذيب السنن (1/62)، فقال بعضهم: روي إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثًا على الشك، وروي إذا بلغ الماء قلتين بلا شك، وروي إذا بلغ الماء أربعين قلة.

والجواب على ذلك أن يقال: إن رواية الشك مدارها على حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان الماء قلتين أو ثلاثًا لم ينجسه شيء".

وقد اختلف على حماد فيه، فرواه عنه جماعة بالشك، منهم:

1- وكيع عند ابن ماجه (518) وأحمد (2/23).

2- عفان بن مسلم عند الإمام أحمد (2/107)، وروي عنه بدون شك كما سيأتي.

3- زيد بن الحباب عند أبي عبيد بن القاسم بن سلام في كتاب الطهور (ص:226).

4- يزيد بن هارون عند الدارقطني (1/22).

5- إبراهيم بن الحجاج عند الدارقطني (1/22) والبيهقي (1/262).

6- هدبة بن خالد عند الدارقطني (1/22) والبيهقي (1/262).

7- كامل بن طلحة عند الدارقطني (1/22).

8- أبو الوليد الطيالسي، كما في المنتخب من مسند عبد بن حميد (818).

وخالفهم جماعة من أصحاب حماد فرووه عنه بدون شك، منهم:

1- موسى بن إسماعيل عند أبي داود (65)، والدارقطني (1/23)، والبيهقي (1/262).

2- عفان بن مسلم عند ابن الجارود في المنتقى (46)، والدارقطني (1/23)، وروي عنه بالشك كما سبق.

3- يعقوب بن إسحاق الحضرمي عند الدارقطني (1/23).

4- العلاء بن عبدالجبار المكي، عند الدارقطني (1/23).

5- عبيدالله بن محمد العيشي عند الدارقطني (1/23)، والبيهقي (1/261).

6- الطيالسي كما في مسنده (1954).

7- يزيد بن هارون عند الدارقطني في السنن (1/22).

8- يحيى بن حسان عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/16).

وهذا الشك والاختلاف لعله من قبل حماد بن سلمة. قال عنه الحافظ (1499): ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخرة.

والرواية التي بدون شك أرجح؛ لموافقتها رواية الجماعة.

قال البيهقي - رحمه الله - (1/162): "ورواية الجماعة الذين لم يشكوا أولى".

وأما رواية أربعين قلة، فجاءت من حديث جابر مرفوعًا، أخرجها ابن عدي في الكامل (6/34) ومن طريقه الدارقطني (1/26)، والبيهقي (1/262)، من طريق القاسم بن عبدالله العمري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بلغ الماء أربعين قلة لا يحمل الخبث".

والقاسم بن عبدالله العمري، قال فيه أحمد: ليس بشيء؛ كان يكذب ويضع الحديث.

وقال يحيى: ليس بشيء. وقال مرة: كذاب.

وقال أبو حاتم والنسائي: متروك.

وقال الدارقطني: ضعيف.

وقال البخاري: سكتوا عنه.

وقال أبو زرعة: لا يساوي شيئًا، متروك الحديث، منكر الحديث.

وقال ابن المديني: ليس بشيء.

وقال الدارقطني (1/26، 27): "كذا رواه القاسم العمري، عن ابن المنكدر، عن جابر، ووهم في إسناده، وكان ضعيفًا كثير الخطأ، وخالفه دوح بن القاسم، وسفيان الثوري، ومعمر بن راشد، رووه عن محمد بن المنكدر، عن عبدالله بن عمرو موقوفًا.

ورواه أيوب السختياني، عن ابن المنكدر من قوله، لم يجاوزه.

وجاء عن أبي هريرة موقوفًا عليه عند الدارقطني (1/27)، وأبي عبيد القاسم بن سلام في كتاب الطهور (ص231)، من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان بن سنان، عن عبدالرحمن بن أبي هريرة، عن أبيه: إذا بلغ الماء أربعين قلة لم يحمل خبثًا.

وهذا مع كونه موقوفًا على أبي هريرة، ففي إسناده ابن لهيعة، وقد خالفه غير واحد.

قال الدارقطني: وخالفه غير واحد، رووه عن أبي هريرة فقالوا: أربعين غربًا، ومنهم من قال: أربعين دلوًا.

وعلى هذا، فلا يمكن أن يقال باضطراب متنه؛ لأنه روي أربعين قلة حيث تبين أن المرفوع في إسناده القاسم العمري متهم بالكذب، وأما الموقوف على الصحابة، فإنه مع ضعفه، لا يعارض المرفوع من حديث ابن عمر وقد جاء بسند رجاله رجال الصحيح، وهذا ما يمكن أن يقال جوابًا على من ادعى اضطراب المتن، والله أعلم.

وأما الجواب عن قولهم بأنه شاذ، فقال ابن القيم في تهذيب السنن (1/62): "لا يلزم من مجرد صحة السند صحة الحديث، ما لم ينتف عنه الشذوذ والعلة، ولم ينتفيا عن هذا الحديث.

أما الشذوذ، فإن هذا الحديث فاصل بين الحلال والحرام، والطاهر والنجس، وهو في المياه كالأوسق في الزكاة، والنُّصُب في الزكاة، فكيف لا يكون مشهورًا شائعًا بين الصحابة، ينقله خلف عن سلف؟ لشدة حاجة الأمة إليه؛ فإن حاجتهم إليه أعظم من حاجتهم إلى نصب الزكاة؛ لأن أكثر الناس لا تجب عليهم الزكاة، والوضوء بالماء الطاهر فرض على كل مسلم، فيكون الواجب نقل هذا الحديث كنقل نجاسة البول، ووجوب غسله، ونقل عدد الركعات ونظائر ذلك.

ومن المعلوم أن هذا لم يروه غير ابن عمر، ولا عن ابن عمر غير عبيدالله وعبدالله، فأين نافع، وسالم، وأيوب، وسعيد بن جبير؟ وأين أهل المدينة وعلماؤهم عن هذه السنة التي مخرجها من عندهم، وهم إليها أحوج الخلق؛ لعزة الماء عندهم؟ ومن البعيد جدًّا أن تكون هذه السنة عند ابن عمر، وتخفى على علماء أصحابه وأهل بلدته، ولا يذهب إليها أحد منهم، ولا يروونها ويديرونها بينهم. ومن أنصف لم يخف عليه امتناع هذا، فلو كانت هذه السنة العظيمة المقدار عند ابن عمر، لكان أصحابه وأهل المدينة أقول الناس بها، وأرواهم لها، فأي شذوذ أبلغ من هذا؟ وحيث لم يقل بهذا التحديد أحد من أصحاب ابن عمر، علم أنه لم يكن فيه سنة من النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا وجه شذوذه.اهـ

والجواب عن ذلك:

أولاً: فهم ابن القيم - رحمه الله - أنه يلزم من تصحيح الحديث، القول بنجاسة الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة، ولو لم تغيره، عملاً بمفهوم هذا الحديث، فأطنب - رحمه الله - في بيان أن هذا لو كان صحيحًا، لكانت الأمة في حاجته أكثر من حاجتها لبيان أنصباء الزكاة... إلخ كلامه المتقدم. ولا يلزم من تصحيح الحديث القول بمفهومه على ما سيأتي بيانه، ومنطوق حديث القلتين موافق لمنطوق حديث أبي سعيد الخدري: "الماء طهور لا ينجسه شيء".

ثانيًا: أن قوله - رحمه الله -: إن هذا الحديث لم يروه إلا ابن عمر، ولا عن ابن عمر غير عبيدالله وعبدالله، فأين نافع وسالم وأيوب وسعيد بن جبير؟

فالجواب عليه أن يقال: إن حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) قد قال فيه علماء الإسلام كما في الفتح (1/17): إنه ثلث الإسلام، منهم: عبدالرحمن بن مهدي، والشافعي، فيما نقله البويطي عنه، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، وحمزة الكناني، ومع ذلك فقد تفرد به عمر بن الخطاب، ولم يروه عنه إلا علقمة بن وقاص، ولم يروه عن علقة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنصاري.

وقد قاله عمر بن الخطاب على المنبر، وبحضور جمع كبير، ومع دواعي نقله، والحاجة إليه، لم ينقله أحد إلا علقمة، ولم يضر تفرده بذلك.

فهذا ما يمكن أن يجاب عن دعوى الشذوذ، والله أعلم، على أن أصحاب ابن عمر قد أخذوا بالحديث كسعيد بن جبير كما في الأوسط (1/261)، ومجموع الفتاوى (21/35)، المجموع (1/162)، والمغني. وأفتى به مجاهد كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/133)، وكتاب الطهور لأبي عبيد (ص: 230)، ولعل ابن القيم لم يطلع على هذا.

وأما الجواب عن إعلاله بالوقف، فقد ضعف جماعة رفع الحديث؛ لأن مجاهدًا، قد رواه موقوفًا على ابن عمر.

قال ابن القيم: رجح شيخا الإسلام: أبو الحجاج المزي، وأبو العباس بن تيمية وقفه، ورجح البيهقي وقفه من طريق مجاهد وجعله هو الصواب، انظر تهذيب السنن (1/62)، ومجموع الفتاوى (21/35).

فقد أخرج الدارقطني (1/23)، والبيهقي (1/262) من طريق معاوية بن عمرو، قال: نا زائدة بن قدامة، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر موقوفًا: إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثًا.

وقد روي مرفوعًا؛ أخرجه الدارقطني (1/23) ومن طريقه البيهقي في السنن (1/262) من طريق عبدالله بن الحسين بن جابر، ثنا محمد بن كثير المصيصي، عن زائدة به مرفوعًا، ورجح الدارقطني رواية معاوية بن عمرو الموقوفة.

وفي كلا الطريقين ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف. قال فيه الحافظ في التقريب (5685): "صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه؛ فترك، فكيف يعارض به حديث عبدالله وعبيدالله ابني عمر؟ فإن السند إليهما رجالهما رجال الشيخين، وهما أولى بأبيهما من مجاهد، كيف وقد اختلف على مجاهد؟ فروى ابن أبي شيبة الحديث موقوفًا عليه (1/133)، قال: حدثنا يزيد، عن أبي إسحاق - يعني: السبيعي - عن مجاهد قال: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء.

واستدلوا أيضًا بأن الحديث روي موقوفًا على ابن عمر من طريق ابن علية، فقد روى ابن أبي شيبة (1/144) قال: حدثنا ابن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل، عن ابن عمر قال: إذا بلغ الماء قلتين، لم يحمل نجسًا، أو كلمة نحوها.

ومن طريق ابن علية أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار (2/223)، والدارقطني في السنن (1/22)، وابن عبدالبر في التمهيد (1/329).

كما رواه حماد بن زيد، عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر بن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه موقوفًا أشار إليها أبو داود (65) عقب رواية حماد بن سلمة عن عاصم، إلا أنه خالف في شيخ عاصم بن المنذر.

والجواب: قد خالف حماد بن سلمة ابن علية، فقد أخرج أبو داود (65)، وابن الجارود (46)، والدارقطني (1/22) من طريق حماد بن سلمة، ثنا عاصم بن المنذر، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه مرفوعًا.

جاء في تلخيص الحبير (1/18) ومعالم السنن للخطابي (1/58، 59): سئل ابن معين عن هذا الطريق، فقال: إسنادها جيد. قيل: فإن ابن علية لم يرفعه؟ قال: وإن لم يحفظه ابن علية، فالحديث جيد الإسناد". اهـ

وقال العلائي في جزء تصحيح حديث القلتين (ص: 48-49): "هذا الحديث قد روي مرسلاً وموقوفًا، وكلا منهما علة في صحته، فقد رواه حماد بن زيد، عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر بن عبيدالله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، وروي أيضًا عنه موقوفًا على ابن عمر، رواه إسماعيل بن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل لم يسمه، عن ابن عمر موقوفًا عليه".

ثم قال: إن هذا بعد التسليم كونه علة، وكون حماد بن زيد وابن علية أحفظ من حماد بن سلمة وأتقن، حتى يقدم قولهما على روايته، لا تؤثر إلا في حديث عاصم بن المنذر فقط، وأما رواية أبي أسامة، ورواية محمد بن إسحاق، فهما صحيحتان، لا يقدم هذا فيهما؛ لتباين الطرق..." إلخ كلامه - رحمه الله.

وبهذا يتبين أن الحديث لا يعل بالوقف؛ لأن رواية الرفع أرجح وأكثر.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/41): "وأما حديث القلتين، فأكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتج به، وقد أجابوا عن كلام من طعن فيه، وصنف أبو عبيدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي جزءًا رد فيه ما ذكره ابن عبدالبر وغيره.

الجواب عن الجهل بمقدار القلة:

ضعف الحديث جماعة للجهل بمقدار القلة، كابن عبدالبر في التمهيد (1/335) قال: قد تكلم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل، ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع".

وكذلك قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/16) قال: "إن هاتين القلتين لم يبين لنا في هذه الآثار ما مقدارهما" اهـ.

ووافقهما ابن القيم في تهذيب السنن (1/63).

والجواب أن يقال:

أما الخلاف في مقدار القلة، فلا يكفي في رد الحديث الصحيح، وقد اختلف العلماء في أبلغ من هذا؛ فقد اختلفوا هل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجهر بالبسملة أم لا؟ مع أنها مسألة تتكرر في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في اليوم خمس مرات، ولم يكن هذا الاختلاف مانعًا من الترجيح بينها، وكذلك الحال في القلال، فقد اختار الشافعي كما في المجموع (1/165) وأبو عبيد، وابن تيمية وغيرهم أن المراد بالقلة قلال هجر، قال أبو عبيد في كتاب الطهور (ص 238): "وقد تكلم الناس في القلال؛ فقال بعض أهل العلم: هي الجرار، وقال آخرون هي: الحباب، وهذا القول هو الذي أختاره وأذهب إليه، أنها الحباب، وهي قلال هجر، معروفة عندهم، وعند العرب مستفيضة، وقد سمعنا ذكرها في أشعارهم".

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/42): "وأما لفظ القلة، فإنه معروف عندهم أنه الجرة الكبيرة كالحب، وكان - صلى الله عليه وسلم - يمثل بها كما في الصحيحين أنه قال في سدرة المنتهى: "وإذا أوراقها مثل آذان الفيلة، وإذا نبقها مثل قلال هجر"، وهي قلال معروفة الصفة والمقدار، فإن التمثيل لا يكون بمختلف متفاوت".

هذا، وقد صحح الحديث جماعة من أهل العلم، منهم:

النووي؛ فقد قال في المجموع (1/162): هذا الحديث حديث حسن ثابت، وابن حزم في المحلى (1/151) وابن تيمية في الفتاوى (21/41، 42). وجاء في الفتاوى عنه أيضًا ترجيح كونه موقوفًا، وصححه الحاكم كما في المستدرك (1/132) وقال: على شرط الشيخين. وأقره الذهبي.

وقال ابن منده كما في تلخيص الحبير (1/17): صحيح على شرط مسلم.

وصححه ابن حبان (1249، 1253)، وابن خزيمة (92)، وأبو عبيد في كتاب الطهور (ص: 235)، وابن حجر في الفتح (1/408)، وقال: رواته ثقات، وصححه جماعة من الأئمة، وانظر تلخيص الحبير (1/17).

وقال الخطابي في معالم السنن (1/58): "يكفي شاهدًا على صحة هذا الحديث أن نجوم أهل الحديث صححوه، وقالوا به، وهم القدوة، وعليهم المعول في هذا الباب". وصححه الشوكاني في نيل الأوطار (1/30، 31)، وأحمد شاكر كما في تحقيقه لسنن الترمذي (1/98). والله أعلم.

[14] صحيح مسلم (279).

[15] البخاري (162)، ومسلم (278).

[16] المائدة: 6.

[17] الفرقان: 48.

[18] سقط اسم (سليط بن أيوب) من المطبوع، واستدركته من أطراف المسند (6/269).

[19] المسند (3/15، 16).

[20] انظر بتصرف مجموع الفتاوى (21/35).

[21] بدائع الفوائد (3/258)، مجموع الفتاوى (21/33).

[22] صحيح البخاري (220).

[23] المنتقى (1/129).

[24] البقرة: 238.

[25] البقرة: 238.

[26] نفس السورة، ونفس الآية.

[27] الأوسط (1/270).

[28] البقرة: 238.

[29] راجع للاستزادة: إغاثة اللهفان (1/156) وفتح الباري (1/408، 414)، والأوسط (1/260) وتهذيب السنن (1/56-74).

[30] تهذيب السنن (1/66)، ومجموع الفتاوى (21/34).

[31] المجموع (1/169).

[32] المراجع السابقة.

[33] قال النسائي في السنن (1/53): لا أعلم أحدًا تابع علي بن مسهر على قوله: فليرقه.

وقال ابن عبدالبر في التمهيد (18/273): وأما هذا اللفظ من حديث الأعمش "فليهرقه"، فلم يذكره أصحاب الأعمش الثقات الحفاظ مثل شعبة وغيره.

وقال ابن منده كما في فتح الباري (1/331)، وتلخيص الحبير (1/23): لا تعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجه من الوجوه إلا من روايته.

وقال حمزة الكناني كما في فتح الباري (1/330): إنها غير محفوظة.

ومعلوم أن علي بن مسهر رواه عن الأعمش، عن أبي صالح وأبي رزين، عن أبي هريرة، والذين رووه عن الأعمش ولم يذكروا هذه الزيادة جماعة، منهم:

الأول: إسماعيل بن زكريا عند مسلم (279).

الثاني: أبو معاوية عند أحمد (2/253).

الثالث: عبدالرحمن بن زياد عند الدارقطني (1/63) وإن كان ضعيفًا.

الرابع: شعبة عند أحمد (2/480) والطيالسي (2417) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/21) والتمهيد لابن عبدالبر (18/267).

الخامس: أبو أسامة عند ابن أبي شيبة (14/204) وهو حماد بن أسامة.

السادس: حفص بن غياث، كما في شرح معاني الآثار (1/21).

السابع: جرير كما في مسند إسحاق بن راهويه (1/283).

الثامن: عبدالرحمن بن حميد الرؤاسي كما في المعجم الصغير للطبراني (1/164).

التاسع: أبان بن تغلب، كما في المعجم الصغير (2/149)، إلا أن هؤلاء منهم من رواه عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين به كإسماعيل بن زكريا، وأبي معاوية، وعبدالرحمن بن زياد، وعبدالرحمن بن حميد، ومنهم من رواه عن الأعمش عن أبي رزين وذلك كأبي معاوية، وأبي أسامة، وجرير، وأبان بن تغلب، ومنهم من رواه عن الأعمش عن أبي صالح كشعبة، فصار الأعمش تارة يجمع شيوخه وتارة يفرقهما، فهؤلاء تسعة رووه عن الأعمش، ولم يذكروا ما ذكره علي بن مسهر عن الأعمش.

ولا يقارن علي بن مسهر بشعبة، فكيف بمن معه؟ وقد وافق شعبة عن الأعمش أبو معاوية، وقد سئل يحيى بن معين: من أثبت أصحاب الأعمش؟ قال: بعد سفيان وشعبة أبو معاوية.

وقال أحمد بن حنبل: كان أبو معاوية إذا سئل عن أحاديث الأعمش يقول: قد صار حديث الأعمش في فمي علقمًا، أو هو أمر من العلقم؛ لكثرة ما تردد عليه حديث الأعمش، وقال له شعبة: يا أبا معاوية، سمعت حديث كذا وكذا من الأعمش؟ قال: نعم. قال شعبة: هذا صاحب الأعمش، فاعرفوه، قال أبو معاوية عن نفسه: البصراء كانوا عليَّ عيالاً عند الأعمش، قال هذا لأنه ضرير.

كما رواه جماعة عن أبي هريرة، من غير طريق الأعمش، وليس فيه ذكر هذه الزيادة، وهاك بعض من وقفت عليه:

الأول: الأعرج، كما في مسند الشافعي (ص: 7)، ومسند أحمد (2/245)، ومسند الحميدي (967)، وصحيح مسلم (279)، وسنن النسائي (63)، وابن ماجه (364)، والمنتقى لابن الجارود (50، 52)، ومسند أبي عوانة (1/176)، وصحيح ابن خزيمة (96)، وصحيح ابن حبان (1294)، والسنن الكبرى للبيهقي (1/240، 256).

الثاني: محمد بن سيرين، كما في مسند الشافعي (ص: 8)، ومصنف عبدالرزاق (330، 331)، ومصنف بن أبي شيبة (1/159)، ومسند أحمد (2/427، 508)، ومسلم (279)، وسنن أبي داود (71، 72، 73)، والنسائي في الكبرى (68)، وفي الصغرى (339)، ومسند أبي عوانة (1/177)، وشرح معاني الآثار (1/21)، والمعجم الأوسط للطبراني (946، 1326)، وصحيح ابن خزيمة (95، 97)، صحيح ابن حبان (1297)، سنن الدارقطني (1/64)، والحاكم (569، 570، 572)، السنن الصغرى للبيهقي (1/132)، والكبرى (1/240، 241، 247).

الثالث: همام بن منبه، كما في مصنف عبدالرزاق (329)، ومسند أحمد (2/314)، وصحيح مسلم (279)، صحيح ابن حبان (1295)، المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم (1/335)، السنن الكبرى للبيهقي (1/240).

الرابع: أبو رافع، كما في مسند إسحاق بن راهويه (1/121)، والسنن الكبرى للنسائي (69)، والصغرى (338)، والدارقطني (1/65)، والبيهقي الكبرى (1/241).

الخامس: الحسن، كما في سنن الدارقطني (1/64).

السادس: ثابت مولى عبدالرحمن بن زيد، كما في مصنف عبدالرزاق (335)، ومسند أحمد (2/271)، والسنن الكبرى للنسائي (66)، والصغرى (64)،

السابع: أبو سلمة، عن أبي هريرة، كما في مصنف عبدالرزاق (335)، ومسند أحمد (2/271)، والسنن الكبرى للنسائي (67)، والصغرى (65).

الثامن: عطاء بن يسار، كما في المعجم الأوسط للطبراني (3719).

التاسع: عبدالرحمن بن أبي عمرة، كما في مسند أحمد (2/360، 482).

العاشر: عن عبيد بن حنين مولى بن زريق، كما في مسند أحمد (2/398).

ولا شك أن تفرد علي بن مسهر دون هؤلاء يوجب شذوذ هذه اللفظة؛ لأن علي بن مسهر قال فيه الحافظ في التقريب (4800): ثقة له غرائب بعد أن أضر. اهـ.

[34] صحيح مسلم (279).

[35] المغني (1/40).

[36] المجموع (1/168).

[37] بدائع الفوائد (3/257، 258).

[38] نيل الأوطار (1/301).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الماء المتغير بمجاورة نجاسة
  • الماء المتغير بممازجة النجاسة
  • الماء المستعمل في إزالة النجاسة
  • إذا أخبره رجل أو امرأة بنجاسة الماء
  • إذا أخبره صبي عن طهارة أو نجاسة الماء
  • إذا أخبره فاسق عن نجاسة الماء
  • الكلام على بئر المقبرة وبئر ثمود
  • النهي عن البول في الماء الراكد

مختارات من الشبكة

  • أحجية الماء (قصيدة عمودية)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح جامع الترمذي في (السنن) - ما جاء أن الماء من الماء(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • فقه أحكام المياه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: الماء من الماء(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الماء المتغير بطاهر يشق صون الماء عنه(مقالة - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • حديث: إذا كثرت ذنوبك فاسق الماء على الماء تتناثر ذنوبك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • تطهير الماء المتنجس(مقالة - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • في حكم بيع فضل الماء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الماء في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب