• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

ديناميكية التشريع الإسلامي

ديناميكية التشريع الإسلامي
أ. د. محمد رفعت زنجير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/6/2014 ميلادي - 15/8/1435 هجري

الزيارات: 6854

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ديناميكية التشريع الإسلامي

 

التشريع الإسلامي هو تشريع متدرج يلائم النفس الإنسانية من جهة، ويلائم المنهج التربوي من جهة أخرى، وهو المنهج الذي يأخذ الناس بالقدوة والترغيب والترهيب إلى الصراط المستقيم.

 

ومن خصائص التشريع الإسلامي أنه يوافق الحياة، ويهذبها، ويندمج بها وينميها، لأن الشريعة في أصل الوضع اللغوي مأخوذة من الشرع، وهو نهج الطريق الواضح، قال بعضهم: (سميت الشريعة شريعة تشبيها بشريعة الماء، من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة رَوي وتطهر) [1]، قال تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون ﴾ (الجاثية: 18).

 

ومن خصائص التشريع الإسلامي أنه يمنع الجريمة، أو يحد من انتشارها بما شرعه من وسائل التربية التي تحد من الجريمة وتربي النفوس على التقوى والفضيلة، وتبصرها بأضرار الرذيلة، كما وضع العقوبات الرادعة للجرائم الكبرى لكي يرتدع الناس عن ارتكابها، وراعى الستر ودرء الشبهات.

 

والتشريع الإسلامي يصلح لكل زمان ومكان، فهو يترفع عن الإقليمية والبيئة المحدودة، ويرتفع عن العلم المحدود والجهل والنسيان الذي يعتري المشرعين من البشر، وذلك لأنه رباني المصدر، وقد شرعه الله تعالى موافقا لكل البيئات والنفوس والأزمنة، قال تعالى: ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ (الملك: 14).

 

والتشريع الإسلامي وحده هو القادر على أن يلبي حاجات الجسد والروح، والنفس والمجتمع، لتقوم به الحضارة الراشدة التي توازن بين الدنيا والآخرة، والروح والجسد، وحاجات الفرد والجماعة، والقيم والإنتاج، لتقوم به الحضارة الراشدة التي يسعد من انتمى إليها لأنه ينتمي إلى خير الأمم، قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ (آل عمران: 110).

 

ولما يتمتع به التشريع الإسلامي من حيوية وخصائص تجعله مرنا متحركا متوازنا منسجما مع حاجات البشرية وتطلعاتها، فقد ظل الدين باقيا أبد الدهر، لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وقد رأيت أن أتتبع بعض العوامل الحيوية في التشريع الإسلامي في هذا المبحث ضمن نقاط محددة.

 

أولا: الناسخ والمنسوخ

من حكمة الله تعالى أن يقع الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (البقرة: 106). ويأتي عادة المنسوخ ثم الناسخ، فقد (قال بعضهم: ليس في القرآن ناسخ إلا والمنسوخ قبله في الترتيب، إلا آيتين: آية العدة في البقرة [234]، وقوله: ﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء ﴾ (الأحزاب: من الآية52) كما تقدم) [2].

 

والناسخ والمنسوخ تقتضيه حكمة التدرج في التشريع، وهو يدل على مرونة الشريعة، ويدل على حيويتها وقدرتها على التكيف مع سائر الظروف والمجتمعات، البدوية منها والحضرية، والعربية وغيرها، كما أنه وجه من وجوه إعجاز القرآن، قال السيوطي في تعداده لوجوه إعجاز القرآن: (الوجه الثامن من وجوه إعجازه: وقوع ناسخه ومنسوخه، وهو ما خصت به هذه الأمة لحكم، منها التيسير، وقد أجمع المسلمون على جوازه، وأنكره اليهود ظنا منهم أنه بداء كالذي يرى الرأي ثم يبدو له أنه باطل، لأنه بيان مدة الحكم، كالإحياء بعد الإماتة وعكسه، والمرض بعد الصحة وعكسه، والفقر بعد الغنى وعكسه، وذلك لا يكون بداء، فكذا الأمر والنهي) [3]، ثم تحدث رحمه الله عن حكمة بقاء الناسخ، يقول: (فإن قلت ما الحكمة في رفع الحكم وإبقاء التلاوة فالجواب من وجهين: أحدهما أن الفرقان كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به، فيتلى لكونه كتاب الله، فيثاب علليه، فتركت التلاوة لهذه الحكمة. والثاني: أن النسخ غالبا يكون للتخفيف، فأبقيت التلاوة تذكيرا للرحمة ورفع المشقة) [4].

 

وسنذكر هنا إحدى الآيات التي قيل بأنها نسخت كثيرا من الآيات، وهي آية السيف، فقد (قال ابن العربي: كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ (التوبة: من الآية5) الآية، نسخت مئة وأربعا وعشرين آية، ثم نسخ آخرها أولها) [5]. ولكن هذا الرأي لم يرجحه بعضهم كما ذكر السيوطي، فكان قد قال في مستهل حديثه عن النسخ: (وقالوا: إنما حق الناسخ والمنسوخ أن تكون آية نسخت آية... إذا علمت ذلك فقد خرج من الآيات التي أوردها المكثرون من الجم الغفير مع آيات الصلح والعفو، إن قلنا إن آية السيف لم تنسخها، وبقي ما يصلح لذلك عدد يسير) [6].

 

وممن رفض القول بأن آية السيف نسخت آيات العفو والسلم الحافظ ابن كثير، حيث قال عند تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ (الأنفال:61) : (وإن جنحوا: أي مالوا، للسلم: أي المسالمة والمصالحة والمهادنة، فاجنح لها: أي: فمل إليها، واقبل منهم ذلك، ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر، وقال عبد الله بن الإمام أحمد، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثني فضيل بن سليمان يعني النميري، حدثنا محمد بن أبي يحيى، عن إياس بن عمرو الأسلمي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيكون اختلاف، أو أمر، فإن استطعت أن يكون السلم فافعل". وقال مجاهد: نزلت في بني قريظة. وهذا فيه نظر، لأن السياق كله في وقعة بدر، وذكرها مكتنف لهذا كله، وقال ابن عباس، ومجاهد، وزيد بن أسلم، وعطاء الخراساني، وعكرمة، والحسن، وقتادة: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِر ﴾ (التوبة: من الآية29). وفيه نظر أيضا، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إذا كان العدو كثيفا، فإنه يجوز مهادنتهم، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النب-ي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص، والله أعلم) [7].

 

وكلام ابن كثير في غاية الأهمية، وهو ما يتلاءم مع عصرنا، فليس بوسع المسلمين في هذا العصر مقاتلة المشركين، بل لا بد من مهادنتهم الآن على أقل تقدير بسبب الضعف الحضاري الذي أصاب أمة الإسلام، وهو ما لحظه ومن الكتاب المعاصرين الأستاذ المفكر الدكتور عبدالحميد أبو سليمان، يقول وفقه إلى كل خير: (ويلاحظ الدارس المسلم اليوم، أن مفهوم النسخ بوضعه التقليدي، قد تعرض لعدد من مبادئ أساسية في الوحي والرسالة بالإلغاء، وقصر مجالات الرسالة وأبعادها على آخر ما نزل من النصوص، وما اقتضته ممارسات الرسول صلى الله عليه وسلم وحاجة المسلمين على العهد المدني الثاني، ومن أمثلة الآثار السلبية للنسخ بهذا المفهوم: قضية العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، وما يترتب على ذلك من مفاهيم في الدعوة والعلاقات الدولية الحضارية، وكذلك قضية علاقة المرحلة المدنية بالمرحلة المكية، وما يمكن أن ينشأ بينهما من علاقة التناسخ، وأثر ذلك على عمل الدعوة الإسلامية والتشريع الإسلامي، واستراتيجيات العمل السياسي في هذا العصر. ففي مجال العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، نجد أن آية السيف: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ (التوبة: من الآية5)، تمثل نموذجا واضحا للآثار السلبية للسائد في منهج النسخ التقليدي، فآية السيف نزلت في نهاية العهد المدني الثاني، والمسلمون يتمتعون بالقوة والغلبة، وذلك في مواجهة مشركي العرب، الذين بالغوا في عداء المسلمين، والاعتداء عليهم ونقض عهودهم، رغم انقضاء ما يزيد على عشرين عاما من الدعوة والمسالمة والبر والصبر من المسلمين ودولتهم، فأمر القرآن الكريم بقتال المشركين القساة الكواسر، الذين مازالوا يعيشون بدائية اجتماعية وحضارية، وأخذهم بالقوة والعنف والإذلال، حتى يخضعوا للإسلام ويدخلوا في مجتمع حضاري منظم، فيصلح حالهم وتهذب نفوسهم، وينتهوا عن عدوانهم، ويكفوا أذاهم وقسوتهم وعدوانيتهم الناجمة عن بدائية تكوينهم الاجتماعي عن أنفسهم وعن الإسلام والمسلمين، وهنا نجد مفهوم النسخ في المنهجية التقليدية لا يستخلص الدلالة التنظيرية المطلوبة من مجالها الذي تعلقت به، وهو: الإصلاح والتهذيب، وأخذ الظالم المعتدي بالقوة الرادعة، ولكنه ينتهي إلى مجالات الدعوة كافة، وعلاقات التعامل والحوار مع غير المسلمين جميعا في كل الأحوال... وهذه القضية وما انتهت إليه من نتائج عديدة، تعرضت لمختلف جوانبها بقدر وافر من التفصيل في كتابي: [نظرية الإسلام في العلاقات الدولية: توجهات جديدة في الفكر والمنهجية الإسلامية]، وانتهيت إلى أن مجرد تعارض الأحكام والنصوص الظاهرة لا يعني بالضرورة ولا في الغالب النسخ والإلغاء، ولكن يعني أن الحياة الإنسانية في أوضاعها المختلفة تحتاج إلى مواقف وأحكام مختلفة، وكلما تحققت العلاقات والشروط والظروف الموضوعية لحكم أو توجيه بعينه، كان الحكم والتوجيه المعني هو الحكم والتوجيه الملزم للمسلم) [8].

 

ثانيا: المجمل والمبين

تقتضي حكمة التشريع ومرونته وحيويته أن يأتي على صور متعددة، منها ما هو مجمل ومنها ما هو مبين لذلك المجمل، مما يتيح للعقل مزيدا من البحث والتأمل في كتاب الله، ويساعده على التفكر والتأمل والدقة في استخراج الأحكام الشرعية، والمجمل والمبين هو وجه من وجوه الإعجاز، قال السيوطي في تعداده لوجوه إعجاز القرآن: (الوجه الخامس عشر من وجوه إعجازه: ورود بعض آياته مجملة وبعضها مبينة، وفي ذلك من حسن البلاغة ما يعجز عنه أولو الفصاحة، لكن هل يجوز بقاؤه مجملا أم لا؟ أقوال. أصحها لا يبقى المكلف بالعمل به بخلاف غيره) [9].

 

وسبب جمال الإجمال والمبين أنه يدفع الفكر للبحث والتأمل عن معنى المجمل، وللإجمال أسباب:

(أحدها الاشتراك، نحو : ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ (التكوير:17) فإنه موضوع لأقبل وأدبر، ﴿ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ (البقرة: من الآية228) فإن القرء موضوع للحيض والطهر. ﴿ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ (البقرة: من الآية237) يحتمل الزوج والولي، فإن كلا منهما بيده عقدة النكاح.

 

وثانيها: الحذف، نحو: ﴿ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنّ ﴾ (النساء: من الآية127)، يحتمل في وعن.

 

وثالثها: اختلاف مرجع الضمير، نحو: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه ﴾ (فاطر: من الآية10). يحتمل عود ضمير الفاعل في يرفعه إلى ما عاد إليه ضمير إليه، وهو الله، ويحتمل عوده على العمل، والمعنى إن العمل الصالح هو الذي يرفع الكلم الطيب. ويحتمل عوده إلى الكلم الطيب، أي إن الكلم الطيب - وهو التوحيد - يرفع العمل الصالح، لأنه لا يصح العمل إلا مع الإيمان.

 

ورابعها: احتمال العطف والاستئناف، نحو: ﴿ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ﴾ (آل عمران: من الآية7).

 

وخامسها: غرابة اللفظ، نحو: ﴿ فَلا تَعْضُلُوهُن ﴾ (البقرة: من الآية232).

 

وسادسها: عدم كثرة الاستعمال، نحو: ﴿ يُلْقُونَ السَّمْع ﴾ (الشعراء: من الآية223) أي يسمعون. ﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾ (الحج: من الآية9) أي متكبرا، ﴿ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ﴾ (الكهف: من الآية42) أي نادما.

 

وسابعها: التقديم والتأخير، نحو: ﴿ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمّىً ﴾ (طه:129). أي: ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاما. ﴿ يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾ (الأعراف: من الآية187) أي ويسألونك عنها كأنك حفي.

 

وثامنها: قلب المنقول: نحو: ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾ (التين:2) أي: سيناء. ﴿ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ﴾ (الصافات: من الآية130) أي إلياس.

 

وتاسعها: التكرير القاطع لوصل الكلام في الظاهر، نحو ﴿ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ﴾ (الأعراف: من الآية75).

 

وقد يقع التبيين متصلا، نحو: ﴿ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ (البقرة: من الآية187) بعد قوله: ﴿ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَد ﴾ (البقرة: من الآية187). ومنفصلا في آية أخرى، نحو: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ﴾ (البقرة: من الآية230) بعد قوله: ﴿ الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ﴾ (البقرة: من الآية229)، فإنها بينت أن المراد به الطلاق الذي تملك الرجعة بعده، ولولاهما لكان منحصرا في الطلقتين) [10].

 

وقد كان الإجمال والتبيين سببا لاجتهاد العلماء، واختلافهم في بعض الآيات هل هي من المجمل أم لا، وفي ذلك سعة على الناس ومرونة في التشريع.

 

ثالثا: المنطوق والمفهوم

من سعة العربية وجمالها أنك تستنتج من النص أحكاما كثيرة، فللفظ دلالته، ولما يفهم من النص دلالته أيضا، وقد استفاد القرآن من هذه الخاصية في تشريعاته، ووظفها خير توظيف، وهي وجه من وجوه الإعجاز، قال السيوطي في تعداده لوجوه إعجاز القرآن: (الوجه السادس عشر من وجوه إعجازه: الاستدلال بمنطوقه أو مفهومه، وهو ما دل عليه اللفظ في محل النطق، فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره فالنص، نحو: ﴿ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ (البقرة: من الآية196) وقد نقل عن قوم من المتكلمين أنهم قالوا بندور النص جدا في الكتاب والسنة. وقد بالغ إمام الحرمين وغيره في الرد عليهم، قال: لأن الغرض من النص الاستقلال بإفادة المعنى على قطع، مع انحسام جهات التأويل والاحتمال، وهذا وإن عز حصوله بوضع الصيغ ردا إلى اللغة، فما أكثره مع القرائن الحالية والمقالية. انتهى) [11].

 

ويضيف السيوطي شارحا معنى المفهوم: (والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، وهو قسمان: مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة.

 

فالأول: ما يوافق حكمه المنطوق، فإن كان أولى سمي فحوى الخطاب، كدلالة: ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُف ﴾ (الإسراء: من الآية23) على تحريم الضرب لأنه أشد. وإن كان مساويا سمي لحن الخطاب، أي معناه، كدلالة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً ﴾ (النساء: من الآية10) على تحريم الإحراق، لأنه مساو للأكل في الإتلاف، واختلف هل دلالة ذلك قياسية أو لفظية، مجازية أو حقيقية، على أقوال بيناها في كتبنا الأصولية.

 

والثاني: ما يخالف حكمه المنطوق، وهو أنواع: مفهوم صفة، نعتا كان أو حالا أو ظرفا أو عددا، نحو: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ (الحجرات: من الآية6) مفهومه أن غير الفاسق لا يجب التبين في خبره، فيجب قبول خبر الواحد العدل. ﴿ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ﴾ (البقرة: من الآية187) ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ (البقرة: من الآية197) أي فلا يصح الإحرام به في غيرها. ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ (البقرة: من الآية198) أي فالذكر عند غيره ليس محصلا للمطلوب. ﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ (النور: من الآية4) أي لا أقل ولا أكثر.

 

وشرط نحو: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِن ﴾ (الطلاق: من الآية6) أي فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهن.

 

وغاية نحو: ﴿ فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ﴾ (البقرة: من الآية230) أي فإذا نكحته تحل للأول بشرطه.

 

وحصر نحو: (لا إله إلا الله)، ﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد ﴾ (الكهف: من الآية110) (أي فغيره ليس بإله، ﴿ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِي ﴾ (الشورى: من الآية9) أي فغيره ليس بولي، ﴿ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ (آل عمران: من الآية158) أي لا إلى غيره، ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُد ﴾ (الفاتحة: من الآية5) أي لا غيرك). [12]

 

ويلاحظ هنا أن المفهوم والمنطوق باب واسع من أبواب الاجتهاد للفقهاء والعلماء، وهو أحد روافد الطاقة والحيوية في التشريع الإسلامي.

 

رابعا: العام والخاص:

العام والخاص أحد مزايا التشريع الإسلامي، فقد تكون هنالك حادثة خاصة ولكن تأتي بلفظ عام، إذ ليسيت العبرة بالحادثة بحد ذاتها، وإنما هي بكونها نموذجا لحوادث متكررة مثلها في عصر النبوة أو ما يليه من عصور، ومن ثم أتاحت هذا الظاهرة للشريعة أن تستوعب من خلال الأحداث التيي جرت في عهد النبوة جميع الأحداث التي تشابهها أو تحاكيها على كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والخلقية إلى قيام الساعة، وهذا من حيوية التشريع وديناميكة القرآن، والعام في الاصطلاح: (لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر) [13]، وصيغه:

1- كل مبتدأة أو تابعة نحو، ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ (الرحمن:26). ﴿ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ (الحجر: 30).

 

2- الذي والتي وتثنيتهما وجمعهما ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ﴾ (الاحقاف: من الآية17) فإن المراد به كل من صدر منه هذا القول بدليل قوله بعد: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ (الاحقاف: من الآية18). ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ (البقرة: من الآية82).

 

3- وأي وما ومن شرطا واستفهاما وموصولا، نحو: ﴿ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ (الإسراء: من الآية110). ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ (الأنبياء: من الآية98)، ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ﴾ (النساء: من الآية123).

 

4- الجمع المضاف، نحو: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ﴾ (النساء: من الآية11) والمعرف بأل: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْع ﴾ (البقرة: من الآية275).

 

5- اسم الجنس المضاف ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِه ﴾ (النور: من الآية63) أي كل أمر الله، والمعرف بأل: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْع ﴾ (البقرة: من الآية275). أي كل بيع.

 

6- النكرة في سياق النفي: ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾ (الإسراء: من الآية23). ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ (الحجر: من الآية21) وفي سياق الشرط: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ﴾ (التوبة: من الآية6). وفي سياق الامتنان: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾ (الفرقان: من الآية48) [14]

 

ويأتي العام على ثلاثة أقسام:

الأول: الباقي على عمومه، وهو كثير في غير آيات الأحكام الفرعية، مثل: ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة: من الآية282)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئا ﴾ (يونس: من الآية44). ﴿ وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ (الكهف: من الآية49). وقليل في آيات الأحكام الفرعية كما ذكر السيوطي، وقال القاضي جلال الدين البلقيني: ومثاله عزيز، إذ ما من عام إلا ويتخيل فيه التخصيص. فقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم ﴾ (النساء: من الآية1) قد يخص منه غير المكلف، و﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ (المائدة: من الآية3) خص منه حالة الاضطرار ومنه السمك والجراد.

 

الثاني: العام والمراد به الخصوص: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾ (آل عمران: من الآية173) والقائل واحد، نعيم بن مسعود الأشجعي، أو أعرابي من خزاعة. ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ (النساء: من الآية54) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمعه ما في الناس من خصال حميدة.

 

الثالث: العام المخصوص، وأمثلته كثيرة جدا، إذ ما من عام إلا وقد خص، ثم المخصص له إما متصل وإما منفصل، فالمتصل خمسة وقعت في القرآن:

أحدها الاستثناء، نحو: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (النور:4-5).

الثاني: الوصف نحو: ﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾ (النساء: من الآية23).

الثالث: الشرط نحو: ﴿ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ﴾ (النور: من الآية33).

والرابع الغاية نحو: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ (التوبة:29)

والخامس: بدل البعض من الكل، نحو: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ (آل عمران: من الآية97).

 

والمنفصل: آية أخرى في محل آخر أو حديث أو إجماع أو قياس. فمن أمثلة ما خص بالقرآن قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ (البقرة: من الآية228) خص بقوله: ﴿ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ (الأحزاب: من الآية49) وبقوله: ﴿ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ (الطلاق: من الآية4). ومن أمثلة ما خص بالحديث، قوله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ (البقرة: من الآية275) خص منه البيوع الفاسدة وهي كثيرة بالسنة. ومن أمثلة ما خص بالإجماع آية المواريث خص منها الرقيق فلا يرث بالإجماع، ذكره مكي. ومن أمثلة ما خص بالقياس آية الزنا ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾ (النور: من الآية2) خص منها العبد بالقياس على الأمة المنصوصة في قوله: ﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ (النساء: من الآية25) المخصص لعموم الآية ذكره مكي أيضا. [15]

 

والعام والخاص يعطي مساحة كبيرة للعقل من أجل تدبر القرآن، وفقهه على الوجه المثل، وهو أحد العوامل التي ترفد التشريع الإسلامي بالطاقة والحركة ومقومات الاجتهاد والخلود، حتى ليتسع فضائه للحوادث إلى قيام الساعة كاتساعه للحوادث يوم نزوله على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

 

والخلاصة هي أن التشريع الإسلامي له سماته الفريدة، وخصائصه الفعالة، وهو يملك من مقومات الحركة والمرونة ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان، فهو حياة للحياة، أو روح للأرواح، فهو قائم متجدد لا يهدأ إلى قيام الساعة، له في كل أمة وفي كل جيل صولات تعطي للحياة دفئها وبركتها ونموها ونشاطها.

 

الخاتمة:

تكون هذا البحث الموسوم بديناميكية القرآن وجه من وجوه إعجازه من مقدمة وسبعة مباحث وخاتمة.

 

في المقدمة، تحدثت عن أهمية الموضوع، وأنه وجه جديد من وجوه إعجاز القرآن الكريم.

 

وفي المبحث الأول: ديناميكية البناء اللغوي، تتبعت الأساليب البلاغية التي تثير الانتباه وتحرك ذهن الإنسان، مثل: التشبيه والاستعارة، والاستفهام والاستثناء والنداء، وقد تتبعت ذلك في أربعة وأربعين أسلوبا من أساليب العربية.

 

وفي المبحث الثاني: ديناميكية الأداء الصوتي، وهو تنقله بين مقاطع مختلفة وأساليب متعددة من الأداء الصوتي، وتتبعت ذلك من خلال ثمانية موضوعات شملت الجناس وملحقاته والفواصل وتقسيماتها، ولزوم ما لا يلزم والإعلال والإبدال والإدغام.

 

وفي المبحث الثالث: ديناميكية البعد النفسي الداخلي، ونعني بها حركة القرآن في كيان الإنسان، وبينت أسباب ذلك وحللت سبعة أمثلة نماذج توضح الفكرة.

 

وفي المبحث الرابع: ديناميكية البعد الزماني، تناولت أحد عشر موضوعا، شملت: ما جاء ذكره من مفردات الزمان، وتحديد أوقات العبادات، وما جاء ذكره مصحوبا بالعدد، ودقة الوقت كما عبر عنها القرآن، وخصوصية بعض الأوقات، وما ورد بذكر اليوم الآخر، والتعبير بالماضي عن المستقبل، والتعبير عن المستقبل باسمي الفاعل والمفعول، والإخبار عن القرون الماضية، الإخبار عن المستقبل، ديناميكية الزمان.

 

وفي المبحث الخامس: ديناميكية البعد المكاني والحركة الكونية، تناولت الحديث عن ثمانية موضوعات شملت: ما جاء ذكره من الأجرام العلوية، والمذكور من البلاد والبقاع والأمكنة والجبال، وما تكرر ذكره من الأماكن، وما نسب في القرآن إلى الأماكن، و ما أقسم الله به من الأماكن، وما ورد فيه من أسماء الأماكن الأخروية، واستيعاب القرآن للبعد المكاني، وحركة المكان والزمان

 

وفي المبحث السادس: ديناميكية الحدث والحركة الاجتماعية، تناولت تسعة موضوعات شملت: سجل القرآن الكريم مواقف من الحياة الخاصة للنبي عليه الصلاة والسلام، ورصده أحداث الصراع بين النبي عليه السلام وكفار مكة، ورسم القرآن الكريم بناء دولة المدينة وما رافقه من أحداث، وسجله الحوار التعليمي بين الرسول وأصحابه، وسجله الحوار الدعوي بين الرسول والمشركين وبينه وبين أهل الكتاب، وسجله جوانب من الحياة الخاصة لبعض المؤمنين، و سجله الحياة الاجتماعية للمجتمع المسلم، وسجل الحياة الثقافية والعقدية والاجتماعية لكفار مكة والمدينة، وسجله الحياة الاجتماعية للأمم والشعوب التي أبيدت أو بقيت حتى نزول القرآن.

 

وفي المبحث السابع: ديناميكية التشريع الإسلامي، ذكرت أنه تشريع متدرج يلائم النفس الإنسانية والمجتمع الإنساني، وتحدثت عن ذلك من خلال أربعة موضوعات شملت: الناسخ والمنسوخ، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم، والعام والخاص:

ونحن نجزم أن هذه المستويات السبعة من الديناميكية القرآنية لم تجتمع لكتاب غير القرآن، وأن الأدباء والشعراء والبلغاء وجميع الناطقين والعقلاء في كل زمان ومكان هم غفل عن مجموعها، قد يحومون حول بعضها، وقد يدرسون شيئا منها، وقد يوجد أجزاء وتفاريق منها في كلامهم، ولكنها ليست موجودة جملة واحدة على وجه معجز إلا في القرآن الكريم، لذا فهم لا يستطيعون أن يلامسوا ديناميكية القرآن في شيء منها.

 

إنه لوجه جديد من وجوه الإعجاز لم يلتفت إليه أحد، اللهم إلا شذرات قد تجدها في تراث أهل العلم، وقد قمت بتجميع ما كتب العلماء الأجلة في البلاغة وعلوم القرآن، ثم حللته وجعلته ضمن وحدة موضوعية تبرز من خلالها خصيصة خالدة من خصائص أسلوب القرآن الكريم وهي الديناميكة، مما يعني أنه كتاب حي صالح لكل الدهور والأمكنة، باق إلى قيام الساعة، وليس هذا بسبب إلا لأنه من لدن حكيم خبير.

 

وندعو في نهاية هذا البحث إلى تشجيع الدراسات التي تتناول الحديث عن الإعجاز، وإلى التجديد فيها، ونوصي بإقامة مراكز بحوث علمية متخصصة لهذا الغرض العظيم، الذي به مناط إثبات النبوة إلى يوم الدين.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

المصادر والمراجع:

• الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، مكتبة البابي الحلبي بمصر، الطبعة الرابعة، 1398هـ/ 1978م.

• إرشاد العقل السليم، لأبي السعود، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

• أزمة العقل المسلم، د. عبد الحميد أبو سليمان، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض، الطبعة الثانية، 1412هـ/1992م.

• الأصوات اللغوية، للدكتور إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة السادسة، 1981م.

• الإيضاح في علوم البلاغة، للخطيب القزويني، شرح الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ/1983م..

• تاريخ آداب العرب، للرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1394هـ/ 1974م.

• تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن، تحقيق الدكتور حفني شرف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1382هـ.

• تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار الخير، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ/1990م.

• التلخيص في علوم البلاغة، للخطيب القزويني، شرح: عبد الرحمن البرقوقي، دار الفكر العربي.

• جامع الدروس العربية، للغلاييني، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الثالثة والثلاثون، 1417هـ/ 1997م.

• شروح التلخيص (شرح السبكي) دار السرور، بيروت، (مصورة عن طبعة مصطفى البابي الحلبي).

• عجائب المخلوقات، للقزويني، دار الفكر، بيروت.

• فكرة إعجاز القرآن منذ البعثة النبوية حتى عصرنا الحاضر مع نقد وتعليق، نعيم الحمصي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1400هـ/ 1980م.

• الكشاف للزمخشري، تصحيح مصطفى حسين أحمد، دار الكتاب العربي، بيروت، 1406هـ/ 1986م.

• مشكاة المصابيح للتبريزي، بتحقيق الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثالثة، بيروت.

• مختصر تفسير ابن كثير، للصابوني، دار القرآن الكريم، بيروت، الطبعة السابعة، 1402هـ/1981م.

• معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، للعباسي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، عالم الكتب، بيروت..

• معترك الأقران في إعجاز القرآن، صححه أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ/ 1988م.

• المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، إستانبول، 1984م.

• المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت.

• مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني، دار الفكر.

• المورد لمنير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1988م.

• المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، إستانبول، 1984م.



[1] المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، مادة (شرع)

[2] معترك الأقران في إعجاز القرآن، للسيوطي، صححه أحمد شمس الدين (1/92).

[3] المصدر السابق، (1/83).

[4] المصدر السابق، (1/91).

[5] معترك الأقران في إعجاز القرآن، صححه أحمد شمس الدين (1/92).

[6] المصدر السابق، (1/88).

[7] تفسير القرآن العظيم، (2/356-357). دار الخير، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ/1990م.

[8] أزمة العقل المسلم، د. عبد الحميد أبو سليمان، ص (88-90). الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض، الطبعة الثانية، 1412هـ/1992م.

[9] معترك الأقران في إعجاز القرآن، صححه أحمد شمس الدين (1/168).

[10] المصدر السابق، (1/163-165).

[11] معترك الأقران في إعجاز القرآن، صححه أحمد شمس الدين (1/169).

[12] المصدر السابق، (1/170-171).

[13] الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، (2/21).

[14] انظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، (2/21).

[15] انظر: المصدر السابق، (2/21-23).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مدخل ديناميكية القرآن الكريم وجه من وجوه إعجازه
  • ديناميكية البعد النفسي الداخلي في القرآن الكريم
  • ديناميكية البعد الزماني والحركة الكونية في القرآن الكريم
  • ديناميكية الحدث والحركة الاجتماعية في القرآن الكريم
  • التشريع والأخلاق
  • من وحي القلم في معجزة التشريع الإسلامي
  • التشريع خاص برب البشر لأنه فوق مدارك البشر

مختارات من الشبكة

  • ديناميكية البعد المكاني في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ديناميكية الأداء الصوتي في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ديناميكية البناء اللغوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ديناميكية القرآن الكريم وجه من وجوه إعجازه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التربية .. فكر يتجدد(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • البلقان: إقبال كبير على التسجيل في المدارس الدينية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • قراءات اقتصادية (36) الاقتصاد العالمي المعاصر(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • العلاقة بين التربية والثقافة: إشكالية الممارسة والتطبيق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مجهول النسب بين رحمة التشريع الإسلامي والتشريع الوضعي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أسس ومقاصد التشريع(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب