• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

لغة العنف

لغة العنف
بكر البعداني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/1/2015 ميلادي - 21/3/1436 هجري

الزيارات: 15308

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لغة العنف

 

الحمد لله واضع الموازين، والذي ارتضى لنا دين الإسلام ودعا إليه، وحث عباده على العدل والإحسان، ونهاهم عن الظلم والاعتداء والطغيان، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على إمام الهدى والخير نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فبادئ ذي بدء أحمد الله - عز وجل - وأشكره، حق شكره، وأحمده حق حمده، وكما ينبغي له - عز وجل - على أن هداني إلى الإسلام الحنيف السمح، ووفقني إلى الدين الصحيح، وأرشدني إلى المنهج الصافي المتضمن للعقيدة السلفية، والتي أرشدنا إليها، ودلنا عليها رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم - والتي كان عليها سلف هذه الأمة - رضي الله عنهم جميعًا - وأئمة السنة - رحمهم الله جميعًا، والتي من تمسك بها وعمل بها وفقه للخير وهداه، وألهمه رشده وأنجاه.

 

ثم إن مما ينبغي أن يعلم أن أحد هذه الأصول المستقاة من هذا المنهج الثر، والمعين الصافي: نبذ لغة العنف - وهي ما تقابل الرفق وتضاده[1]، وتصحبها وتلازمها الشدة والمشقة[2]، وهي بمعزل عن لين الجانب ولطافة الفعل، كما هو معلوم - وكذا ينبغي نبذ كل مظاهرها وأنواعها، وأشكالها وصورها، ومحاربتها ابتداءً، وكل أسبابها، والتي لعل من أهمها ما بينه الله - عز وجل بقوله: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. فالجهل أو العمى، والظلم أو الهوى، هما السبابان الرئيسيان في ظهور لغة العنف، وفشوها وانتشارها، ولقد كانت له - أي: لهذا المنهج الإسلامي المصفى - الصدارة في ذلك؛ لأنه تفرد عن غيره بالاهتمام بكل ما من شأنه أن يرسي ويؤسس للغة الرفق، وما تفرع عنها من قواعد لغة الحوار النافع، والارتقاء والترقي بلغة التخاطب والتحاور، والتقعيد لآداب الخلاف والاختلاف، وكذا - وكما يقول: بعض أهل العلم -: الاهتمام بالمقابل بالجوانب الزجرية والعقابية؛ والتي من شأنها أن تكون سببًا في محو لغة العنف هذه، وطمسها من القواميس وآثارها؛ ولأنها تحرص على المنع من معاودتها وتكرارها؛ ولهذا فإن لغة العنف والتي دومًا ما تحمل في طياتها دلالات وإيحاءات سلبية هي - يقينًا - من صنع الدوائر السياسية والإعلامية الغربية؛ ذلك أن للإسلام موقف ثابت وصارم - لا يتغير ولا يتبدل - وهو: نبذ كل ما يرتبط بلغة العنف هذه - والتي يراد منها عدم الرفق، وسنشير إليه لاحقًا -، وكذا نبذ كل ما يتبعها ويلتصق بها من مفاهيم متنوعة، تماثلها وتشابهها.

 

إذًا: فهي - في الحقيقة، وبأدنى تأمل ونظر - ظاهرة غريبة عن سمات الإسلام المصفى، دخيلة عليه؛ ولذلك كان ولا يزال الدين الإسلامي هو الوسيلة الوحيدة التي تؤصل وتؤسس للتفاهم، وهو - أيضًا - خير سبيل للتعبير عن احتياجات ورغبات الإنسان وهو وحده الذي يضمن له العيش الهانئ، دونما حاجة من اللجوء إلى لغة العنف، ومثيلاتها.

 

وهذا - طبعًا - بخلاف ما عليه المناهج البشرية الجاهلية، وإن زعموا وتشدقوا بغيره - ومنها - مثلًا -: القوانين الوضعية - التي امتلأت بها الساحات اليوم -، والتي لم تعر هذا الأمر انتباهًا أصلًا، اللهم إلا ما يكون - ولا يكاد يذكر - من معالجة طفيفة وسطحية لشيء من لغة العنف بعد وقوعها - مع التنبيه على اختلاف معاييرهم التقييمية له - ودون وضع ليدهم على الداء وأسبابه، والاهتمام بالجوانب الوقائية والتربوية، والتي تسهم وإلى حد كبير من منع حدوثه ابتداءً؛ والحيلولة دون وقوعه، أو - وعلى الأقل - للتقليل منه، وكذا وضع منهج واضح وجلي يقوم على أصول علمية منضبطة، وأسس عملية نافعة في ذلك، ناهيك عن خوضهم فيها تبعًا لرغباتهم وحاجياتهم ومصالحهم.

 

وبعد هذه التقدمة المختصرة أقول: إن موضوع مقالي هذا هو حول: لغة العنف - والتي كما أشرنا سابقًا تضاد لغة الرفق من كل وجه - ذات السم الناقع، وصاحبة الموت الزعاف، والتي تعتبر صورة وحشية من صور الاعتداء، والله - عز وجل - يقول: ﴿ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، كما أنها تعد سببًا رئيسيًا من أسباب العناد، ورد الحق وغمطه، ودمغ الخير وغمصه، والتمادي في الباطل ونصرته، وعدم قبول النصح، إلى غير ذلك من مركباتها ومحتوياتها ونتائجها الباطلة الفاسدة، المشينة الوافدة على الإسلام وأهله، والتي يحاول - منها وبها - صاحبها؛ ترويج ما معه ونشره على الغير، بالسفاهة والشغب، وبطول اللسان واللَّغْب، وبالحيل الباطلة، والطرق الغالية، والتي - ومع أنها هي هي - إلا أنها قد تختلف من صورة لأخرى، ومن شخص إلى أخر.

 

تنبيه:

وقبل ذكر شيء من هذا أو بيان ذاك، فإني أجدني غير محتاج بحال إلى الوقوف على تعريف لغة العنف، أو إيضاحها وبيان مفهومها ومفرداتها، لا لأنها غنية عن التعريف وحسب؛ ولكن لأنها - وباختصار -: واضحة بينت، بل ومسفرة كما يسفر الصبح، ولا تحتاج حتى إلى أدنى تأمل، ذلك أن هذا المسمى ومع شدة خطورته، وعظم جريرته، إلا أنه واضح المراد والمقصود - كما أشرنا سابقًا، حتى أنه لا يلبث أن ينتهي الواحد منا من لفظها أو كتابتها..، إلا ويصل المراد منه مباشرة إلى المتلقي، ويتبادر ويبتدر إليه معناها، ويتبين - ودون تكلف للفهم أو عناء -: أنها تلك اللغة التي تنتهج الشدة والتهديد، والقوة والتوبيخ، والخنق والتضييق، والتي تسوم المخالف الدواهي الأقورينا[3]، وتوقعه في غبار وجلبة وشر، كما أنها كثيرًا ما تنتهج سياسة القمع العنيفة، والصدامِات المروعة، والتي قد توصل في نهاية المطاف إلى لغة السلاح والدمِ الخطيرة. فتورث الغيظ، وتحلل النقمة، وتلحق النكال؛ ولذلك كثيرًا ما تكون عاقبتها موجعة، ونهاياتها فاجعة، بل وتجعل أهلها مثلة للناظرين، وعظة للمتبصرين، وعبرة في الغابرين، ومثلًا وأحدوثة في الآخرين.

 

ومع هذا كله فقد انتشرت هذه اللغة - وللأسف الشديد - حتى باتت تطغى على الكثير من الصراعات والخصومات والخلافات والكتابات..، القديمة منها، وحتى المعاصرة، بين الكثير من الأحزاب والتجمعات والجماعات والقوى السياسية والثقافية والفكرية، والقبلية...، وفي كثير - وللأسف الشديد - من الدول الإسلامية.

 

بل لقد أصبحت هذه اللغة - الركيكة والهزيلة - هي التي تطفو على السطح في الكثير والكثير من صور التصارع والتصادم، والغير مبرر في الكثير من صوره، بل والذي قد يصل بالكثيرين من أهله - ممن ينتسبون إلى الإسلام - إلى حمل السلاح في سبيل - لا أقول إيصال عقيدته أو حتى رأيه أو فكره أو...، بل حتى لفرض ما يراه ويسعى إليه من روئ ضيقة، ومصالح آنية شخصية دنيوية بحته، ناهيك عن بعدها عن الحق - بله الصواب - كل البعد، فضلًا أن تكون هي الحق كما قد يزعم، هذا إذا ما سلمت من الكراهة أو الحرمة. والله - عز وجل - وحده المستعان.

 

ومع أن التاريخ سطر لنا في كثير من حقبه كيف أن لغة العنف لطالما كانت سببًا في الكثير من الفتن والقلاقل!! إلا أن هذه اللغة كانت ولا زالت - ولا سيما في الآونة الأخيرة - هي الشغل الشاغل لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، إذ يرى فيها أهلها أنها من أكثر ما قد يلفت أنظار المتلقي، ويشد انتباهه، ويثير اهتمامه، كما أن عدد المهتمين بها - مقارنة مع غيرها - كثير وكثير جدًا، وهي - وإلى هذا وذاك - ترفع تقييم برامجهم ومنشوراتهم، وتزيد في إيراداتهم؛ ولذلك سارع الجميع - متجاهلين خطورة الأمر - إلى نشرها زرافات ووحدانا، حتى يخيل إليك من كثرتها أن العالم - إن صح التعبير - يكاد أن يكون قاب قوسين أو أدنى، أو قدر رمية حجر، من حرب ثالثة (عالمية)، تكاد - إن هي شبت - أن تأتي على الأخضر واليابس. والله المستعان.

 

أرى خلل الرّماد وميض نار
ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النّار بالعودين تذكى
وإنّ الحرب أوّلها الكلام
أقول من التّعجب: ليت شعري
أأيقاظٌ أميّة أم نيام؟!

 

والعجب أنك ترى البعض - ممن لا دين له ولا ذمة، ولا عهد ولا قرابة - يرّوج لمثل هذه الفكرة الساذجة الحمقاء، ببلاهة وغباء، وكأنه يريد - وبقوة - أن يكون هو الشرارة التي تقدح نارها!!

 

والمهم وبعيدًا عن هذا وذاك - فليس هو ما أردناه هنا - وسامحوني على هذا الاستطراد - أقول:

إن هذه اللغة - لغة العنف - والتي لا تعدو أن تكون - في أحسن أحوالها - لغة غاب، وسجية دواب، هي بمثابة الند أو الضد لكثير مما جاء به الإسلام من الأصول المحمودة، والآداب النافعة، والأخلاق السامية؛ والتي تهدف - جميعها - إلى ترسيخ مبدأ الرفق واللطف؛ والذي يؤسس للتأخي والألفة، والاجتماع والائتلاف، والتفاهم والحوار، والتوافق والاتفاق، والتواصل والاتصال...، ويقطع بالمقابل بل ويجتث هذه اللغة العقيمة - وما تأتي به - من جذورها؛ وهذه اللغة النبوية المحمودة - لغة الرفق ومثيلاته - يهذب النفوس، ويطهر القلوب، ويصون الألسن؛ ولذلك تأمل ما جاء في هذا الحديث النبوي الصحيح والذي ترويه لنا السيدة عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فتقول: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (( يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه ))[4].

 

وهذا الحديث الشريف معناه بالجملة[5] - والله أعلم -: أن الله - عز وجل - يعطي على الرفق في الدنيا من الثناء الجميل، ويثيب عليه في الآخرة من الثواب الجزيل، ما لا يعطي ولا يثيب على غيره كالعنف مثلًا، كما أنه يتأتى به ومعه من الأمور والأغراض ما لا يتأتى مع العنف أو غيره، ويسهل من المطالب ما لا يكون بالعنف وغيره، وما ذلك إلا لما يترتب على الرفق من حسن الأعمال، وكمال منفعتها، وجميل الأخلاق وعظيم فائدتها، وهذا ما لا يتأتى ولا يكون ألبتة من العنف ولا معه.

 

وبالجملة: فإن لغة الرفق - وما شابهها - هي أقرب الطرق المختصرة الحكيمة، والمحكمة السديدة، والتي توصل سالكها إلى بغيته، وتعينه على نيل وتحصيل مقصده، وهي - دون غيرها - الوثيقة أو المستند والتي تجمع في طياتها أنجح الأسباب كلها، وأنفعها بأسرها. ولذلك كانت من أعظم مقاصدها[6]: الحث على حسن الأخلاق، والمعاملة الحسنة مع الخلق؛ وبيان أن في هذا خير الدنيا والآخرة.

 

وهذا يؤكد أن ما يقابلها من لغة العنف - وما شابهها - مفسدة للأعمال، مفوتة للحاجات، وجالبة للقالة والأغلوطة، وموجبة لسوء الأحدوثة، بل قد تكون وفي الكثير من صورها سببًا للنفور من الحق، وربما كراهته وبغضه.

 

ولذلك لطالما كانت لغة العنف هذه دومًا - ولا تزال - لغة العتاة والطغاة والبغاة[7]، النافرين من الدين المنفرين عنه، وهي هي لغة الاستعمار ونزعته، والتي لطالما استغلت الأمم الضعيفة المتخلفة، وهي - أي: لغة العنف - تتكامل بها - أي: بلغة الاستعمار - وتتبلور منها، بحيث تعتمد عليها، وتنصاع إليها، بل كثير ما تلجأ وأهلها إلى أفكارها وأساليبها، وتستمد منها تأييدًا لها، وإنني لعلى يقين أن هناك علاقة قوية بين كل منهما، وأن لغة العنف لا تعدوا أن تكون صورة متكررة، لنزعة الاستعمار والاستغلال هذه، بثوب جديد، وحلة حديثة، تختلف بحسب معطيات الزمان والمكان والظروف، وإن اغتر بها كثيرون!!

 

كما أني على يقين - أيضًا - أن كل من هاتين اللغتين - العنف والاستعمار - تسهم وتساهم وإلى حد بعيد وكبير في الوقت نفسه؛ في تحقيق جملة من أهداف الأخر، على الأقل في إطارها العام - بعيدًا عن التفاصيل - والتي يتفقون على مجملها؛ حتى ولو كان ذلك من غير لقاء أو تواطؤا، إذ هما - أعني: اللقاء و التواطؤ - ليسا شرطين هنا، كما هو واضح وظاهر.

 

ويكفي تأييدًا لهذا: أن كليهما يفاخر بنتاج بعضها البعض على ذلك الموروث المنتن، والأثار الهدامة والهادمة، والتي تعود منهما، وتنبثق عنهما. والأمر واضح للرائي، وظاهر للناظر، وبين للمتأمل، ولا يحول دون رؤيته شيء، وهو لا يحتاج - أيضًا - إلى آيات أو براهين، أو سرد للتفاصيل، وإلا فيا ليت شعري: كيف يمكننا فهم هذه اللغة واستيعابها - مع ثمراتها المشؤمة، وثمارها المرة، بغير هذا؟! وإلا فالأمر كما قيل: ستعلم دختنوس إذا أتاها الخبر المرموس.

 

لقد عاشت أمتنا جيلًا يتلوه أخر - مدة طويلة - والله هو حسبنا وهو نعم الوكيل، تحت وطأة لغة العنف من جهات شتى، ونشأت أجيال، تتلوها أجيال أخرى مع هذه اللغة ذات الرائحة المنتة، والعرف الزهم الزخم، حتى أصبحت آثارهم دارسه، وأخبارهم طامسه، وهذه سيرة الدهر فيمن وثق بهذه اللغة وأغتر بها، وبات من المتقرر عند همج القوم ورعاعهم، فكيف بأهل الألباب والكياسة والفطنة؟! أن لغة العنف هذه لغة جذماء خرقاء، جوفاء شوهاء، بتراء شلاء، وهي لغة من لا يعرف إلا العَوَز، ولغة من اشتد وعسر وضاق فليس بين دفتي قواميسه إلا مفردات: الحرب والدم، والسيطرة والظهور...؛ وهي كذلك لغة من لا يعي إلا الأخذ بقوة، ولا يفهم إلا لغة السلاح.

 

ولذلك فقد بات كالمتقرر عند الجميع: وجوب الوقوف في وجهها، وصدها وعدوانها، وإشهار سيوف الحق، ورفع أسلحة الحجة، في وجهها، ودفعها وأهلها: ﴿ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، والتي هي أكرم، وبالكلام الذي هو أليق، كما علمنا القران الكريم - والنتيجة الحتمية - سلفًا -: ﴿ إِنَّ هذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾، والجزاء من جنس العمل، وكيف لا؟! والكلمة الحسنة: هي تلك الكلمة الرقيقة الندية، والتي توجه من القلب - المخلص الصادق - فلا تلبث أن تسري إلى القلب سريان الدم في العروق، وتنزل إليه نزول قطرة الندى على برعم الزهرة.

 

والنتيجة: أن يحيا الجسم، وتتفتح وتبتسم تلك الزهرة للحياة، وسرعان ما سنرى هذا القلب المغلق على لغة العنف، المنطوي على القسوة والشدة، المصطلي بنار البغضاء والحقد والحسد..، ينتفض من هجعته، انتفاض العصفور إذا بلله القطر، وينقلب للحق حليفًا، بعد أن كان له - وهو قد لا يشعر - عدوًا، وهذا هو صريح القرآن كما في قول الله - عز وجل -: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

 

فكيف إذا ما أضاف الدافع بالحسنى - إلى ذلك ومعه -: ما يحلي ذلك من: الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة؟! لا شك أنه إذا فعل ذلك: عصمه الله من الشيطان، وخضع له عدوه كأنه ولي حميم، فكيف بمن يخالفه؟! وغالبًا ما ينقاد إلى الحق الذي معه، ويرجع إليه، والعاقل: من عقل عن الله - عز وجل -؛ فعمل بأمره وأطاعه، واجتنب نهيه وسخطه.

 

وحتى نستبين الأمر على وجهه المراد أقول: إننا وإذا كنا مطالبين في ديننا الإسلامي الحنيف بالكلمة الحسنة في نشر الحق، وإيصاله وبيانه، - ومثلها في الدفع - لأهل الكذب ومع تكذيبهم للحق - عز وجل، وكذا إلى من يدعون الأولاد والشركاء لله - عز وجل –...إلخ، فكيف بالله بمن هم أهل ملة واحد، وتحت راية واحدة، وهي الإسلام، وتجمعهم عقيدة التوحيد الحقة، وتؤلف صفوفهم رسالة من الإله الحق الواحد الأحد، يحمل لوائها رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!!

 

ولعله مما يزيد هذا الأمر وضوحًا وبيانًا: قوله - عز وجل - في بيان الصفة الحقة التي ينبغي على كل مؤمن صحيح الانتساب للدين الإسلامي غير دعي أن يكون من أهلها، وأن يعمل بها -: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54]، وقوله - عز وجل -: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88]، والتي تنافيها لغة العنف جملة وتفصيلًا، ومن كل وجه، فهل نحن مستجيبون؟!


ولذلك يجب علينا - جميعًا - أن نعي ونعلم أن لغة العنف متى قدمت - ولا سيما إذا قوبلت بمثلها - كانت كالأعاصير البالغة الخطورة، والتي تصل إلى سرعة كبيرة - في أحيان كثيرة - تقتلع وتحطم وتهدم وتجتث وتهلك وتفسد وتحرق، وربما نجم عنها أمواج ضخمة، وشكلت عنها وفي إثرها طوفانًا مخيفًا قد لا يبقي ولا يذر.

 

وللأسف أجدني ومع كل هذا - مضطرًا - إلى أن أكرر وأقول: إن هذه اللغة ما زالت تستعمل من وقت لأخر، غير أنها قد تكون متباينة، في شكلها الخارجي، وقد تكون في كثير من صورها الحادثة والحديثة - كما أشرنا أنفًا - متلونة بلون آخر، وترتدي جلبابًا آخر خلقًا، وثوبًا آخر باليًا، والحال كما قال قديمًا تأبط شرا:

نهضت إليها من جثوم كأنها
عجوز عليها هدمل ذات خيعل

 

ويستعمل منها ما يناسب الأجواء والأوضاع من وجهة نظر أهلها، لكنها - حقًا - واحدة في مضمونها، وفي الكثير من أدواتها. فهي تقوم على السيطرة والقسوة، وتنتهج سياسة القمع، وتكميم المخالف، والتي تتجاوز الحدود، وتتعدى الخطوط الحمراء، وهي وإلى هذا لا تبالي بالغير، وتحتقر الأخر، وتهدر كرامته وحقوقه، وتعمق الكراهية وأسبابها، وكل هذا من أجل توطيد أركان أقوال ومذاهب وآراء واختيارات..؛ لرسم الجور والظلم، وتحقيق المصالح الشخصية، ولو دفعت أمم الأرض ثمن ذلك!

 

ولعله مما يعد من أعظم المشكلات وأكبر الإشكالات للغة العنف - والتي لم يتفهمها البعض -  هو تغييب - عند الاختلاف والخلاف - صوت العقل المعتدل، وإهمال لغة التفاهم والحوار العلمي...، واستبدالها بلغة العنف العقيمة، والتي قد تكون أحد أهم الأسباب في تفاقم الوضع - كما سبق الإشارة إلى ذلك - وتكون النتيجة بالتالي: تصدر الإمعات، والمرجعيات المشبوهة، وسيطرتها - تمامًا - على مقاليد الأمور، وفي المقابل تهميش وإقصاء بل قد تصل أحيانًا إلى قتل المعتدلين وبعض الأصوات العاقلة، والحريصة على الأمة الإسلامية، وهنا تفرغ الساحة، ويضعف الصوت الوسطي الهادئ، وتعلو أصوات الغوغاء والهمج الرعاع، وتسود لغة العنف والتهديد حتى تكون هي المسيطرة، فتبيض مرة، وتعشعش أخرى، وتفرخ ثالثة، في بلاد المسلمين، وتتحول ومع مرور الوقت - إن صح التعبير - إلى ما يشبه (عصابات المافيا) والتي تخرس كل صوت يقف في وجهها، ويرغب عنها.

 

كما - ومما لا شك فيه - أنه لطالما كانت لغة العنف دليلًا على هشاشة رسالة صاحبها، وعدم قدرته على نشرها أو حتى تمريرها، إلا عن طريق هذه اللغة، وأنها في حقيقتها جوفاء فارغة، شوهاء، كاذبة خاطئة، مهلكة هالكة - كما تقدم - إضافة إلى أن أهلها - وبهذه اللغة - يسدون على أنفسهم الكثير من المنافذ، ويغلقون العديد من الأبواب، والتي كان يمكن أن تكون لهم طرق رجعة قبل فوات الأوان، كما أنه ومن المتقرر - أيضًا - أنها ليست سببًا نافعًا، ولا حلًا واردًا، تحت أي مبرر ألبتة.

 

ونحن بدورنا نتمنى ونرجو - ولا أقول نطلب - من الجميع أن يفهموا ويتفهموا أن هذه اللغة لا تكاد تجدي على الأقل على المدى البعيد، فضلًا عن أن نظن أنها قد تأتي بخير، كما أنه لا يمكنها أن توصل إلى حق، أو صواب، ولا أن تنهى عن باطل أو عن الخطأ، بل هي تزيد الغضب، وتقوي النفرة، وتمنع من حصول المقصود.

 

ولذلك فإن شأن هذه اللغة المشؤومة اليوم وكل يوم، شأن معظم أخواتها وشبيهاتها، والتاريخ لطالما حدثنا وقص علينا الكثير من صورها، وكيف أنها لطالما كانت نهايتها موحشة ومؤلة، وانهارت ببشاعة، وكانت تلحق بأهلها العقوبات جزاء على ما اجترحوا بها، ولم يظلمهم الله - عز وجل - فيما فعل بهم، ولكنهم هم الذين كانوا يظلمون أنفسهم وغيرهم بلغة العنف هذه والبطر والعتو والطغيان، ولعل في ذلك آية وعظة وعبرة، لمن جاء بعدهم، إلا أن أكثر الناس لا يؤمنون.

 

ولعل في تصوُّر هذه الإشارات في ثنايا هذه الوقفة ما يكفي عن المزيد من التعليق، والذي قد يُساء فهمه، في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى عدم ترك أي مجال لسوء الفهم أو الظن، والذي قد يوظّف ضد هذه الوقفة - كما أرجوا من المخلصين الناصحين الغيورين أن يتبعوها بوقفات - تؤكد ما نحن بصددها، وهي الانتصار لكل من تعرّض لمثل هذه اللغة، والوقوف صفًا واحدًا ضد كل من تسول له نفسه أن يستخدمها، من أي ملة كان، وبأي نحلة استظل.

 

وختامًا:

إن كل هذه الدلالات والإشارات - إجمالًا وتفصيلًا - لتدل دلالة واضحة على وجوب الحذر من هذه اللغة، وأن ذلك يعني بالضرورة وجوب مواجهة هذه اللغة الهجينة وأهلها، وكذا كل صورها أو ما قد يماثلها من لغات العنف، ومعالجتها وآثاره، وقطع كل الأسباب الداعية إليها والباعثة عليها.

 

وحتى نستكمل هذا أحببت في خاتمة هذا المقال وختامه، أن أطرح سؤالًا - مهمًا وملحًا - فأقول:

ونحن نرى كيف أن لغة العنف قد باتت تخيم على لغة الكثيرين، بل كيف أنها أصبحت ظاهرة منتشرة في بلاد العالم كله عامة، وفي صفوف المسلمين خاصة، وهي ولا شك تشكل خطرًا كبيرًا، يهدد سلامة المجتمعات والجماعات والأفراد، ويحول دون بلوغهم أهدافهم وما ينشدون ويأملون، فيا ترى ماهي أسبابها وبواعثها النفسية والاجتماعية، والفكرية،...؟! وما هي طرق الوقاية منها؟! وما هو العلاج الناجع والدواء النافع لمن ابتلي بها؟!

 

هذا هو السؤال، وأرجوا منك أيها الأخ القارئ وأنت أيتها الأخت القارئة أن تدلوا بدلوكم، وأنا بفارغ الصبر أنتظر منكم التعليق. وعسى أن تكون سببًا لمقالة أخرى.

 

هذا وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



[1] العنف - مثلثة العين -: ضد الرفق. القاموس المحيط (ص: 1085)، وانظر: معجم مقاييس اللغة (4 /158)، وتاج اللغة وصحاح العربية (5 /93)، ومختار الصحاح (ص: 267)، والمصباح المنير - رفق - (ص: 122)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 1281) للنووي، والتوقيف على مهمات التعاريف (ص: 529) للمناوي.

[2] لسان العرب (9/ 257).

[3] أساس البلاغة (2 /278) للزمخشري.

[4] أخرجه مسلم رقم: (2593).

[5] فتح الباري (10 /449)، والديباج على مسلم (5 /525) للسيوطي، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (21 /114) للقرطبي، وغيرها.

[6] انظر: التيسير بشرح الجامع الصغير (1/512) للمناوي - بتصرف وزياده.

[7] انظر مقال لي بعنوان: وقفات مع سياسة ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾، وقد نشر والحمد لله على الشبكة المحبوبة شبكة الألوكة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العنف الأسري
  • ثقافة العنف وشرعنة الممارسات الأمريكية
  • العنف عند الأطفال: أسبابه وعلاجه
  • العنف الطائفي في نيجيريا: الخلفية والدلالات
  • العنف والرياضة!!
  • العنف ضد قضايا المرأة
  • لماذا هذا العنف؟
  • العنف المدرسي
  • العنف المجتمعي منبع العنف المدرسي
  • العنف مؤذ وخطير
  • العنف الأسري (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • لغة الخطاب القرآني عن العنف الأسري: دراسة تحليلية في ضوء علم اللغة الاجتماعي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من مظاهر العنف الأسري: العنف الجسدي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من مظاهر العنف الأسري: العنف اللفظي (2)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من مظاهر العنف الأسري: العنف اللفظي (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العنف والأسرة: أي علاقة؟ (نحو فهم أكثر لقضية العنف الأسري وعوامله وتجلياته المختلفة)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ألفاظ العنف في لغة الصحافة: تحليل معتمد على مدونة حاسوبية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • عنف الأزواج.. الظاهرة والحل(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إزالة الرماد عن لغة الضاد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظاهرة العنف: أسبابها وعلاجها(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فريق تطوعي طلابي: شهود عيان للحد من العنف المدرسي(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب