• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

موقع الرموز الشرعية في جريدة الجزيرة في عام 2008

منال الخميس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/6/2009 ميلادي - 7/7/1430 هجري

الزيارات: 12444

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

موقع الرموز الشرعية في جريدة الجزيرة في عام 2008
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)



 ا
لحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
 
وبعد:
فقد ازدادتْ في الآونة الأخيرة وتيرةُ الهجمة والنَّقْد اللاَّذع للرُّموز الشرعية، تَحت شِعار الدَّعوة لإصلاحٍ وطنِيٍّ، ولم يقتصِر الأمرُ على التعرُّض للأشخاص والذوات؛ بل قفز العداء والمجاهرة به إلى ما يشبه السِّباق في التطاوُل على السُّلطة القضائيَّة بخطوة مشدودةٍ؛ لتحقيق فوزٍ في تسلُّلٍ لم يَخْفَ على العامَّة فضلاً عن غيْرِهم.

وصحيح أنَّ الخلاف سنة إلهية، وأمر لا بُدَّ منه، إلا أن النِّقاش هنا حول ما يبدو من هؤلاء المخالفين من حِدَّة الطبع، وضراوة النفس، وتضخيم الأخطاء؛ بل وافتعالها في أحيان كثيرة، وآية ذلك في قعقعة الألفاظ التي لا يلحظ فيها قارئها قوة حجة أو برهان، وغاية ما فيها السبُّ والشتم في محاولة واضحة لـ "إسقاط الرموز".

ولا شَكَّ أن الرمز هو ذلكم الشخص الذي يمتلك من الصِّفات الجِبلِّية والمكتسبة، ما يُؤهله لقيادة المجتمع، أو المشاركة فيها، والإسهام بدور بارزٍ في صناعة القرارات، وتوجيه المجتمعات، والرُّموز الذين نعنيهم في هذا المقال هم الرموز الشرعية - كما سبق أنْ أشرنا - ورغم أنه لا مشاحة في الاصطلاح، إلاَّ أنه ينبغي التنبه إلى أن التعبيرَ بمصطلح "الرمز" ما هو إلا مُجاراة للنسق الصحفي، وإلا فالمصطلح الأَوْلَى هو: العالم، الفقيه، الداعية... إلخ.

وثَمَّةَ محترزان ينبغي ذكرهما هنا: 
الأول: أنَّنا لا نقصد بإسقاط الرموز النقد الهادف، الذي يسعى إلى التقويم والإصلاح، وإنْ فَهِمَ بعضُ الناس من ظاهره الإسقاط، رغم أن التفريق بين النقدين أمرٌ لا يَخفى على العقلاء، ولا يلتبس عليهم.

الثاني: وهو كما يقول الدكتور خالد المزيني: "للعالم قَدْرُه وهيبته بحسب الموقف الأخلاقي، وواجب على الأمة ترئيس العالم، بل السعي في صناعة العلماء، وتعزيز أدوارهم في المجتمعات؛ لأنَّ البديل سيكون ترئيس الجهال، والناس لا يصلحون فوضى لا سراة لهم، وأمَّا الموقف المعياري، فالعبرة بالحق ذاته... ولما قال الحارث بن حوط لعَلِيٍّ - رضي الله عنه -: أتظن أن طلحة والزبير وعائشة - رضي الله عنهم - اجتمعوا على باطل؟ قال له: "يا حارث، إنه ملبوسٌ عليك، إنَّ الحق والباطل لا يُعرفان بأقدار الرِّجال، اعرف الحقَّ تعرف أهلَه، واعرف الباطل، تعرف من أتاه".

وبهذه المعايير الصارمة تواردت النُّصوص القرآنية والنبوية الكثيرة، أمثال قوله - تعالى -: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة: 75]، وقوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

وحيثُ قرَّرْتُ مُناقشة هذه الظاهرة، فقد قُمْت باستقراء ما كُتِبَ في إحدى الجرائد المحلية، وهي جريدة "الجزيرة"، وتتبعت المقالات التي كتبت فيها خلال العام الميلادي 2008، من كتاب مُختلفين، وذلك حتى لا يكون المرء كحَاطِبِ ليلٍ، يخلط الواقع بالمبالغة، والحق بالباطل، وما كان بما لم يكُن، بل يكون مستنده في ذلك الواقع، ومن أراد التأكد والاستيثاق، فليس عليه إلا أن يراجع تلك المقالات، ويقرأ ما قد قرأت.

الإسقاط، قراءة في مقالات:
بتتبع هذه المقالات، وجدت أنَّها قد تواصت من قبل كتَّاب مختلفين على اتهام العلماء والدُّعاة والمصلحين بالتهم التالية:
- التشدُّد ومُرادفاته، كالتطرُّف والتنطع وغيره، دون تحديد من قبلهم لمفهوم التشدد الذي يرونه. 
- إعاقة تيار التسامُح، ولاحظ أيضًا كيف يستخدمون لفظة "التسامح" استخدامًا مطاطيًّا فضفاضًا، فهم لا يُحددون ما هو التسامُح الذي يريدون من العُلماء التحلِّي به؟
- التقوقع على الذات ومصادرة الآراء والوُقُوف في وجه التعددية الفكرية؛ (راجع مقال: التعددية الفكرية 8/1/2008، وغيرها من المقالات التي كتبت في نفس الموضوع).

- ممارسة الوصاية الفكرية على الناس، ومصادرة الحقوق، والمقالات التي تلوك ذلك أكثر من أن تذكر هنا.  
- إساءة فهم النصوص الشرعية، لا سيما نصوص الدعوة والجهاد، والتمرير - من خلال ذلك - إلى الدَّعوة إلى القراءة العصرية لنصوص الكتاب والسنة بخلاف قراءة السلف - رحمهم الله.

- افتراض (سوء النية) في الناس، خاصَّة فيما يتعلَّق بقضايا المرأة، كالاختلاط وقيادة السيارة، وغير ذلك؛ (راجع مقال: نعم القرار 27/1/2008، وغيرها من المقالات التي كتبت في هذا الموضوع وفي قضايا المرأة خصوصًا). 

- استخدام قاعدة "سد الذَّرائع" استخدامًا رغبيًّا، وأنَّها قد أصبحت حُجَّة من لا حجة له منهم، واستخدامها سيفًا مصلتًا يُراد منه التضييق والتشديد. 
- ضيق الأُفق وعدم القُدرة على قراءة المستقبل، والتَّكيف مع مستجداته، ومواكبة متطلباته؛ (راجع مقال: نحن والمتشددون 26/2/2008، وغيرها من المقالات التي كتبت في هذا الموضوع).

- محاولة الرَّبط بين التيار الإسلامي وأنشطته من طباعة كُتُب، وإقامة محاضرات، ومعسكرات صيفية، وجمع التبرُّعات، والشريط الإسلامي - هكذا بالإطلاق - وبين قضايا الإرهاب والعُنف والتفجير والتكفير؛ (راجع مقال: المهم ألا نتراجع 13/3/2008، وغيرها من المقالات التي كتبت في هذا الموضوع).

- ربط شعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بـ:  
- مصادرة الأراء.  
- اغتيال الفرح.  
- الجهل والاندفاعيَّة.

- صنع أدوات الكراهية، وهذه التهمة الأخيرة الموجهة للهيئات تثير الضحك، إذا عرفت أنها أطلقت في سياقِ الحديث عن جهود الهيئة في القضاء على مظاهر ما يسمى بـ "عيد الحب"؛ (راجع مقال: ماذا عن المتورطين في صنع وإنتاج الكراهية؟ 24/2/2008، وغيرها من المقالات التي كتبت في هذا الموضوع).  

- الثناء على بعض العُلماء ممن نقدرهم، ونجلهم، ونتفق معهم على الثَّناء عليهم، ولكن ليس بهدف الثناء نفسه، ولكن بهدف الإيماء - ولو من بعيد - إلى ما يظنونه نقص في غيرهم ممن لا يتَّفقون معهم في قضية ما؛ (راجع مقال: علي الطنطاوي مثالاً 3/2/2008).  
- محاولة الرَّبط بين الدُّعاة والمصلحين وبين رجال الكنيسة في العُصُور الوسطى لأوروبا ومصادرتهم للعقل والتفكير، ووأد الحريات؛ (راجع مقال: تفكير التكفير، تكفير التفكير، 6/ 4/ 2008 ).

- استغلال المناسبات الوطنية، والمهرجانات الشعبية، وأيام الأعياد والاحتفالات؛ بل والكلمات الرسمية التي يلقيها خادم الحرمين الشَّريفين في المُناسبات المختلفة؛ للنيل من العُلماء والدُّعاة والمصلحين، خذ على سبيل المثال الكلمة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين في مجلس الشُّورى، وتكلَّم فيها عن حرية النَّقد، وكيف طار بها الكُتَّاب فرحًا، وحملوها ما لا تحتمل؟! وما نجزم بأنَّه لم يَدُرْ في خلَدِ خادم الحرمين الشريفين نفسه أثناء إعداده للكلمة، عدا معارض الكتاب، وأيَّام الأعياد التي يسنون فيها أقلامهم على العلماء والمصلحين، مما سيأتي له مزيد بيان في صلب المقالة.

- وللنِّساء نصيب، فقد حاول العديدُ من الكتاب اتِّهام الداعيات خصوصًا بأنهن يمثلن بيئة خَصْبة لتفريخ الإرهابيَّات، إمَّا عن طريق التعريض بالتزامهن بالحجاب الشَّرعي الكامل الذي يغطي سائر جَسَدِهَا؛ مما يضمن لها حُرِّية التحرك والتخفي، أو عن طريق ما يقمن بإلقائه من محاضرات ومواعظ؛ (راجع مقال: الداعيات والوعظ 13/4 /2008، الإرهابيَّات سمة المرحلة القادمة 3/7/2008، بنطال الطالبات وكفن الداعيات 27/4/2008).

والكثير الكثير مما يضيق المقام عن ذكره.

الإسقاط، شواهد ووقائع:
إن المتابع لما يكتب في صحافتنا اليوم، وما يُمارسه بعض كتابها من سياسة الإسقاطِ - لَيَكاد يغص بالألم من هول ما يرى من التهجُّم والاستنقاص لعلماء ودُعاة ما علمنا عليهم إلا خيرًا - نحسبهم كذلك، ولا نزكي على الله أحدًا - ومن الغريب أنَّ سياسةَ الإسقاط قد قفزت، وبخطوة جريئة من مجرد التهجُّم على الأشخاص والذَّوات، إلى التهجم على من يُمثلون هيئات أو مُؤسسات دينية وقضائية، كالهجوم الذي شبَّ أواره على فضيلة الشيخ العلامة صالح اللحيدان - حفظه الله - جرَّاء فتواه فيما يخص ملاك القنوات الفضائيَّة الذين لا يتورَّعون عن بثِّ الفساد والانحلال في المجتمع المسلم، وكيف أنَّ الحكم عليهم قد يصلُ إلى حد القتل قضاءً؛ وذلك تطبيقًا لحد الحرابة، شَرُفَ بهذه الفتوى التي صدرت من أكبر شخصية قضائيَّة العلمانيُّون والمستغربون في كلِّ المواقع - ولم يقتصر الأمر على جريدة الجزيرة - فتنادَوْا من كل حَدَبٍ وصَوْبٍ لتسديد سِهامهم لا إلى الفتوى نفسها، بل إلى قائلها، في عمليَّة أشبه ما تكون بتصفية حساب.
 
ناهيك عما تعرض له كبار العُلماء والمفتين من أمثال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - (راجع مقال: دعاة التحريض 13/ 7/ 2008 والمقلات التي تلته)، والشيخ عبدالرحمن البراك - حفظه الله - والشيخ إبراهيم الغيث - رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وغيرهم من الدعاة والمصلحين، كالشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي، والشيخ سعد البريك، والشيخ محمد المنجد، حتَّى الأستاذ الدكتور زغلول النجار رئيس لجنة الإعجاز العلمي للقران الكريم لم يَسْلَمْ من سهام هذه الفئة، وهو الذي لم يقل في حياته فتوى واحدة؛ (راجع مقال: الإعجاز العلمي في القرآن 4/5/2008).

فكيف للمُسلم أن يفسر كل ذلك التمالؤ والتواطُؤ سوى كونه إسقاطًا متعمدًا لرموز الأمة ورجالها؟!

الإسقاط، ظاهرة جديدة أم قديمة؟
إنَّ سياسة إسقاط الرُّموز الشرعية ليست ظاهرة جديدة؛ بل لم تكُن تلك الممارسات التي وُوجِهَ بها الأنبياء - عليهم السلام - والأئمة الكبار، والعُلماء الأجلاء، إلا وجهًا من أوجه هذه السياسة، فها هو أفضلُ الخلق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يناله من الألقاب النابزة، والألفاظ القميئة ما يناله، فمن كذَّاب إلى ساحر إلى مجنون إلى غير ذلك مما لا يَخفى، وصدق الله - تعالى - إذ يقول: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين سُئِلَ عن أشد الناس بلاءً: ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل))؛ حديث صحيح.

ما وراء الظاهرة: أسباب ودوافع:
1- يقول "بول وولفيتز" أحد مُهندسي الحرب على العراق ونائب "رامسفيلد" وزير الدفاع السابق: "إنَّ معركتنا هي معركة الأفكار ومعركة العُقُول، ولكي نكسب الحرب على الإرهاب؛ لا بُدَّ من الانتصار في ساحة الحرب على الأفكار".

إذًا؛ فالحرب - كما يقول - حربٌ فكرية، ولا يُمكن للغرب أن ينتصر علينا في هذه الحرب الفكرية إلاَّ إذا قام بإقصاء رموزنا الفكريَّة وقادة الرَّأي فينا؛ بل وإسقاطهم، من خلال إضعاف ثقة المسلمين بهم، وتشويه صورتهم لديهم، ومن ثم عزلهم عن دورهم الرِّيادي والقيادي، الأمر الذي يهيئ التربة الخصْبة لتغيير الأفكار، ومن ثم الانتصار في هذه الحرب الفكرية.

أمَّا ما جاء في تقرير "راند RAND" لعام 2007، وما حواه من توصيات لسياسة الإسقاط، فهو خير دليل على ما نقول، وقد جاء التقرير بعنوان: "بناء شبكات إسلامية معتدلة Moderate Muslim Networks Building"، بل إنَّ التقرير - كما يقول الأستاذ محمد جمال عرفة، المحلل السياسي لشبكة (إسلام أون لاين نت) -: "يحدد بدقة مدهشة صفات هؤلاء المعتدلين المطلوب التعاوُن معهم - بالمواصفات الأمريكيَّة - بأنهم هم الليبراليون والعَلْمانيون الموالون للغرب"، ثم يردف قائلاً: "بعبارة أخرى يركز التقرير هنا على أنَّ الطريق الصحيح لمحاربة المسلمين هو بناء أرضيَّة من المسلمين أنفسِهم من أعداء التيَّار الإسلامي، مثلما حدث في أوربا الشَّرقية وروسيا حينما تم بناء مُنظمات معادية للشُّيوعية من أبناء الدُّول الشيوعية نفسها، واللاَّفت هنا أنَّ التقريرَ يسرد قائمة بمن يعتبرهم من المعتدلين في العديد من الدُّول العربية ودول الخليج، ما يعني حرقهم أو رُبَّما قطع خط الرجعة عليهم للعودة عن العمالة لأمريكا".

1- مُحاولة الظُّهور وارتقاء سلم الشُّهرة، على طريقة "أردت أن أذكرَ ولو باللعن"، فهؤلاء - كما يقول الدكتور حمد المنصور في مقاله -: "خالف تذكر 6/11/2008"، يقول: "إن هؤلاء وأمثالهم لا يتصيَّدون الأخطاء الطبية، التي قد تصل إلى حدِّ شلل الضحيَّة أو مَوته، ولا يتصيَّدون الأخطاء التربوية، التي قد تقضي على مستقبل الطالب أو الطالبة، ولا الاقتصادية التي قد تعصفُ بمدخرات الوطن وآماله؛ لأنَّ هذا المنهج لن يبني لهم أهرامًا يصعُدُون على قممها، ويُحاولون لَفْتَ أنظار الناس إليهم؛ ليقولوا لهم: ها نحن على القمة، ولن يذكروا على ألسنة المختصين في هذه المجالات، وإن خالفوهم وانتقدوهم، بخلاف نقد الثَّوابت والمعتقدات، أو نقد العلماء والدُّعاة والمصلحين من رجال المجتمع الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر وغيرهم ممن يتواصل النَّاس معهم، ويحترمونهم ويطيعون أولياءَ الأمر منهم، ويتعاونون معهم ويدعون لهم بالتوفيق والسَّداد... 

وقد استطاعوا تحقيق شيء من تلك الشهرة؛ لأنَّ بعضَ العلماء - اجتهادًا منهم، وتبرئة لِذمَمهم، وحسن ظن بهؤلاء - قد عبَّدوا لهم طرق هذه الساحات، وفتحوا لهم أبواب تلك الميادين، حينما دخلوا معهم في مُناقشات وردود، عَبْرَ وسائل الإعلام المنتشرة بين الناس، اتَّضح أنها غير مجدية، وعلى غير ما توقَّع العلماء الذين يُحسنون الظن بإخوانهم، فقد وظَّفها هؤلاء المُخالفون في مدِّ مساحة وجودهم، وتوسيع دائرة سمعتهم على المنهج الذي اختاروه لأنفسهم: "خالفْ تُذكر"، ولعلَّ أكثر القُرَّاء قد عاش تجارب لآخرين سبقوا هؤلاء نُقِشت أسماؤهم، ورسمت صورهم على جُدْرَان الشهرة، ولوحات الإطراء في وسائل الإعلام وفي غيرها". 

ولعلَّ "طه حسين" - كما يقول الدكتور -: "ذلكم الطَّالب الأزهري المغمور الذي اشتهر فيما بعد بسبب معارضته لأساتذته، وتَمَرُّده على أنظمة الأزهر ومناهجه، وما قام به علماءُ الأزهر وغيرهم في ذلك الوَقت من الرَّد عليه في مقالات مُطولة، مَهَّدت له ارْتِقَاء سُلَّم الشهرة - خير مثال على ذلك، الأَمْر ذاته قد حصل مع "سلمان رشدي"،  الذي لم تكُن علومه تتعدَّى حدود "الأغاني وكليلة ودمنة"، ومع ذلك استفز كبار العلماء في وقته وجرَّهم - على حسن نية منهم - إلى مناظرته، والتي لم يكُن يهمه أن يخرج منها منتصرًا - ربَّما لأنه يعلم استحالة ذلك - بقدر ما يهمه أن يظفر بمناظرة عالم كبير من أمثال الغزالي - رحمه الله - كل ذلك من أجل أن تُؤطَّر صورته بإطار الشُّهرة والمجد، ويدلف إلى بوابة التاريخ، وما أصدق الشاعر حين قال:

فَكَمْ كَاتِبٍ  لَيْسَ  مِنْ  هَمِّهِ        سِوَى أَنْ يُقَالَ: فُلاَنٌ  كَتَبْ
وَكَمْ  كَاتِبٍ   هَمَّهُ   كَسْبُهُ        وَلَوْ كَسَبَ الْعَارَ فِيمَا كَتَبْ
يُرَى  أَبَدًا  مُلْجَمًا   مُسْرَجًا        رَهِينَ الْإِشَارَةِ تَحْتَ الطَّلَبْ
فَيَا ضَيْعَةَ  الْحَقِّ  بَيْنَ  الْعَبِيدِ        عَبِيدِ الْهَوَى  وَعَبِيدِ  الذَّهَبْ
 

إسقاط الرموز - كما يقول الأستاذ عوض القحطاني أحد أعضاء مُنتديات الصَّفوة الإلكترونيَّة -: "قنطرة لصناعة رُمُوز أخرى تُساندهم وتدعمهم"، وهذا مَنطقي؛ فوجود ثُلَّة من العُلَماء يَمتلكون سُدَّة القيادة والرَّمزية يَجعل من صُورتِهم صورة كبيرة في أعين النَّاس، بالحجم الذي تُحجب معه صورٌ أخرى لرُمُوز أسقطها المجتمع من حسابه لأسباب كثيرة، فلا سبيلَ إلى نفض الغبار عن تلك الصُّور السَّاقطة ورفعها من جديد، إلاَّ بإسقاط هذه الصورة الحاضرة في أذهان الناس بالتشكيك والتضليل، والسب والشتائم، وزعزعة الثقة، وإشاعة التهم، فإذا ما نَجَحوا في تنحية هذه الصُّور من المشهد الحاضر، سَهُلَ عليهم أنْ يقنعوا الناس برمزية أولئك السَّاقطين، عن طريق خلع ألقاب العقلانيَّة والتحرر والتنوير عليهم، ولا شَكَّ أن الناس لا يُمكن أن تعيشَ دون وجود رموز وقدوات تحتذيها وتحترمها.

الحسد: والحسد داء قتَّال، وشر عُضال، وأول باعث على أوَّل معصية عُصِيَ الله - تعالى - بها.

حَسَدُوا الْفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ        فَالْكُلُّ   أَعْدَاءٌ   لَهُ    وَخُصُومُ
كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ  لَوَجْهِهَا        حَسَدًا    وَمَقْتًا    إِنَّهُ     لَذَمِيمُ
وَالْوَجْهُ يُشْرِقُ فِي الظَّلاَمِ  كَأَنَّهُ        بَدْرٌ    مُنِيرٌ    وَالنِّسَاءُ     نُجُومُ
وَتَرَى اللَّبِيبَ مُحَسَّدًا لَمْ يَجْتَرِمْ        شَتْمَ  الرِّجَالِ  وَعِرْضُهُ  مَشْتُومُ
وَكَذَاكَ مَنْ عَظُمَتْ عَلَيْهِ  نِعْمَةٌ        حُسَّادُهُ   سَيْفٌ   عَلَيْهِ   صُرُومُ
 

والحاسد لا يتورَّع عن تصيُّد الأخطاء، بل واختلاقها من تلقاء نفسِه؛ ليطفئ نارًا في داخله، لا تزيدها مُمارساته الحاقدة إلاَّ إذكاءً وإشعالاً، وقديمًا قيل: "لله دَرُّ الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله".

الإسقاطُ أساليبُ شتَّى:
يقول الدكتور سعد بن مطر العتيبي، في مقالٍ استشرافي له: "حول الآليات الراندية المتوقعة لتحقيق تلك الأماني الخطيرة الخائبة بإذن الله، وهي آليات غير إقليميَّة، ولا شكَّ أن ثَمَّةَ آليات تخصُّ كلَّ بلد على حدة، ربَّما تمتطي الطَّابور الخامس، وتتستر بالنِّفاق والدبلوماسية الغَدَّارة، فمنها:
1- جمع شمل شتات ذوي الأفكار المنحرفة، والسَّعي في التَّنسيق بينهم في صور متعددة، من مثل: المنتديات، والمؤسسات الفكرية العامَّة في ظاهرها، واللقاءات الشخصية والاستقطابيَّة، والإبراز الإعلامي لأشخاص مغمورين أو مُنحرفين معروفين، وكذا التنظيمات التي تتخذ من مؤسسات المجتمع المدني شعارًا، ومن الليبرالية مسارًا، ومن المنح الأجنبية زادًا للخيانة - هكذا يقول.

2- التنقص من الشخصيات العلميَّة والدَّعوية، الحقيقيَّة كأفراد العلماء الرَّبانيين، والاعتبارية كهيئات الإفتاء ولجانه المعتبرة؛ وذلك ابتغاءَ كسر جلال العلم وتحطيم مُحددات المنهج، وفتح الطريق للمشروع الأجنبي".

هذه آليات رئيسة كُبرى، وإنْ شِئْتَ فسَمِّها: التوصيات الراندية، التي خدمها المستغربون بأساليب شتَّى وطرقٍ كثيرة، تجمعها سمة الالتواء والانتهازية، ومنها:
1- ضرب الفتاوي بعضها ببعض، لإظهار فرقة العُلماء، وعدم اتِّفاقهم أمام المجتمع من جانب، وإظهارًا للأقوال الهزيلة الشَّاذة في مسألة ما على أنَّها أقوال مُعتبرة من جانب آخر، مثل فتاوي التأمين التِّجاري وغيرها.

2- استغلال زلاَّت بعض العلماء وتكبيرها والنَّفخ فيها؛ إمَّا تشنيعًا على أهل العلم، أو إلباس هذه الزَّلة مسوحَ التيسير والفقه المعاصر، ومن ثَمَّ لَمْز كل من يُخالفه بالتشدد والتنطع ومجافاة جانب اليسر في الشَّريعة، مثل ما حصل في فتوى من أجاز الذهاب للسحرة لفك السحر بمثله.

3- اجتزاء الفتاوى وتَحريفها على طريقة أبي نواس:

مَا قَالَ رَبُّكَ: وَيْلٌ لِلأُلى سَكِرُوا        بَلْ  قَالَ  رَبُّكَ:  وَيْلٌ  لِلْمُصَلِّينَا
 

كذلك، وفَصْلها عن محيطها وظرفها الذي قيلت فيه، والذي لا ينطبق على الأحوال كافة، أو بتحليلها لفظيًّا واجتزاء ما يُناسب أغراضهم، ثُمَّ إظهاره على أنه الفتوى كاملة، فيخدعون ويغرِّرون من لم يستمع إلى الفتوى كاملة في إطار لَمْزِ العالم أو الفقيه واتِّهامه بضيق الأفق والسطحيَّة، وربَّما أسْهَمت في هذه الفبركة وسائل الإعلام الغربية، مثل ما حصل في فتوى (قتل ميكي ماوس)، التي مورست عليها عمليَّة تشظية وانتقاء، وصوب من خلالها أقذى الألفاظ لفضيلة الشيخ محمد المنجد - حفظه الله - وكما حصل في فتوى الشيخ صالح اللحيدان - حفظه الله - والتي مر بنا ذكرها.

4- اختلاق الأكاذيب التي لا أساسَ لها من الصِّحَّة؛ من أجل تبرير وُقُوعهم في معصية أو ذنبٍ ما، وغالبًا ما يلجؤون إلى عالِمٍ مُتَوفًّى، فيلصقون به ما شاؤوا من الفِرَى؛ اطمئنانًا إلى كونه لا يَملك تكذيبهم أو الدِّفاع عن نفسه، وحينها فَلَنْ يكتشف هذه الفِرْيَة إلا المقرَّبون من تلامذته أو أهله، وهم قليلٌ في مقابل جموع الناس الذين ستنطلي عليهم هذه الأغاليط والافتراءات، مثل ما زعمه أحد الكتاب هذه الأيَّام من أن الشيخ الجليل - وسمَّاه - قد حضر أمسيات غنائية ولم ينكر فيها، وهذا دليلُ سماحته - رحمه الله - وتيسيره وسعة أفقه، إلى غير ذلك من الأغاليط التي ربَّما انطلت على الكثير لولا أن إحدى بنات هذا الشيخ تصدَّت لتفنيد هذه الفِرْية وكشف عوارها.

5- استغلال بعض المناسبات والمهرجانات، والتي يكون للعُلماء فيها مقالٌ، يوضحون به بعض المحاذير التي تقع فيها، مثل مناسبات الأعياد وما يجري فيها من احتفالات، ومعرض الكتاب، والجنادرية، وغيرها مما لا يخفى ما يقع فيها أحيانًا من اختلاط مُحرم، أو نشر لكتب تُحارب العقيدة والقيم، أو غناء ورقص ونحوه؛ مما يُحتِّم على العلماء بيان الحكم الشرعي فيه، والذي لا يُجادل فيه كل من عنده أدنى مُستوى من الثقافة الشرعيَّة، فيستغلون ذلك في وَصم العُلماء بأنَّهم أعداء الفرح، وخانقو البَسْمَة، ومغتالو البهجة في مَهْدها، مع أنَّ العُلماء لم يقوموا بتحريم الاحتفال في أيَّام الأعياد أو تحريم إقامة معرض للكتاب برُمَّته أو... أو... إنَّما وضَّحوا الحكم فيما قد يجري - أو يجري فعلاً - في مثل هذه الأيام، الأمر الذي لو سكتوا عنه، لأثموا عند الله.

الإسقاط: مفرزات ونتائج:
لعل من أسوأ ما قد ينتج - أو نتج بالفعل - عن هذه السياسة:
1- تعميق الفَجْوة بين الأُمَّة وعُلمائها، وتنحية هؤلاء العُلماء عن دَوْرِهم القيادي، ومن ثم يتَّخذ الناس رؤساء جُهَّال، فيَضلون ويُضلون.

لاَ يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لاَ سَرَاةَ لَهُمْ        وَلاَ  سَرَاةَ   إِذَا   جُهَّالُهُمْ   سَادُوا
 

وهذا ما يكشف زَيْفَ دعاوي هؤلاء الكتاب من أنَّهم خصوم الإرهاب ومناوئيه؛ إذ لو كان الأمر كذلك، لعرفوا للعُلماء قَدْرَهم باعتبارهم مَن يَملك تفنيدَ هذا الفِكْر الضَّال بما لديهم من نصوص الكتاب والسنة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ ما يُمارسه هؤلاء الكتاب وجه آخر من وجوه الإرهاب - الإرهاب اليساري - والوصاية الفكرية، فإن استهداف الأمة في ثوابتها ورُمُوزها واستفزازها خير ما يُمهد لسيل الإرهاب الجارف.

2- استهانة الأُمَّة بثوابتها، فقد أصبحت النُّصوص والثوابت الشَّرعية - عند فئة ليست قليلة للأسف - حِمًى مستباحًا، وهدفًا مكشوفًا، فأخذ كلٌّ يَهْرِفُ بما لا يَعْرِف، ويتكلم في غير فنِّه، وكما قيل: "مَن تكلَّم في غير فنه، أتى بالعجائب"، حتَّى إننا لنرى رأي العين ما أخبر به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من نطق الرُّوَيْبِضَة، وإن تعجبْ فعَجَبٌ أمر هؤلاء الذين يتورَّعون عن الكلام في الطِّب أو الهندسة أو غيرها من التخصُّصات والفنون؛ بدعوى أنَّ لكُلِّ علم رجاله، فإذا جاء الحديث عن العلم الشَّرعي، شحذ كلٌّ منهم قَلَمَه، وأَخَذَ في الكتابة حتَّى لكأنَّه العالم الجهبذ الذي لا يشق له غبار.

3- ما يقع فيه الناس من بلبلةٍ وحرجٍ في دينهم جَرَّاء ضرب الفتاوي بعضها ببعض، ومناصرة بعض الأقوال الشَّاذة والساقطة، وإبرازها على أنَّ أصحابها هم - وهم فقط - مَنْ فَقِهَ الشريعة، وفَقِهَ جانبَ اليُسر فيها، ووصم غيرهم بالتشدُّد والتنطع.

4- تسلط الأعداء وتسهيل الطريق أمامهم لأنْ يَملكوا رقابنا، فإن أيَّ أمةٍ لا تحترم مقدساتها، ولا تعتز بثوابتها ورموزها، لهي حقيقةٌ بأن يسلط الله عليها الأعداء، وهذا ما نراه واقعًا بالفعل، فإن هؤلاء الكتاب من حيث شعروا أو لم يشعروا يطبقون ما تصبو إليه التقارير الرَّاندية، من إحكام السيطرة على الأمة وقيادتها، تَحت شعار بناء المسلمين "المعتدلين" - زعموا - وَفْقَ معنى الاعتدال لدى السِّياسة الأمريكيَّة.

5- تخلِّي الصَّحافة عن دَوْرها الأساس، الذي يُنتظر منه توجيهُ المجتمع، ومُناقشة قضاياه وهُمُومه، فقد انتقلت الصَّحافة من كونها "سلطة رابعة" إلى عدوٍّ متسلط يضاف لقائمة المتسلطين على الأُمَّة، برداءة الطرح وازدواجيته، وبتغريدها خارج السرب - كما يقال - فأنت تلاحظ - مثلاً - أنَّ الصحافةَ بإجمال تُكثِر التركيز على ما تزعمه من مشاكل تعانيها المرأةُ من بطالة وفقر وغيره، في حين أنه لا يَخفى على المجتمع كبارًا وصغارًا، مثقفين وعامة - أنَّ الهم الأوَّل والذي كان ينبغي أنْ يَحظى بالطرح والمناقشة هو "بطالة الرجل"، لا بطالة المرأة؛ مما يشعرك بعدم الصدق في الطرح، وأنَّه إنَّما جاء لهدفٍ يُراد، وأن وراء الأَكَمَة ما وراءها - كما يقال.

الإسقاط، وآليات المواجهة:
لعل من أوجب الواجبات على المسلم، ومن أفضل القربات: الذَّبَّ عن حملة هذا الدين ورجاله، الذين كانت صدورهم أوعية لكتاب الله وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم  - وأمضوا زهرة العمر في ثَنْيِ الرُّكَبِ في حلقات العلم والطلب؛ لذا فإن من أولى آليات المواجهة:
1- إبراز فضل العُلماء وقَدْرهم من نُصُوص الكتاب والسنة؛ قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]، فقد قرن تعالى شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة بأعظمِ مشهود له وهو التوحيد، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وقال أيضًا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((العلماء ورثة الأنبياء))؛ حديث صحيح، وغيرها من النُّصوص الدالة على فضلهم وقَدرهم، وهكذا فإنَّ الشيء إذا عرف قَدْرَه ومكانته، وَثِقَ النَّاس به، ولعلَّ من يقوم بهذا الواجب الأصيل يصدِّق قول الشاعر:

وَإِذَا   أَرَادَ   اللَّهُ   نَشْرَ    فَضِيلَةٍ        طُوِيَتْ  أَتَاحَ  لَهَا  لِسَانَ  حَسُودِ
لَوْلاَ اشْتِعَالُ النَّارِ  فِيمَا  جَاوَرَتْ        مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ
 

2- طريقة التعاطي مع مثل هذه المشاغبات، والتي قد تقود أحيانًا - عن دون قصد - إلى تكبير الصِّغار، وتتويج التافهين، كما مرَّ معنا في هذه المقالة؛ لذا فإنَّ الإعراض عن الجاهلين منهج شرعي، ومبدأ قرآني؛ قال تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وقال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]، وما أحسن قول الشاعر:

إِذَا نَطَقَ السَّفِيهُ  فَلاَ  تُجِبْهُ        فَخَيْرٌ مِنْ إِجَابَتِهِ السُّكُوتُ
فَإِنْ  كَلَّمْتَهُ  فَرَّجْتَ  عَنْهُ        وَإِنْ خَلَّيْتَهُ  كَمَدًا  يَمُوتُ
 

وهذا إنَّما يكون فيما يَحتمل الإعراض، وإلا فبعض الاتهامات والفِرَى لا بُدَّ من تفنيدها وردها؛ حتَّى لا يلتبس على الناس أمرها، إنَّما المقصود كثرة الردود على كل ما يكتب من ساقط القول وتافهه مما لا يرقى إلى مُستوى المناقشة، فإنَّ في هذا إضاعة للوقت وصرفًا للجهود، وتعطيلاً للمشاريع.

3- فتح باب الحسبة والمحاكمة لهؤلاء، فقد أكَّد فضيلة الشيخ الدكتور العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - في تحقيقٍ أجرته مجلة "نون/ العدد: 27" - وجوب معاقبة الذين يتعرَّضون ويتطاولون ويهاجمون المشايخ والعلماء في الصحف وغيرها بالسجن والجلد... والتوبيخ والتَّأنيب ونحو ذلك؛ رجاء أن يرتدعوا ويرتدع أمثالهم.

وقديمًا قيل: "من أمن العقوبة، أساء الأدب!".

4- لا بُدَّ من حسم الصراع حول ما يُدَّعى من حرية مطلقة، من قبل العلماء والمفكرين وأهل الحل والعقد، وإلزام النِّقابات الصحفية بها؛ بحيثُ يتعرض كلُّ مَن يتجاوز حدود هذه الحرَّية للعقاب الإداري الصَّارم، فإنه قد بات من الواضح للعيان أنَّه - حتى في الدول التي تعد الداعي الأوَّل للحريات المطلقة - لا بُدَّ من وجود خطوط حمراء يَحرُم تجاوزها، وإلاَّ لاستحال المجتمع إلى مجتمع بهيمي، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، ولا يَرعى لأحد ولا لشيء حُرمة.

هذا؛ والله - تعالى - نسأل أنْ يوفق ولاة أمرنا لما فيه خير الإسلام والمسلمين، وأن يجعلهم يدًا واحدةً مع العُلماء والصادقين في وجه كل مُفسدٍ ومخرب؛ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60].

انتهى.

قائمة المراجع والمصادر:
1- مقالات جريدة الجزيرة لعام 2008م. 
2- إستراتيجيَّات غربية لاحتواء الإسلام، قراءة في تقرير مؤسسة راند، 2007م. 
3- مجلة نون، العدد 27 - ذو القعدة 1429هـ. 
4- "خالف تذكر"، مقالة للدكتور حمد المنصور - جريدة الجزيرة 6/11/2008م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف يتم التفاعل مع وسائل الإعلام
  • الإعلام بين الإفساد ونصر الإسلام
  • الإعلام وثقافة التطاول
  • حاجة الأمة للإعلام الهادف
  • الإعلام في المجتمع المسلم
  • الإعلام المقروء.. صيد ثمين جدًّا
  • الإعلام الإسلامي والمرحلة الراهنة

مختارات من الشبكة

  • روسيا: موقع على شبكة الإنترنت لتحديد موقع المساجد الروسية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • صدر حديثاً كتاب (مواقع العلوم في مواقع النجوم) لجلال الدين البلقيني(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • أخبار صحفيّة عن موقع الألوكة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الرموز الرياضية وضوابطها بطريقة برايل لتدريس الرياضيات والعلوم والحاسب الآلي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إستراتيجيات وضوابط الرموز الرياضية الأساسية والتخصصات العلمية والجامعية للمعاقين بصريا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • خرخش.. لكن لا تسئ إلى الرموز(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مالاوي: الرموز الإسلامية تكافح الأفلام الإباحية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الرموز الأثرية بين الحقيقة والأساطير(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
5- شكَر الله لك
آسية الحدادي - hgsu,]dm 18-01-2014 02:58 PM

مقال نفيس جدًا شكر الله لك
الآن نحتاج ظهور هذا المقال من جديد
منذ عام 2009 ولن يُهمل !
لعل الله حفِظه وأخرجه من بين ملايين البحوث
أسأل الله أن يُثقل به ميزان حسناتك ويرفعك به
يستحق التتويج ..

جزاك الله خيرًا ( أبلغ الثناء )

4- لاجف حبر قلمك
البندري بنت رشود - الرياض 15-04-2010 01:51 AM

كتبت وأفدت
وبارك الله فيك
اسقاط الرموز في نظري ليست هي الغاية بقدر ماهي وسيلة الى المد الليبرالي العنيف والعبثية الصحافية الشرسة ....
أكرر بارك الله في قلمك

3- درس..
شموخ 06-10-2009 02:28 PM
فعلاً..من أمن العقوبة أساء الأدب .. !
فمتى يوقف هؤلاء الصعاليك عند حدهم ..؟؟


لا فض فوك أختي منال..
2- شكر
أنوار السيد - السعودية 24-08-2009 01:46 PM
أختي : منال
هنأك الله بهذا المقال وجعله في ميزان حسناتك
وسخر قلمك ليكون سيفا مصلطا في وجوه أعداء الإسلام
1- ثناء
مها المانع 02-07-2009 04:43 AM

مقالة عميقة ومميزة ،تستحق القراءة

وفقك الله وسدد خطاك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب