• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (3)

اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (3)
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/8/2013 ميلادي - 22/10/1434 هجري

الزيارات: 15994

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (3)

منطقة الفراغ التشريعي في الشأنين الفردي والعام


لتوضيح ما نذهب إليه في هذا الأمر نضرب الأمثلةَ الأربعة التالية:

1- إذا ما رُفِعت إلى المحكمة قضيةٌ للفصل فيها، فإن نصوصَ الشرع الصريحةَ تُلْزم القاضيَ بالنطق بالحكم، وعَدَمُ قيامِه بذلك أو امتناعُه عن استيفاءِ الحقوق لمُسْتَحقِّيها كتمانٌ للعدل، تحريمُه بالكتاب والسنة والإجماع لا يَخْرِمُه خارِمٌ.


لكن إذا كانت القضيةُ المعروضة على القاضي ذاتَ وجهين مثلا، وجهٍ جنائيٍّ وآخرَ تجاريٍّ، فحكمَ في أحَدِ وجْهيْها، ودفَع في الوجه الثاني بعدم الاختصاص، هل يُعَدُّ هذا الفعلُ منه مخالفةً شرعيةً وكتمانا للحق ورضوخا للقانون الوضعى؟

 

2- كذلك إلزامُ الدولة مواطنيها باتِّباعِ مسطرةٍ إجرائيةٍ للتقاضي في المحاكم، كضرورةِ تحريرِ الشكوى في وَرَقٍ رسمي وأداءِ رسومٍ مالية نظيرَ تسجيلها، وإيداعِها لدَى مكتبٍ خاصٍّ غيرِ مكتبِ قاضي النَّازلةِ، وكلُّ ذلك غيرُ مشمولٍ بنصوص الشرع صراحةً أو تأويلا، ولكنه تنظيمٌ إداري محْض لشكل ممارسةِ التقاضي، فهل يُعَدُّ الامتثال لهذه المسطرةِ تحاكما إلى قوانين وضعيةٍ مُحَرَّمَةٍ أو امتِثالا لشرعٍ من حق الدولة وضْعُه، ويَحْرُمُ على المواطنين مخالفتُه؟

 

3- وعندما تُصدِر الدولة مثلا، أمراً بمَنْعِ صيدِ البر والبحر في فصول التوالد، هل يُعَدُّ هذا الأمر مخالفا للشرع الذي أباح الصيدَ بقوله تعالى ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ﴾[المائدة: 2]، وقوله ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [المائدة: 96]. وهل يجب على المرء الامتثالُ لأمرِ الدولة أم يجوز له التمتعُ بما أباحه الشرع؟

 

4- والوقوفُ بالسيارة عند الإشارة المرورية الحمراء حتميٌّ في إطار التنظيم المدني للسير، وعدمُ الوقوف عندها مخالفةٌ، إلا أن هذا الإلزام سلبا وإيجابا لا يُعَدُّ أمرا دينيا إلا بتأويل، فإن نَتَجَ عن المخالفة ضرَرٌ غيرُ مقصود تدخَّلت النصوصُ الصريحة لرفع الضرر.


هذه الأمثلة الأربعة توضح ما نحن بصدده:

في المثال الأول يُجمعون على صوابِ نطقِ القاضي بالحكم في الوجه الأول للقضية، وعلى تَخْطِئَتِهِ في الامتناع بعدم الاختصاص في الوجه الثاني، إلا ما كان من المالكي الذي قد يَتَرَدَّدُ بين التأثيمِ للامتناع وبين الإقرار للمصلحةِ المرسَلة. ولئن كان تعارضُ امتناع القاضي عن الحكم لعدم الاختصاص مع أحكام الشرع مجردَ تعارضٍ شكلي، لأنه في الجوهرِ إحالةٌ للقضية إلى قضاءٍ آخرَ متخصصٍ، فإن هذا المثال يثيرُ إشكاليةَ تعارضٍ مُتَوَهَّمٍ لظواهر النصوص مع بعض النظم الإجرائية.


وفي المثال الثاني المتعلقِ بمسطرة التقاضي يرى الحنبلي ذلك بدعةً وزيادة في الدين، وأكلا لأموال الناس بالباطل، ويراه الحنفي حقا من حقوقِ ولي الأمر، ويقبَله المالكي للمصلحة المرسلة، أما الشافعي فهو لديه بدعةٌ وأكْلٌ للسحت وإضافةٌ للدين غيرُ مشروعة.


وفي المثال الثالث الخاصِّ بتعارض الإباحة بنص الكتاب مع أوامر الدولة بالمنع، لا يرى الحنبلي والشافعي أصلا لأمر الدولة في الشرع، لكن المالكي لا يُنكره استصلاحا والحنفي يُجيزه استحسانا.


وفي المثال الرابع تنظيمٌ إجباري لأمرٍ يستصحب الإباحةَ الأصلية وهو السير في الطرقات، يراه الظاهري حكما بغير ما أنزل الله، وتحريما لما أباحه، ويراه المالكي واجبا للمصلحة المرسلة وسدا للذريعة، ويراه الحنفي استحسانا مقبولا.


هذه الأمثلة وغيرها مما لا يكاد يحصى، تبرُز في كثير من أوجه النشاط الإنساني المعاصر، مما لا توجد له نصوص شرعية حاكمة في الكتاب والسنة أو فيما يُحمل عليهما بالقياس والإجماع، إلا إذا تدخلتْ مثلا بنوع من التأويل أدواتٌ للاستنباط مختلَفٌ فيها، كالاستصلاح المالكي والاستحسان الحنفي والاستصحاب الظاهري. بل قد لا نجد لها من أدوات الأصوليين ما يشفي الغليل.


هذا المجالُ التدبيري في حياة الدولة والأفراد هو ما نُطلق عليه مصطلحَ "منطقة الفراغ التشريعي"، وهو ما نحن بصدد توضيح أمره.


ولئن كانت جميعُ القوانين الوضعية قد عرفتْ هذا الميدانَ التشريعي ووضعتْ لإشكالاته حلولا وأحكاما، بحيث إذا لم يوجد في القانون الجنائي مثلا نصٌّ تشريعي يمكن تطبيقُه حكم القاضى بانعدام الجرم المستحِق للعقوبة، بناء على مبدأ "لا جريمة ولا عقاب إلا بنص"، وإذا لم يوجد في القانون المدني كذلك نص حَكَم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة إن وُجدت، ثم بمقتضى العرف إن وُجد، ثم بمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة إن وُجدت، فإن مصطلحَ "الفراغ التشريعي" مُستحدَثٌ في ساحة الاجتهادِ الإسلامي المعاصر، وإن كان العملُ بمقتضاه قد عرفه الصحابةُ رضي الله عنهم عَقِبَ وفاةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، وعالجَه الفقهاءُ من بعدهم على مر العصور تحت مسمياتٍ مختلفة.


ذلك أن الشريعةَ الإسلامية قد حددت أحكاما ثابتةً مستندةً إلى نصوص الكتاب والسنة، في وقائع وأحداثٍ وحالات وقضايا معينة، وتركت أحوالا أخرى شاغرةً لم تحدِّدْ لها أحكاما، وأذِنَتْ للأمة في التشريعِ لها بما يناسب ظروفَها ومصلحتَها وخطَّ سيرها، وبما لا يتنافَى أو يتعارضُ مع ثوابت الدين عقيدةً وشريعةً ونظامَ حياة، كما هو الشأن في قضايا معاصرةٍ من النشاط التجاري والاقتصادي والسياسي والإداري والصناعي والاجتماعي والزراعي والطبي والثقافي، تعاملا مصرفيا وتأمينا تجاريا وشخصيا وعلاقاتٍ سياسيةً داخلية وخارجية وقوانينَ إدارية ونقابية وحزبية وضبطا لشؤون المِلْكِية الفكرية والقَرصنَة الصناعية والتقنية والجمركية...


ولئن كان الاجتهاد في مجال ثوابتِ الأحكام النصيةِ مبنيا على الموازنة بين الأقوالِ والأدلةِ، والترجيحِ بينها والانتقاءِ منها والاختيارِ فيها، بما يراه المجتهدُ أقوى حجةً وأقومَ حكما، فإن الاجتهاد في منطقة الفراغ التشريعي يُعَدُّ عملا إنشائيا إبداعيا، لأنه ورد في ما لا حُكْمَ للشرع فيه، أي في منطقة العَفْوِ، طبقا لما أخرجه أبو داود عن ابن عباس قال:( كان أهل الجاهلية يأكلون أشياءَ ويتركون أشياءَ تَقَذُّراً، فبعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنزل كتابَه، وأحَلَّ حلالَه، وحرَّمَ حرامَه، فما أحَلَّ فهو حلالٌ وما حرَّمَ فهو حرام، وما سكت عنه فهو عَفْوٌ) وتلا ﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145].

 

وسواءٌ كان موضوعُ القضية من هذا الصنف قد أنشأَ له بعضُ القدماء حكما، أو طُرِحَ حديثا لأوَّلِ مرة على مائدةِ البحثِ والاستنباط، فإنه دائما محلُّ اجتهادٍ مُتَجَدِّدٍ ومتغيِّرٍ بِتَغَيُّرِ الظروف والأحوال تبعا للقاعدة الفقهية "لا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الأحكامِ بِتَغَيُّرِ الأزمان".

 

وسواءٌ كان الأمرُ متعلقا بإنشاءِ أحكامٍ جديدةٍ في المباحات من أنشطة الناس وتصرفاتِهم، أو بما يُسْتَجَدُّ مما لم يُعْرَفْ من قبل ولم يَكشفِ الوحيُ كتابا وسنة حكما فيه رحمةً وتوْسِعَةَ وإفساحا لحريةِ الاختيار فيما تقتضي الحياةُ تكييفَه وتنظيمَه وتطويرَه، فإن ذلك كلَّه من مجالاتِ منطقةِ الفراغِ التشريعي.


إن هذه القضايا المتعلقةَ بهذا الصنف من الاستنباطِ من غير الأدلةِ الأصلية حقيقةٌ واقعةٌ في المجتمع، حَدَثَتْ وتَحْدُثُ، ويتجددُ شبيهٌ لها ومُخالِفٌ لها في كل عصر. والفقهُ الإسلامي واحدٌ في هدفه ومواضيعِه. ينْبُع من أصلٍ واحد هو الكتاب والسنة. إلا أنه يتأثر بالبِيئَةِ التي يعمل فيها، تجاريةً أو سياسيةً أو اجتماعيةً، سلماً أو حرباً. ولا بد من تنظيم حياةِ الناس في هذا المجال، واستِحْداثِ حلولٍ تسايرُ النشاطَ البشري دفعاً للتظالم وتحقيقاً للعدل والسلم، وتوفيراً لظروفٍ تساهم في رُقِيِّ الأمة ونهضتِها. ولذلك رأى الفقهاء من كل المذاهب، باستثناء الظاهرية، ضرورةَ استنباط أحكامٍ شرعيةٍ لهذه القضايا.


هذا الموقفُ عَكَسَ مرونةَ التشريع الإسلامي وصلابتَه وبُعْدَ غَوْرِه، وإعجازَه وصلاحيتَه لكل ظرف وحال. لكن مربطَ الفَرَسِ في الخلاف بين هذه المذاهب وبين المذهب الظاهري، هو مدى جوازِ اعتبارِ هذه الاستنباطاتِ تشريعاً إسلامياً. فإذا اعتبرناها تشريعاً إسلامياً خَضعَتْ للأحكام التكليفيةِ الشرعية الخمسة ودخلت تحت طائلة الإيجاب والتحريم والندب والكراهة والإباحة، وما يستتبع ذلك من جزاءات دنيوية وأخروية، باعتبارِ مخالفتِها ذنباً له وِزْرُه.

 

ففقهاء المذاهب الذين جشَّموا أنفسَهم مشقةَ الاستنباط، رأوا أن لكلِّ قضية حكماً لله فيها يجِب على المجتهدِ إظهارُه، و إلا أثِمَت الأمة كلُّها، أما فقهاءُ المذهبِ الظاهري فيَرَوْنَ أن هذا الصنفَ من القضايا متروكٌ على أصلِ البراءةِ، والحكمُ فيه بقاءُ ما كان على ما كان، لأن الله تعالى لم يُخْبِرْنا بحكمِه فيه رحمةً وتَوْسِعَةً.


إلا أن إهمالَ هذه القضايا وعدمَ تنظيمِ حياةِ الناس فيها مما يؤدي إلى الفوضى والتناقض، ويساهمُ في انتشارِ الظلم، ويعوق حركةَ المجتمع الإيجابيةَ. ونحن في هذا الأمر بين رأي الظاهرية الذين يكادون يُكفِّرون المجتهدين فيه، وبين فقهاء المذاهب الأخرى الذين يرون ترك الاجتهاد فيه إثماً وتفريطاً. ولكل فريقٍ رأيٌ وجيهٌ إن جُرِّدَ من التشَنُّج والتعصُّب. فكيف نوفق بين الموقفين؟ كيف ننظم حياة الناس في هذه المجالات المستحدثة المتجددة، دون أن نكون قد تدخلنا في التشريع الإلهي، وحكمنا بغير ما أنزل الله، ودون أن نأثم بالتوقف عن الاجتهاد والمساهمة في حل مشاكل المسلمين؟


ولئن كان المذهبُ الظاهري قد عمِلَ على حلِّ إشكالِ الفراغ التشريعي بالمُغالاةِ في استعمالِ دليلِ الاستصحابِ إلى حدِّ الوقوعِ في تناقضٍ غيرِ مقبول، فإن لِكلٍّ من المذاهب الأخرى مَنهجاً خاصّاً بالاجتهاد في هذه المنطقة عليه فيها مآخذُ وله سلبياتٌ، سواء تعلق الأمر بالتصرفات الفردية أو بقضايا التدبير العام للدولة.


فالاتجاه السّني مالكيا وحنفيا وشافعيا وحنبليا عالجَ التصرفَ الفرديَّ تحت مظلةٍ شرعيةٍ هي أن المجتهدَ مأجورٌ مصيبا أو مخطئا، تحت عناوينِ المصلحة المرسلة والاستحسان والعرف والاستصحاب وشَرْعِ من قَبْلَنا، وما سوى ذلك من الأمارات والقرائن، واستحدثَ للشأنِ العام والأحكامِ السلطانية ما دعاه "السياسة الشرعية"، واعتبر ما استنبطه في هذا الباب مُنضبطا بالأحكام الخمسة، وهو ما يعترض عليه الظاهريون.


أما الاتجاه الشيعي فإن منه من أقر مصطلح " الفراغ التشريعي" وجعل أمرَه خاصا بوليِّ الأمة، يبُثُّ فيه بما تقتضيه المصلحة، استنادا منه على الاعتقاد بأن للرسول - صلى الله عليه وسلم - صفتين، صفةً نبوية باعتباره مبلغا عن الله عز وجل، وصفةً قياديةً بصفته حاكما ووليا، والأحكامُ النصية الواردة عنه بصفته رسولا ثابتة لا تتغير لأنها وحي إلهي، أما ما يصدر عنه بصفته قائدا سياسيا فهو قابلٌ للتبديل والتغيير حسب المصلحة التي تقدر في زمانها ومكانها. وهذا النظر يكاد يلتقي مع ما ذهب إليه الفقيه المالكي القرافي بتقسيمه تصرفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أربعة أنواع، تصرفات بمقتضى الرسالة، وتصرفات بمقتضى الفتوى، وثالثة بالقضاء، ورابعة بالإمامة.


كما أن في هذا الاتجاه الشيعي نفسِه نظرا آخرَ مخالفاً يَرى أن لا فراغَ في التشريع الإسلامي، لأنه مسدَّدٌ بالوحي، وكلُّ ما يصدر عنه - صلى الله عليه وسلم - وهو المعصوم وحيٌ من ربه، لقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4].

 

أما حَلُّ إشكالِ الفراغ التشريعي لديه فيكمُن في ثلاثِ مراتبَ للاجتهاد هي:

• التشريعات التي تضمنها الكتاب والسنة وما يُستنبَط منهما.


• تشريعات القضايا المستجَدَّة التي لم توجد لها أحكام واضحة، ويرجع الفقيهُ المجتهد فيها إلى عُموماتِ الشريعة وأدلَّتِها الثانوية.


• تشريعاتٌ في قضايا لم يَسبِق أن عُرِفَتْ، مثل ما يتعلق بالاكتشافات والصناعات والأسلحة الحديثة والاستنساخ والتلقيح الصناعي، وهي من اختصاص الفقيه المجتهد.


أما مجالُ النظام السياسي للأمة فإن الوليَّ الفقيهَ هو الذي يُنْشِئُ أحكامَهُ لدى الفريقين، لأن سلطتَه تكادُ تكون مُطلَقةً في الاجتهاد التشريعي.


إن أولَ ما يؤخذ على مناهجِ الاستنباط في ميدان الفراغ التشريعي لدى هذه المذاهب سنية وشيعية هو ما لاحظَه الظاهريونَ من شبهة الاِفْتِياتِ على الشرع بالتَّدَخُّلِ في أمرِ التحريم والتحليل الذي استأثر اللهُ به ورسولُه، مما يتعارضُ مع نصوص ثابتة، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116]. وقوله عز وجل: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59].


ولئن كان الله تعالى بحكمتِه وقيوميتِه قد تَرك هذه الساحةَ التَّصَرُّفِيَّةَ بدون تشريعٍ صلب توسعةً على الخلق وتوفيرا لليُسْرِ في علاقاتهم ومَعاشِهم فإن من بابِ أولى ألا يُضَيِّقَها الفقهاءُ عليهم بإدخالِها تحتَ مِظَلَّةِ الحرامِ والواجب باعتبارِ المخالفةِ فيها وِزْرا مسؤولا عنه في الدنيا والآخرة.


وثاني ما يُؤخذ على هذه المناهجِ أن احتكارَ سُلطةِ التشريع في قضايا جعلَها الله تعالى لِعُمومِ الأمة، أنْشأَ تَماسّاً خطيرا بين الاجتهادِ الفقهي وبين الاستبدادِ السياسي والتسَلُّطِ الفردي على الشأن العام، ولطالَما اقتسمَ بعضُ الفقهاء النفوذَ مع السلاطين والملوكِ وأذاقوا الأمةَ سوءَ العذاب، بفتاوَى ظالمةٍ من هؤلاء وسيوفٍ مُصْلَتَةٍ مِنْ أولئك.


وثالثةُ الأثافي قضيةُ أخرى لا تَقِلُّ خطورةً عن سابقاتها، متعلقةٌ بإقصاءِ الأمةِ عن أمرٍ هو من صميمِ اختصاصِها وشأنِها، بَداهةً عقليةً ونصوصاً صريحةً.


ذلك أن عِصْمةَ الأمة في اجتماعِها وقيامِها شورويا بأمرِها وَرَدَتْ بهما آياتُ التنزيل الحكيم والأخبارُ المتواترةُ سنةً قوليةً وعمليةً، وقد سُلِّطَتِ الأمةُ بذلك شَرْعاً على قضاياها الدنيويةِ لتسخيرِها فيما خُلِقَتْ له ومِنْ أجله، والاسْتِئْثارُ دون الأمة بهذا الصنف من التشريعِ إلغاءٌ لمرجعيتِها وتسفيهٌ لاجتهادِها فيما هو من صميم عملها، ونهجٌ يؤدي حتما - وقد أدى - إلى احتكارِ فئةٍ قليلة لحقِّ التمييزِ بين الصوابِ والخطأ والمصلحةِ والمفسدةِ، وإلى قيامِ النُّظُمِ السياسية الاستبداديةِ الظالمة.


ومَأْخَذٌ رابعٌ على هذا النهج هو ما يُثيرُه بعض فقهاء المذاهب باجتهاداتِهم المختلفةِ المتنافيةِ والمتعارضةِ، من توسيعٍ لشقةِ التَّفرقِ والتَّمزقِ والتَّناحر الطائفي بين المسلمين مما لا يخفَى على أحد.

 

أما موقفُ المذهبِ الظاهري من قضايا الفراغِ التشريعي فإن مفهومَه لأصل البراءة فيما تُرِكَ فيه التشريعُ رحمةً ليس مبرِّراً لِتَرْكِه فوضى بدعوى أن النصَّ لم يُبَيِّنْه، أو أنه مَنَعَنَا من تنظيمِه وتقنينِه، لأن الرحمة لا تعني ترك النظام والتنظيم، ولكن تعني عدمَ المساءلةِ الأُخروية فيه، مما يجعل وجهةَ نظرِ المذاهبِ الأخرى مقبولةً من حيث وجوبُ تنظيمِ حياةِ الناس في هذا الصنف من القضايا؛ إلا أنَّ جَعْلَ ما يستنبطونه فيه شرعاً إسلامياً صرفاً فيه نظرٌ. ولا شك أن استنباطاتِهم هذه نابعةٌ من صميم الشريعة الإسلامية، وناشئةٌ في ظلها وبتوجيهاتها العامة وحِكمتِها ومقاصدِها ورحمتِها، إذ من الطبيعي أن تنشأ في ظل كل تشريع أو قانونٍ تشريعاتٌ أو قوانينُ جزئيةٌ نابعةٌ من روحه. فالقوانينُ الوضعية في أغلب البلاد الإسلامية مثلاً ناشئةٌ من روحِ القوانين الأوربية وفي ظلها، والقوانين الأوربية الحالية ناشئة من روح القوانين الرومانية وفي ظلها. فإذا كانت هذه الاستنباطاتُ الفقهية في هذا الميدان ناشئةً من روح الشريعة الإسلامية وفي ظلها، وكان للدولة الإسلامية أن تتبنى بعضها وترفعَها إلى مستوى قوانين ملزمة، وتقررَ لمخالفتها جزاءاتٍ تنظيميةً وإدارية وتعزيريةً، من غير أن تُدخلها تحتَ طائلة الإثمِ والمخالفة الدينية، نكون قد وفَّقْنا بين المذاهب، وقرَّبنا شقةَ الخلاف، وفتحْنا بابَ الوحدة التشريعية بين المسلمين، وفسحنا المجالَ لتطور المجتمع وتسريعِ حركة التجدُّدِ فيه.


هذه الخطوة الاقتحامية الجريئة في مجال توحيد أمر المسلمين تقتضي منا جميعا موقفين شجاعين هما:

• اعتبار المذاهب الإسلامية كلِّها مجردَ مدارس علميةٍ فقهية لا غير، تتكامل فيما أصابتْ فيه وتتناصحُ فيما أخطأت فيه، وتتعاون لتنظيم شؤون الناس المتروكةِ لاجتهاد البشرِ رحمة من رب العالمين، تحت راية القرآن والسنة. إذ التفريط فيها يضر بالتشريع الإسلامي نفسه والتفريط فيما حول الحِمَى يعصف بالحِمى، والمحافظةُ على المندوب تحفظ الواجبَ، والذريعةُ إلى الإخلال بالمروءةِ إخلالٌ بالمروءة في واقع الأمر.

 

• مراجعة شاملة ودقيقة لكل الاجتهادات الفقهية في هذا الميدان، وتصنيفها والاستفادة منها. وسوف نكتشف أن مجردَ أُحادِيةِ نظرتِنا هي الحائلُ بيننا وبين الاستفادة منها. ولنضرب مثلاً لذلك: قضية فقهية بسيطة هي ما عرف بإزالة النجاسة بما سوى الماء، كالخل مثلاً، وهي جائزة عند أبي حنيفة ولا تجوز عند الشافعي. لكننا إذا نظرنا إلى واقعنا المعاصر، وجدنا أن فقهاءَ جميعِ المذاهب أصبحوا يعملون بداهةً منهم وسليقةً برأي أبي حنيفة؛ لأنهم يرسلون ملابسهم إلى المغاسل الآلية العامة التي تنظف بغير الماء، أي بالمواد الكميائية. والمذهب الحنفي مثلاً في هذا الموضوع متقدمٌ جداً على غيره. وكذلك نجد أن كلَّ مذهب آخر متقدمُ على غيره في مجال آخر.

 

هذا في مجال الفراغ التشريعي المتعلق بالشأن الخاص نشاطا اجتماعيا أو تجاريا أو صناعيا أو معاملات فردية. إلا أن لتدبير الشأن العام مسارا تشريعيا آخر سلكه بعض الفقهاء ينبغي النظر فيه سبرا ونقدا وتقييما لمآلاته ونتائجه، مسارا أطلق عليه مصطلح "السياسة الشرعية"، فما وجه علاقته بنظرية الفراغ التشريعي؟





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (1)
  • اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (2)
  • اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (4)
  • اختلاف التشريع بين المذاهب الإسلامية - عودة إلى الأصول (5)
  • المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

مختارات من الشبكة

  • ملخص كتاب: المجملات النافعات في مسائل العلم والتقليد والإفتاء والاختلافات - الخامس: الاختلاف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في سنة الاختلاف وآليات التعامل مع الآخر (قراءة في كتاب: دليل تنمية القدرة على تدبير الاختلاف)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • اختلاف الفتوى باختلاف الأحوال والأزمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خيار البيع باختلاف المتبايعين في الجملة واختلاف الثمن(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • موارد ومصادر كتاب جزيل المواهب في اختلاف المذاهب للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة جزيل المواهب في اختلاف المذاهب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • أدب الاختلاف في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاختلاف: مفهومه في اللغة والاصطلاح وفي القرآن الكريم، والفرق بينه وبين الخلاف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • اختلاف مستوى التدين بيني وبين خطيبتي(استشارة - الاستشارات)
  • جوانب الاختلاف بيني وبين زوجي كثيرة(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب