• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الجوانب الإنسانية في الإسلام في رأي بوازار

الجوانب الإنسانية في الإسلام في رأي بوازار
اللواء المهندس أحمد عبدالوهاب علي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/9/2014 ميلادي - 25/11/1435 هجري

الزيارات: 23736

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجوانب الإنسانية في الإسلام

في رأي بوازار


يقول مارسيل بوازار في كتابه: (الجوانب الإنسانية في الإسلام)[1]:

الإسلام دين وحضارة:

(لا شكَّ في أن الوحي الدِّيني قد ظهَر في منطقة الشرق الأوسط، مهدِ ديانات التوحيد الثلاث، ولعل الإسلام يُعتَبَر هو التجلي الأخير والأكمل للحضارة في هذه المنطقة في العالم، ولقد نفَذت أفكارُه إلى أوروبا وآسيا، باللغة العربية عبر البحر الأبيض المتوسط، وفوق جبال البرانس.

 

والإسلام باعتباره دينًا، وَفْقَ المعاني الاشتقاقية الثلاث لكلمة الدِّين في اللغة الفرنسية، فإنه يقتضي - من ناحية - اختيارًا تطوعيًّا، أو اختيارًا حرًّا بالخضوع إلى شريعة، وإلى قواعد للأخلاق، وممارسة الشعائر، كما يستلزم - من ناحية أخرى - تصنيفَ تراث إنساني خاص والحفاظ عليه.

 

وأخيرًا - وعلى وجه الخصوص - فإنه يحدِّد وَضْع المؤمن أمام القيُّوم، وكذلك علاقات التضامن بين الناس، وهكذا يظهر لنا الإسلام كعملٍ باهر ومتوافق سياسيًّا واجتماعيًّا، وظاهرة تاريخية جديرة بالتأمُّل والاعتبار.

 

وفي كلمة موجزة، فإن الإسلام حضارةٌ أعطت مفهومًا خاصًّا للفرد، وحددت بدقة مكانه في المجتمع، وقدمت عددًا من الحقائق الأوَّلية التي تحكُمُ العلاقات بين الشعوب، كما أن هذه الحضارة لم تقدِّمْ فقط مساهمتها التاريخية الخاصة في الثقافة العالمية، ولكنها كانت تؤكِّد أيضًا - ولها مبرِّراتها - على تقديم حلول للمشاكل الرئيسية للأفراد والمجتمعات، والمشاكل الدولية التي تثير الاضطراباتِ في العالم المعاصر، إن الإسلام هو اتصال بين الله كإله، وبين الإنسان كإنسان، وهو انغماس الكائن النِّسبي في الكائن المطلق، بل إن جوهر هذا الدِّين يرتبط باسمه - فعندما تكون هناك ترجمة مرضية - فالإسلام هو (تسليم) يقيني نشط، وعن طواعية، إلى المشيئة الإلهية، وينتسب الإسلام - بجذره اللغوي - إلى الكلمةِ العربية التي تعني السلام والطمأنينة، وعلى كل حال، فإن هذينِ المفهومين - التسليم والسلام - يلتقيانِ في المنظور الإسلاميِّ.

 

إن القَبول الورع - من الفرد أو الجماعة - باحترام الشريعة الموحى بها، إنما يعبر عن محاولة دائمة ونشطة يقوم بها الإنسان للدخول في حالة من التوازن الهادئ مع عالم فريد ومتماسك، يحكُمُه قرار إلهي، وعندما يكون الدِّين مؤسَّسًا على عقيدة راسخة تمامًا في توحيد الله، فإنه ينمي فكرةَ تحقيق عالَم متوافق، تحكُمُه شريعة فريدة عالَمية، ثابتة بلا تغيير.

 

ومن الناحية التاريخية، فلقد أنجب هذا الدِّين (أمة)، وأوجد أسلوبًا للحياة والعمل والتفكير، وفي كلمة واحدة: فقد أنجب حضارةً.

 

وفضلاً عن أن الإسلام دين موحًى به، فقد تأكد وجودُه كظاهرة تاريخية واجتماعية، ثم يجب التفكيرُ فيه باعتباره الجزءَ المكمل لتجمع عالَمي مترابط، وأنه يُحدث بدوره تأثيراتٍ خاصة في مختلف مجالات الحياة الأخلاقية، وفي هيكلةِ مؤسَّسات الجماعة المسلمة.

 

ولسوف يستأثر الإسلام بتفكيرنا، بصفته أولاً دينًا أو مَثلاً أعلى مطلقًا، ومنهجًا للتفكير والعمل للفرد والجماعة، وهكذا شهِد القرن السابع الميلادي نزولَ الوحي النهائي والثابت، وتأسيس (المدينة الإسلامية).

 

ويؤكد الإسلامُ طموحَه السياسي على المستوى العالمي، ويتابع انتشاره بانتظام، وخاصة في إفريقيا السوداء، وإذا نظر اليوم إلى كِيانِ الإسلام ووحدته، تبيَّن أنه ليس جسدًا ميتًا نُقِشت عليه ذكرياتُ ماضٍ مجيد، وإنما هو واقع حيٌّ فعلاً.

 

ويدل التاريخُ على وجودِ حقيقة ثابتة مثالية في الحضارة الإسلامية، التي كانت منذ بَدْئِها - ولا تزال - متوجهة توجهًا كاملاً نحو الله، وهذه الظاهرة التي تغيب دائمًا عن الفكر والتحليل الغربي الحديث، تُعطي الإسلامَ طابعَه المتميز بالدوام.

 

وربما كان ديكارت الذي تغذِّي فلسفته ومنهجيتُه التفكير اليومي لأوروبا، قد قام بإحداث شقٍّ يعتبر واحدًا من أكثر الشقوق عمقًا بين الشرق والغرب؛ ففي اختيارِه للاتجاه العقلاني، فإنه حوَّل الثقافةَ الأوروبية من ثقافة (تعتبر الإله مركز الكون) إلى ثقافة (تعتبر الإنسان مركز الكون)، ويبقى الله، هكذا، المرجعَ الرئيسي في الفكر الإسلامي، سواء في علوم الدِّين، أو القانون، أو السياسة.

 

ويضطلع الدِّين، بصورة مباشرة، بتنظيمِ الحياة الرُّوحية والزمنية للفرد والجماعة، رافضًا وساطةَ كهنوت كان سيتصرَّفُ على هواه ويحتكر الدِّين، والإسلامُ هو دِين المطلق الإلهي والعقلاني، وعلى العقلِ البشري أن يتوافق والمنهاجَ الموحى به).

 

الأخلاق الإسلامية:

(تشكِّل الأخلاقُ الإسلامية جزءًا مكمِّلاً للدِّين... ولن نقرِّر إلى أي حدٍّ يطبَّق هذا المبدأ، أو يحظى بالاحترام في أيامنا هذه؛ فقد ذهب مصلِح إسلامي كبير - هو محمد عبده - إلى حد القول بأن حياةَ المسلمين في الوقت الحاضر قد أصبحت (مظاهرة تهتف ضد دينهم).

 

إن المؤمن مدعوٌّ إلى بذلِ الجهد من أجل فَهْمِ مغزى مجموعة القواعد الأخلاقية وغاياتها كما جاءت في القرآن، ليطبِّقَها بنزاهةٍ في الحياة العملية، والقرآن هو كلامُ الله النِّهائي الذي لا يتبدَّل، وهو يعلِن الشريعةَ على الناس، ويبيِّنها لهم، شريعة لا تغفُلُ عن مخاطبة أحاسيس الإنسان الداخلية، وفهمه، وعقله، ويتطلَّبُ التقيُّدُ بما جاء في القرآن جهدًا أخلاقيًّا مستمرًّا، والإشارات القرآنية التي تحُثُّ على إدراك الخير والشر كثيرةٌ، وهو إدراك فطريٌّ في الإنسان، ولكي يشجِّعَ القرآنُ المؤمنَ على بذل جهدٍ عقلاني، وينشِّط عزيمته، ويسمو بعواطفه، فإنه يستحضر صُوَرَ الصالحين السابقين، ويقصُّ من أنباء حياتهم، على سبيل الاستشهاد وضرب الأمثلة، وهكذا نجد أن معظمَ مفاهيمِ الأخلاقيات العالمية مذكورةٌ في القرآن، ولكن بعد تجليتِها تحت أضواء جديدة.

 

إن الإيمانَ يعطي المؤمن معيارًا يقيمُ به كلَّ الأوضاع الاستثنائية، كما يقدِّمُ حلولاً لجميع مشاكله؛ فالإيمانُ يحُثُّ على العمل، ويمدُّه بالحيوية.

 

ويؤكد القرآنُ صراحةً على أن قدرًا كبيرًا من حرية التصرف متروكٌ إلى ضمائرِ الأفراد؛ حيث يطلب منهم أن (يستبقوا الخيرات)، وبجانب هذا، تذكرُ لنا كتبُ الحديث أن محمدًا وضَع تعريفًا لمبادئ الحياة الأخلاقية، فقال: ((البرُّ ما اطمأنت إليه النفسُ، والإثمُ ما حاك في الصدرِ وكرِهْتَ أن يطَّلعَ عليه الناس - واستفتِ قلبَك وإن أفتاك الناسُ)).

 

وحدة وتوازن وانسجام:

(إن الغربَ في مواجهته لمشاكلِ الحياة المادية والتطور العلمي، فقَدَ الإحساسَ بما فوق الطبيعة إلى حدٍّ كبير، وهو يتعجبُ أنه لا يزال في وُسْع المقدسات أن تقدِّم مبادراتٍ لمجهودات ذِهنية ذاتِ قيمة، وأُسس محتملة لعملية تنظيمٍ اجتماعي، وفي المقابل نجدُ أن مفهومَ المقدس وغير المرئي (الغيب) يعتبر أكثرَ واقعيةً عند الشرقيين الذين يلعب الدِّين دورًا خاصًّا في حياتهم.

 

فهو يتمثلُ في الإيمان بالمطلق، وبوجود نظامٍ أسمى متوافق، والعالم نفسه نظام أخلاقي، والمطلَق واقعٌ حقٌّ ذو معيار أساسي ومثالي، لا يتجزَّأ ولا يُدرَك كُنهُه: هو الله الذي يعتقد المسلمون أنه تجلَّى للناس عن طريقِ الأنبياء، ويكمُنُ الخير الأسمى في أن يتوافَق الإنسان نفسه مع هذا النظام الإلهي، ويعتبر الشر كل ما من شأنه أن يمنَعَ التوافُقَ والوحدة مع هذا النظام.

 

ويظهر الإسلام من هذا المنظور الأساسي (دين اليقين والتوازن).

 

إن الحقيقةَ الصحيحة المنقطعة النظير، وهي وحدانيةُ الله، تتطلبُ بالضرورة تحقيقَ وَحْدة متوازنة للإنسان والمجتمع والجنس البشري، والله في الإسلام، - على عكس إله الإنجيل - لا يتجسَّدُ للبشر، ولا يوجد بينه وبين الإنسان شفيعٌ، ولا وسيطٌ، ولا كنيسة ولا كهنوت، وهو المرجع الوحيد والمطلَق، وهو المبتدئُ، وإليه المنتهى والمصير المقدر لأولئك المؤمنين به وبنبيه محمدٍ، ويكون الفرد جزءًا مكملاً لجامعة المؤمنين، التي تشكِّل أخوَّة يقوم المعيارُ الوحيد للقَبول فيها على الإيمان، ويُرسي اليقين والإعزاز بامتلاك الحقيقة أساسيات التضامن الإسلامي، أكثر مما يفعله القانون والهيئات الاجتماعية، إذا كان العالَمُ الإسلامي قد أظهر أنه لم يكن قادرًا على الحفاظ على وحدته السياسية، فإن الإسلامَ - على العكس من ذلك - قد عرَف كيف يُرِينا مقدرةً رائعة في الحِفاظ على ترابطه الدِّيني، الذي بقي سليمًا تقريبًا، رغم حدوثِ عدة شقاقات.

 

لقد كان هذا الدِّين حافزًا على تشكيل كيانٍ متميز لم تستطِعْ تقلبات الزمن والاحتكاك بالحضارات المختلفة أن تفُتَّ في عضده على مر العصور، إن الشعور المتيقظ بالانتماء إلى كيان متميز، والوعي النشيط بامتلاك الحقيقة، قد خلَق حضارة خاصة بالمسلمين، فرضت تعريفًا خاصًّا للفرد والدولة والعالم.

 

إن كلَّ شيء في الإسلام يعبِّرُ عن وحدة؛ ففروض العبادة تعبر بطريقة ظاهرة - بل بطريقة مادية - عن التماسُك والالتحام؛ فالمسلمون يسجدون في صلواتهم التي يقيمونها خمس مرات يوميًّا في ساعاتٍ متماثلة تقريبًا، وفي اتجاه واحد نحو مكة، وتعبر النِّية الدِّينية المصاحبة للممارسة البدنية لهذه الشعيرة، عن وَحْدة الإنسان روحيًّا وماديًّا، وفوق ذلك، نجد أن القرآنَ يذكُرُ إقامة الصلاة مقرونةً بإيتاء الزكاة، التي هي فرضٌ ديني، وحق متبادل، من شأنه أن يوحِّدَ جماعة المؤمنين، كما أن صيامَ رمضان يربطُ بشكل رمزيٍّ كل المؤمنين؛ إذ يمتنعون عن الطعام والشراب حسب توقيت متماثل، وفوق ذلك فإنه أحدُ الأسس التي تقوم عليها المساواةُ في الإسلام؛ إذ يُجبَر الأغنياءُ كما يجبر الفقراء على الإمساك عن المفطِرات.

 

أما الزكاة، فإنها تساهمُ في ترسيخ مفهوم وَحْدة الجماعة، وانسجامها؛ لأن المساعدة الإجباريةَ بالصدقات تفرِضُ التعاونَ بين الأفراد.

 

وأخيرًا، فإن الحجَّ هو أبرزُ مظاهر الوحدة بين جماعة يعتنق أفرادُها دينًا واحدًا.

 

يسهم الإيمانُ، كما تسهم الشعائرُ التي تربط الإنسانَ مباشرة بالله، في تضامُنِ الجماعةِ المسلمة وتجانُسِها، وتدفعها جميعًا نحوَ تحقيقِ عالميتها.

 

إن جماعةَ المؤمنين وقد قامت على الدِّين، فإنها نجحَتْ في الصمود أمام التفكُّكِ السِّياسي، كما أن الروابطَ الدِّينية - التي تسمو فوق التُّخوم والحدودِ بين الدول - لم تتأثَّرْ كثيرًا بذلك التفكُّك السياسي.

 

لقد أظهرت الرسالةُ القرآنية وتعاليم النبيِّ أنها تقدمية بشكل جوهري، وتفسِّر هذه الخصائص المميزة انتشارَ الإسلام السريع بصورةٍ عجيبة خلال القرون الأُولى من تاريخه.

 

وهناك عواملُ مختلفة تسمح جزئيًّا بفَهْم الكيفيات والأسباب التي من أجلِها تبدو هذه الموجةُ الهائلة من الرُّقي والإصلاح الحيويِّ وكأنها قد تحجَّرت فجأةً، فعلى الرغم من أن جوهرَ الدِّين لم يتغيَّر، فإن العالَم الإسلامي يبدو جامدًا منذ ما يقرب من سبعة قرون، وهذه بديهية يُدرِكُها المسلمون، إلا أنه لا دَخْلَ لها بجوهر الدِّين).

 

(المدينة الإسلامية) نموذج للدولة الإسلامية:

(إن خصوصيةَ التضامن الإسلامي ملزِمة - إلى حد بعيد - بحيث يُعتَبَر كلُّ مسلم مسؤولاً مسؤوليةً شخصية عن انتهاك الشريعة داخل الجماعة؛ فالإسلامُ يلزم بالتدخُّل شخصيًّا[2] لمنع الخطأ وتحقيق الخير، وهكذا ابتكر الدِّين إِخَاءً إجباريًّا واسعَ المدى، وهو في تعهُّدِه بتنظيم أمور الدنيا قد أوجَد مجتمَعًا مطبوعًا برُوح الوحيِ، سواءٌ في جوانبه الثقافية أو المتعلقة بمؤسَّسات الجماعة.

 

ومن المفيدِ أن نسجل إلى أيِّ مدًى يؤثِّر مفهوم معيَّن للعالم والإيمان بمصير عالَمي للإنسانية، في طبع السلوك اليومي لملايين الأنفس من البشر، ولا يمكن لأيِّ طريقة مُثلى (أيديولوجية) معاصرة أن تدَّعي منافسةَ الإسلام في هذا الصدد.

 

إن المراقبَ غيرَ المسلم ليتعجب تمامًا أن هذه المؤسَّسة المتمركزة تمامًا حول كتاب وسنَّة وتفسيراتهما الفقهية فحسب، إنما تستمد منها جميعًا قوتَها وصلابتها، وها هو دِينٌ لا كاهن، يخلُق طائفة اجتماعية وسياسية يستمد رئيسُها سلطتَه مِن الدِّين دون أن يكون هو نفسُه سلطةً دينية، وهذا الرئيس السياسي الذي لم يكُنْ يملِكُ أيَّ سلطة تشريعية، وكانت سلطته التنفيذية محدودة، قد اقتصرت صلاحيتُها على تطبيق الشريعة تطبيقًا عادلاً، والسَّهر على تماسُكِ الجماعة، وتشجيع توسعها.

 

إن الدولةَ الإسلامية التي تصطبغ في نهاية الأمر بالمثالية، يوجِّهُها الشعورُ بالقدسية الذي ينتهي بتحويلِها إلى هيئةٍ توضَعُ في خِدمة الدِّين.

 

إن المعاهدةَ التي عقَدها محمدٌ لدى وصوله إلى المدينة، مع قبائلها العربية الاثنتي عشرة وقبائلها اليهودية العشر، تستحقُّ أعظم اهتمام؛  فقد أمكن اعتبارُها: (أول دستور مكتوب في العالم)، ويتضمَّنُ هذا العقدُ القانوني - بكل معنى الكلمة - قسمينِ متميِّزين، وكأنهما حُرِّرا في عهدين مختلفين؛ فالقسم الأول يرسِّخ الإخاءَ الإسلاميَّ، ويُنشِئ كيانًا سياسيًّا واضحًا يضمُّ قبائلَ المدينة العربية الاثنتي عشرة، ومُهاجِري مكة، بينما ينشئ القسم الثاني (تحالفًا عسكريًّا) مع القبائل اليهودية العشر، أما أحكامُ (الدستور) الرئيسية التي وحَّدَتْ بين سكانٍ غيرِ متجانسين، وخلَقت جنين الدولة الإسلامية، فكانت كالآتي:

تبقى الجماعاتُ القبَلية على حالها، لكنها تتضامنُ مِن أجل إنشاء تنظيم سياسي موحد، ويحقِّق اعتناق الإسلام (الجنسية) لكلِّ أعضاء الجماعة المتساوين فيما بينهم، كما يتوجبُ عليهم أن يساعد بعضهم بعضًا، وهذا التضامنُ أخويٌّ في الداخل، لكنه يصبح مطلَبًا مؤكَّدًا حيال الخارج.

 

ويمثل محمدٌ الحكومةَ المركزية التي تتمتع بامتيازين أساسيين، هما: صلاحية إعلان الحرب أو إقرار السلم، والاحتفاظ بحقِّ إصدار الأحكام القضائية النهائية.

 

ولقد أنشئت الخدمةُ العسكرية الإلزامية، وحظرت في نفس الوقت الحروب الخاصة التي كانت تنشب بين القبائل، ولم يعُدْ من حق أعضاء الجماعة أن يقيموا العدالةَ بأنفسهم، بل عليهم أن يرجعوا إلى محاكم الاتحاد (الفيدرالي)، أو حكومة النبي المركزية، كملاذٍ أخير، وتملِكُ هذه الحكومةُ صلاحياتِ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وتُراقِب عدمَ وقوع أيِّ اضطهاد على أي شخص، كائنًا من كان، وتحقِّق العدالةَ الاجتماعية، بإعادة توزيع الثروة المشتركة، ومع ذلك، لم يكن محمدٌ حاكمًا مستبدًّا (أوتوقراطيًّا)؛ لأن اللهَ كان هو المصدر الوحيد للسلطة، سواءٌ بالنسبة لرئيس الجماعة أو لأعضائها، ولقد تمَّ قَبولُ اليهود وكفار المدينة، شريطةَ أن يقطعوا كلَّ العلاقات مع أعداء الإسلام، واستطاع اليهودُ الحفاظ على دِينهم، والاستفادة من حقوق فردية تعادل حقوق المسلمين، ولقد قبِلوا سلطان محمدٍ الذي احتفظ لنفسه بالقيادة العسكرية، كما كان في إمكانه إصدارُ الأحكام النهائية في نزاعاتهم على أساسِ التشريع التوراتي، وكان عليهم أن يُسهِموا في نفقات الحرب، على ألا يشتركوا في القتال إلا برخصة صريحةٍ من النبي، وباستخدام المصطلحات الحديثة نقول: إنهم كانوا يتمتَّعون بحُكم ذاتي على المستوى الداخلي، لكنهم لا يملِكون صلاحياتٍ دولية، ولقد سجَّل التشريع المدني[3]، الذي قام على أساس تعاقدي، فرقًا ملحوظًا عما كانت عليه الأعرافُ السابقة، ولقد ظل هدفُ الدولة توفيرَ الرخاء للجماعة ماديًّا وروحيًّا، يحدُوها رُوح الإخاءِ، والرغبة في تقديم الخدمات.

 

ولقد تبيَّن أن النظامَ الذي أقامه محمدٌ وحافَظ عليه - في خطوطه العريضة - خلفاؤه المباشرون الأربعة، كان جهازَ حُكم مثالي، بسيط واقعي قابل للتطبيق، وفي الواقع لم يراعَ إلا خلال ثلاثين سنة فقط؛ فسرعان ما حدث انفصال بين النظرية الدستورية والتطبيق الحكومي، وبرَز التمييز بين العرب وأولئك الداخلين حديثًا في الدِّين، فأوجد نوعًا من الطبَقية الاجتماعية المخالفة تمامًا للمساواة الإسلامية...

 

لقد كانت (المدينة الإسلامية) المثالية والنموذجية، حقيقةً واقعة، ومما لا يقبل الجدل أن المبادئ التي وضعها النبي لا تزال تُلهِم الفكر الفلسفي للمسلمين المعاصرين؛ ففي الإسلام، لا يمكن فهم السياسة بعيدًا عن الدِّين).



[1] عنوان الكتاب بالفرنسية هو: l 'Humanisme de L'Islam، والترجمة بادي الرأي هي: (إنسانية الإسلام)، لكن هناك محاذير من استخدام كلمة: (إنسانية) هنا كترجمة لكلمة humanisme، التي قد تعني المذهبَ الذي يضع الإنسان واهتماماته فوق جميع الاعتبارات والقِيَم الأخرى، أو تعني نظامًا للسلوك الأخلاقي، بصرف النظر عن التعاليم الدِّينية، وهذا يجعل من كلمة: إنساني، مقابلاً في الطرف الآخر لكلمة: إلهي، مثلما يقال في بعض الديانات: لاهوت المعبود وناسوته، من أجل ذلك كانت الترجمة المفضَّلة هي: الجوانب الإنسانية في الإسلام).

[2] قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن رأى منكم منكَرًا، فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطِعْ فبلسانه، فإن لم يستطِعْ فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمان))؛ (رواه مسلم).

[3] نسبة إلى المدينة المنورة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شهادات المنصفين الغربيين .. إدوار بروي ومارسيل بوازار
  • تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام

مختارات من الشبكة

  • الجوانب الإنسانية في حياة خير البرية صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مَعين الخلد (بحث في الجوانب الإنسانية والحضارية في شخصية القائد صلاح الدين الأيوبي)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة وجهوده في الجوانب الاجتماعية والعسكرية في صدر الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الجوانب العملية في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية(مقالة - موقع ثلاثية الأمير أحمد بن بندر السديري)
  • إسبانيا: دورة عن الجوانب الاجتماعية والقانونية للإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • من الجوانب التربوية يوم الفرقان(مقالة - ملفات خاصة)
  • الجوانب القانونية المتعلقة بموسم الحج وانتهاز المحامين للفرص(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • الجوانب القانونية المتعلقة بالمطبوعات والنشر وحقوق المؤلف(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • الجوانب القانونية للمنشآت العقارية(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • الجوانب القانونية المتعلقة بموسم السفر والسياحة(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب