• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الحضارة الغربية في رؤية الأستاذ أنور الجندي

الحضارة الغربية في رؤية الأستاذ أنور الجندي
خالد برادة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/8/2015 ميلادي - 29/10/1436 هجري

الزيارات: 21415

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحضارة الغربية في رؤية الأستاذ أنور الجندي

بقلم: خالد برادة [1]


كان الفكر الإسلامي - ولا يزال - مشعلًا وهاجًا، ينتفع بجذوته من يمم وجهه القاصد إلى محرابه، حتى يميز المرء بين الحق والباطل، ويكشف عن المنهج القويم، ويظهر السوء الذميم، ويهدي بني جلدته عصارة فكره.

 

ولقد قيض الله تعالى رجالًا من ذوي الغيرة على فكر المسلمين وحضارتهم، كاشفين عما رفل فيه الغرب من انتفاع بما عند المسلمين من حضارة شامخة، وتصدوا للشبهات الزائفة الرامية إلى خلع أصالة الحضارة الإسلامية، وجعلها داخل إطار التبعية، وإعلاء الحضارة الغربية، وإيهام كثير من الناس بأنها قامت بنفسها، دون أن تنهل من حضارة المسلمين؛ ولذا هبَّ أعلامنا الأفذاذ للذود عن حياض الحضارة الإسلامية، وتجندوا في ساحة تصحيح المفاهيم، وكان من أبرزهم عملاق الفكر الإسلامي في القرن العشرين الأستاذ أنور الجندي (ت1917هـ - 2002م) رحمه الله تعالى، الذي هيأ فكره وقلمه لخدمة كثير من جوانب الفكر الإسلامي الهادف، ودحض الدخيل الزائف.

 

لقد تجند الأستاذ أنور الجندي - بحق - للذود عن حياض الأمة الإسلامية، ونقد الفكر الغربي؛ ولذا ارتأيت أن أعرض وميضًا عن فكره الحصيف، واخترت موقفه من الحضارة أنموذجًا، لعلي أسهم، ولو بلمحة خاطفة من خلال استقراء بعض كتبه وموسوعاته، وهي غيض من فيض موسوعات ضخمة في نقد الفكر الغربي، في مشروع الأستاذ أنور الجندي، وتأتي أهمية هذه الدراسة الموجزة في أن الراحل أنور الجندي قد تمَّ تجاهل الدور الكبير الذي قام به منذ ما يناهز سبعين عامًا من حياته - حيث نهج طريقه في الكتابة وهو دون العشرين من عمره - قضاها عاكفًا في صومعة الدراسة والتأليف، مجرعًا لأعداء الإسلام كؤوس النقد، لما قام لله منافحًا عن دينه؛ حيث رد غاراتهم، وفنَّد شبهاتهم، فأزعجهم محاربته لهم، فعمل جيل التغريب على غمط الرجل حقه في حياته، فضلًا عن وفاته الهادئة التي ما إن علم بها زميله الدكتور يوسف القرضاوي حتى امتعض وجهه المشرق، وما كان منه إلا أن رثاه بكلمات تأسر منك النفس[2]، وتقف إجلالًا للرجل الذي باع نفسه لله تعالى، والذي استوقفني هو أن المفكر أنور الجندي لم يلقَ اهتمامًا يليق بمكانته الفكرية من لدن الباحثين - على الرغم من أنه جال في كل ضروب الفكر الإسلامي، وصال في مختلف قضاياه العلمية - اللهم ما كان من كتابات متفرقة عنه في عدد من الصحف والمجلات التي قامت بواجب نعيه في موته، وقلة الدراسات الأكاديمية حوله[3]، وكان هذا محفزًا لنا لنطرق المشروع الفكري لأنور الجندي، خاصة في موقفه من الحضارتين: الغربية والإسلامية[4]؛ ولذا ارتأينا أن نعد هذه الدراسة حوله؛ ليتجلى لنا الميزان النقدي الكاشف، الذي وضع فيه الأستاذ أنور الجندي الحضارة الغربية، وقد حاكمها من خلال ذلك الميزان.

 

موقفه النقدي من الحضارة الغربية:

كان للأستاذ أنور الجندي موقف حاسم من الحضارة الغربية، وقد بسط عصارة فكره حولها في كثير من مؤلفاته[5]، ولأنه كان يدرك يقينًا أن الحضارات لا تقوم إلا على شيئين متى انفصما عن بعضهما البعض، أوردا الحضارة في منزلق خطير، وهما: الجانب المادي، والآخر هو العقائدي الروحي، فالرهان الحقيقي على قيام الحضارات هما: المادة والروح، وقد دافع الأستاذ أنور الجندي عن هذا التصور الهام بقوله: "لما كانت الحضارة تقوم على حركة مادية عمرانية تتحرك في إطار عقدي، فإن هذا الإطار هو منطلقها إلى الاستمرار أو التمزق"[6]، فمتى أغفل الناس هذا الإطار الهام (العقيدة الإسلامية)، وخبا أُوارها في نفوسهم - فإن التصدع والانهيار سيشمل الحضارة؛ ذلك لأن الإنسان هو الذي يبني العمران، ومتى تهدم بنيانه بإعلائه من العنصر المادي، فهذا هو عنوان الانهيار الذي يشمل حضارته؛ لأن الأخلاق ستتردى من حالق، وستنهار البشرية بما سيعتريها من مآزق، وفي ذلك يقول الأستاذ أنور الجندي: "تسقط الحضارات في هيكلها المادي حيث تجاوز عقدها الأخلاقي"[7]، وهذه الرؤية الحصيفة للحضارة من لدن أنور الجندي هي التي حدت به إلى أن يضع الحضارة الغربية في الميزان؛ ليحاكم منطلقها، ويوضح ما اعتراها من أزمات خانقة أودت بأصحابها.

 

وقد لمست في أنور الجندي أنه يفرق بين الحضارة والمدنية؛ فمفهوم المدنية عنده "أوسع، وهو أشمل للثقافة والحضارة معًا"[8]، وهنا يتضح لنا أن مفهوم المدنية أعم من الحضارة، وإذا جاز لنا القول بـأن التفسير الصائب للحضارة لا يكتمل إلا بناءً على أهمية المدنية في إقامتها، فإنه سرعان ما تبنى الحضارات عند أهل الحضر؛ لأن المدنية هي أساس بناء الحضارة، ولنا في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وبنائه للدولة الإسلامية ما يجعلنا نؤمن بأهمية اختيار البيئة التي تبنى عليها دولة تشتمل على حضارة فريدة، بل إن العودة إلى سكنى البادية بعد التحضر، أمر ينبئ بالخطر، وهو أمر مستنكر على من اقترفه إلا بأن يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ رخصة منه في ذلك، وإذا أردت دليلًا على هذا، فإليك ما رواه يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج، فقال "يا ابن الأكوع، ارتددت على عقبيك، تعرَّبت؟ قال: لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو"[9]، ومن هنا يتضح لنا أن الحضري يجب أن يبقى على مدنيته؛ ليتجنب التعرب، اللهم إلا في حالات خاصة، كما عند ابن الأكوع.

 

ونعود إلى الرؤية التي نروم تجليتها للحضارة عند أنور الجندي؛ لنرى أنه يعتبر الحضارة "إنسانية وعالمية، بينما الثقافة قومية، وهي خاصة لأمة بعينها، بينما الحضارة عامة وملك مشاع للبشرية"[10]، ويرى أن الحضارة الغربية في جذورها ثمرة للحضارات الإنسانية التي مرت بالبشرية منذ فجر التاريخ، ويذهب إلى القول بأنها "استمدت مقوم نمائها من التراث اليوناني"[11]، وقد تشكلت من خلال تفاعل حضارات أخرى، ويحدد تاريخ بدايتها في مستهل القرن الخامس عشر الميلادي، فيقول: "بدأت الحضارة الغربية دورتها منذ أوائل القرن الخامس عشر"[12].

 

ولقد آمن الأستاذ أنور الجندي بتعدد الحضارات، فقال في عبارة هي فصل المقال: "ليست هناك حضارة واحدة، ولكن هناك حضارات متعددة"[13]، ومن شأن هذا التعدد الحضاري أنه يتوارث، ويأخذ اللاحق عن السابق، وهذه سنَّة الله تعالى؛ إذ يقول جل شأنه: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، ولا شك أن الحضارات يشملها هذا التداول، فتتوارث فيما بينها، ولا أظن أنها تتحاور؛ ذلك لأن التحاور من شأن الثقافات، دون الحضارات.

 

لم يصدر الباحث أنور الجندي حكم قيمة على الحضارة الغربية من حيث اتخاذ موقف نقدي منها مسبقًا، بل أسس ذلك على معطيات انطلق من خلالها ليتخذ موقفًا حاسمًا منها، فهو يرى أنها فصلت بين المادة والروح، والعقل والقلب، وهذا ما يسميه بـ "الانشطارية"، وفي ذلك يقول: "إن الغرب يرى استحالة الجمع بين العنصرين؛ لقيامه على الانشطارية، وعلى الفلسفة المادية وحدها"[14]؛ حيث إن الفلسفة المادية أعلت من شأن غرائز الإنسان، وأقبرت روحه، مما أدى بالأخلاق إلى أن فقدت، وهذا منطلق انهيار الحضارات؛ لأنها "تسقط في هيكلها المادي؛ حيث تجاوز عقدها الأخلاقي"[15]، هذه الأخلاق التي اعتبرها بعض فلاسفة الغرب غامضة وغير محددة، فما كان من قائلهم إلا أن عبر بما ضاق به ذرعًا منها لما قال: "لا يسعنا إلا أن نرفضها (الأخلاق)، ولا تتبقى لنا إلا الغرائز، نلجأ إليها ونستلهمها الحل الصحيح"[16]؛ فصاحب هذا القول (سارتر) لا يعترف بالقيم والأخلاق، في حين يعول على الغرائز للاحتكام إليها، وهذا منزلق خطير يودي بالحضارات إلى هوة سحيقة، ويوقعها في "أزمة خانقة؛ حيث الإباحية وحرية الجنس، والترف وانهيار الهيكل الأسري.. ولا شك أن الحضارة الغربية تمر بحالة احتضار"[17]، وهذا نتيجة حتمية لما آل إليه الفكر الغربي من انحطاط؛ لقيامه على التجزيء والتناقض.

 

فضلًا عن إشارة الجندي إلى نظرية الأمير ميكافيلي في السياسة، التي تحجب الدين عنها، وتريد أن تستقل عن سلطته؛ فلا تخضع السياسة للدين أو الأخلاق، وعلى هذا الأساس قام "الاستعمار الذي ارتبط بأيديولوجية الفكر الغربي القائم على نظرية الأمير ميكافيلي، التي سيطرت على السياسة الغربية والحضارة الغربية، وذلك باصطناع كل وسائل الخديعة والتآمر في سبيل تحقيق الغايات، وإنكار الأساليب الأخلاقية في مجال السياسة أو الاقتصاد"[18]، فهذه هي وسائل المكر التي عمدت إليها الحضارة الغربية، التي فصمت وشائج العلاقة بين الوسائل والغايات، فكان ذلك عنوان الأزمات التي لحقت بالغرب.

 

وإذا كنا قد أشرنا إلى استعمار الغرب لديار المسلمين، فإن ذلك أتى كرد فعل لما مُنُوا به من هزيمة ساحقة في الحروب الصليبية، وقد حنق الأستاذ الجندي على قيام الحضارة الغربية على الاستعمار، وفي ذلك يقول: "تلك هي حضارة الغرب، ارتبطت بالاستعمار، وقامت في أحضانه، ثم حاولت أن تفرض نفسها على العالم كله، ومنها عالم الإسلام في فترة ضعف وتخلف واجه فيها تحديًا خطيرًا، قوامه التبعية بالنفوذ العسكري والسياسي"[19]، وهكذا يصور الجندي مدى الهيمنة التي تفرضها الحضارة الغربية بتسلطها على العالم، وخاصة الإسلامي منه.

 

إن الحضارة الغربية أعلت من قيمة الأشياء، فتحول الإنسان من مستفيد منها إلى خادم ذليل عندها، وقد أعلن الجندي أنها حضارة لا تربط بين الوسائل والغايات، في هذه الحياة التي فقدت معناها عند أتباعها، ومن المخاطر المحدقة بالعالم الإسلامي التي استشرت فيه شيئًا فشيئًا: ما اعتراه من استلاب ثقافي أصبح معه قابلًا للمفاهيم الغربية، على الرغم من أنه صُنع في بيئات تباين البيئة الإسلامية التي لها قيم ومفاهيم مخالفة لما عند الغرب، ومن التضليل الذي مُني به المجتمع الإسلامي أنه قَبِل باجتراع قيم ثقافية غربية غريبة عنه، لا تمُتُّ إليه بصلة، وهذا ما تعانيه الأمة في طريقها الساعي إلى تصحيح المفاهيم، والعودة إلى الريادة الفكرية الحضارية، وذلك بالتخلص من المفاسد الثقافية التي تسعى إلى تدمير الثقافة الإسلامية، وطرد الآفات الأخلاقية الحضارية عنها.

 

كشفه عن أزمة الحضارة الغربية:

لم يكن الأستاذ أنور الجندي حانقًا على الحضارة الغربية؛ لأنها خاصة بقوم من غير بني جلدتنا؛ بل رأى أنها تعاني أزمة الانهيار والاندحار لِما ألمَّ بأصحابها من ويلات تجرعوا معها كؤوس المر؛ وذلك لما أعلوا من شأن شهوات البدن، وسعَوْا إلى مراتع الرذيلة، فخسروا أنفسهم؛ لأنهم داخل حضارة - في تصوره الصائب في وصفها -: "حينما أعطتهم كل شيء، فقدت كل شيء، حينما تعطي الحريات المطلقة بين الرجل والمرأة في العلاقات، وحينما يستطيع كل إنسان أن يعمل ما يريد، وأن يرفل في الترف والرخاوة والتحلل ما يشاء، عندئذ ينصدع المجتمع والإنسان معًا"[20]، وبعد أن قدم الجندي هذه الصورة الغربية التي أعطت الإنسان كل شيء، نبه على أن أصحابها فقدوا كل شيء، وإليك قوله عارضًا للنتيجة الكئيبة: "يتفشى الانتحار، والإقدام على الجرائم، وانهيار الأسرة، وذيوع المخدرات والشذوذ، والأمراض النفسية"[21]، ومن هنا يتبين لنا أن الغرب أصيب في مقتل لَمَّا فهم الحضارة في جانبها المادي الصرف، غافلًا عن أشواق روحه، فكانت العاقبة وخيمة؛ حيث إن "أزمة الحضارة تتمثل في ذلك الإغراق الذي وصلت إليه في المادية والإباحة"[22]، وماذا تنتظر من أمة أقبرت روحها، وخلدت إلى الأرض؟ فسرعان ما ستغيب الأخلاق عن دنياها.. ويزيدنا الأستاذ الجندي بيانًا لذلك، موضحًا أهمية الأخلاق في الحضارة فيقول: "إن الحضارة في الحقيقة ليست تقدمًا ماديًّا مقطوع الصلة بالأخلاق والضوابط والحدود التي تحفظ الكيان الإنساني والكيان الاجتماعي، وهذه الضوابط والحدود التي انفصلت من التقدم هي الدين الذي يرفضه الغرب، والذي هو مصدر أزمته"[23]، فلم يحقق الإنسان الغربي حضارته على الوجه اللائق، ونحن لا ننكر عليه أنه حقق مدنيته، فهذه مسلَّمة لا تجدي المكابرة فيها، ولكنه أخطأ حين توهم أنه داخل حضارة إنسانية عالية، ولكن عين الحقيقة أنها حضارة زائفة، غابت عنها القيم المنشودة لقيام حضارة إنسانية راقية.

 

ناهيك عن الفلسفات التي نشأت في أفق العالم الغربي، ورسم من خلالها أصحابها فهمهم إلى الإنسان والوجود، فكانت فلسفة الإنسان عنوان هلاكه؛ لأنها تفسر العالم بنظريات شاذة، فيسير المرء على غير هدى، هائمًا في لجة تلك الفلسفة، وهذا هو علامة فشل الإنسان الغربي، واندحار حضارته، فضلًا عن أن أزمته قد اعترته لما أعلى من الذاتية، ورفع شعار "الأنا"، فجلب عليه مساوئ الفردانية، والتضخم والأنانية، وقد شهد شهود من الغرب بأزمة بني جلدتهم، ومن أبرزهم: باتريك جيه بوكانين[24]، وريتشارد تارناس[25].. فكانت النتيجة: "أزمات فكرية وخلقية"[26]، والحل الأنجع لتفادي تلك الأزمات والأخطار المحدقة بالإنسان الغربي خاصة: هو استحضار المفهوم الجامع بين المادة والروح، وهو المفهوم الإسلامي للحضارة؛ "فلا بد من أن توازن الحضارة بين معطيات المادة وآفاق الروح"[27].

 

ونشير هنا إلى أن الجندي كان على وعي تام بأن محاكمة الحضارة الغربية - التي تنم عن الفكر الفلسفي الغربي - لا تكتمل دون النفاذ إلى نقد التيارات الهدامة؛ كالماركسية، والفرويدية، والوجودية، بنظرياتهم التي فسروا الحياة من خلالها، والتي قدموها على أنها حقائق مقررة، وما هي إلا فرضيات مزيفة، محذرًا المسلمين من محاولة الاحتواء في المؤامرة التي تقودها الحضارة الغربية بمحاولة تقويضها للثوابت الإسلامية، وتزييفها للمفاهيم.

 

إن الأستاذ أنور الجندي في رؤيته لحضارة الغرب قد غاظه ما اعترى الإنسان الغربي مما ألحقه بنفسه؛ لقول الله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41]، ويا ويحه من إنسان: "اكتسب كل شيء إلا نفسه؛ ففي الاكتساء ببريق الخيوط الصناعية وجد نفسه في قمة العراء والعُرْي، ولقد حقق الوفرة، ولكن ما حققه سيتركه لغيره، ولم يحقق ما يبقى له من الأعمال الباقية"[28]، ويذهب الجندي إلى أبعد من ذلك لَمَّا سطر بقلمه ما توصل إليه بفكره من أن: "أزمة الغرب هي أزمة من ضاع منه الطريق، والحوار معه عبث، الحوار مفقود؛ لأنه أساسًا غير موجود"[29].

 

ونتوقف قليلًا عند النقطة الحاسمة التي اتخذ منها الأستاذ أنور الجندي موقف المتوجس المشكك من أهمية الحوار مع الغرب؛ لأنه في نظره غير موجود، ولنا أن نقول بأن ما ذهب إليه من عدم جدوى الحوار مع الغرب نعده استطرادًا في كلامه، وكان أليق أن يذكر البديل عن ذلك، وهو كما نرى طرق باب الدعوة الإسلامية، وهي ترحب بالحوار، وتؤكد على أهميته؛ لأنه يفتح المجال واسعًا لتصحيح المعلومات، ويعرض الحقائق لهؤلاء الذين تنكبوا الطريق، ولعلنا نعذر الباحث أنور الجندي إذا عزا فقدان الحوار مع الرجل الغربي؛ لأن هذا الأخير فقد آليات الحوار لما أضاع فكره وخلقه، وسلم بأمور حسبها حقائق مقررة، وما هي إلا فرضيات، ويصور الجندي ذلك بقوله: "أزمة الإنسان المعاصر اليوم هي أزمة فكر وخلق؛ فقد استطاعت مذاهب التحلل والإباحة أن تسيطر عن طريق الصحافة والثقافة، وأن تؤازرها قوى ضخمة، فتدفعها إلى مجال التعليم، ومن ثم أصبحت نظريات وفروضًا افترضها بعض الفلاسفة وكأنها حقائق مقررة، بل إنها قد استَعْلَتْ حتى هزمت الحقائق الأساسية، وعزلتها عن الحياة"[30].

 

إن ما ذهب إليه هذا المفكر لهو بحق صورة عن الحياة التي يعيشها إنسان اليوم بعد أن احتوته وسائل الإعلام والتعليم في دوامتها، وقدمت له بعض النظريات على أنها هي عين الحقيقة، وما هي إلا نظريات بشرية غاب عنها التوجيه الإسلامي الذي يكفل سعادة الإنسان.

 

ولقد زعم الفكر الغربي أنه غير مدين للحضارة الإسلامية فيما استفاده من العلم والمعرفة منها، زاعمًا أنه مدين لليونان في استمداده جذور الحضارة من فلسفتهم فحسب.. ومما ينبغي أن نلتفت إليه هو أن الجندي لم يفته أن ينوه بأعلام أنصفوا الإسلام، واعترفوا له بما يجب الاعتراف به، واعتبرهم ممن جهروا بكلمة الحق، على الرغم من أنهم عاشوا بعيدًا عن العالم الإسلامي، فكان مصير بعضهم أن اضطهدوا من لدن قومهم، ولاقَوْا حملات عنيفة شُنَّت عليهم، مظهرًا ما آل إليه حال جُلِّهم من إسلامهم، وهذا في رأيه يعتبر غزوة جديدة للفكر الإنساني لصالح الإسلام.

 

وقصارى القول أن الحضارة الغربية حملت معها معاول هدمها؛ إذ إنها قامت على مفهوم الصراع، وهاجس الموت الذي لاحق مفكريهم، فضلًا عن عامتهم، مفسرين الحياة من خلاله.


وقد لخص مفكرنا أنور الجندي أزمة الحضارة الغربية في هذه السطور، معلنًا أنها حضارة: "بدأت من الإسلام، ثم انحرفت عنه، وإنها الآن في مرحلة السقوط الحضاري؛ لأنها خالفت منهج الله تبارك وتعالى، واندفعت بأهواء الإنسان ومطامعه، وإن هذه الأزمة التي تحيق بها - اجتماعيًّا واقتصاديًّا - مصدرها غياب البُعد الإلهي عنها، وقصورها عن السير في طريق إسلام الوجه لله، وعملها على تدمير القيم، والإسراف في تبديد الثروة الطبيعية، والقصور على جانب الاستهلاك والاستعلاء"[31]، فهي حضارة تمر بمرحلة تنكب للطريق، وشرود هائم لكثرة المغاليق.

 

هذا ما هدينا إليه من خلال استقراء عاجل في بعض ما كتبه الأستاذ أنور الجندي بقلمه السيَّال (بشأن ما كنا بسبيله)، مُجلِّين - من خلال ما قرأناه له - موقفه من الحضارة الغربية، فاكتشفنا أن رؤيته لها كانت رؤية فاحص مدقق، ناقد محقق.

 

إن ما كشفه أنور الجندي عن الحضارة الغربية بمحاولات ضافية منه في قراءة الفكر الغربي ونقده، جعله واقفًا على قدم وساق مع أبرز المفكرين الإسلاميين في القرن العشرين؛ كالشيخ محمود محمد شاكر، ومحمد محمد حسين، ومحمد البهي - وغيرهم كثيرون بحمد الله تعالى - الذين كانت لهم إسهامات بارزة في موقفهم المُدين للمركزية الغربية، وهيمنتها الحضارية على العالم - وهذا ما جناه الغرور الذي خلق أزمات شهدها العالم الغربي - فقام أولئك المفكرون بإدانة الفكر الغربي واستعلائه الوهمي، وكان للأستاذ أنور الجندي اليد الطولى في ذلك؛ حيث قام بكشف كثير من المغالطات النابعة من الغرب، فضلًا عن تصحيحه للمفاهيم.

 

والحق يقال: إن الاهتمام بالمشروع الفكري للأستاذ أنور الجندي - الذي وهب حياته له - والذي كان يروم مواجهة الغزو الفكري، والدعوة إلى العودة إلى المنابع الأصيلة للمعرفة الإسلامية، وأسلمة العلوم والمعرفة - لمن شأنه أن يساهم في إعادة الاعتبار إلى هذه القمة العلمية الشامخة.

 

وأرى أن إصدار أحكام القيمة المتعسفة في كبار رجال الفكر الإسلامي، أدَّى إلى غمطهم حقهم، والغض من قدرهم، وبدل ذلك فإنه ينبغي النظر إلى أعمالهم نظرة إجلال وإكبار، بما قدموه من إسهامات علمية جعلتهم من الكبار.



[1] باحث إسلامي، ماستر التواصل الديني وحوار الحضارات - جامعة شعيب الدكالي، كلية الآداب، مدينة الجديدة/ المغرب.

[2] انظر رثاء الشيخ يوسف القرضاوي لأنور الجندي، (فضلًا عن بعض الشهادات الصادقة في العَلم الذي يستوقفنا) في مقال: الكاتب المفكر أنور الجندي ومسيرة الأمة، إبراهيم عثمان عبدالرحيم، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 576، شعبان، 1434هـ، ص 83.

[3] وجدت رسالة للماجستير حول موقف أنور الجندي من الفكر الغربي، نوقشت في الجامعة الإسلامية بغزة، كلية أصول الدين، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، للباحث فضل يونس سعيفان، سنة 2006م، وقد أخبرني الدكتور محسن بنزاكور - أستاذ مادة الفكر وعلم النفس الاجتماعي بجامعة شعيب الدكالي، مدينة الجديدة/ المغرب - بأنه اشتغل عن فكر الأستاذ أنور الجندي حول محاربته للتغريب، وذلك في رسالته للدكتوراه، وقد شرفت بتقديم بعض البحوث حول المشروع الفكري للأستاذ أنور الجندي، من خلال دراسة أبرز جهوده الفكرية، مثل: أسلمة المعرفة، وموقفه من الاستشراق، ومحاربته للتغريب، وموقفه من الحضارة، وذلك في نفس الجامعة المشار إليها.

[4] هيأنا دراسة في هذا الموضوع - حول رؤية الأستاذ أنور الجندي للحضارة الإسلامية - نأمل أن تنشر لنا على صفحات شبكة الألوكة الرائدة هذه، في عدد لاحق إن شاء الله.

[5] بعد محاولات ضافية للبحث عن تلك المؤلفات، لم نقف إلا على بعض منها، وهي التي اعتمدناها منطلقًا لبيان موقف أنور الجندي من الحضارة الغربية.

[6] عالمية الإسلام، أنور الجندي، دار المعارف، القاهرة، ص 97.

[7] المرجع نفسه، ص 99.

[8] مقدمات العلوم والمناهج، أنور الجندي، دار الأنصار، ط 1، 1979م، ج 4، ص 743.

[9] صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب التعرب في الفتنة، حديث رقم: 7087.

[10] مقدمات العلوم والمناهج، أنور الجندي، ج 4، ص 743، بتصرف يسير.

[11] المرجع نفسه، ج 4، ص 748.

[12] إطار إسلامي للفكر المعاصر، أنور الجندي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1400هـ/1980، ص 164.

[13] مقدمات العلوم والمناهج ، ج 4، ص 744.

[14] حقائق مضيئة في وجه شبهات مثارة، أنور الجندي، دار الصحوة، القاهرة، ص 107.

[15] عالمية الإسلام، أنور الجندي، دار المعارف، القاهرة، ص 99.

[16] انظر: الوجودية مذهب إنساني، جان بول سارتر، ط 1، 1964م، ص 67.

[17] نحن وحضارة الغرب، أنور الجندي، دار الاعتصام، ص 12.

[18] مقدمات العلوم والمناهج، ج 4، ص 758.

[19] انظر: الحضارة الغربية والمجتمع المسلم، أنور الجندي، ضمن سلسلته: على طريق الأصالة.

[20] الحضارة في مفهوم الإسلام، أنور الجندي، سلسلة على طريق الأصالة الإسلامية، رقم 4، دار الأنصار، ص 24.

[21] المرجع والصفحة نفساهما.

[22] معالم الفكر العربي المعاصر، أنور الجندي، مطبعة الرسالة، ص 139.

[23] الحضارة في مفهوم الإسلام، أنور الجندي، سلسلة: على طريق الأصالة الإسلامية، دار الأنصار، القاهرة، ص 24.

[24] انظر كتابه: موت الغرب، الذي يرثي فيه ما آل إليه الغرب، مما ينم عن موته حضاريًّا وأخلاقيًّا، وقد أفصح عن أسماء كثير من البلدان الغربية التي شاخت، وآن أوان اندحارها بما كسبت أيديها.

[25] يفيد الاطلاع على كتابه: آلام العقل الغربي؛ ففيه شهادة تحمل حقائق صادقة، سجلها المؤلف حول معاناة العقل الغربي وشقائه.

[26] شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي، أنور الجندي، المكتب الإسلامي، دمشق، 1398هـ/ 1978م، ص 102، بتصرف يسير.

[27] المرجع نفسه، ص 24.

[28] الطريق إلى الأصالة والخروج من التبعية، أنور الجندي، دار الصحوة، 1405هـ/ 1985م، ص 104، 105.

[29] المرجع نفسه، ص 105.

[30] شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي، أنور الجندي، ص 102، 103.

[31] ما يختلف فيه الإسلام عن الفكر الغربي والماركسي، أنور الجندي، سلسلة دعوة الحق، رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، ص 139.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإعلام وفشل الحضارة الغربية في إنقاذ الإنسان !
  • المرأة في الحضارة الغربية جنس ثالث في طريقه إلى الظهور
  • الحضارة الغربية بين المقدس والمدنس
  • بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية
  • الانبهار بالحضارة الغربية المادية (1)
  • الحضارة الإسلامية في رؤية الأستاذ أنور الجندي
  • هل ستسقط حضارة الغرب؟
  • أزمة الحضارة الغربية المعاصرة
  • الجناح المكسور للحضارة الغربية

مختارات من الشبكة

  • تطور منهج التوثيق في الحضارة الإسلامية وواقع التوثيق في الحضارة الحديثة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحضارة الإسلامية ظلت الحضارة الأولى عالميًا لأكثر من عشرة قرون(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • حول مفهوم الحضارة(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • الانبهار بالحضارة الغربية المادية (4)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحضارة الإسلامية حضارة سلام لا إرهاب (PDF)(كتاب - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • الإعلام والحضارة الإسلامية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • تاريخ النظم العلمي في الحضارة الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحضارة عند مالك بن نبي(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • حضارة العدل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحضارة والثقافة والعالم المعاصر(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب