• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

ما هو سر إبداع المهندس المعماري المسلم ؟

ما هو سر إبداع المهندس المعماري المسلم ؟
د. عبدالسميع الأنيس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/7/2014 ميلادي - 19/9/1435 هجري

الزيارات: 22926

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ما هو سر إبداع المهندس المعماري المسلم؟

(موجهات العمارة الإسلامية)


من الملتقيات العلمية المهمة التي عقدت في كلية الهندسة في جامعة الشارقة:

الملتقى الدولي حول العمارة الإسلامية والتصميم، هذا الملتقى الذي حضره أكثر من ستين عالمًا وخبيرًا دوليًّا من علماء العمارة الإسلامية.


وناقش الملتقى خلال ثلاثة أيام (7-10 إبريل 2008) هموم العمارة الإسلامية وشجونها في ملخصات بحثية، ومداخلات علمية، وعرض لتاريخها وحاضرها، والتطلعات المنشودة لمستقبلها، والذي ميز هذا الملتقى الحوار الهادئ، والنقاش البنَّاء للوصول إلى أفضل النتائج للنهوض بأمر العمارة الإسلامية، والارتقاء بها، ومواجهة التحديات التي تواجهها.


وفي اليوم الأخير من الملتقى نظَّم القائمون عليه - وفي مقدمتهم الزميل المهندس المعماري الدكتور حسن رضوان - ورشة عمل للإجابة عن ثلاثة أسئلة تتعلق بالعمارة الإسلامية.


وسأعرض في مقالي هذا المداخلة التي ألقيتها في تلك الورشة، وهذا نصها:

هناك ثلاث حقائق حول العمارة الإسلامية لا بدَّ من بيانها بعد كل البحوث التي سمعناها، والمداخلات التي دار النقاش حولها:

1- إنها حقيقة لا ينبغي الجدال فيها والنقاش حولها؛ لأنها حقيقة واقعة، ولها خصائص تميزها.


2- إنها حالة تراكمية، بمعنى: أن المسلمين استفادوا من التجارِب التي سبقتهم في العمارة، ثم صبغوها بصبغتهم الإيمانية بما يناسب قيَمهم وثقافتهم الإسلامية؛ قال تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138].


فالعمارة وسيلة لا بدَّ أن تخدم الهدف الأسمى من وجودنا، وهو عبادة الله تعالى.


ولا بدَّ من الإشارة هنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة لم يقُل لأصحابه: اهدموا مدينتكم وابنوها بناءً إسلاميًّا جديدًا، وإنما صبغ المدينة بالصبغة الربانية بما يتفق مع حقائق الدين، وأهدافه، وقيَمه ومُثله العليا.


3- هذه العمارة فيها إبداع وفيها تنوع.

والسؤال الذي يجب علينا أن نسأل أنفسنا عنه ونحن في ختام مناقشاتنا حول العمارة الإسلامية: ما هو السر وراء إبداع المهندس المعماري المسلم؟


وللجواب على هذا السؤال لا بدَّ لي من بيان الموجهات التي كان لها أكبر الأثر في ظهور الإبداع عند المهندسين المعماريين المسلمين، وهذه الموجهات نوعان:

1- موجهات غير مباشرة.

2- موجهات مباشرة.


أما الموجهات غير المباشرة فأعني بها الإيحاءات التي ترتسم في ذهن المهندس المعماري المسلم من خلال قراءته نصوصًا من القرآن الكريم، أو السنَّة النبوية التي تتحدث عن العمارة والبناء.


وأضرب على ذلك أمثلة:

المثال الأول من القرآن الكريم:

يقول الله تعالى: ﴿ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 74].


فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية يحدثنا عن الأقوام السابقين أنهم اتخذوا من السهول قصورًا، ونحتوا الجبال بيوتًا، وقد جاء هذا الحديثُ في معرض الامتنان عليهم بما عملوا، وحثهم على شُكر الله على ما أولاهم من نعمة، وأن عليهم أن يتخذوا ذلك وسيلةً لعبادته، لا أن تكون هذه القصور والبيوت محلاًّ لفسادهم، ومنطلقًا لإفسادهم في الأرض.


المثال الثاني من السنَّة النبوية:

جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن مثَلي ومثَل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وُضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم الأنبياء))[1].


وإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد شبه نبوة الأنبياء ورسالاتهم بالبيت الجميل، فهذا يدلُّ بطريق الإشارة على مشروعية البناء؛ إذ لا يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يشبِّه ما أتى به الأنبياء بأمر غير مشروع، فمن المعلوم أن عِظَم المشبَّه يعطي أهمية للمشبَّه به، ولو لم يكن المشبَّهُ به لائقًا لما استُحسِن تشبيه النبوة به، كما يدلُّ على إتقان البناء وتمامه.


والمهندس المعماري المسلم عندما يقرأ هذا النص النبوي فإنَّه ترتسم في ذهنه صور جميلة عن البيت الذي يوصف بالجمال، والكمال، والتناسق، ويدفعه هذا التصور إلى تجسيده واقعًا حيًّا في مفردات حياته اليومية فيما يتعلق بالبناء والعمران.


وعندما يقرأ قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميلٌ يُحبُّ الجمال))[2]، فإنه يفتح له فضاءات واسعة في التعبير عن هذا الجمال وتجسيده واقعًا حيًّا في البناء والعمارة، وإن المعالم المعمارية في مدننا الإسلامية تعبير حي عن صور هذا الجمال.


ولكن لا بد من الإشارة - ونحن نتحدث عن المنظور الجمالي للعمارة - إلى أن قواعد الجمال تؤدي في الغالب إلى تنافس مادي؛ ولهذا كان لا بد من تقييدها كيلا تطغى على السلوك العام؛ ولهذا جاء التقييد في الحديث نفسه عندما قال صلى الله عليه وسلم: ((الكِبْرُ بطَرُ الحق، وغَمْطُ الناس))، والبطَر: هو الطغيان والتكبر، وغمط الناس؛ أي: الاستهانة بهم واستحقارهم.


ولهذا كان لزامًا على كل من ينحو منحى الجمال في عمارته أن يكون بعيدًا في ممارسته تلك عن مظاهرِ التكبُّر على الناس، وسلوك التعالي عليهم.


العمارة الحديثة والجمال.. علاقة مضطربة:

ظهرت الآن صيحات لكبار المهندسين المعماريين في العالم تحذِّر من غياب الجمال والجاذبية عن العمارة الحديثة، وبدؤوا يتساءلون عن مستقبل العمارة؟ وهل ستحدد مواصفات الجمال من خلال رموز حسابية وبرامج إلكترونية؟!


لقد أعيد التركيز على العلاقة المضطربة بين العمارة والجمال أخيرًا في اللحظة المناسبة.


فلعَقدٍ من الزمان على الأقل كانت العمارة ترسم من خلال وجهة نظر مصممين أو زبائن يتحدثون عن الأفكار المستنيرة، ولكنهم يتصرفون بطريقة المهندسين الذين يهتمون فقط بالقيمة المادية، وبات كثيرٌ من المبدِعين لا يأبهون باللمسة الجمالية في تصميماتهم.


الجمال والجاذبية الغائبان الكبيران عن العمارة الحديثة:

يقول المعماري ليبوس وودز: "إن عِلم الجمال تندر مناقشته في كليات الهندسة المعمارية".


وهذا العالم جوهاني بالازما - الذي يُعد واحدًا من أهم المعماريين المؤرخين الفلاسفة في عالم العمارة - ينتقد التصميمات المعمارية المعاصرة؛ لأنها حداثة تعتمد على فهم سطحي لظواهر فنية، ويوجه صفعة للمشككين في ذلك باقتطافه من كلمات الشاعر جوزيف برودسكي: "الجمال هو هدف التطور".


ولقد صدر حديثًا كتاب "العمارة والجمال: حوارات مع مهندسين معماريين عن العلاقة المضطربة بينهما، والفكرة الأساسية التي تربط بين المقابلات التي توزعت على مدى ستة عشر فصلاً في الكتاب، هي: الجمال في التصميم المعماري، وذلك من وجهة نظر مجموعة من أفضل المصممين في العالم، الذين يعكسون وجهات نظر مختلفة تمامًا في بعض الأحيان.


إن كل مقابلة تعبِّر بشكل مباشر وصريح عن أفكار أحد هؤلاء المهندسين البارزين وتجارِبهم، وتوضح نظرته الخاصة المميزة إلى علم الجمال[3].


وأما الموجهات المباشرة فهي منبثقة من طبيعة هذا الدِّين الذي يتسم بالكمال والشمول.


فالعمارة في الإسلام ليست حالة منفصلة تعبر عن أحادية الأشياء، وإنما هي مرتبطة مع مجموعة من العلاقات، ومتشابكة معها، محورها الإنسان، ذلك المخلوق الذي كرَّمه الله بإيجاده في هذه الحياة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [الإسراء: 70].


وطبيعة هذا التكريم تقتضي أن يعيش في بيت له صفات هذا التكريم، وعمارة تساعده على تطبيقِ مفردات هذا التكريم في علاقته مع الله سبحانه، وفي علاقته مع أسرته، وفي علاقته مع مجتمعه، في كل مجالات الحياة الدِّينية، والنفسية، والاجتماعية، والاقتصادية.


هذه المقدمة تعيننا على فهم الموجهات المباشرة التي أرشدنا إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في موضوع العمارة، وسأذكر هنا منها خمسة موجهات، وهي:

الموجه الأول: أن تتصف العمارة بالسَّعة وتوافر المرافق:

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سعادة المرء: الجار الصالح، والمركب الهَنِيء، والمسكن الواسع))[4].


وفي رواية: ((ثلاثة من السعادة: وذكر منها: ... والدار تكون واسعةً كثيرةَ المرافق، وثلاثة من الشقاء: وذكر منها: ... والدار تكون ضيقةً قليلة المرافق))[5].


وجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لنا بعض أسباب السعادة في الحياة، ومنها: أن تكون الدار التي نسكنها صالحةً للسكن، وإنما يتحقق صلاحها بأن تكون واسعة، وأن تكون كثيرة المرافق.


والسَّعة هنا ضرورة نفسية، واجتماعية؛ فالبيت الضيق له آثاره السيئة في نفوس ساكنيه، لا يناسب التكريم الذي أراده الله لعباده.


والبيت الضيق يقطع أواصرَ العلاقات الاجتماعية التي أمر الله بصلتها، ويحرِم المسلم من الحيوية التي يستفيدها من خلال صلاته بأهله وأقاربه، وجيرانه، وأصحابه، إذا حلُّوا ضيوفًا عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم ضيفَه))[6].

ومن هنا نجد أن تخصيص بيت للضيافة يُعَد سمة بارزة في العمارة الإسلامية.


ومن هنا نفهم لماذا عد النبي صلى الله عليه وسلم الدار الواسعة نوعًا من أنواع السعادة؛ ذلك لأن هذه السعة توفر للساكن فيها جوًّا ملائمًا لتطبيق مفردات السعادة، وتُعِينه على تحقيقها.


الموجه الثاني: أن تتصف العمارةُ بالصلاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سعادة ابن آدم ثلاثة... وذكر منها: المسكن الصالح))؛ أي: صالح للسكن الذي يحقق أهدافه، والصلاح يفسر في كل زمان ومكان بحسب ما تقتضيه طبيعة ذلك الزمان والمكان؛ فصلاح الدار للسكنى في هذا العصر مثلاً يختلف عن صلاح الدار للسكنى في عصر متقدِّم، وصلاح الدار في مكان حارٍّ يختلف عن صلاح الدار في مكان بارد، وهذا بدوره يعطي المهندس المعماري حركةً أوسع في تطبيق الصلاح، وتدفعه إلى الاجتهاد في البحث عن مفردات جديدة نافعة في هذا المجال، وتكون سببًا في إدخال السعادة على ساكنيها.


والصلاح هنا كلمةٌ عامة يدخل تحتها تفاصيلُ كثيرة؛ فصلاح العمارة يقتضي أن يكون البناء قويًّا، وأن يكون صحيًّا يدخل فيه الهواء، وتمر عليه الشمس، فلا يجوز للجار أن يرفع بناءه فوق بناء جاره ارتفاعًا يؤدي إلى منع الهواء والشمس من دخولهما الدار، وأن يتخذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك.


الموجه الثالث: أن تتصف العمارةُ بصفة الإتقان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يُحب الرجل إذا عمِل عملاً أن يُتقنَهُ))[7].


هذا الموجه هو الذي دفع المهندس المعماري المسلم أن يتقن فن العمارة عِلمًا وتطبيقًا.


والمعالم المعمارية في مدننا الإسلامية شاهد حيٌّ على هذا الإتقان، والدراسات في هذا المجال كثيرة، وهي تُظهر صور الإتقان في كل صغيرة وكبيرة من أمر العمارة.


الموجه الرابع: أن تكون بعيدةً عن مظاهر السرف والترف؛ قال تعالى:﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].


وفي هذا الإطار نفهم ما ورد عن قيس بن أبي حازم أنه قال: دخلنا على خبابٍ نعوده - وقد اكتوى سبع كياتٍ - فقال: إن أصحابنا الذين سلفُوا، مضَوْا ولم تنقُصْهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجدُ لهُ موضعًا إلا التراب، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعُوَ بالموت، لدعوتُ به، ثم أتيناه مرةً أخرى وهو يبني حائطًا له فقال: "إن المسلم يُؤجرُ في كل شيءٍ يُنفقُهُ إلا في شيءٍ يجعلُهُ في هذا التراب))[8]؛ أي: لغير حاجة، كما قال شرَّاح الحديث.


وهذا موجه اقتصادي له أهمية في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، وله أثره الكبير على الأمة في حاضرِها ومستقبلها، والإسراف في العمارة وإن كان ملحظًا اقتصاديًّا فإنه يعبِّر عن قصد سيئ، وإرادة غير نقيَّة؛ لأن المسرف عندما يتصرف مثل هذا التصرف المذموم يكون مدفوعًا بنوايا التفاخر والتباهي والرِّياء، وهو أمر لا يقرُّه الإسلام.


الموجه الخامس: الابتعاد في العمارة عن الضرر والإضرار.


يدل على ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرَرَ ولا ضرار))[9]، وهذا موجه يصاحب العمارة في كل صورها، ومفرداتها، وتطبيقاتها.


ومن صور الضرر: الغش في البناء مثلاً، وهو أمر منهيٌّ عنه؛ لِما له من أثر سيئ على الأرواح والأموال.


ومن صور الضرر: منع الشمس والهواء عن عمارة الغير، يدل على ذلك ما رُوي عن معاوية بن حيدة أنه قال: قلت: يا رسول الله، ما حقُّ جاري علي؟ قال: (( ... ولا ترفع بناءَك فوق بنائه فتسُدَّ عليه الريح...)).


ومن صور الضرر الذي يتعلق بالحياة الاجتماعية: موضوع الاطِّلاع على العورات، وهذا ملحظ له أهمية كبيرة في الحياة الاجتماعية للساكنين، وموضوع الستر لُوحِظ في العمارة الإسلامية بصورة منقطعة النظير؛ فللدار خصوصياتها التي لا يجوز للغير الاطلاعُ عليها، بحيث يطلع منها صاحبها على عوراتِ جيرانه، أو يطلع على ما يحرصون على ستره، وقد جاء عن الأحنفِ بن قيس أنه صعِد فوق بيته فأشرف على جاره فقال: سَوْءةٌ، سَوْءةٌ، دخلتُ على جاري بغير إذن! لا صعِدتُ فوق هذا البيت أبدًا"[10].


وفي هذا الإطار فهِم بعض الباحثين الحديث الوارد في هدم القبة، ونصه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا ونحن معه، فرأى قبة مشرفة فقال: ((ما هذه؟))، قال أصحابه: هذه لفلان، رجل من الأنصار، فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلَّم عليه في الناس، فأعرض عنه، صنع ذلك مرارًا، حتى عرَف الرجل الغضبَ فيه، والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه فقال: والله إني لأنكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: خرج فرأى قبتك، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم يرَها، قال: ((ما فعلت القبة؟))، قالوا: شكا إلينا صاحبُها إعراضَك عنه، فأخبرناه، فهدمها، فقال: ((أما إن كل بناءٍ وبالٌ على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا))[11]؛ أي: ما لا بد منه.


إن العمارة اليوم تعاني من أزمة التكشف، تلك الأزمة التي لها آثارُها الخطيرة على الأفراد والأُسَر والجماعات، وهي تستدعي أهلَ الذِّكر لمعالجتها، وإيجاد الحلول لها.


الخلاصة:

هذه الموجهات بشقَّيها المباشرة وغير المباشرة هي التي دفعت المهندس المعماري المسلم إلى الإبداع والابتكار؛ لأنها موجهات تهتم بالجوهر، وتصبغ الأشياء بصبغتها الربانية، وتترك أمر الأشكال والظواهر للعقل المسلم، يتصرَّفُ فيها بحسب الزمان والمكان والأحوال، مستوحيًا ذلك من الكون البديع الذي خلقه الله تعالى على أحسن مثال، وأجمل تناسق، وأكمل منظر، وأبهى لون، ومستمدًّا تارة أخرى من تجارِب الآخرين وإبداعاتهم، ولكن في إطار القِيَم الإسلامية التي يؤمن بها.


وبهذا أعطى الإسلام المهندس المعماري المسلم هامشًا كبيرًا من الحرية والحركة تدفعانه إلى الاجتهاد، ولا تقيده بنمط واحد يسير باتجاهه ولا يغادره، وهذا هو سرُّ التنوُّع والإبداع في عمارتنا الإسلامية.


إن العمارة عند المسلمين عمل جماعي شارك فيه العربي، والتركي، والفارسي، والهندي، وكل من انتمى إلى الإسلام في الشرق والغرب من الأعراق والأجناس الأخرى، كلٌّ بحسَب مكانه وزمانه وتاريخه، فكان هذا العمل شاهدًا على عظَمة هذا الدين في كل مفردة من مفردات الحياة، ومنها العمارة التي كانت تعبيرًا مجسدًا لكل معاني الجمال والكمال، وهي كذلك تعبير حيٌّ لفطرية هذا الدِّين الذي يتناسب مع فطرة هذا الكون.



[1] اللَّبِنة: هي قطعة من الطين تعجن وتيبس، ويبنى لها بناء، وإذا أحرقت تسمى: آجُرَّة؛ عمدة القاري للعيني، 16/98، والحديث رواه البخاري، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، (3535)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، 4/964-965، رقم (20)، (21)، (22)، (23).

[2] أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكِبْر وبيانه، (91)، ونصه: عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر))، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنةً، قال: ((إن الله جميل يحب الجمال، الكِبْر: بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس))،ومعنى بطر الحق: أي: "أن يتجبَّر عند الحق فلا يراه حقًّا، وقيل: هو أن يتكبر عن الحقِّ فلا يقبله"، ومعنى الغمط: الاستهانة والاستحقار؛ انظر النهاية، مادة: بطر، ومادة: غمط.

[3] الكتاب مؤلف من 16 مقابلة مع 16 معماريًّا من أبرز المهندسين المعماريين في العالم, بينهم: ويل ألسوب، وبيتر كوك، وهيرنان دياز ألونسو، وأوديل ديك، وفرنك جيري، وزها حديد، أجرى المقابلات: يائيل ريسنر، وحرر الكتاب فلور واطنسون، وهو في 264 صفحة من القطع المتوسط، وبغلاف مقوى، ومزود بصور للتصميمات التي تناقشها المقابلات.

انظر في كل ما تقدم التحقيق المهم حول هذا الموضوع، الذي نشره: عصام بيومي في ملحق مسارات الثقافي من جريدة البيان الإماراتية، في الثاني من أكتوبر، 2010.

[4] رواه أحمد في مسنده 12/148 (15308)، والبخاري في "الأدب المفرد" (116) و(457)، والحاكم 4/166-167 من طرق عن سفيان، به، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/163، وقال: "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح".

[5] أخرجه الحاكم في مستدركه 2/162.

[6] رواه البخاري (6018)، ومسلم (47).

[7] رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده (4386)، والطبراني في الأوسط (891) وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1113).

[8] أما الشطر الأول من هذا الحديث: فقد أخرجه البخاري في كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، (5672)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت (2681)، والنسائي (1823)، وغيرهم، مع ملاحظة: أن البخاري انفرد عنهم بزيادة قول خباب موقوفًا عليه، وأما الشطر الثاني: "إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في التراب" فقد أخرجه موقوفًا البخاري في كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، (5672)، ورواية الموقوف هنا أرجح ؛ لأن رواتها أكثر عددًا، وأكثر وثاقة؛ فقد بلغ عددهم ستة، وهو ما رجحه البخاري.

[9] رواه مالك في الموطأ (1429) من طريق عمرو بن يحيى المازني عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ورواه عن ابن عباس مرفوعًا: أحمد في مسنده (2865)، وابن ماجه في سننه كتاب الأحكام، باب مَن بنى في حقه ما يضر بجاره (2341)، وحسنه عدد من المحدثين، منهم ابن الصلاح كما نقله عنه ابن رجب2/211، والنووي في الأربعين، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2897)، والسيوطي في الجامع الصغير، وغيرهم، وقد تقبله جماهيرُ أهل العلم واحتجوا به.

[10] رواه البيهقي في شعب الإيمان 7/396.

[11] رواه أبو داود، واللفظ له، باب ما جاء في البناء (5237)، وأبو يعلى (4347)، من طريق إبراهيم بن محمد بن حاطب، وأحمد في المسند 21/27 (3301) من طريق عبدالملك بن عمير: كلاهما (عبدالملك بن عمير، وإبراهيم بن محمد بن حاطب) عن أبي طلحة الأسدي، عن أنس، وهو حديث حسن، وقد قبِله أئمة، منهم: الضياء المقدسي، والمنذري، والعراقي، والهيثمي، وابن حجر.

ومعنى مُشرِفة: مأخوذة من الشرف، وهو العلو والمكان العالي، وشارفه: اطلع من فوق؛ القاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب الفاء، فصل الشين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أعلام المهندسين في الإسلام (1)
  • أعلام المهندسين في الإسلام (2)
  • أعلام المهندسين في الإسلام (3)

مختارات من الشبكة

  • الأسرة السعيدة بين الواقع والمأمول (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأسرة ومقومات البيت المسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتمان الأسرار الشخصية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دور الأسرة في علاج وتدريب الطفل المعاق(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • سلسلة فقه الأسرة: الخطبة (1) أسس بناء الأسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سر الصلاح صلاح السر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سر من أسرار التكرار في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعاء للأولاد سر من أسرار النجاح والفلاح(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة سر الأسرار وسير الأبرار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة حل أسرار الأخبار على إعراب إظهار الأسرار(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- شكرا لكم على هذا المقال الواضح والمرشد
إيمان نجمي - المغرب 24-02-2023 12:15 PM

لطالما أيقنت أن المهندس المعماري المسلم مبدع لا محالة، أولا لأن الله جمبل يحب الجمال، والتأمل في خلق الله بجماله وعظمته وهو أمر لا محالة من العمل به لدى المسلم سيؤدي الى خلق جمال في أرض الله يجعله مشكورا مرغوبا فكل نفس سوية تحب الجمال، غير أن المقال الرائع يدفع أكثر البحث في مبادئ المعمار الموصى به مما يتيح لكل مهندس معماري مسلم الانطلاق بابداع في ظل قواعد وتوجيهات تصرف عنه التيه والضلال وتعظيم الأشياء فوق ما يجب. فكل الشكر لكل من ساهم في نشر هذا المقال وجزاكم الله خير الجزاء.

1- الشكر لكل من ساهم بهذا البحث
م/جبار العادل - العراق 02-12-2014 10:36 AM

بصراحة قد اطلعت على هذا البحث وقد أذهلني من حيث الشرح الوفير والمفردات وكذلك الأدلة النبويه الشريفة والسور القرآنية...
فبارك الله بكم وأدامكم ذخرا للأمة الإسلامية... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

م/جبار العادل.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب