• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

ماذا يريد الغرب؟

ماذا يريد الغرب؟
علي القاضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/5/2015 ميلادي - 29/7/1436 هجري

الزيارات: 7204

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ماذا يريد الغرب؟


تبيَّن لنا من العرض السابق ما يلاقيه الغربُ من المتاعب التي ترتَّب عليها فقد الأمن بالنسبة للفرد وبالنسبة للمجتمع، إلى جانب الخسائر المادية والمعنوية التي يفتقدُها كلُّ شعبٍ من الشعوب الغربية، ولقد فشِلت كل التشريعات التي أقامَتْها المجتمعاتُ الغربية في بعث الأمن والاستقرار، وفي تلافي الأضرار الناتجة عن عدم استعمال العقوبات المناسبة.

 

يقولون: إن الحدود الإسلامية عقوبات قاسية، وفيها إيلام شديد لا يتناسب مع الجريمة، مما يجعل هذه الحدود ظالمةً!

 

يقولون هذا وهم يلاقون ما يلاقون من فشل في تأمين الأفراد والمجتمعات في دولِهم من زاوية، ومن زاوية أخرى فهم يُذِيقون الأفراد ألونًا من العقوبات لأشياء سياسية أو شخصية.

 

والإسلام الذي أقام الحدود حرَّم أن يُضرَب إنسان بغير حق، وأن يُجلَد ظهره إلا في حد، وأنذر باللعنة مَن ضرب إنسانًا ظلمًا، ومَن شهِده يُضرَب ولم يدفع عنه.

 

بل أكثر من هذا، فقد حرَّم الإسلام الإيذاء الأدبي للإنسان عن طريق اللمز والهمز، والتنابز بالألقاب، والسخرية، والغِيبة، وسوء الظن بالناس؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].

 

ثم كفل الإسلام للإنسان الاحترامَ بعد مماته؛ ولذلك أمر بغسله وتكفينه ودفنه، والنهي عن كسر عظمه، أو الاعتداء على جثته إلا لضرورة، وقد قام النبي عليه السلام حين رأى جنازةً، فقالوا: إنها ليهودي! فقال عليه الصلاة والسلام: ((أليست نفسًا؟!))؛ رواه البخاري.

 

كما حرَّم عِرْضه وسُمعتَه بعد موته، فقال عليه السلام: ((لا تذكروا موتاكم إلا بخير))؛ رواه أبو داود.

 

بل أكثر من هذا، فالإسلام يحترم كل ذي روحٍ من غير بني الإنسان، والحديث الذي يتحدث عن المرأة التي دخلت النارَ في هرَّة حبستها حتى ماتت جوعًا، فلا هي أطعمَتْها وسقَتْها، ولا هي تركَتْها تأكل من خشاش الأرض، والحديث الشريف الذي يروي الناحية المقابلة عن رضا الله - عز وجل - عن رجلٍ سقى كلبًا حين رآه فعرَف أنه يلهَثُ من العطشِ، فنزل البئر وملأ خفَّه وسقاه، فغفر الله له بذلك، ومن ذلك ما يروى من أن رجلاً أضجع شاةً وهو يحدُّ شفرته، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أتريد أن تميتَها مرتين؟! هلاَّ أحددت شفرتك قبل أن تضجعها!))؛ الطبراني، وقد نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يُتَّخذ شيءٌ فيه الروح غرضًا، ونحن في البلاد المتمدينة نرى صراع الدِّيَكة والثيران وما إلى ذلك.

 

وفي بني الإنسان نهى رسول الله عن الضرب في الوجه، وعن الوشم في الوجه، والكي؛ تكريمًا للإنسان؛ رواه مسلم.

 

وقد روى مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنتُ أضرِبُ غلامًا لي بالسوط، فسمعتُ صوتًا من خلفي: ((اعلَم أبا مسعود))، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((اعلَم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام))، فقلتُ: يا رسول الله، هو حرٌّ لوجه الله تعالى، فقال: ((أما لو لم تفعَلْ، للفحَتْك النار))، فإذا كانت الرحمة تصلُ إلى هذه الدرجة لغير بني الإنسان وللإنسان، فكيف يُتَّهم الإسلام بالقسوة في حدوده؟

إن الحد في الإسلام يقام مرة ليحمي المجتمع من فقد الأمن، ومن القسوة التي يلقاها أفراد المجتمع بين أفراده وجماعاته؛ من انتشار الفوضى على ما نرى في المجتمعات الغربية في العصر الحديث، ومن هنا فقد حرَص الإسلام على تمكين الأثر المترتِّب عليه، سواء من الناحية النفسية أم من الناحية الاجتماعية، وقانون العقوبات حين يُوضَع إنما يُقصَد به أن يكون جزاءً على عمل الشر والإفساد، فلا بد وأن تكونَ العقوبة رادعةً، ولو قرَن الغربيُّون هذه العقوبة وتأثيرها بالجريمة وآثارها، لو استحضروا فعل السارق وهو يسير ليلاً ويُشهِر السلاح ويُروِّع الآمنين في بيوتهم، لو أنهم نظروا إلى هذه الأشياء وقارنوها بقطع يد السارق الآثمة، لغيَّروا رأيهم، ولعلموا أن هذا هو الجزاء العادل.

 

ويتهم الغربيون الحدودَ الإسلامية بأنها لا تراعي أحوال المجرم النفسية، وأن المجرم مريضٌ يحتاج إلى علاج لا إلى عقوبة، وهذا كلامٌ ليس له ضابطٌ، وليس من السهل تحديده، وقد جربوا ألوانًا من العلاج الذي يقولون به، فلم يُفِدْهم ذلك شيئًا، وازدادت الجرائم، ولا تزال تزداد في كل مجتمع من المجتمعات المتحضرة، والإسلام يرى أن هذه الأشياء لا تصلح مبررًا لارتكاب الجريمة، ولا يصح أن يُفلِتَ المجرم من العقاب.

 

والحدود الإسلامية هي علاج حقيقي للمنحرف، حقيقة أنه عقاب قاسٍ، ولكنه عقاب لجرمٍ قاسٍ أيضًا، بعد أن أحاطه الإسلام بالضمانات الكافية في التربية الإسلامية التي تربط المسلم بالله تعالى، وفي التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وما إلى ذلك، نعم هو عقاب قاسٍ، ولكنه ناجعٌ، وفي الوقت نفسه مفيدٌ للشخص نفسه، هو كبتر الجزء المريض من جسم الإنسان، فإنه مع قسوته الظاهرة هو الرحمة بعينها؛ لأنها ستبقي على الجسم كله سليمًا يؤدِّي رسالته في هذه الحياة، فالذي لا يصلح فيه كل هذا لا بد من بتره، فذلك خير له وللمجتمع، ثم إن المجرم حين لا يوقع عليه الحد فإنه سيتمادى في إجرامه، وسيقوم صراعٌ بينه وبين المجتمع وأجهزة الأمن، وسيصيبه من جرَّاء ذلك أضعاف الحد.

 

ومع هذا، فقد راعى الإسلامُ شخصيةَ المجرم، فأعفى غير المسؤول من العقاب؛ كالمجنون، والمضطر، وما إلى ذلك، وجعل المسؤولية تبدأ من البلوغ، والإسلام أيضًا راعى أحوال المجرم في عقوبة الزنا، فالزاني غير المحصن عقوبتُه الجلد، وقد سدَّ الإسلام بذلك أبوابًا كثيرة من الفساد الذي لم تستطِع المجتمعاتُ المعاصرة سدَّها أو إيقاف تيارها، فمع أن الدول الغربية تُبِيح الاتصال الجنسي من غير حدودٍ، ما دام ذلك يتمُّ برضا الطرفين، فإننا نلاحظ أن الاغتصاب، وهو الذي لا يتم برضا الطرفين، بل يتم عن طريق العنف، هذا الاغتصاب يُمثِّل في أمريكا إحدى الجرائم الثلاثة الكبرى التي تحدُثُ كل ثلاث ثوانٍ؛ وهي: القتل، وسرقة البنوك، والاغتصاب، وقد بلغ عدد الفتيات اللاتي اغتُصِبن في أمريكا خلال عام 1975 55 ألف فتاة أمريكية طبقًا للتقريرات الرسمية، ومع ذلك فإن التقريرات غيرَ الرسمية ترفعُ هذا العدد إلى ثلاثة أضعاف، وبعض المهتمِّين بهذه النواحي يُؤكِّدون أن العدد يصلُ إلى نصف مليون فتاة، علمًا بأن بعض الفتيات يُقتَلن بعد عملية الاغتصاب.

 

وفي عقوبة السرقةِ راعى الإسلام ظروفَ المتَّهم، فالسرقة العادية عقوبتها القطع، ولكنها في الحرابة قطع اليد والرِّجل.

 

ومع هذا كله، فإن الشك في الحدود الإسلامية يُفسَّر لصالح المتهم، وفي الحديث الشريف: ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم))؛ رواه الترمذي، والحاكم، والبيهقي.

 

وعمر بن الخطاب يقول: "لأن أُعطِّل الحدود بالشبهات، أحبُّ إليَّ من أن أُقِيمَها بالشبهات".

 

ومنها شبهة المِلْكية في السرقة، ومن ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أنت ومالك لأبيك))؛ رواه الطبراني.

 

وفي شهادة الزنا، لو شهِد ثلاثةٌ وتراجع الرابع، فإن حدَّ الزنا لا يقام على المتهم، بل يقام حد القذف على الشهود؛ لأنهم في هذه الحالة يعتبرون كاذبينَ.

 

وفي القوانين الحديثة قاعدةٌ تقول: "لأن يُفلِت مجرم من العقاب، خير من أن يدان بريء"، وهي تماثل القاعدة الفقهية: (لأن يخطئ الإمام في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة)، ومعنى ذلك أن القاضي إذا تشكَّك في ارتكاب الجاني لجريمته، أو في انطباق النصِّ المبين للعقوبة على الفعل الذي أتاه، وجب تبرئة المتهم.

 

ثم إن في إقامة الحدِّ على المجرم في الإسلام مصلحةٌ مؤكدةٌ له؛ لأنها تخلِّصه من العقوبة في الآخرة، وفي معاقبته إذا أجرم تطهيرٌ له من الخطيئة في الدنيا؛ لأن عقابه يُوقِظ فيه معاني الإيمان الدفينة، وتحسسه بعظم تقصيرِه في جنب الله، مما أدى به إلى هذا العقاب، وهذا يجعله غالبًا يتوب إلى الله تعالى.

 

وتتميَّز الحدودُ الإسلامية في أن القانون يصلُ إلى كل إنسان في الدولة مهما كان مركزه، فلا ترتفِعُ المسؤولية الجنائية عن وزيرٍ أو رئيس دولة، ولا يملك رئيس الدولة حقَّ العفو لغيره أو لنفسه، والتاريخ يُحدِّثنا أن امرأةً مخزومية سرَقت فأهمَّ أمرُها المسلمين ووسَّطوا في شأنها أسامة بن زيد حِبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضِب غضبًا شديدًا وصعِد المنبر وقال للمسلمين: ((إنما أهلك الذين من قبلِكم أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد))؛ رواه أحمد.

 

والقضاء في الإسلام جزءٌ من الولاية العامَّة التي يتولاَّها الخليفة بنفسه أو ينيب عنه مَن يتولَّى القضاء، ويُحدِّد له اختصاصاته، وفي تنفيذ الأحكام كان القاضي يتولَّى بنفسه تنفيذَ ما يُصدِره من أحكام، ومن الجدير بالذكر أن القاضي كان لا يحتاج إلى معونة في تنفيذ الأحكام؛ لأنهم كانوا يُنفِّذونها من تلقاءِ أنفسهم، والشريعة الإسلامية لم تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات.

 

وتمتاز العقوبات الإسلامية بأنها تجعل المسؤولية شخصيةً، على عكس بعض الأنظمة الحديثة، والقرآن الكريم يحدد ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164].

 

ولعل هذا كلَّه هو الذي جعل مؤتمرَ مكافحة الجريمة المنعقدَ في جامعة دمشق عام 1972 يُقرِّر أن (التشريع الإسلامي هو أجدى تشريعٍ في مكافحة الجريمة)، وأن المؤتمر يهيب بالدولة أن تقتربَ في تشريعاتها من التشريع الإسلامي لمكافحة الجريمة.

 

والدول المتمدينة في العصر الحديث أهدرت حرية الإنسان، وحطمت كرامته؛ لأنه يعترِضُ على رأي الزعيم مثلاً، مما لا يكون أي لون من ألوان المخالفات في الإسلام، الأمر الذي جعل إنسان العصر الحديث يلاقي من الأهوال ما لم يلقَه إنسان على مدى التاريخ؛ ذلك لأن الذي يُحدِّد العقوبة هو الإنسان الحاكم الذي يهمُّه أن يعملَ لمصلحتِه، وأن ينتقم لكرامته، والإنسان قد يكون في قلبه بغضٌ أو حقد أو استعلاء، فهو ليس مؤتمنًا في وضع العقوبات، والحاكم يستخدم كل أجهزة الدولة في سبيل مصلحته وفي المحافظة على ملكه، ومع هذا كله فهم يقولون: إن الإسلام أهدر كرامة الإنسان وآدميته حين قرَّر الحدود، مع أن الإنسان الذي ارتكب عقوبة تستوجب الحدَّ هو الذي أهان نفسَه وتعدَّى على غيره، وهم يتكلَّمون كثيرًا في الزنا، وفي قسوة عقوبته، والإسلام له رأيٌ في الزنا تظهرُ أهميتُه في الآثار التي ترتَّبت على الزنا في المجتمعات الغربية، فحطَّمت الفرد كما حطمت المجتمع، وإن كانوا لا يُقرُّون بهذا صراحةً، ولا يدخل الزنا في باب الحرية الشخصية؛ لأن فيه إضرارًا بغيره، واعتداءً على الأسرة الإسلامية المتماسكة، وهدمًا لكيانها، وهي في نظر الإسلام الخليةُ الأولى التي يتكوَّن منها المجتمع، وفيه إشاعة للرِّيبة في النساء والزوجات، وتشكُّك في الأنساب، وتضييع للأطفال، وهذه كلها أخطار تُصِيب المجتمع، يضاف إليها نشر العزوف عن الزواج، وانتشار الأمراض المختلفة، إلى غير ذلك من الأضرار التي نراها منتشرةً في المجتمعات التي تُبِيح هذه الانحرافات؛ لذلك كان من حق المجتمع الإسلامي أن يحميَ نفسه من هذه الأضرار التي يسبِّبها الزنا، مع أنها لذَّة وقتية كان يمكن للزاني أن يحصل عليها بالزواج، وإذا كان متزوجًا فإنه يحصل عليها من زوجه، وتعسر الزواج إن وجد لا يعتبر مبررًا للزنا، فهناك مآرب أخرى لطاقة النشاط الجسمي في العمل المستمر وفي الصيام، وما إلى ذلك.

 

والزنا برضا الطرفين لا يجعله مشروعًا في الإسلام؛ لأنه لا يزيل الأضرار المختلفة المترتبة عليه، والأعراض ليس فيها بذل كالأموال؛ لأن الآثار المترتِّبة عليها تُصِيب الأفراد والجماعات، ومن هنا كان الحدُّ حقًّا لله - عز وجل - لا حقَّ الأفراد.

 

ومن تمام صيانة الأعراض في الإسلام أنه حفِظها حتى من الحديث عنها بغير دليلٍ، ومن هنا كان القاذفُ الذي يتَّهِم غيرَه بالفاحشة بدون أن يستطيع إقامةَ الدليل يعتبرُ كاذبًا وقاذفًا، ويقام الدليل على كذبه بجلدِه علانيةً، فهو الذي أهدر كرامةَ نفسِه بتعريضها للجلد حين اتَّخذ هذا الأسلوب في اتهام الناس.

 

وهكذا تحرِصُ التربية الإسلامية على طهارةِ المجتمع، وصيانته بالتربية المتكاملة، ثم يتمم ذلك القانونُ الإسلامي بإيجاد العقوبة التي تُسَاعِد على تحقيقِ هذه الطهارة، والمعترضون بعضهم يرى - من وجهة نظره - أنها ليست بجريمةٍ، وبعضُهم لا يرى هذه الخطورة، أو أنهم يرونها، ولكنهم لا يهتمون بها.

 

والحضارة الحديثة تحكمُ بالإعدام على جرائمَ قد تكون وهميةً، ومع ذلك فهم يقولون: إن قطع يد السارق وحشية قد انقضى عهدُها، فهي لا تليق بالفرد، وفيها إضرار بالمجتمع؛ لأنها تجعل المقطوع عاجزًا، وفي الحبس كفاية، والحبس لا يكفي، بل إنه ينشر أساليب الجرائم عن طريق مَن فيه كما بيَّنا، ثم إن وجود المقطوع عالةً على المجتمع خيرٌ من إبقائه سليمًا وهو يعيث في الأرض فسادًا.

 

والمدنية الحديثة ترى أن الإنسان حرٌّ في نفسه، ومن حرِّيته الشخصية أن يشربَ الخمر، فلا فرق بين شرب الخمر وشرب الماء، والإسلام يرى أن الإنسان ليس حرًّا في نفسه؛ لأن له رسالتَه في هذه الحياة، ولن يستطيع أن يؤدِّيَها كاملة إلا إذا كان سليم الجسم، سليم العقل، سليم النفس، ومَن الذي قال: إن الإنسان يعرفُ مصلحة نفسه؟ ونحن نرى أعدادًا من الناس يتصرَّفون تصرفات تعود عليهم بالضرر البالغ، ومن ذلك شرب الخمر الذي يضر بالجسم، ويضر بالعقل، ويقلل الإنتاج، وليس هذا فقط، بل إن الأضرار المختلفة ستنسحب على المجتمع من نواحٍ كثيرة.

 

والمدنيَّة الحديثة فيها ألوانٌ من التصرُّفات التي تدلُّ على عدم احترام الإنسان أو المحافظة على كرامته، ونحن نرى ونسمع عن الأجهزة المختلفة التي تقوم بالتجسُّس على الأفراد في بيوتهم، وفي محالِّ أعمالهم لترى مدى إخلاصهم للحزب أو للقائد، وترسل وراءه رجالاً في كل مكان يكتبون تقريرات عنه في ذلك، ولأدنى شبهة يُعذِّبونه بألوان من التعذيب النفسي والجسمي، وقد يبقى في المعتقل سنواتٍ يلاقي ما يلاقي، وقد يُقتَل أو يموت من التعذيب، وتتبعه أسرته وأصدقاؤه في ملاقاة المتاعب على أيدي رجال الحزب والمباحث والمخابرات، ومن هنا فإنه إذا كتم ردَّته فلا سبيل لأحد عليه، ولكن إذا أعلنها ففي ذلك تشجيع للمنافقين وتشكيك لضعاف العقيدة، وهذا يُؤدِّي إلى اضطرابِ المجتمع واهتزاز نظامه، ومن الواجب القضاءُ على جرثومة الفساد، ومع هذا فإن الإسلام يُعطِي المرتدَّ فرصةً للتوبة، ويُحبَس ثلاثة أيام، فإن تاب فبها ونعمت، وإلا وقعت عليه العقوبة وقُطِع دابره، وأصبح المجتمع سليمًا منه.

 

والإسلام يُحدِّد المواطن التي يُعاقَب فيها بالقتل، وقد حدَّدها النبي الكريم في قوله: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيِّب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة))؛ متفق عليه، وبهذا التحديد صار المسلمُ في المجتمع الإسلامي - الذي يحكم بالإسلام - يعيش في أمن وأمان، ولكنه تحت لواء المدنيَّة الحديثة يلاقي ما يلاقي لسبب أو لغير سبب، وإذا كان المسلم في ظل المجتمع الإسلامي يحرم على الجميع انتهاك ماله أو عِرْضه أو دمه، فإنه تحت لواء المدنية الحديثة لم يعُدْ يحس بشيء من ذلك كله.

 

وحين نُطبِّق الحدود الإسلامية وتُسدُّ المنافذُ أمام الشفاعة والمحسوبية، فإننا نكون بذلك قد أقمنا سورًا منيعًا لا يُفكِّر في اقتحامه إلا صنفٌ شاذّ التكوين من البشر، أو شاذ الدوافع، وهم قلة، وحينئذٍ تقوم الحدود بعلاجهم العلاج المناسب لجرائمهم.

 

خاتمة:

تهتمُّ كل دولة بأن يسودَ الأمن مجتمعَها، وهذا يدل على نجاحها في إدارة دفَّة الأمور، وفي صلاحية القوانين السائدة فيها؛ ولذلك فإنها تُعلِن عادةً في نهاية كل عام عن حالة الأمن فيها، وحين ينخفضُ معدَّل الجريمة تُهلِّل الحكومة - ومعها كل وسائل الدعاية والإعلام - لأن الدولة قد تمكَّنت من زيادة الأمن فيها للأفراد وحماية حرمات الناس وضبط المجتمع، ومعنى ذلك أنها نجحت في عملِها بمقدار ما حقَّقت من الأمن، وإلا فإن النظام الموجود في الدولة قاصرٌ عن تحقيق الأمن للأفراد والمجتمع، فتزيد أجهزة الأمن في الوسائل التي يستخدمونها لمراقبة المجرمين، والمجرمون بدورهم يقيمون أجهزةً مضادَّة لأجهزة الأمن ترصد حركاتها، وتقاومها، وتصيب من أفرادها بمقدار تعرُّضها لهم، بل إنها قد تقفُ أحيانًا متحدِّية لكل أجهزة الأمن، ولعل هذا هو الذي أوجد عصابات النشل والسرقة بالإكراه، والاختطاف، والغصب، والسطو الجماعي، والاغتيالات التي تُعرَف أسبابها أو التي لا تُعرَف، مما هو موجود في المجتمعات المعاصرة، ولا يوجد في المجتمعات التي تطبق الحدود في قديم الإنسانية أو حاضرها.

 

وقد لُوحِظ أن المجتمع الذي تُطبَّق فيه الحدود الإسلامية يتمتَّع أفراده بتوازنٍ نفسي من نوع يُرِيح ويُطمئن، ويجعل طاقاتِ الأفراد تتحوَّل إلى البناء والعمل المنتج؛ إذ لا يوجد للأفراد ما يصرفُ القوى الجسمية والنفسية عن مسالكِها السليمة، وبذلك تُصبِح قواهم الجسمية والنفسية والمالية سليمة، فيُقبِلون بها على البناء؛ وبذلك تُهيِّئ الحدودُ الإسلامية مناخًا حرًّا يتنفَّس فيه مَن عرَف كيف يحترم حريات الآخرين، وفي الوقت نفسه تُضيِّق الخناق، وتطارد مَن يُحدِّثون أنفسهم بالعدوان على الناس، كما تروِّع الخارجين على القوانين الإسلامية التي تعمل على إحاطة المجتمع بالأمن والاطمئنان.

 

ومن هنا كانت الحدود الإسلامية من مظاهرِ رحمة الله بعباده؛ لأنها تزجر الإنسان عن ارتكاب الجريمة، فيتخلص من الإثم، وإذا وقع في الجريمة فإن العقوبة بالنسبة له بمنزلة الكيِّ بالنسبة للمريض، أو بمنزلة قطع العضو الفاسد بالنسبة للمجتمع، والحرية الشخصية مشروطة بألا تُؤدِّيَ إلى أي نوعٍ من الإضرار بالنفس أو الإضرار بالمجتمع.

 

والإسلام يدرأ الحدود بالشبهات، ومن هنا فإن بعض الجرائم لا يمكن أن تثبُتَ إلا بالاعتراف كالزنا، والاعتراف من خصائص الإسلام؛ لأنه ناتج من التربية الإسلامية ومن تقوية ضمير المسلم وربطه بالله تعالى، ومن هنا فإن من الطبيعي أن يأتي رجلٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليقول له: يا رسول الله، طهِّرني بالحد، وكلمة (طهِّرني) تُبيِّن إلى أي مدًى كان ضميرُ المسلم قويًّا، وكيف أنه يريد أن يذهب إلى ربه طاهرًا سليمًا، وذلك بعد أن ضعُفَت إرادته في فترة من الفترات.

 

إن المجتمع الذي ليس فيه جرائم هو مجتمع مثالي لا يتوفَّر وجوده في هذه الحياة، ولكن هناك فرق بين أن يكون الانحراف حوادثَ فردية، وبين أن يكون ظاهرةً اجتماعية منتشرة تفقدُ الناس إحساسهم بالأمن.

 

والبلاد العربية التي لا تُطبِّق الحدود الإسلامية تزدادُ فيها الجرائم بصفةٍ دائمة، وقد أشارت الدراسةُ العربية إلى أن الكويت سجَّلت أعلى نسبة في جرائم الجنس؛ حيث سجلت 320 حالة بغاء واغتصاب عام 1972، وزادت هذه الحالات بنسبة 49% في السنوات الأربع التي تلتها، وفي الجزائر كانت حالات الاغتصاب عام 1972 (190) حالة، ثم زادت في الأربعة الأعوام التالية بنسبة 54%، وفي تونس كان عدد حالات الاغتصاب عام 1972 (2180) حالة، زادت بنسبة 83% في الأربع السنوات التي تليها، وفي السودان كان عدد الحالات عام 1972 (865) زاد بنسبة 123%.

 

ولعل الإحصائية الآتية التي أعدَّتْها هيئة الأمم المتحدة عن معدَّل الجريمة في بلاد تُطبِّق أحكام الشريعة الإسلامية بالمقارنة بمثيلتها في البلاد الغربية تُرِينا الفرقَ الهائل في نسبة الأمن في البلاد التي تُطبِّق الحدود الإسلامية، مع ملاحظة أن هناك أشياء تعتبر جرائم في التشريع الإسلامي، ولا تعتبر جرائم في التشريعات الوضعية مثل شرب الخمر والزنا، وقد أُذِيعت هذه الإحصائية في مؤتمر وزراء العدل الذي عُقِد في القاهرة في يناير عام 1979.

 

تقول إحصائية المنظمة الدولية:

إنه من بين كل مليون نسمة يرتكب الجريمة في السعودية 22 شخصًا، وفي فرنسا 32 ألف شخص، وفي كندا 75 ألف شخص، وفي فنلندا 63 ألف شخص، وفي ألمانيا الغربية 42 ألف شخص.

 

ومَن يتأمَّل هذه الإحصائية جيدًا يُدرِك إلى أي مدى كانت الحدود الإسلامية هي هدية الله إلى البشرية الضالَّة التي تريد أن تتمتَّع بالأمن والاستقرار، ولكنها أخطأت الطريق.

 

فإلى هذا العالَم الحائر الذي يريد أن يعيش في ظلال الأمن والاستقرار أُهدِي هذه الكلمات؛ علَّه ينظرُ بعين العدل والإنصاف إلى الحدود الإسلامية، فيكف عن مهاجمتها، ويحاول أن يستفيد بها في حل مشكلاته المتزايدة، واللهُ الذي حدَّدها هو الله الذي خلق البشر، والذي يعلم السر وأخفى، والذي يحيط علمه بكل شيء، وهو أدرى بما يصلحُ لعباده الذين خلقهم وكرمهم وفضَّلهم على سائر مخلوقاته، ليحققوا الخلافة في عمارة الأرض ونشر العدالة والأمن والسلام فيها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • موت الغرب
  • المسلمون في الغرب

مختارات من الشبكة

  • ماذا لو سكت من لا يعلم؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإسلام والغرب (مراحل الحديث عن الإسلام في الغرب)(مقالة - ملفات خاصة)
  • قراءة في بواكير المواجهة مع الغرب (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشرق والغرب: منطلقات العلاقات ومحدداتها (المناهضة)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • تفريعات وتقسيمات الغرب(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التغريب)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • 45% من مسلمي أوروبا يعتقدون أن الغرب يريد تدمير الإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ثنائيات تلتقي(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • نظرية السياق في التراث العربي: "دراسة وصفية مقاربة بين الغرب والعرب"(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الشرق والغرب: منطلقات العلاقات ومحدداتها (الالتقاء)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب