• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الروح الدينية .. وأسباب ضعفها في نفوس المسلمين

الروح الدينية .. وأسباب ضعفها في نفوس المسلمين
محمد عبدالعزيز الخولي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/1/2013 ميلادي - 17/3/1434 هجري

الزيارات: 10381

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الروح الدينية

(أسباب ضعفها في نفوس المسلمين)


لو أن نفوس المسلمين مفعمة بحب دينهم حبا صادقا منبعثا عن عقيدة ثابتة وإيمان يقيني لكان حالهم غير الذي نرى من تفرق في الكلمة والتهام لأكثر بلادهم وفقد للعزة والعظمة ولكن ضعفت الروح الدينية في نفوس الكثيرين منهم أو ماتت ففقدوا وازعا قويا وعزما حديديا يدفع بالنفوس العَصية إلى اقتحام المخاطر وتذليل المصاعب لنيل معالي الأمور والوصول إلى منزلة دونها منازل الأمم الأخرى التي لا تدين بدينهم ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

 

ولهذا الضعف علل وأسباب إن عملنا على تلافيها في المستقبل رجع إلينا مجدنا التالد وعزنا القديم وإن تركناها تنخر في عظامنا وتهدم ما بقي من بنائنا انتهى الأمر بالقضاء علينا وأصبحنا كاليهود مبعثرين في نواحي الأرض لا دولة لنا تحمينا ولا رابطة تربطنا – لا قدر الله ذلك وكتب لنا السلامة والتبصر في العاجل علنا ننتفع به في الآجل.

 

إن واجب الجهاد دَيْن في عنق كل مسلم لا يخلص من عهدته إلا إذا تبوأت هذه الأمة الإسلامية مكانتها الأولى بين الأمم وأصبحت كلمة الله هي العليا، ولن يكون ذلك إلا ببذلنا ما نستطيع من نفس ومال وسلطان وجاه في سبيل النهوض بها إلى الدرجة العالية والمنزلة السامية.

 

وإني لذاكر أسباب الضعف هنا لا لنلهو بعدّها وحفظها ولكن لنتبصر فيها كأمراض تغلغلت في جسم أمتنا فأضعفت روحها وكادت تودي بحياتها ثم تبحث عن الأودية الملائمة لهذه العلل لنشفي بها سقامنا ونستعيد بها حياتنا الاولى حياة المجد والعظمة والعدل والعزة.

 

فأول أمراضنا جمودنا على القديم ولو كانت فيه المضرة والهلكة ولو كان يصادم أصول ديننا وأسس شريعتنا. فتحرك العالم ونحن سكون وسار ونحن وقوف وجار العصر ومقتضياته فنال من أسباب السعادة في هذه الحياة ما لم ننل، ولبثنا في مكاننا نتغنى بالقديم وليته القديم الأول الذي كان عليه محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحبه والتابعون لهم باحسان فإن الجمود على هذا مفخرة وإن هو إلا الصلابة في الحق والتمسك بقواعد الإصلاح ولا أحب لمسلم أن يلين فيه فان آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، إنما الجمود الذي أمقته وأنفر المسلمين منه وانذرهم عاقبته ومغبته هو الجمود على العادات والتقاليد التي حسبها الجاهلون من الدين وليست منه في ورْد ولا صدر وشايعهم عليها علماء السوء وأخذوا ينتحلون لها من الأدلة الدينية ما لا أساس له فاتخذت في نفوس العامة مجرى لا تكاد تحولها عنه كبدعة التوسل بذوات الاحياء أو الأموات والتكفير عن سيئات من رحل عن الحياة فاسقا ظالما بهراء من الكلمات أو خيال من الصدقات وصيام شهرين متتابعين - رجب وشعبان - ما أنزل الله بصيامهما من سلطان إنما جعل صيام الشهرين أيا كانا عقوبة في بعض الكفارات، وكبدعة الطرق التي فرقت المسلمين شيعاً متنازعة وأذكت نار العداء بينها وأدت إلى تقديس المريد لشيخه ولو أصدر شيخه عن جهالة ولو اقترف ما لا شبهة في حرمته ولو سلك باتباعه غير السبيل المستقيم الذي ارتضاه الله لنا ديناً وحتم علينا سلوكه وحَرَّم علينا مجانبته ﴿ وأن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153] إلى غير ذلك من الترهات التي التزمها المسلمون باسم الدين ووجدوا من أشباه العلماء من زين لهم سوء ما عملوا الجمود الذي أمقته أن نقف عند آراء استنبطها الأئمة المجتهدون ليس فيها نص من كتاب أو سنة ولا قام عليها اجماع ولا مما ثبت بقياس جلي.

 

استنبطوها مراعين أوساطهم وحال عصرهم فكانت حسنة إذ ذاك فاتخذناها نحن شريعة عامة نطبقها في كل زمان ومكان وان كنا نرى في تطبيقها ضرراً لتغير الحال واختلاف البيئات والأئمة رضوان الله عليهم لم يضعوها شريعة دائمة ولا ألزموا الناس بها حتى يلتزموها بل كثيرا ما بينوا أنها محض آراء لهم إن أصابوا فيها فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر واحد.

 

ولقد خالف الشافعي أبا حنيفة في كثير من المسائل كما خالف الشافعيَّ أحمدُ، ولو كان ما وضعه السابقون شريعة دائمة للاحقين ما وسع هؤلاء أن يخالفوا من سبقهم، وأشد من ذلك جموداً أن نمنع المسلمين من أن يأخذوا بقول الصحابة أو التابعين إذا كان مخالفا لمذاهب الأئمة الأربعة فحجرنا على أنفسنا واسعاً. بل أدهى من ذلك وأمر أن نقيد أنفسنا في عباداتنا ومعاملاتنا ومحاكمنا بمذهب واحد ولا نبيح الأخذ من غيره ولو كانت المصلحة في تقليده بينة واضحة، كذلك أقفلنا باب الاجتهاد في وجوه طالبيه مع أنه جدت للناس أقضية لم تكن من قبل فكيف نقف على أحكامها في شريعتنا إذا كان الاستنباط محظورا، كيف نعرف حكم التأمين على الأموال وعلى الحياة وحكم المعاملات المستجدة في المصارف المالية والبيوت التجارية وأخبار المسرات والبرقيات ومنزلتها بين طرق الإثبات؟ كيف نعرف أحكام هذه الأمور وأشباهها إذا كنا نقف عند القديم ونحظر على من وهبه الله رسوخاً في العلم وبصيرة في الدين أن يلج باب الاجتهاد ليقضي في أمثال هذه الحوادث. ومن العجب أنك إذا حدثت الناس برأي فتح الله به عليك في بيان آية أو شرح حديث أنكروه عليك واتهموك بالخروج والابتداع فإذا عثرت على قائل به من السابقين وحكيته لهم آمنوا به وأذعنوا له كأننا لا ننظر إلى قيمة الآراء في نفسها وقوة صلتها بالأصل أو ضعفها وما أقيم عليها من الأدلة، إنما ننظر إلى القائل فقط فان كان حيا كذَّبنا وإن كان ميتا آمنا. اللهم إن هذا جهل عظيم.

 

فهذا الجمود الذي صُنع بصفة دينية هو الذي أظهر شريعتنا الكاملة بمظهر غير ملائم، وهو الذي طُعن الإسلام من جهته وهو الذي سهل لطائفة من الناس لم يذوقوا حلاوة الإسلام أن ينقضُّوا من حوله وهم من المسلمين أسما ورسما، هذا الجمود هو الذي صرف كثير من الحكومات الإسلامية عن أن تضع قوانينها المدنية أو الجنائية من الفقه الإسلامي الذي تركه لنا السلف ثروة عظيمة لو أننا أحسنا الانتفاع بها وراعيناها حق رعايتها وسلكنا ما كانوا يسلكون في محدثات الأمور، وعبَّد علماؤنا للمشرِّعين طريق الاستفادة والأخذ من ينبوع هذه الشريعة. ولكنهم أبوا أن يمدوا يد المعونة العملية للقائمين بالأمر والمنوط بهم سن الأنظمة ووضع القوانين فولَّوا وجوههم نحو المغرب وأخذوا من نظمه وقوانينه ما جعلوه شريعة لنا ووسطنا غير وسطهم وحوادثنا غير حوادثهم وهم يستبيحون في تشريعهم ما تحرمه شريعتنا فنقلنا عنهم كل ما وضعوا وافق عاداتنا أو خالف، صادم شرعنا أم لاءم، وكانت النتيجة أن قطعت الصلة بين شريعتنا وبين قوانيننا ومحاكمنا وقضائنا ونسي الناس هذه الشريعة أو تناسوها وانصرفوا إلى الشرائع الغربية ينقبون فيها ويبحثون ويتعرفون آراء فقهائها ويكتبون فيها المؤلفات الضخمة، وكان خيرا لهم أن يصرفوا جهدهم إلى الوقوف على آراء فقهائنا ومشرعينا وهي أشد التصاقا بأخلاقنا وعادتنا وعقائدنا التي نبتت على أصول هذه الشريعة وترعرعت تحت ظلالها، ولكن لهم شبه العذر إذ جمد العلماء على القديم وأبوا أن يتقدموا إلى المقننين بتقريب الشريعة لهم وارشادهم إلى وجوه المصلحة في اقتفائها، ولقد كان وضع القوانين من الشرائع الاجنبية في بعض الممالك الاسلامية سببا آخر لضعف الروح الدينية فان كثيرا ممن ينتمون إلى الإسلام اعتقدوا قصور هذه الشريعة عن سد حاجات البشر وعدم وكفايتها لأن تكون أساسا للقوانين المدنية والجنائية فانصرفوا عنها وكادت ترحل من قلوبهم بعد أن رحلت من أكثر محاكمهم، أضف إلى ذلك أن اهمال هذه الشريعة في القوانين التي يتحاكم الناس إليها صرف علماء الدين عن العناية بما تُرِك العملُ به ولذا ترى همة العلماء في مصر منصرفة إلى تعرف العبادات إجمالا وتفصيلا وأما المعاملات من بيع وإجارة وكفالة وحوالة ورهن ومضاربة ومساقاة ومزارعة واقراض وهبة فانهم يكتفون فيها بالاجمال وترى العناية شديدة في بعض المعاهد بحقوق الأسرة أو ما يسمونه بالأحوال الشخصية من زواج ومهر وطلاق ونفقة وعدة وميراث لأنها أبواب عملية تحتذيها المحاكم الشرعية ولكن هذه العناية عند الحنفية فقط لأن المحاكم تترسم آراءهم وحدهم، ونصيب هذه الأبواب عند غيرهم كنصيب المعاملات منهم.

 

فالعمل بشريعة خاصة مُحْيٍ لها وباعث للجد فيها والاقبال على دراستها والاستفادة منها، وإهمالها مدعاة إلى تناسيها أو زوالها ذانك سببان من أسباب الضعف الديني عندنا وثالث وهو أن بين المسلمين أناسا حسبوا على الإسلام وما هم منه في عير أو نفير، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وما لا تنم عنه أعمالهم وهؤلاء جدوا في إلحادهم ونشطوا في الدعوة إليه وأخذوا يبثونه في محادثاتهم ومقالاتهم ودروسهم وكتبهم وفتن بهم ضعاف العقول الذين لم ينشئوا نشأة دينية ولم يخلقوا في جو إسلامي عملي فانسلخوا عن الدين بقلوبهم وإن كانوا يحملون لقب الإسلام ويعدون في زمرتنا إذا عد معتنقو الأديان فهؤلاء الملحدون المجدون، وأولئك المفتونون المستمعون ضعف في نفوسهم الباعث الديني أو زال. ولو كان جد هؤلاء يقابله جد من العلماء الذين عرفوا الدين معرفة صحيحة خالطت لحمهم ودمهم لكان أثر أولئك ضعيفاً، ولكن تقاعد علمائنا من واجب الارشاد والدعوة وقبعوا في دورهم واكتفوا من الدنيا والدين بما دره عليهم من بركاته وشملهم من خيراته.

 

فألسنتهم مشلولة عن الصدع بكلمة الحق، ومسلولة على من يناوئهم في طلب العيش، ومطلقة في الاستزادة من الدنيا وزهرتها وما دروا أن الدين لم يمنحهم المرتبات الا ليمنحوه معونتهم ويبينوا للناس ما أنزل إليهم. وإنك لترى بعض هؤلاء إذا جالسوا كبيراً وعظيما ورأوا في مجلسه ما يأباه الدين خرست ألسنتهم عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لينعم أولئك بالمحرم خالصاً لا يشوبه قارص كلمة ولا لذع نصيحة. ولو أن رقابة الله ماثلة أمام هؤلاء العلماء الساكتين، ولو أن الحق ملك عليهم نفوسهم واستولى على مشاعرهم لصدعوا به غير وجلين ولا هيابين ولكان لكلمتهم أثر وكان لهم من وراء ذلك شأن.

 

ولكن رضوا بالحرمات تنتهك أمامهم فاقتحمتهم العيون، وفقدوا ملك القلوب وإنه لملك – لو يعلمون – عظيم ولئن كان ذلك شأن أكثر العلماء فإن قليلا منهم أسلم وجهه لله وأخلص في الدعوة إليه وصدع بالحق في مجالس الملوك والأمراء فأحبوه واحترموه إن لم يكن بكلمهم وأعمالهم فإنه إجلال بقلوبهم فالقيام بواجب الدعوة مثبت للدين في النفوس ومانع الضعفاء أن يتسلحوا منه وهو مع ذلك رافع شأنهم ومعُلٍ مقامهم فلم يبخلون بالنصيحة وهي واجبهم المقدس وفرضهم المحتم؟ أيقعد أنصار الحق ويجدُّ أنصار الباطل؟ ألا يجدُّون في حقهم كما جد هؤلاء في باطلهم؟ فذلك سبب رابع – تقاعد العلماء – إلى الأسباب السابقة، وخامس هو تهالك الناس على الدنيا حتى ألهتهم عن الأخرى ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر:1-2] فأكثر المسلمين انصرف إلى المدنية الحديثة، مدنية الأكل والشرب والتسابق في الرياش والاثاث والقصور والجنات، وفتح الغربيون لهم أبواباً واسعة للذات والشهوات فولجوها، وجدوا في جمع الثروة لا لتكون عِمادهم في الحياة وعُدَّتهم في النائبات بل يتمتعوا بهذه اللذات كاملة وإن كان ذلك تحت نير الاستعباد وفي ذل الاستعمار. وما كنا لنحرم على مسلم نعيما، ولكننا نحرم عليه الافتتان بالدنيا ونسيانه الواجبَ عليه لربه وقومه ودينه وبلده، نحرم عليه نعيما وقتيا تعقبه آلام وغصص إن لم تكن في نفسه وأهله ففي جيرانه وقومه. ولقد بلغ من تغلب الروح المادية على الروح الأدبية أن أصبح المسلمون لا يبالون في جمع المال بحلال أو حرام بل كل ما استطاعوه قنصوه. كما لم يبالوا في التمتع بمشروع أو محظور فأطلقوا للنفوس العنان ترتع في اللذات كما تشاء لا تحسب لدين حساباً، ولا تخشى عقابا، ولا تفكر في عاقبة الإباحة المطلقة.

 

وما كان هذا إلا من تغلغل الدنيا في النفوس حتى لم تدع للدين مكاناً يسكنه فهاجر من وطنه ورحل عنا عامل ما أشد حاجتنا إليه في الحياة الطيبة الحقة: حياة الإنسان، حياة الكمال والأخلاق، لا حياة البهيمية والشهوات. وكما أورثنا ضعفاً دينياً حب المال حباً جماً كذلك أورثناه هيام الناس في العصر الحاضر بالحرية واعتقادهم أنها كمال بأوسع معانيها، فقام جماعة باسمها وتحت لوائها لم تربهم الأيام ولم تحنكهم التجارب وأخذوا يرمون بكل ما يجول في صدورهم دون أن يبحثوه ويحصوه وجدوا في الخطابة به وإذاعته في الجرائد وفي بطون المجلات وبين ثنايا الاسفار فاتخذه السذج كمذهب رمى به عن بحث وتدقيق فمنهم من اعتنقه بمجرد أن نظره، ومنهم من أخذه عن بحث قاصر ومنهم من ترك في نفسه ريبا بالعقيدة السابقة.

 

وما درى هؤلاء المتمشدقون أن الحرية في الرأي والعقيدة إنما تكون كمالا إذا كانت عن بحث عميق يعم الشيء من جميع نواحيه وتعرف لآراء المخالفين ووقوف على وجهات نظرهم، ووزن كل ذلك بميزان العقل والعدالة فتلك الحرية السائغة التي لا حرج على المرء إذا ما نشر آثارها بين الناس ليمحصوها ويدلوا بآرائهم فيها فاما صوبوه فاستقام على نهجه واما خطئوه وبينوا له منشأ وهمه فعدل عن فكره وثاب إلى الحق فأقام بذلك برهانا على أنه طالب حقيقة يسير وراء الحجة أنى ألقت به أقام فالحرية المطلقة والفوضى في استعمالها خلفت آراء كثيرة منها ما لا قيمة له ولا يصح أن يسمى رأيا ولكن كان له اثر سيئ في نفوس الضعفاء أو الجهلاء من المسلمين فزلزل عقيدتهم وأضعف الروح العملية كما أضعفها فقد المسلمين للملك وشمول السيطرة الاجنبية لاكثر بلادهم فهذا أضر بنا من جهتيه:

الأولى أن علو الغربيين وتقدمهم في العلوم والمعارف والاختراعات وغلبتهم لنا وبسط نفوذهم علينا جعلنا نحترمهم ونكبرهم فأخذنا نقلدهم حتى في الأشياء المخالفة الدين واعتددنا بآرائهم في النظريات الدينية وكثير منهم ملحدون وفاسقون فكانت النتيجة ضعفنا في العقائد والاعمال.

 

والجهة الثانية أنه لما أصبحت السيطرة لهم علينا وسلبنا الكلمة النافذة لم نجد حكومة إسلامية مطلقة اليد - حاشا حكومة الحجاز ونجد - تساعد المصلحين منا على بث الإصلاح الديني ونشر تعليماته بالطرق المختلفة بين جميع الطبقات، فإن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن والاستعمار أورثنا إلى ذلك ضعة ومهانة ففقدنا النخوة والعزة ورضينا بالاستعباد والذلة وإن كان بعضنا لا يزال ممتلئا قوة وشاعراً بالكرامة والعزة ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].

 

كذلك أضعف الروح الدينية مزاحمة علوم الحياة للعلوم الدينية فحظ الأولى من وقتنا ومدارسنا كثير وحظ الثانية قليل ولئن كانت الأولى فيها سعادة الدنيا ففي الثانية سعادة الأولى والأخرى لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فكان الواجب أن نعنى بالثانية لا عناية نظرية فقط بل عناية عملية إلى العناية العلمية ولكن علوم الدين في كثير من المدارس علوم إضافية ربما فضلت عليها الألعاب الرياضية مع أن قوام الأخلاق التي هي أساس السعادة الشعور بالرقابة الإلهية والاعتقاد بالمثوبة والعقوبة الأخروية ولكن ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7]. ولتعلم أن الدين حظه منا قليل انظر إلى المجلات والجرائد المنتشرة في مصر تجد القليل منها الذي يعنى بالمسائل الدينية مع أن الدين ضروري لكل الجماعات والطبقات، فكان الواجب نشره بكل الوسائل بين جميع الهيئات.

 

كذلك أضعف الدين في النفوس حلول الشعور بالجنسية أو القومية محل الشعور بالوحدة الإسلامية فترى كثيرا من المسلمين انصرفوا إلى تقوية الشعور الأول بكل وسائل وأن أخذ ذلك بالوحدة الإسلامية وأدى إلى انتزاعها من القلوب مع أن هذه الوحدة قوة عظيمة للمسلمين مهما اختلفت أجناسهم وإذا كانت الدول الغربية تسعى لعقد المحالفات اعزازا لمركزها فهذه محالفة ربانية دينية لو نمينا الشعور بها جمعت كلمة الممالك الإسلامية وكونت منهم اتحادا تحسب له الدول الاوربية حسابا. ولكن جارينا الغرب في القومية والجنسية وإن كانت المجاراة ضرراً بنا كما جاريناه في غيرها بدون بحث ولا تمحيص.

 

تلك كلمة موجزة في أسباب ضعفنا الديني أتقدم بها إلى قادة المسلمين ومفكريهم راجياً أن يولوها عنايتهم ويعملوا على معالجتها وتقوية الروابط الإسلامية بكل ما استطاعوا وبث التعليمات الدينية الصحيحة بين إخوانهم، عسى الله أن يتوب علينا ويعيد إلينا ملكنا وعزنا ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

 

المصدر: مجلة الإصلاح، العدد السابع والثامن؛ جمادى الثانية 1347هـ، ص37





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الربانية.. حياة الروح (1/6)
  • والروح فيها
  • العلاقة بين النفس والروح
  • الروح الدينية عند أبي فراس الحمداني

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوفيق بين أحاديث عودة الروح للبدن وأحاديث استقرار الروح في الجنة أو النار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الروح في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شيخوخة الروح(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العشر الأواخر فرح الأفراح وزاد الأرواح(مقالة - ملفات خاصة)
  • أهمية الصيام في تزكية النفس رحلة تطهير الروح وترويض القلب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع النفس .. و هل تموت الروح ؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حياة الروح بعد الموت عند المسلمين وغيرهم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دعوى انتقال الروح من إنسان إلى آخر ودعوى التطور من القرد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وضوء الروح(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب