• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

أخرجوهم إنهم أناس يتطهرون!

حسن فاضلي أبوالفضل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/5/2015 ميلادي - 24/7/1436 هجري

الزيارات: 20203

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أخرجوهم إنهم أناس يتطهرون!


وردت لفظة "خَرَج" في القرآن الكريم في غير ما موضعٍ، وبصِيَغ وتصريفاتٍ مختلفة، تقتضيها السياقات القرآنية الإيمانية والتاريخية والتركيبية الأسلوبيَّة وغيرها، ومِن تلكم السياقات القرآنية ما ذكره اللهُ عزَّ وجلَّ في قصَّة لوط عليه السلام مع قومِه، مع ما تضمنَته مما لا يُحصى من العقائد والأحكام والتوجيهات والدروس وغيرِ ذلك.

 

واللفظة كما عند الراغب رحمه الله تعني: "بَرَز من مقرِّه أو حاله"، سواء كان مقرُّه دارًا أو بلدًا أو ثوبًا، وسواء كان حالُه حالة في نفسِه أو في أسبابه الخارجة[1]، وعموم المعنى عنده يدلُّ على الانتقال من موضعٍ إلى آخر، أو من وَضْعٍ إلى آخر.

 

غير أن هذا الانتقال أو الخروج قد يكون من رَغبة الذَّات، وقد يكون ضدًّا عن رغبة الذات، والثاني: هو ما ذكره القرآن الكريم عن لوطٍ عليه السلام مع قومه.

 

وإن كانت قصَّته عظيمةً في القرآن، إلا أننا اخترنا منها ما ارتبط برفضِ العفَّة والصلاحِ، وتوقيفِ الدعوة إلى الله ومحاربتِها؛ لاستمرار ذلك وغيره إلى يوم الناسِ هذا، مع ما حصل من تطوُّر في الأشكالِ والأساليب التي يتمُّ بها هذا الرفض والإبعاد.

 

والأصلُ عندنا أن البدْء من القرآن، ثم إلى متعلقات القصَّة من أهل الرفض والإخراج، ثم إلى فكرِهم وظنونهم:

1- قال الله عزَّ وجل: ﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾[2].

والآية نقلَت إلينا ما وصل إليه هؤلاء من دَرَكات الشرِّ والفساد والإسرافِ؛ فبعد أن أنكر عليهم لوطٌ عليه السلام إِتْيانهم الرجالَ شهوةً من دون النساء، كان جوابهم ما ذُكر في الآية؛ فقوله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ دالٌّ على أنهم ما وقفوا على جوابٍ آخر غير هذا؛ لِنَبْعِه من كراهة الصلاح والعفة وفسادِ الفطرة، ولأن فطرتهم هاته قد قُلِبت؛ ظهر الإيمان والصلاح في شكل فساد، والعكس بالعكس عندهم، ولو أنهم بحثوا عن جوابٍ آخر غير هذا - أقلَّ ظلمًا - لَما وجدوا؛ لأن الفطرة المنتكسة تأبَى إلا أن تصل بالإنسان إلى أخسِّ دركاتِ الظلم والعدوان.

 

والآية مُشعرة في سياقِها باجتماعهم وتوحُّدِهم واتِّفاقهم على جوابٍ واحدٍ نابع عن تشابُه فطَرِهم، وهكذا يشنُّ الحرب - عبر التاريخ - على أهل الإيمان والصلاح.

 

وقوله تبارك وتعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ﴾ مؤكِّدٌ بأداةِ الاستثناء (إلاَّ) ما وردَ في بداية الآية من الحَصْر؛ والمعنى أنهم لما أجمعوا على نفسِ الجواب، أجمعوا على نفس الوسيلة؛ وهي الإخراج والنَّفي والطَّرد.

 

والإخراج هذا مُنبئ عن حقيقة الرفضِ؛ ولذلك أبعدوهم عن قريتِهم؛ لأن الفِطَر والقلوب المختلفة لا تجتمع في قرية واحدة، وهذه حقيقةٌ نفسيَّة أفصحَت عنها في إشارةٍ دقيقةٍ نقلها القرآن في قولهم: ﴿ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ﴾ باتِّخاذهم وسائطَ بشريَّة تباشر فعلَ الإخراج وتَعمله؛ وكأنه لتباعدِ الفطرتين دفعَتْهم فطرتُهم "السافلة" لاتِّخاذ مسافةٍ أكبر من الفطرةِ السليمة، وما قالوا: (اخرُجوا من قريتنا) الدالَّة على الاقترابِ ومباشرة فعل الإخراج، لكن الفطرةَ الفاسدة المريضة تكرهُ الفطرةَ النقيَّة السليمة وترفضها، بل وتتَّخذ وسائطَ بينها وبينها.

 

وقولهم: ﴿ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ﴾ هكذا بعبارةِ التمليك والخصوصيَّة، والمعنى: أنهم ما أقدموا على إخراجِ "لوطٍ" عليه السلام ومَن معه إلا بعد اعتقادهم الملكيَّة التامَّة للقرية، فإذًا لا مكان لغيرهم إلاَّ خارجها.

 

ثم جاء التعليلُ والسبب في الطَّرد والإخراجِ: ﴿ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ بصيغة المخاطَب الغائب، المشعرة دائمًا بعدم المقابلةِ والامتناع عن المحادَثة المباشرة، وجاء لفظُ الوصفِ في زمنِ المضارع؛ لدلالته على زمن الحاضرِ مقبلاً على زمن المستقبل.

 

"ووصْفُهم بالتطهُّر يمكن أن يكون على حقيقته، وأنهم أرادوا أن هؤلاء يتنزَّهون عن الوقوع في هذه الفاحشة؛ فلا يساكنوننا في قريتنا، ويحتمل أنهم قالوا ذلك عن طريق السُّخرية والاستهزاء"[3]، وأن وصفَهم بالتطهُّر كان استهزاءً بإيمانهم وعفَّتهم وطهارتهم، وذلك على عادة الكُفر والخُبث أن يسخرَ ويستهزئ بالإيمان والطهارة منذ ظهرا - أي: الكفرُ والخبث - إلى الآن، متَّخذًا أشكالاً وصورًا وصنوفًا مختلفة، مِن أعلى العقيدة والتوحيد إلى أدنى شعبِ الإيمان، وما بينهما من أمور الدين والدولة.

 

2 - القصد من الآية المختارة ليس الوقوف على المعصيةِ المبتدعَة من قومِ لوطٍ عليه السلام، وما تعلَّق بها من أحكامٍ فقهيَّة؛ فذلك مبسوطٌ في موضعه، وإنما الوقوف على جوابِ قوم لوط عليه السلام - الفعلي والتصرُّفي - عن النصيحة التبليغية[4]، والأمر والنهي الدعويين[5]؛ إذ الجواب - كما سبق - الطَّرد والإخراج مع غايةِ الشدَّة والقسوة.

 

وقد قلتُ: إن له - أي: لهذا الجواب - صنوفًا وتلاوين مختلفة، ملازمة دائمًا للإنسان ومنتوجاته الحضارية.

 

ومن تلك الصنوف: صنف البلد هذا وما كان من بعض أجزائه[6]؛ من طردٍ وإخراجٍ للطهارة والعفَّة متناهيين، تختلف في أساليبها وتتَّحد - طبعًا - في هدفها؛ ألا وهو إخراجُ الدين بما هو عقيدة وشريعة، وعبادة وأخلاق، ونظام ودولة وسياسة، ومنهج للتفكير والحياة والسعادة.

 

فمِن داخلٍ من بوابة المرأة، ومن داخلٍ من بوابة الحريَّة، ومن داخلٍ من بوَّابة الإعلام، ومن داخلٍ من بوابة اللُّغة واللَّهجة والتواصل، ومن داخل من بوابة السفاهة والغباء، فأقسموا جميعًا بآلهتهم على أن يكون كلُّ ذلك عندنا وفينا، أو على الأقل البعضُ منه، مع تحيُّن الفرصة - دائمًا - لإتمامِ كلِّ ذلك.

 

وبالمباشر أجمعوا على إخراج الإسلام[7] - قرآنًا وسنَّة - من "المغرِب"، وللأسف فإن الفكرةَ الهزيلة هاته غير نابعةٍ من المجال التداولي الطبيعي الأصلي الترابي؛ بل هي لأسيادِهم وأساتذَتهم، بل لسيداتهم وأستاذاتهم، وبئس الأستاذ والسيد هذا.

 

لأجل ذلك كانت محاولاتُهم لاستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ، وأي خيرٍ أعظم من الإسلام؛ قرآنًا وسنَّة ومنهجًا للحياة؟ وأي نعمة أكمل وأتمُّ من الإسلام؟

قلت: فكانت محاولاتهم في البحث عن هُويةٍ أخرى للمغارِبة، فما وجدوا أفضلَ من الكونية والعَلمانية وما يصاحبها من إغراءات في الأسامي والتعابير، وكأني بهم استوعبوا التمويهَ إلى حدِّ رؤيتهم "المغرب" المسلم يتنازل عن عقيدتِه وهويته لفكرتهم الميتة هاته، فمن قال: إن هذا قد حصل أو سيحصل - كليًّا - فهو كذَّاب أشِر، ولن يحصل ذلك بإذن الله، فمحالٌ قطعًا أن يُعدم وأن يُخرج من يَتَّخذ كتابَ الله عز وجل الواحدِ القهار الرحمن الرحيم كتابًا بحقٍّ، ويتخذ سنَّة النبي محمدٍ سيد ولد آدم، الرحمةِ المهداة صلى الله عليه وسلم، منهجًا للعلم والعمل والعبادةِ والحياة، مِن طرف مَن لا كتاب له بحقٍّ ولا منهج ولا حياة أبدًا.

 

فالأمر غاية في الاستحالة؛ إذ من مبشِّرات ما في كتاب الله حقًّا أن ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 27]، في كلِّ شيء وفي أيِّ شيء، وبالتاريخ الإسلامي - أو بحرفٍ منه فقط - نستدلُّ على ذلك، فجميعنا يعرف يقينًا وقطعًا "أن الشعبَ المغربيَّ شعبٌ مسلم، وأنه مجتمعٌ إسلامي، وأن نموذجه المختار - لخمسة عشر قرنًا متتالية - هو نموذج المجتمعِ الإسلامي، حتى ولو أُصيب هذا النموذج ببعضِ الآفات والنَّكسات لأسبابٍ ذاتية أو خارجية.

 

أما وأن المغرب قد اختار نموذجًا مجتمعيًّا آخر، وهُوية أخرى، وانتماء آخر، فلا ندري من قرَّر ذلك؟ ومتى وكيف؟ وما مضمونُ هذا الاختيار؟ وما علاقتُه بالهُوية الدينية والاختيارات التاريخية للشعب المغربي؟"[8].

 

والتاريخ - دائمًا - سينطق بهذه الشهادة، وأن الدين الإسلاميَّ مستمرٌّ وسيبقى دائمًا؛ لأنه دين الخالق عزَّ وجلَّ، وهو الذي ارتضاه لعباده وللناسِ كافَّة؛ فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21]؛ ففيه النجاحُ وفيه السعادة، وفيه منهج الحياة، وفيه إعمالُ العقل، وفيه الخُلُق الرفيع، وفيه النظر السليم، وفيه جمال الروح والجسد...، وفيه، وفيه.

 

وفي أحسن أحوالهم - واضطرارًا - يخطون خطوةً إلى الوراء، ويقرُّون - على مضض - أن البلد مسلمٌ، وأن ذلك راجعٌ إلى حريَّة الناس في الاختيار، غير أن كلَّ ذلك لا ينبغي أن يتدخَّل في مؤسسات الدَّولة، وأن يبقى المذهب حبيسَ المسجد لا يتجاوزه إلى حياةِ الناس وتصرُّفاتهم.

 

وتأمَّل استغراب التاريخ من هذا الافتراض الكاذب؛ إذ لم يكن المذهب في تاريخِ المغرب "مذهبًا منحصرًا في المساجد والمدارسِ الدينية، ولم يكن خاصًّا بفتاوى العبادات وبعض المحرَّمات؛ بل كان مذهبَ السياسة والحُكم، ومذهبَ المال والاقتصاد، ومذهب القضاءِ والقُضاة، ومذهبَ المفتين والمربِّين...، ومذهب المجاهدين والمرابطين، ومذهب التجَّار والصنَّاع، ومذهب الشُّرطة والمحتسبين، ومذهب الفلاَّحين والكسابين، وباختصار: لقد كان مذهب الدِّين والدنيا، ومذهب الدولة والمجتمع"[9].

 

وتاريخٌ هذا شأنه أشدُّ مرارة على تلك الأجزاء الكائناتية، ولكن على عادتِهم منذ ظهر العداءُ للإيمان وللطهارة، وهم في كدٍّ وشقاءٍ لتبديلِ فطرة الناس كما بُدِّلَت فطرتُهم، وفي جهد مقيتٍ لإطفاءِ نور الله تعالى، ويأبى الله إلا أن يتمَّ نوره ولو كره المشركون والكافرون... وهؤلاء.

 

وانظر، فإن هذا اقتلاعٌ للدِّين من أصله، وتفريغٌ للإنسان من إيمانِه وروحه؛ قصدًا إلى المُواطن العالمي - زعموا - الذي يعيش لا لشيءٍ إلا ليعيش، ثم لا فرق بينه وبين باقي الكائنات الكونية، والإنسان العاقلُ الحكيم لا يرضى الكائناتية؛ بل الإنسانية، وهي لا تكون إلا إذا ارتبطَت بالسماء اعتقادًا وعبادة وأخلاقًا ومنهجًا، وإلاَّ فلا.

 

3- هذا المواطن العالمي أو الكائن الكوني - زعموا - الذي لا يعرف حدودًا: لا يعرف حلالاً ولا حرامًا، لا يعرف أمرًا ولا نهيًا، لا يعرف حياء ولا خُلُقًا؛ أي: لا يعترف بشيءٍ إلا بشيئه هو المقصود إخراجه وتصنيعه[10] وانتشاره، والفكرة هذه نابعةٌ من ضعفِ أناهم ومرضها، بل وموتها، ومن اتِّباع وتقليد هواهم[11]، اللامنتمي للعقيدة والحضارةِ والتاريخ، على عادة القاعدةِ المطَّردة في تقليد الضعيف للقوي سعيًا متلهفًا لإدراكه واللحاق به في غير عقيدة ولا أخلاق، بعد حبٍّ وإعجابٍ لا متناهيين.

 

ومن هنا تولَّد عنوان التقييم؛ وهو التقييمُ البدني والميكانيكي للإنسان ومنجزاته، الأمر الذي ينبئ في الحقيقة عن جهلٍ بالإنسان كبير، وعن تشريحٍ بدائي لمُشقياته ومُسعداته، وعن غشٍّ في إدراكِ عمومِ هذا الإنسان وكله، وإلاَّ لو كان العكس لما رأينا الارتفاع المهول في نسبةِ الأمراضِ النفسيَّة والعصبية والعقلية والجنسية...، انتهاء بكلِّ أشكال الجريمة والانتحار[12].

 

قلت: السبب في كلِّ هذا وغيره اعتمادُ التقييم، ومِن بعده التقويم البدني الميكانيكي، واعتماد الظن الأحادي - والجزئي - في الفهمِ والتعليل والتفسير، ومن بعده في التقويم والعلاج، هذا النوع من التقييم غير مستحدَث الآن ابتداءً، بل ضارب في أعماق التاريخ الإنساني.

 

وقصَّة لوط عليه السلام مع قومه - في بداية الكلام - من هذا النوع؛ بحيث كان التقييم فقط للجانب البدني السفلي - والسفلي فقط -؛ ولذلك كان من الإخراج ما كان.

 

إن الفكرة عند هذه الأجزاء الإنسانية غريبة جدًّا عن المجال التداولي؛ إذ هي موردة بدون أي رقابة علمية وأخلاقية وعقدية، من مجالٍ مختلف جدًّا عرف صراعات بين العقل والدِّين الكنَسِي، انتصر فيه الأول بعد طولِ معارك، الأمر الذي أدَّى إلى إقصاء الثاني لأسبابٍ طبيعية وعلمية ومنهجية.

 

أما وأن يُعتمد منهج الإقصاء ها هنا - ومِن بعده السعي في الإخراج - فليس ذلك من العلمِ والفهم في شيء؛ إذ المجال عندنا ما عرف شيئًا اسمه الصراع بين العلمِ والدين أو بين العقلِ والأخلاق، وإنما كل ذلك في دين الإسلام، ولأن الأجرة الميكانيكيَّة البدنية حاصلة، نجد ضروبًا شتَّى من المحاصرةِ للدعوة إلى عودةِ الدين الإسلامي - بعد تأثُّر هذه الدعوة قليلاً أو جزئيًّا أو مرحليًّا أو تاريخيًّا أو جغرافيًّا بجهلِ هؤلاء وظلمهم وتغليطِهم وتحريفهم - بما هي دعوة تنويريَّة تحريرية ربَّانية عامَّة سلوكية حية، بلغت النهايةَ في وصل الإنسان بربه، ولأنها لا كسائر الدعوات؛ "فلا غرابة أن تتولَّى الدعوات غير الربانية أو غير الإنسانية، أو غير الحياتية مخاصمتها، ويعمل بعضها بشتَّى الوسائل على قطعِ أسباب التنويرِ والتحرير التي تحملها، فضلاً عن السعي إلى مَحْو صبغتها العمومية والسلوكية، والقانون مطَّرد على أنه ما من دعوةٍ صالحة إلاَّ ووجدَت في طريقها دعوةً فاسدة تدافعها، فما الظنُّ إذا كانت هي أصلح الدعوات شأن الدعوة إلى رجوع الإسلام؟

والذي يقلِّب نظرَه في مظاهر هذه المخاصمة المتزايدة لهذه الدعوة - الأصلح - مِن حولِه وفي أفقه، فلا بدَّ من أن يتبيَّن أن أشدَّها إساءةً لها في هذا الطور من أطوارها إنما هو (المحاصرة)، فالدعوة إلى رجوع الدينِ الإسلامي في أخلاقِه المسدَّدة والمؤيَّدة؛ هي اليوم - من دون غيرها - دعوة محاصَرة بما لا يحاصَر به غيرها"[13].

 

ولا شكَّ قطعًا في هذه المحاصرة؛ لفظًا وكتابة ورمزًا وإشارة وصورة، رجالاً ونساء، إلى حد أن ذكرَ جزءٌ من هذه الأجزاء الإنسانية[14] - بكل صفاقة وحرية - أن "المدرسة المغربية تُخَرج المؤمنين بدل المواطنين"، ولأن الفطرة سُلبت فهو يتمنَّى أن تُخرج المدرسةُ المغربية مواطنين عالميِّين لا حدود لهم ولا اعتقاد ولا دينَ ولا أخلاق ولا حياء، وبالتالي لا طهارة ولا رِفعة ولا عزَّة، وإنما الإلحاد والكُفر والنَّجاسة والذُّل والقبح والإجرام والاكتئاب والانتحار...

 

ومن هنا نكون أمام مصنعٍ ميكانيكيٍّ لتخريج أجزاء إنسانيَّة تعيش للقطع السفليَّة وللدماغ المجوف؛ ولذلك كانت عبارة هذا الجزء الإنساني المتكلِّم: "ظلمًا لا غبار عليه، وبما أن الظلم يكون على قدرِ الشيء الذي نزل به؛ بحيث إذا زادَت رتبته زاد، وإذا نقصَت نقص؛ فإن ظلم هذه الدعوة الإحيائية يكون قد بلغ النهايةَ في الظُّلم؛ ما دام أنه لا شيء يعلو على الدعوة إلى التمسُّكِ بدين الله عزَّ وجل لفظًا ومعنًى ودلالة وإحالة"[15]، وكأني بالآية القرآنية ﴿ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا ﴾ [الأعراف: 88] تعنينا الآن وبالتحديد.

 

ومن هنا تأكَّدت القاعدة المطَّردة: أن العداء والإخراج والمحاصرة للعقيدةِ والإيمان والخُلق حاصلٌ، والقاعدة كذلك مطَّردة: أن العزَّة والنصرة والحسنَى لأهلِ العقيدة والإيمان والطهارة، وأن الذُّلَّ والخيبة والصغار لأعدائهم.



[1] معجم مفردات ألفاظ القرآن، مادة (خ ر ج).

[2] سورة الأعراف، الآية 82.

[3] فتح القدير؛ الشوكاني رحمه الله، ج 2، ص 315.

[4] ليس نسبة إلى الجماعة/ الفرقة المعروفة؛ وإنما إلى البلاغ؛ أي: التبليغ، بما أن لوطًا عليه السلام مبلِّغ عن ربه تبارك وتعالى.

[5] نسبة إلى الدعوة إلى الله تعالى، وما تقتضيه من آداب وأساليب.

[6] كان التعبير بالأجزاء عن البشر؛ لأن هؤلاء أعدموا الخصائصَ الإنسانية والبشرية فيهم، وبقيَت الأجزاء الميكانيكية تتحرك.

[7] بما هو شرع الله تعالى الجامع لمصالح الإنسان الدينية والدنيوية.

[8] مراجعات ومدافعات؛ أحمد الريسوني، ص 77.

[9] مراجعات ومدافعات ،أحمد الريسوني ،ص 88

[10] عبَّرت بالتصنيع ها هنا؛ لأنه أبلغ في الدلالة وألصق بالمعني به؛ إذ الكائنات الميكانيكية مُصنَّعة ومُتحكَّم فيها من مُصَنِّعها.

[11] جمع لضمير المخاطب المفرد الغائب.

[12] كل ذلك - وغيره كثير - في تقارير المنظمة العالمية للصحة.

[13] سؤال الأخلاق؛ طه عبدالرحمن، ص 177.

[14] من الطهارة والنظافة والأناقة عدم ذكر اسمه.

[15] سؤال الأخلاق؛ طه عبدالرحمن، ص 177.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أناس لا يتطهرون
  • أناس يتطهرون (قصيدة)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: من حج هـذا البيت(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • أخرج المكنون (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • {فأخرجهما مما كانا فيه} "آلية عمل الشيطان"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • كيف أخرج من علاقة غير شرعية؟(استشارة - الاستشارات)
  • تفسير: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تجربة حب عنيفة، كيف أخرج منها؟(استشارة - الاستشارات)
  • تفسير قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: ﴿ كزرع أخرج شطأه ﴾ في الثناء على الصحابة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب