• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (5)

اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (5)
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/9/2013 ميلادي - 27/10/1434 هجري

الزيارات: 8205

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (5)

الفراغ التشريعي والتعزير سياسةً


في البدايةِ كان الحكام المسلمون فيما بعد الخلافة الراشدة، إذا غضِبوا من أحد بَطَشُوا به، وإن ارتكب مخالفةً مُضِرَّةً بأمْنِهم نَكَبوهُ، من غيرِ أن يحاولوا أو يفكِّروا في إضفاءِ الشرعية على تصرفهم. إلا أن إنكارَ العامةِ بوازعِهم الديني وحسِّهم الإنساني، وتنديدَ بعضِ العلماء الصادقين أدى إلى الاستعانة ببعض فقهاءِ السلطة، لتبريرٍ و"شرعنةٍ" هذه التصرفات، فكان مبدأ "التعزير" في الشريعةِ الإسلامية أيْسَرَ مَدخلٍ وأوْطَأَ كَنَفٍ في هذا المضمار.


والتعزيرُ لغةً من أسماء الأضداد، يُفيد التعظيمَ والتبجيلَ والنصرةَ كما في قوله تعالى: ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الفتح: 9]، ويُفيد الردعَ والردَّ والتأديبَ كما في المباحث الفقهية التي عرَّفتْه بأنه تأديبٌ بضربٍ وغيرِه دون الحَدِّ أو أكثرَ منه، في الحدود التي لم تَتَكامَلْ أركانُها وتقتضي معاقبةَ مرتكبِها، وفي المخالفاتِ والجنايات التي لم تَرِد النصوصُ بأحكامٍ فيها، وفي الجرائمِ السياسية ضد الدولة ورموزِها، وفي كل ما يَرى الحاكمُ مصلحةً في ردعه وقمعه.


ولقد حاول الفقهاءُ من مختلف المذاهب التمييزَ بين الحَدِّ وبين التعزيرِ، وذكروا فروقا بينهما كثيرةً من أهمها:

• أن الحدَّ مُقَدَّرٌ شرعا والتعزيرَ غيرُ مقدَّرٍ شرعًا ومُفَوَّضٌ فيه إلى رَأْيِ الحاكم.

• أن الحدَّ يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ والتعزيرَ يَجِبُ بالشُّبْهَةِ.

• الرّجوعُ في الإقرارِ يُعْمَلُ به في الحدِّ ولا يُعْمَلُ به في التعزير.

• الحدُّ لا تجوز فيه الشفاعةُ والتعزيرُ تجوز فيه.

• الحدُّ لا يجوز للإمام تركُه والتعزيرُ للإمامِ فيه التركُ.

• الحد يَسْقُطُ بالتَّقادُم والتعزيرُ لا يَسْقُط.

• الحدودُ واجبةُ النَّفاذ واخْتُلِفَ في وجوبِ التعزيرِ.


أما مشروعيةُ التعزير فقد اختلف فيها الأئمة الأربعة:

وإذ يرى الشافعي أن التعزيرَ ليس بواجبٍ وأن للإمام حقَّ إيقاعِه وتركِه، يرى الحنابلةُ أن ما كان من التعزيرِ منصوصا عليه فهو واجبٌ، وما لم يكنْ منصوصا عليه فالأمْرُ لِنَظَرِ الإمام إن شاءَ عزَّرَ وإن شاء تَرَك، ويذهبُ مالك وأبو حنيفة إلى أنه واجبٌ، لورود أحاديثَ موقوفةٍ فيه، مثل ما رُوِي عن علي كرم الله وجهه فيما أخرجه ابن الجعد في مسنده عن عبدالملك بن عمير قال: سُئِل عليٌّ عن قول الرجل للرجل: "يا فاجر يا خبيث يا فاسق"، قال: "هُنَّ فواحش فيهِنَّ تعزيرٌ وليس فيهن حدّ"، وما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري: "ولا يُبْلَغُ بِنَكالٍ فوق عشرين سوطا".


ولئن كان الحديث النبوي الوارد في أمر التعزير متكلَّمًا فيه، على رغم اتفاق البخاري ومسلم على تخريجه عن أبي بردة، وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لا يُجلَد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)، فقد بلَغ الاختلافُ في تأويلِه وتقديرِ العددِ فيه مَدىً بعيدا.


رأى مالك أن تحديدَ قدرِ التعزير يكون على قدرِ العقوبةِ وصاحبِها، ويُخَيَّرُ الإمامُ بين العشرة وبين ما فوق الحدود الشرعية جلدا وقطعا وقتلا وصلبا، وذهب بعض المالكية إلى أن عددَ العشرة مقصورٌ على زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الرأي في غاية الضعف، وذهب أشهب إلى العمل بظاهر الحديث.


ورأى الشافعي ألا يُبلَغ بالتعزير ما هو مُقدَّرٌ في الحدود، فلا يُزادَ على تسع وثلاثين ضربة، أي أقل من الأربعين التي وردت عنه - صلى الله عليه وسلم - وذهب بعضُ الشافعية إلى أن حديثَ "العشرة" منسوخٌ بفعل الصحابة، وهذا ضعيف جدا لأنه لم يثبت إجماع من الصحابة على نسخه، ورأى القاسمُ بن القفال الشاشي من الشافعية عدمَ تجاوُزِ العشرةِ عملاً بظاهر الحديث.


كما يستشهدون على حقِّ الحاكم في إيقاعِه وتركِه وتقديرِه وتعيينِ مستحِقِّيه بحديث ضعيف ورد في جامع الترمذي ومسند الشهاب هو (اتَّقوا فراسةَ المؤمن، فإنه ينظر بنور الله عز وجل) وفي رواية كنزِ العمال عن عروة مرسلا: (إن لكلِّ قوم فراسةً وإنما يعرفها الأشراف) وبحديث آخر متكَلَّمٍ فيه ورد في "نوادر الأصول" للحكيم الترمذي والمعجم الأوسط عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن لله عباداً يعرفون الناس بالتَّوَسُّمِ).

 

وذلك ما ذَهب إليه ابنُ قيم الجوزية في كتابه "الفراسة المُرْضية في أحكام السياسة الشرعية" إذ قال: (وقولُ أبي الوفاء ابن عقيل ليس هذا فراسةً، فيقالُ ولا مَحْذورَ في تسميتِه فراسةً، فهي فراسةٌ صادقةٌ، وقد مدح اللهُ سبحانه الفراسةَ وأهلَها في مواضع من كتابه فقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [الحجر: 75] وهم المتفرِّسون الآخِذونَ بالسِّيما وهي العلامةُ، يقال تفَرَّسْت فيك كيت وكيت وتَوَسَّمْتُه، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ﴾ [محمد: 30]، وقال تعالى: ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ﴾ [البقرة: 273]، وفي جامع الترمذي مرفوعا: (اتقوا فراسةَ المؤمنِ فإنه ينظرُ بنور الله) ثم قرأ: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [الحجر: 75].


وكلا الحديثين لا ينطبق معناهما ولو كانا صحيحين على حالات التعزير سياسةً من قِبَلِ الحكام، فما مِنْ أحدٍ منهم تأكد لنا أنه كان يَنظُر بنورِ الله لتكونَ له تلك الفراسةُ، وما مِنْ أحدٍ منهم تأكد أنه كان من رجال الله الذين يعرفون الناسَ بالتَّوَسُّم.


أما الاستشهاد بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ وقولِه مخاطبا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 30]، وقوله ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ﴾ [البقرة: 273] فأبْعَدُ عن موضوع التعزيرِ سياسةً بُعْدَ الأرض عن السماء، لأن الآيةَ الأولى متعلقةٌ بضرورةِ الاعتبارِ بما وقع لقومِ لوط ومعرفةِ قوةِ الله وجبروتِه وغيرتِه لانتهاك حرماته، والثانيةُ متعلِّقةٌ بوَحْيٍ من الله تعالى لنبيِّه في شأن المنافقين، وليست هذه الخاصية لغيره، وليس الحكام مِمَّنْ يوحَى إليهم في شأنِ أعدائهم، والثالثةُ في أمرِ الصدقات والفقراء الذين لا يكادُ يعرفُهم الجاهلون.


إن بناءَ العقوبة على الفراسةِ والتوسُّمِ والظنِّ والتخْمينِ والشُّبهةِ والتُّهمةِ واعتمادا على نَظَرِ الحاكم ومِزاجِهِ وما يَراه مصلحةً يُعَدُّ بابا مُشْرَعاً للفِتنِ والظلمِ والجورِ والاستبدادِ.


وقد غَلِطَ ابنُ قيم الجوزية في كتابه "الفراسة المُرضية في أحكام السياسة الشرعية" إذ دافع دفاعَ المجادلِ المستميتِ عن نظرية الفراسةِ وجَعَلَها من أهمِّ مَحاوِرِ الحجةِ في الموضوع وَوَصَفَها بأنها (مسألةٌ كبيرةٌ عظيمةُ النفعِ جليلةُ القدرِ إن أهملها الحاكمُ أو الوالي أضاعَ حقّاً كثيرا وأقامَ باطلا كثيرا).


وإلى ذلك ذهب ابنُ تيمية أيضا في كتابه "السياسة الشرعية" إذ قال: (وأما المعاصي التي ليس فيها حدٌّ مقدَّرٌ ولا كفارةٌ....فهؤلاء يعاقَبون تعزيرا وتنكيلا وتأديبا بقدْرِ ما يراه الوالي)، ثم بعد أن بَيَّن أن التعزير يكون بالإيلام قولا أو فعلا، كما يكون بالحبس أو تسْويدِ الوجه وإركابِ المعاقَبِ على دابةٍ مقلوباً، ذكر أن مالكا وبعضَ الحنابلة جَوَّزوا البلوغَ بالتعزير إلى القتلِ للإفساد ولو بدون رِدَّةٍ.

 

ولئن كان الفقهاءُ قد حاولوا الاستشهادَ على شرعيةِ ذلك ببعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعةِ واصطيادِ ما انتحَلَه الأخباريون من روايات، أو القياسِ على بعض حالات الحرب التي لها أحكامٌ خاصة، فإن الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - لم يثبُتْ أنه عزَّرَ خارجَ الحدود الشرعية، بل كان يَعفو ويصفَح حتى في حالات الإساءة إليه كما روي عن عبد الله قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسما، فقال رجل: إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، قال فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسارَرْتُه، فغضب من ذلك غضبا شديدا واحمر وجهه حتى تمنيت أني لم أذكره له، ثم قال: (قد أوذِيَ موسى بأكثرَ من هذا فصَبَرَ).

 

لقد نشأت نظريةُ العقاب خارجَ إطار الحدود الشرعية في حضن مسوِّغاتٍ فقهية مختَلَفٍ فيها، ولكنها أخذَتْ في التطور مع مرور الزمن وترامِي رقعة السلطة، وفُشُوِّ الفقه واتساعِ شُقَّة الخلاف فيه، وبعد أن كان التعزيرُ محصورا في المخالفاتِ الشرعية غير المنصوص على حكم فيها كالغش والكذب والحدود التي لم تكتملْ أركانُها، عُرِفَ التعزيرُ للمصلحة المرسَلَةِ المُقدَّرةِ بِنَظَرِ الحاكم، والتعزيرُ للتهمِ بالإساءةِ للدولةِ وأمْنِ السَّلْطَنَةِ، والتعزيرُ بالشُّبهة والظنِّ والفراسةِ والتوسُّمِ، واتُّخِذَ لكل هذه التعازيرِ اسمٌ جامع هو التعزيرُ سياسةً.


من ثم عَرَف الفقهُ الإسلامي مصطلحَ "السياسة" الذي تطوَّرَ مع الزمن فصار "سياسة شرعية" بِيَدِ الحاكمِ يطبقها كيف شاءَ وأنَّى يشاء وفي مَنْ يشاء.


كان الأصلُ في الشريعة أن العقوبةَ لا تكون إلا حدّاً، ثم صارت حدا وتعزيرا، ثم حدا وسياسة، ثم سياسةً شرعيةً، ثم سميت العقوبات المعزرة بنوع من التجاوز كذلك حدودا كما قال ابن تيمية السياسة الشرعية ص 101: (وأما تسمية العقوبة المعزرة حدا فهو عرف حادث) وعرَفَ الفقهُ الإسلامي بهذا التطور الجلدَ حدًّا والجلدَ سياسةً، والقطعَ حدًّا والقطعَ سياسةً، والقتلَ حدًّا والقتلَ سياسةً، ومصادرةَ الأموال حقًّا ومصادرتَها سياسةً، ثم خُلِعَتْ ربقةُ التقيُّد بالنصوصِ وتوالَت المظالمُ على الأمة بالصلبِ سياسةَ وتقطيعِ الأطراف سياسةً والقتلِ بالعصْرِ سياسةً والقتلِ بنفخ الضحيةِ من الدبر حتى الموت سياسة،ً وفي عصرنا هذا عُرِفَ تذويبُ الضحايا في حامض "الأسيد" سياسةً.


إن هذه النَّقْلَةَ النوعيةَ من مصطلح "التعزير شرعًا" إلى مصطلح "العقاب سياسةً" قد رفعت الحَرَجَ الديني عن الحكام، ووسَّعت عليهم باستعمال لفظٍ غائمٍ ضبابي، يبتلعه العامَّةُ ويستسيغونه ما دام بعض الفقهاء يستعملونه للتعبيرِ عن شرعيةِ أي تصرف.


إن هذا المصطلحَ المستحدثَ من أجل "شَرْعَنَةِ" الاستبداد لا تُقِرُّه مبادئ الإسلام وتعاليمُه شكلا ومضمونا، لِمَا يحمله من معاني تحكم فئةٍ في فئة، وما يعطيه للحاكم من حقِّ التصرف في الشأن العام استبدادا تامّاً لا مُعَقِّبَ له، وما يفتحه من أبوابٍ للفتن والمظالم على جميع الصعد:


على الصعيد السياسيِّ إذ تَمَّتْ تحت غطائِه السيطرةُ على أمر الأمة، وسُخِّرَ للأهواءِ والمصالح الفردية ونَهْبِ المال العام، أمامَ عيْنِ الأمة الخائفةِ من هذه العقوبة المستحدَثَةِ غيرِ المُقَدَّرةِ عقلا أو شَرْعا، والمَوْكولَةِ إلى مِزاجِ الحاكم وعَفْوِيةِ ما يصدُر عنه في حالاتِ خوفه وتوجسه، غضبِه وزَهْوِهِ، قتلا أو بَتْرا أو صلْبا أو جلدا أو مُصَادَرةً.


وعلى الصعيدِ الاجتماعي فُرِضَت على الأمة الخدمةُ الذليلةُ في أعتابِ الحكام وأمراءِ الشرطة والجيشِ وفي قصورِ النُّخَبِ الفاسدة ذاتِ النفوذ والجاه.


وعلى صعيدِ السيادةِ الوطنية فُتِحَت البلادُ للغزوِ الأجنبي عسكريا وثقافيا وعقديا.


وعلى صعيدِ التَّواصِي بالمعروفِ والتَّناهي عن المُنكر، أُجْبِرَ الدعاةُ على لُزومِ الصَّمتِ ومُلازمةِ الظِّلِّ تحتَ طائِلةِ التَّعزيرِ سياسةً وما ينْتُج عنه من قتلٍ وسَحْلٍ وانتهاكِ أعراضٍ.


وقد عرَّف ابن عقيل الحنبلي السياسة الشرعية بأنها: (ما كان من الأفعال، بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا نزل به وحي).

 

وعلق ابن القيم في الطرق الحكمية على هذا التعريف بقوله: (عن ابن عقيل قال: "السياسة ما كان فعلا مع الناس أقربَ إلى الصلاح وأبعدَ عن الفساد، وإن لَمْ يَضَعْهُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - ولا نَزَلَ به الوحيُ"، ومنْ قال لا سياسةَ إلا ما نَطَقَ به الشرْعُ فقد غَلِطَ).


وقال الطرابلسي في "مُعين الحكام": (السياسةُ ما يحتاجُه الحكامُ والوُلاةُ من إيقاعِ بعضِ العقوبات ردْعاً وزَجْرا لتُوصَدَ أبوابُ الفِتَن)

 

إلا أنه في نفس الكتاب "معين الحكام" ص 68 ينتبهُ لمخاطرِ السياسة ويُنبهُ إليها محذِّرا بقوله في الحكم بالفراسة: (فالحُكْمُ بالفراسةِ مثلُ الحكمِ بالظنِّ والتخمينِ وذلك فِسْقٌ وجَوْرٌ من الحاكم)، ثم يعقِّبُ على ذلك بتفصيلِ المظالم التي تَنْشأُ عنها قائلا: (اعلمْ أن السياسةَ شرعٌ مُغَلَّظٌ، والسياسةُ نوعان سياسةٌ ظالمة فالشرعيَّةُ تُحرِّمها وسياسةٌ عادلة تُخْرِج الحقَّ من الظالم...وهي بابٌ واسع تَضِلُّ فيه الأفهامُ وتَزِلُّ فيه الأقدامُ، وإهمالُه يُضيِّعُ الحقوقَ ويُعَطِّلُ الحدودَ ويُجَرِّئُ أهلَ الفساد ويُعينُ أهلَ العنادِ، والتوسُّعُ فيه يَفتحُ أبوابَ المظالمِ الشنيعةِ ويوجِبُ سَفْكَ الدماءِ وأخْذَ الأموالِ غيرِ الشرعية...).

 

ولئنْ ترك الطرابلسي في هذه الفقراتِ مَنْفَذاً لتَمْريرِ بعضِ تصرفاتِ الحاكمِ بإشارتِه إلى ما سَمَّاهُ السياسةَ الشرعيةَ دون أن يَضَعَ لها تعريفا دقيقاً أو آليةً واضحةً دقيقةً أو مِقياسا تُعرَفُ به، فإن الفقيهَ المالكي الإمام القرطبي في تفسيره 10/44 قد وَضَع حَدًّا لكلِّ تأويلٍ في هذا الشأن فقال عن الفِراسةِ التي هى ركيزةُ أحكامِ السياسة: (قال القاضي أبو بكر بن العربي: "إذا ثبت أن التوسُّمَ والتَّفَرُّسَ من مَدارِك المعاني فإن ذلك لا يَتَرَتَّبُ عليه حكمٌ ولا يُؤْخَذُ به مَوْسومٌ ولا مُتَفَرَّسٌ، وقد كان قاضي القضاة الشامي المالكي ببغداد أيامَ كَوْنِي بالشام يَحْكُم بالفِراسةِ في الأحكام، جريا على طريقِ إياس بن معاوية أيامَ كان قاضيا، وكان شيخُنا فخرُ الإسلام أبو بكر الشاشي صَنَّفَ جزءا في الرَّدِّ عليه، كَتَبَه بِخَطِّه وأعْطانِيه، وذلك صحيحٌ، فإن مداركَ الأحكام معلومةٌ شرْعا مُدْرَكَةٌ قَطْعا وليست الفراسةُ منها).


إننا إذ نَنْقُضُ ما دُعِيَ "أحكامَ السياسة" في مجال المخالفات والجنايات التي لم يَرِدْ من الشرع حكمٌ فيها، وعُدَّتْ في منطقة الفراغ التشريعي، لا نَقْصِد ترْكَ علاقاتِ الناس فوضى، ولا إهمالَ التَّناصُفِ بينهم فيما يُحْدِثُونَه من مظالم، ولكنْ لنُؤَكِّد حقيقةً شرعيةً هي أنه لا يجوزُ أن يستأثِرَ بهذه القضايا حاكمٌ فَرْدٌ أو فقيهٌ مجتهد واحد، لأنها أمْرٌ عامٌّ، ليسَ أحَدٌ بأحقَّ بالإشرافِ عليه منْ أحَدٍ، ولأنَّ مصلحةَ العامَّةِ في مجال الفراغ التشريعي يَسْتَحيلُ أن يُحيطَ بها إحاطةً جامعةً فقيهٌ واحد أو حاكمٌ واحد، ولأنَّ الفردَ مهما بَلغَتْ تَقواهُ وإحاطتُه بأوْجُهِ العلمِ لا يستطيع تحقيقَ الموضوعيةِ والتَّجَرُّدِ فيها، ولأن آليةَ تنظيمِها والتشريعِ لها وضبطِها كتابًا وسُنةً هي مجال للشورى التي تقيمها وتنظمها الجماعة المسلمة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (1)
  • اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (2)
  • اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (3)
  • اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (4)

مختارات من الشبكة

  • موارد ومصادر كتاب جزيل المواهب في اختلاف المذاهب للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة جزيل المواهب في اختلاف المذاهب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية(كتاب - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • التعريف بكتب فقهية في المذاهب الفقهية الأربعة [كل كتاب منها أصل في مذهبه] (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المذاهب الفقهية في إفريقية .. المذهب الشافعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المذاهب الفقهية في إفريقية .. المذهب الحنفي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المذاهب الفقهية في إفريقية .. المذهب المالكي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم التلفيق بين أقوال المذاهب الفقهية(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • تتبع رخص الفقهاء والتلفيق بين المذاهب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فلسفة (التحريم) بين المذاهب الفكرية العلمانية والإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب