• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر / الاستشراق والمستشرقون – دراسات ومقالات
علامة باركود

حديث المستشرق الفرنسي Barthelemy عن محمد والقرآن (1)

حديث المستشرق الفرنسي  Barthelemy عن محمد والقرآن (1)
د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/11/2012 ميلادي - 27/12/1433 هجري

الزيارات: 13785

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حديث المستشرق الفرنسي

J. Barthelemy Saint Hilaire

عن محمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن[1]

(1)



ليس ممكنًا معرفةُ محمدٍ إذا أهملنا دراسةَ ما وَرَد عنه في القرآنِ، الذي يمثِّل وثيقةً أخرى تَختَلِف عن الأحاديثِ؛ إذ هو أداةُ تأثيرِه الرئيسيةِ على العالَم، وبدونِه كان يُمكِن أن يَضطَلِع بدورٍ كبيرٍ، إلا أن نفوذَه الذي سيكونُ حينئذٍ ضعيفًا كنفوذ قُصي سلفِه السياسي كان سيَتَلاشَى بموتِه، ولولا هذا التأثير المستمرُّ الذي لا يتحقَّق إلا من خلالِ الآثارِ المكتوبة لمَا خلَّف وراءه - مثل كثيرٍ غيره - إلا ذكرى عابرة. إن القرآنَ هو المصدرُ الوحيدُ لحياةِ المسلمينَ: الدينيةِ، والأخلاقيةِ، والمدنيةِ، والسياسيةِ[2]، وهو لا يزالُ في يومِنا هذا الرباطَ الاجتماعيَّ الوحيدَ الذي يُتِيح لهم قدرًا من التماسكِ.

 

كما أن القرآنَ هو الذي جعل عملَ محمدٍ يستمرُّ حتى الآن، وبه سوف يَبقَى إلى ما شاء الله.

 

وفيه أيضًا يُمكِننا أن نرى محمدًا بكلِّ عظمةِ عبقريتِه ومثالبِها، هذه العبقرية التي تعلو كثيرًا على مستوى الأمم التي جاء لهدايتِها، ولكنه اضطُرَّ على غيرِ درايةٍ منه أن يقدِّم لها عددًا من التنازلاتِ هَبَطت به هو نفسه، رغم أنه لولا هذه التنازلاتِ ما كان ليَفْهمه أو يتبعه هؤلاءِ الذين دَعَاهم إلى دينِه، ورقَّاهم كثيرًا[3].

 

إنني هنا مضطرٌّ أن أضعَ جانبًا الأسئلةَ المتعلقةَ بتأليف القرآنِ؛ لأنها تتصلُ اتصالاً مباشرًا بعلْمَي اللغة والتاريخ، وإنه لأمر جد صعبٍ حتى بالنسبة لأمهرِ الباحثين إشاعةُ شيءٍ من النظام في سورِ القرآن وآياته؛ إذ هي محاولة نَدَر أن ينجحَ فيها أحدٌ [4].

 

إننا نعرفُ أن زعماءَ المسلمين - وعلى رأسِهم عمر - قد فكَّروا بعد وفاةِ النبي في جمعِ القرآنِ في كتابٍ واحد يكون دليلاً للدين الجديدِ، وقد اضطلع أحدٍ كتبة محمد بهذا الأمر الذي وكل إليه رسميًّا؛ فجمع المصحفَ الذي نُقِّح ثانيةً بعد عشرين عامًا [5]، وهو ذات النص الذي بين أيدينا الآن. ولا يُمكِن - كما قلتُ - أن يُحِيط بصحتِه أدنى شكٍّ، ومع ذلك فأيُّ غموضٍ، وأي حُجُبٍ كثيفةٍ! وإذا كانت العقليةُ العربيةُ - بتأثيرِ الإيمانِ والجهلِ - قد قَبِلت هذه الفوضى، فكيف يُمكِن العقليةَ الحديثةَ أن تتنازلَ فترضى بها؟[6].

 

إن الضوءَ الوحيدَ الذي كان ممكنًا إلقاؤه عليه، هو ضوء التاريخ؛ ولأن حياةَ محمدٍ جميعَها كانت معروفةً بما فيه الكفايةُ، فقد كانت محاولةُ ترتيب السور تاريخيًّا ممكنةً، بناءَ ما تضمُّه هذه الحياةُ من أحداثٍ[7]. ومن الواضحِ أن لغةَ محمدٍ كان لا بدَّ لها أن تتلونَ حسبَ الوقتِ والظروفِ التي كانت تُحِيط به؛ إذ لم يكن يستطيعُ، وهو لا يزالُ في عزلتِه وفي غمرة تأملاته وقلقه فوق جبلِ حِرَاء، أو عندما شرع يعلِّم خفيةً بعضَ الأتباعِ المخلصين، أو حتى عندما كان يجادل القرشيين المكذِّبين الساخرين المتجمِّعين حول الكعبة الوثنيةِ، أن يتحدَّث بالطريقة التي تحدَّث بها بعدئذٍ بعد أن انتصر في مائةِ معركةٍ ودانت له شبهُ الجزيرةِ العربية جزئيًّا، وعندما كان يوفدُ السفراءَ إلى الدولِ المجاورة يدعوها إلى اعتناقِ الإسلام، وبعد أن آمَن به كلُّ مَن كانوا قد كَفَروا به قبلاً.

 

إنه لم يكن ليَعِظ المهاجرين والأنصارَ في المدينةِ، كما كان يعظُ من قبلُ في مكةَ خفيةً.

 

وحين دخل البلدَ الحرامَ منتصرًا بعد عشرةِ أعوامٍ من النفي، وبعد أن اتَّسع سلطانُه كثيرًا - كان لا بدَّ أن يتخذَ كلامُه طابعًا آخرَ.

 

ألا يُمكِن، مع هذا الخيطِ التاريخيِّ، أن نضع أيديَنا على ترتيبِ السور الأصلي، بحيث تعكسُ - أو بالأحرى تكشفُ - لنا المراحلَ المختلفةَ التي مرَّت بها نفسيةُ النبيِّ، حين كان يدعو بما يُوحِيه إليه ربُّه، ويشدُّ أزرَ أصحابِه، ويؤسِّس دينَه وحكومتَه، وينظمُ مجتمعًا جديدًا، ويلعنُ الكفَّار وعبدةَ الأوثانِ، ويلاحقُ أعداءه؟

 

هذه هي الأسئلةُ التي تبحثُ لها العقولُ المفكِّرة المتطلعة عن جوابٍ، لقد صنَّف مسيو "جوستاف فيل" سورَ القرآنِ مرتِّبًا إيَّاها بناءً على دراساتٍ جادَّة ومعرفةٍ بالموضوعِ محيطةٍ شاملةٍ[8]، وبعده اضطلع مسيو "وليم موير" ثانيةً في ظلِّ ظروفٍ أكثرَ مواتاةً بهذا العملِ الشائكِ.

 

وحتى نتحقَّق مما يواجِهُ الباحث في هذا الموضوع من عقباتٍ كَأْدَاء، يَكفِي أن نقارنَ بين هاتينِ القائمتينِ اللتين ليست بينهما أيَّة رابطةٍ.

 

إن السورةَ الأولى في قائمةِ مسيو "فيل"، الذي يتابعُ في ذلك المصنِّفين المسلمين، هي السورة 96، بينما هي السورة 103 في قائمةِ مسيو "موير".

 

والثانية عند مسيو "فيل" هي الـ 74، بينما عند مسيو "موير" هي الـ 100.

 

وعلى هذا المنوالِ تستمرُّ الاختلافاتُ حتى نهايةِ القائمةِ، وفضلاً عن ذلك؛ فإن مسيو "فيل" يَرَى أن السورَ المكيَّة أربع وعشرون، والمدنية ثلاثون، بينما لا تزيد عن عشرين في رأي المسيو "موير"، الذي يعتقد أن الباقي قد أُلِّف في مكة.

 

وإذا كان الاتفاقُ بين مثلِ هذين العالِمينِ المتمكِّنينِ بهذه الضآلةِ، أفليس لنا أن نعتقدَ أن هذه المشكلةَ يكادُ يستحيلُ حلُّها، على الأقلِّ في الوقت الحاضر، وأن الأحزمَ أن ننتظرَ كشوفًا جديدة.

 

ومن الواضح أنه ينبغي أولاً - إن أمكن - التمييزُ الحاسمُ بين السور المكية والمدنية؛ ففي مكةَ كان محمدٌ - في بَدْء مهمتِه -: يُحَاوِل إقناعَ المكذِّبين، ويُجَادِل الخص وم، ويوضِّح رسالتَه، ويعرضُ العقيدةَ الجديدة لعلَّه يكسبُ هؤلاءِ العتاةَ، إلا أنه لم يكن بِمُكْنَتِه التفكيرُ في قمعِهم، فقد كانت تنقصُه القوَّة، وكان الأذى ينتظرُه كلما دَعَا جهارًا إلى الدينِ الجديدِ.

 

وقد اضطرَّ بعد عشرِ سنواتٍ متصلةٍ من المعاناةِ والألم سرًّا في البدايةِ، ثم علانية من بعد، إلى الفرارِ؛ حمايةً لنفسِه وخوفًا على حياةِ أتباعِه.

 

فهذه الظروفُ تَختَلِف تمامًا عن الظروفِ التي ستجدُّ بعد ذلك، ومن الطبيعيِّ أن تتركَ أثرًا عميقًا في السور التي شَهِدت مولدَها هذه المرحلةِ المملوءةِ بالقلاقلِ والإهاناتِ.

 

وعلى العكسِ من ذلك، استطاع محمدٌ في المدينةِ - بين أتباعِه المتحمِّسين المخلصين، وبمساعدتهم الفائقة - أن ينظِّم أمورَ الدينِ الذي تصوَّره لاستنقاذِ الجزيرةِ العربية.

 

ولم تكن الصعوباتُ التي وَاجَهته شيئًا مذكورًا، بل كان بمقدورِه أن يتخطَّاها، وسرعان ما انتصر في بدرٍ.

 

وعلى رغمِ بعض الانتكاساتِ العابرةِ، فقد كان مجدُه يزدادُ تألُّقا، بينما كانت الوثنيةُ تَنحَسِر تدريجيًّا ويقتربُ اليوم الذي سيُقضَى عليها فيه نهائيًّا في عقر دارِها في الكعبة.

 

لقد كانت حياةُ محمدٍ في المدينةِ سلسلةً متوهجةً من الانتصارات، أما في مكة فقد كانت خطرًا متصلاً أدَّى في النهاية إلى فراره.

 

إن بين السور المكية والمدنية من البُعد ما بين الضعف والقوَّة، والهزيمةِ والانتصار، وهناك فرقٌ آخرُ لا يقلُّ أهمية هو أن محمدًا في مكةَ كان أصغرَ سنًّا، وكانت عبقريتُه لا تزالُ في عنفوانِها، وفي مكةَ أيضًا تلقَّى دفقاتِ الوحي الأولَى، وكان لا بدَّ أن تنعكسَ وثباتُ روحِه في السورِ التي انبثقت آنذاك - على غيرِ درايةٍ منه تقريبًا - من سبحاتِه الطويلة الملتهبةِ.

 

أما بعد ذلك، فإنه - وإن ظلَّ متحمسًا - فقد كان على دراسةٍ ووعيٍ بما يطرأُ على فكرِه، وإذا كان اتصالُه بجبريل لم ينقطع، فإن هذا الاتصالَ غيرُ المعتادِ لم يعدْ يفزعُه مثلما حدث لأوَّلِ مرةٍ ظهَر له فيها هذا الروح السماوي.

 

لقد اختَلَطت شواغلُ السياسةِ بالاهتماماتِ الدينيةِ، كما أنه أَصبَح متأكدًا من رسالتِه الشخصيةِ.

 

وكلُّ ما كان يَنبَغِي عليه عملُه هو: أن يقوِّي إيمانَ أصحابِه وعزائمهم، ويسوِّي خلافاتِهم، وينظِّم جهودَهم، وفي هذه الظروف لم يكن استحصادُ عقلِه في قمَّة تألقِه.

 

صحيحٌ أن الإلهامَ لم ينقطع عنه، لكنه إلهامُ المشرِّع والقائدِ العسكري.

 

وهكذا، فإن الاختلافَ في السنِّ والظروفِ هو من الوضوحِ، بحيث نبصرُ معه المكي والمدني وخصائصَ أسلوبِ كليهما، لكن العقبةَ تَكمُن في محاولةِ تصنيفِ السورِ على أساس هذه المُعطَيات المزعزعة رغم صحتِها.

 

ونحن حتى الآن لم نرَ - ولا حتى بين الثقاتِ - مَن قَدَر على اقتحامِها، والذي يَجعَل مثلَ هذا الأمرِ شبهَ مستحيلٍ، هو أننا نجدُ في السورةِ الواحدةِ آيةً مدنيةً، بينما التي تَلِيها قد نَزَلت في مكةَ.

 

أينبغي إذًا أن نمزِّق السور؟

ومَن لنا بما يتطلَّبه الأمر من يدٍ حسَّاسة مبصرةٍ يُواتِيها التهوُّر فتهجم على هذه المحاولةِ؟

 

ولنفترض أنه يُمكِن على نحوٍ مقنعٍ تسويغُ ذلك، إن ما سنصلُ إليه حينئذٍ لن يكونَ إلا تخمينًا لا بأسَ به، وإن تصنيفًا يحاولُه آخرُ سيكونُ ترتيبًا جديدًا لا بأس به أيضًا، وعلى هذا النحوِ سيختفي الأصلُ ويحل محلَّه عملٌ مهما يعكس من علمٍ وذكاءٍ، فهو قائمٌ على الفرضيات.

 

ويُمكِن القولُ - بناء على هذه الأسباب الوجيهة -: إن أفضلَ شيءٍ هو تركُ القرآنِ على ما هو عليه باضطرابِه البادي للعيانِ، وأيضًا بما فيه من لهبٍ قدسيِّ، وما يحوطُه من إجلالٍ مستمرٍّ.

 

والمؤكَّد من بين الأحاديث الكثيرة المضطربة أن محمدًا - وقد فجأته الوفاةُ - قد أُعْجِل عن أن يضمَّ بنفسِه شظايا الوحي المتناثرةِ، وقد وُكِلت هذه المهمةُ - فيما بعد - إلى زيدِ بن ثابتٍ أحدِ كتبتِه الذي أدَّاها بوَرع، إلا أن ذلك لم يكن على وجهِ الدقةِ جمعًا رسميًّا، فإن أبا بكرٍ وعمرَ قد أحسَّا باحتياجِهما شخص يًّا إلى مثل هذا المصحفِ الذي عُدَّ مِلْكيةً شخص يةً لهما إلى حدِّ أنه انتقل بعد وفاةِ عمرَ لا إلى خليفته في الحكم، بل إلى ابنته.

 

كذلك كانت هناك مصاحفُ أخرى في أيدي المسلمينَ، الذين احتدمت بينهم الخلافاتُ حولَ صحةِ عددٍ من الآياتِ، وللتخفيفِ من هذه الخص ومات الوخيمةِ أمر الخليفةُ عثمانُ الأوَّلُ بكتابةِ مصحفٍ جديدٍ مؤسَّس على نسخةِ حفصةَ، وكان هذا الجمعُ نهائيَّا، وعلى رغم أن النسخَ القديمةَ - على عكس أوامر الخليفةِ - لم تختفِ، فقد قُدِّر لهذا المصحفِ الأخيرِ الانتصارُ؛ فظلَّ في أيدي المسلمين لا يُصِيبه إلا التغييرات الخفيفة [9] التي يُنْزِلها الزمن حتى بأحظى الآثار بالاحترام.

 

ومسألةٌ أخرى ليست أقلَّ أهميةً، وليس من السهل الوصولُ إلى رأي شخصيٍّ بشأنها، وهي أسلوب القرآن، بيد أنه يُمكِننا هنا أن نَركَن إلى الرأي الشائعِ ونعدَّ القرآن قمةَ الإبداعِ في اللغة العربية، على رغم أننا نستطيعُ أن نربط كثيرًا من شياتِه الأسلوبيةِ بمراحلِ حياةِ مؤلِّفه.

 

إن ما أجمعت عليه الآراءُ من جمالِ شكلِه لَيُضارعُِ جلالَ مضمونِه، وإن كمالَ صياغتِه لا يهبطُ بالعبارةِ عن المستوى السامي لموضوعِه.

 

ولقد شاهدنا قبلاً كيف كانت تلاوةُ محمدٍ تغزو قلوبَ مستمعيه، وليس من ريبٍ في أن هذه الجاذبيةَ التي تؤكِّدها حالاتُ الإسلامِ الكثيرةُ المستبعدةُ كانت لمحمدٍ عونًا لدى هؤلاءِ القومِ المتذوِّقين لبدائعِ الشعر.

 

لقد قيل عن محمدٍ: إنه لم يكتب الشعرَ قط، وذلك خشيةَ أن يُحسبَ واحدًا من الشعراءِ العاديين، بل إذا صحَّت الروايةُ، فليس من المؤكَّد أنه كان يعرفُ القواعدَ العروضيةَ، إلا أن عنفوانَ الفكرةِ، وحيويةَ الصورِ، وقوةَ العبارةِ، وجِدَّةَ المعتقداتِ كانت - من ناحيةٍ أخرى - شفيعًا لهذه النثرِ الآسِر الذي كان يهيمنُ على القلوبِ حتى من قبلِ أن تقتنعَ العقول. وإننا لنؤمنُ بأن مثلَ هذا السحرِ لا يقدرُ عليه قطُّ شخص آخر؛ إذ هذه ميزةٌ خاصةٌ بمحمدٍ وحدَه من بين مؤسِّسي الأديانِ كلِّهم.

 

وإنها لمنقبةٌ عظيمةٌ أن يَبقَى القرآن أجملَ أثرٍ أدبِيٍّ في لغته، ولست أستطيعُ أن أجدَ لذلك نظيرًا في التاريخ الديني للبشرية أجمع.

 

وعلينا أن نضعَ نصبَ أعينِنا هذه الحقيقةَ إذا كان لنا أن نقدِّر هذا التأثيرِ الخارقِ للقرآنِ، الذي كان من السهلِ الإيمانُ بأنه صنعةٌ إلهيةٌ؛ إذ لم يُسمَع بأن أحدًا من العربِ قد أتى بمثلِه.

 

أما نحن - غير المسلمين - فيُمكِنُنا أن نحسَّ هذا التأثير - ولكن بدرجةٍ أقلَّ كثيرًا - من خلالِ الترجمات. وهي - على رغم ما لا بدَّ أن تُشيعَه من برودةٍ - لا تستطيعُ أن تقضي على حرارةِ لهيبِه، الذي لا يزال يحتفظُ بقدرٍ كبيرٍ من التألُّق مما يُمكِن أن نخمِّن معه ما كان عليه من عنفوانٍ وتوهُّج في نصه الأصلي.

 

نحن إذًا لا نملك إلا أن نأخذَ القرآنَ كما هو في وضعه الحالي، وأن نستخلصَ منه بعضَ الأفكارِ الأساسية التي تعطِينا صورةً صادقةً ودقيقةً إلى حدٍّ كافٍ.

 

والمعروفُ أن القرآن يتألَّف من مائةٍ وأربعَ عشرةَ سورة، مقسَّمة إلى آيات متفاوتة، وهذه السُّوَر تختلف طولاً، وأطولُها عمومًا هي السور المقدَّمة في الترتيب. وبينما يبلغُ بعضُها اثنتين وعشرين صفحةً، فإن بعضها لا يتجاوزُ السطرَ والسطرين، وكل سورة تحمل عنوانًا مأخوذًا عادةً من إحدى عباراتِها، إلا أن هذا العنوانَ ليس دائمًا وثيقَ الصلةِ بالأفكارِ المبعثرةِ التي من المفروضِ أنه يدلُّ عليها.

 

كما أن كلَّ سورةٍ تبتدئ بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، هذه الصيغة الدالة التي تُعدُّ ضربةً قاتلةً للوثنيةِ.

 

وعلى هذا النحوِ أيضًا يبتدئ القرآن، الذي تمضي سورته الأولى كما يلي: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 2 - 7]، وهكذا فإن وحدانيةَ اللهِ ولطفَه وكرمَه - هذا الإلهُ الذي يُثِيب المحسنين، ويُعَاقِب المُذنِبين - هي أوَّل ما يَستَقبِلنا من القرآن، بل يُمكِن القولُ إنها هي الفكرةُ الوحيدةُ التي يَقتَصِر عليها عارضًا إيَّاها بكلِّ ما تنطوي عليه، مفصِّلاً البراهين عليها، راجعًا إليها ومكررًا إيَّاها في كل صورِها.

 

ولا يَمَلُّ محمدٌ قط وهو يتحدَّث عن اللهِ الواحدِ القادرِ الكريمِ، الذي يكلأُ البشرَ، ويعينُهم في المصائب، ويواسيهم في الشدائد، والذي لا يُرِيد منهم إلا شيئًا واحدًا هو الخضوعُ بإخباتٍ لليدِ الرحيمةِ التي تُبْرِئهم وتُحيْيهم.

 

ولكي يُدخِل هذا الاعتقادَ في القلوب الغُلْف التي كان يخاطبُها، فقد كان يلفتُ الأبصارَ إلى جميع الآيات الكونيةِ، فكان يُقسِم بالشمسِ وضحاها، والقمرِ إذا تلاها، والنهارِ إذا جلاها.

 

وكان يُقسِم أيضًا بالصبح إذا تنفَّس، والليلِ إذا عَسعَس، وبالسماءِ ذاتِ البروج، وبالنجمِ الثاقبِ، وبالأرضِ وما طحاها، وبالبلدِ الأمينِ، وبالتينِ والزيتونِ، وطورِ سينين.

 

وكان يُقسِم كذلك بالعادياتِ ضبْحًا، كما كان يُقسِم بالقلمِ وما يسطرون، وبالكتابِ المبينِ.

 

وأيضا كان يُقسِم بنفسٍ وما سوَّاها، فألهمها فجورها وتقواها، ويعلنُ أن اللهَ إلهٌ واحدٌ، وأن الوثنيةَ قد أشركت به في ضلالِها آلهةً لا حولَ لها، وأن الإنسان في اغترارِه بأموالِه وتماديه في غيِّه يجحدُ ربوبيتَه، على عكسِ القلوب المؤمنةِ المبصرةِ، التي تقوم دومًا بواجب الشكر والعبادة.

 

ثم يتلو: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ * يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*...* مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ... * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾  [التغابن: 1- 18].

 

فهذه هي النبرةُ السائدةُ في القرآنِ، وما على الإنسان إلا أن يفتحَ المصحف على أيَّة صفحة فيجدُ آياتٍ مثل هذه جمالاً.

 

لقد قيل: إنه لولا داود وإشعياء ما توصَّل محمد إلى مثل هذا الوحي، إلا أن هذا القولَ ليس صحيحًا على إطلاقه، والذي نعتقدُه هو أن محمدًا كان يَمْتَحُ من المنابعِ نفسِها التي مَتَحَ منها النبيَّان العبرانيان، ألا وهي الآياتُ الكونية ذاتُها، وامتلاء قلبِه بالوجود الإلهي ذاتِه، ثم الثورةُ ذاتها على المعتقداتِ الغليظةِ من حوله [10].

 

فليس النبيُّ العربيُّ مقتبِسًا ولا سارقًا؛ إذ إن معرفتَه بكتبِ اليهود كانت مشوَّهة وغيرَ مباشرةٍ، ولولا أن انفعالَ روحِه كان عميقًا، لما كان اقتباسُه من غيرِه بمسعفٍ إيَّاه بمثل هذا التعبيرِ السامي والصادقِ عن مشاعرِ قلبِه.

 

حقًّا أن هذه الأفكارَ - بالنسبةِ لنا - ليست جديدةً في شيءٍ، وأننا على درايةٍ بأصولٍ لها أجلَّ وأكملَ[11]، إلا أن الجزيرة العربية لم تسمع بها قط قبل محمدٍ، بل هو الذي أتاها بها وهداها إليها.

 

وبجانب وحدانية الله - المعتقدِ الأول في الديانة المحمدية - يتحدَّث القرآن عن معتقدٍ ثانٍ يتفرَّع بالضرورة عن هذا، ألا وهو الإيمان بالحياة الأخرى، التي يؤكِّدها القرآن بكلِّ الوسائلِ وبالإلحاحِ والحماسةِ ذاتيهما.

 

فبعد هذه الحياة الدنيا لا بدَّ أن يمثُل كل إنسان أمام خالقِه؛ ليحاسبَه على أعمالِه ونيَّاته، ولسوف يأتي اليوم الذي تَجزِي العدالة الإلهية فيه المحسنين، وتعاقب المسيئين.

 

إنني أعرف جيدًا كلَّ ما قيل عن جنَّة محمدٍ، ولا أنكرُ أن الحُور العِين تَستَحِقُّ ما تلقاه من تهكُّم ذوي النَّزعة الرُّوحية، إلا أن الحُور العِين يشغلنَ من القرآنِ أقلَّ كثيرًا مما يظن عادةً.

 

وإن جنةَ المسلمينَ لتردُ فيه على هيئةِ حدائقَ رائعةٍ تجري من تحتها الأنهار، وهو ما لا يضارعُه في مثل هذا الجوِّ الحارقِ[12] للجزيرةِ العربيةِ أيَّة لذَّة أخرى.

 

وما أكثر ما يتحدَّث محمدٌ عن الآخرةِ والجنةِ، دونما أن يرِدَ ذكْرٌ للحورِ العِين اللائي سيكنَّ من نصيب المؤمنين! وعندما يذكرهنَّ، فإن ذلك يتمُّ عادةً في تحفُّظ وحياءٍ لا يخطئهما الإنسانُ إلا إذا وقع فريسةً للنكاتِ الإباحيةِ التي يتناولهنَّ بها المتهِّكمون.

 

إن خطأَ محمدٍ هنا هو أنه أراد أن يحدِّد أمورًا ليس بمقدورِ البشرِ أن يَرَوْها بالوضوحِ الذي يرغبون[13]. ولقد كان عليه أن يَكتَفِي بتأكيدِ وجودِ الآخرة بما فيها من الثوابِ والعقابِ وعَلاقةِ الأرواحِ ببارئها[14].

 

إن حنكةَ "سقراط" لم تتخطَّ هذه الحدودَ، ولقد كان أحجى بالرسول أن يصنعَ صنيعَه، إلا أن محمدًا كان عليه أن يقنعَ قومًا شهوانيينَ يتطلَّع خيالِهم العارمِ إلى ما يطفئ غليلَه، بل إنه هو نفسه - أثناءَ قيامِه بإصلاح أعرافِ قومه - قد استسلم لتيارِها، وقد كلَّف هذا الضعف ُ الإسلام َ غاليًا؛ إذ ساهم كثيرًا في أن يحتلَّ الصف َّ الثاني والمتزعزع من صفوفِ الحضارة البشرية[15].

 

لقد كان يُمكِن أن يكونَ أفضلَ من هذا في نفسِه وأنفعَ للأديانِ الأخرى، لو كان أطهرَ معتقداتٍ وأعرافًا، ولكن أيًّا ما تكن صورةُ الحياةِ الأخرى، فإن المهمَّ هو إقناعُ النفوسِ بهذه العقيدةِ الراسخة، وهو ما فعله محمدٌ، وإن استحقَّ التثريبَ لما اتبعه من وسائل.

 

إن الإيمان بالحياة الأخرى ليس أقلَّ شيوعًا بين المسلمين منه بين النصارى، وإلى القرآن يرجِع هذا التقدُّم العظيم.

يتبع،،



[1] من كتاب "Mahomet et le Coran"للمستشرق الفرنسي "J. Barthelemy Saint Hilaire ( ط. 1865 Paris , Librairie Academique, ) من ص 179 فصاعدًا.

[2] لا ليس الأمر كذلك، بل للسنة النبوية أيضًا أهميتها، ولولا هي لما أمكن فهم القرآن كما ينبغي، ولبقي كثير من التشريعات مجملاً، ولصعب - بل استحال - على المسلمين معرفة الطريقة التي ينبغي ممارسة بعض الشعائر الدينية على أساسها، ومع ذلك فصحيح أن القرآن بوجه عام هو المصدر الأول، والسنة خادمته.

[3] يريد المؤلف أن يقول: إن الأمم الأوربية أرقى من العرب، الذين ظهر بينهم النبي - عليه السلام - وإن النصرانية هي بدورها أرقى من الإسلام.

هذا، ولا ندري أية مثالب يشير إليها هذا الكاتب!

أهي تخليص القرآن العقيدة الإلهية مما شوهها به اليهود والنصارى؟

أم هي الصورة النقية التي رسمها للأنبياء السابقين، بعدما لطخ الكتاب المقدس سمعتهم، فلم يذكر بعضهم في عداد الأنبياء، ونسب إلى بعضهم الزنا، وصور بعضهم وهو يتصرف كتصرفات الأوباش؟

أم هي تحريمه الخمر؟

أم هي تشريعاتًه التي قصد بها إلى تحطيم نظام الرق؟ أم ماذا؟

لعل الكاتب يشير إلى تعدد الزوجات مثلاً، إلا أن الأمر هنا ليس أمر تشدق بالكلام المعسول الجميل الذي يخفي وراءه نفاقًا هائلاً وعجزًا فاضحًا، بل هو أمر الطبيعة البشرية وما يلائمها في ظل ظروف معينة، وما لا يصلح لها في ظروف أخرى "انظر التعليق 12 على الفصل التالي".

أم لعله يشير إلى ما يزعمه المستشرقون من انتشار الإسلام بالسيف؟

ولكنني أظن أن هذه المسألة قد أصبحت من الوضوح، بحيث لا تحتاج إلى فضل إيضاح من جانبي؛ فالإسلام هو الذي اعتدي عليه، وإذا كان قد هب في نهاية المطاف حين استنفد كل الوسائل السلمية في محاولة إيقاف هذا العدوان الباطش الغشوم الكافر، وحين نبتت أظفاره وأسنانه فرد على العدوان بما يردعه ويفزعه، فما وجه الخطأ هنا؟

الغريب أن يردد المستشرقون هذه الترهات في الوقت الذي بلغ فيه العدوان الأوربي على بلاد المسلمين ذروة بشاعته، فاعجب للقاتل يتهم ضحيته، وهو يجهز عليها، بالقسوة وحب السيطرة!

[4] لكي يعرف القارئ مبلغ هذا الادعاء من الصحة أو التهافت، أحب أن ألفت انتباهه إلى أن هذا المؤلف قد اعتمد في تأليف كتابه - الذي اقتطفنا منه هذا البحث - على ترجمة أو أكثر للقرآن، وقد عرف القارئ قيمة مثل هذه الترجمات من خلال قراءة الباب الأول من كتابنا هذا، فهل يجوز لإنسان يعتمد على مثل هذه الترجمات التي يشيع فيها الخلل علوًا وسفلاً ويمينًا وشمالاً أن يصدر حكمًا على بناء السور القرآنية؟

[5] لم يحدث أدنى تنقيح للقرآن الكريم في أي وقت من الأوقات، بل لم يدخر المسلمين ذرةً من جهد؛ من أجل الحفاظ عليه كما نزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكما سجل في عهده - عليه السلام - أولاً بأول، فور نزوله.

فأما في عهد أبي بكر، فبدلاً من أن يظل القرآن مكتوبًا على: الرقاع، والعسب، والعظام، وما إلى ذلك؛ فقد جمع بين دفتي كتاب، بعد تحري الدقة المطلقة في ذلك.

وأما في عهد عثمان، فبعد اختلاف بعض المسلمين في الأمصار الجديدة التي فتحوها في قراءة هذه الآية أو تلك، أحضر مصحف أبي بكر، ونسخت منه عدة نسخ أرسلت للأمصار؛ لتكون مرجعًا في فض أي خلاف.

[6] الكاتب معذور؛ لأنه يتحدث عن ترجمة القرآن التي رجع إليها، لا عن القرآن ذاته، ومع ذلك فقد كان عليه أن يتريث ويتأكد من أن الترجمة التي بين يديه، هي ترجمة دقيقة وأمينة، ولكنه لم يفعل، وهو ما يخالف الأمانة العلمية والمسؤولية الأخلاقية.

أما الادعاء العريض بأن العقلية الحديثة لا يمكن أن تتنازل فترضى بما سماه "فوضى"، فإن وقائع التاريخ تقوضه، فنحن جميعًا نعرف أن أفذاذًا من صنوف المثقفين في العالم الغربي حين يتصلون بالقرآن اتصالاً مباشرًا يؤمنون به ويصبحون جنودًا باسلين في ظل رايته.

[7] أود أن يرجع القارئ إلى التعليق [20] على الفصل التالي؛ ليرى الفرق بين موقف هذا المستشرق وموقف "مونتيه" من هذه القضية، وكذلك ردنا على هذا الأخير.

[8] لقد سبق العلماء المسلمون إلى ذلك، ولا أظن المستشرقين كانوا ليفكروا في هذه المسألة لو لم يروا علماءنا قد طرحوها وناقشوها وقدموا أكثر من ترتيب تاريخي للقرآن، "انظر مثلاً الترتيبات المختلفة التي أوردها صاحب كتاب "المباني" المجهول في: "مقدمتان في علوم القرآن"- نشر آرثر جفري - مكتبة الخانجي - 1954م - ص8 - 15".

[9] لا ندري ماذا يقصد الكاتب بكلامه هذا، ولا على أي أساس يقوله؟

[10] إن المسألة أقرب من هذا، وهي أن الأنبياء جميعًا يبلغون عن الله، والمستشرق نفسه يبدو أنه يعترف أحيانًا بتلقي محمد - صلى الله عليه وسلم - الوحي عن ربه، فلم الانتكاس هنا إذًا؟

[11] وهذه انتكاسة أخرى، فهل عقيدة الألوهية، وإسلام الوجه لله، ووصفه - سبحانه - بما يليق بذاته القدسية من صفات التعظيم والإجلال - توجد في الكتاب المقدس على نحو أجمل وأكمل مما هو في القرآن؟ انظر: التعليقين 4، 8 على الفصل التالي.

[12] ولا في غير هذا الجو الحارق.

وأوروبا نفسها - وهي التي يغلب عليها البرد والثلوج - مملوءة بالحدائق، التي ربما لا يرتادها إلا الأفراد القلائل بين الحين والحين، أفليس ذلك دليلاً على أن: الغرام برؤية الخضرة والماء، وسماع شدو الطيور، وخرير الجداول - مركوز في فطرة الإنسان أينما كان؟

إن الخضرة والماء هما أهم وأبين مظاهر الحياة التي نتعلق بها جميعًا، ونبغي كلنا الخلود فيها.

إن المستشرق يوحي من طرف خفي أن الإسلام دين عربي، لا يلائم إلا النفسية العربية، وأن جنته قد رسمت لإلهاب خيال العربي البدوي، فإذا صح هذا فكيف دخلت كل هذه الأجناس المختلفة فيه إذًا؟

[13] يخطئ المؤلف هنا خطأ ليس بالهين؛ إذ يتغافل عن أن القرآن - برغم ما أورده من أوصاف للجنة - يذكر أن الكون سيتخذ بعد القيامة شكلاً جديدًا ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم: 48]، بل إن بعض ما يصفه من متع الجنة ومسراتها ليبين بأجلى بيان أن قوانين العالم سوف تتبدل، وإلا فأين تلك الفواكه التي لا هي مقطوعة ولا ممنوعة؟ ﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ [الواقعة: 32، 33]، وأين تلك الأخوة التي لا يعكر صفوها أبدًا حقد ولا غل؟ ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].

كما تصف بعض الأحاديث مثل هذه المتع بأنها: ((ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)).

[14] الحمد لله أنه لم تكن له مثل هذه الحنكة، وإلا لما دخل في الإسلام إلا أفراد آحاد، ثم انطوى بانطواء حياتهم.

لقد انتهى سقراط إلا في كتب المتخصصين في الفلسفة، لكن اسم "محمد" مازال يجلجل في أرجاء العالم من بلاد اليابان إلى بلاد "العم سام" خمس مرات على الأقل كل يوم، وهو ما يقض مضاجع الظلمة المستعمرين.

[15] تأمل هذه المغالطة! إن أوربا يوم كانت تعتنق النصرانية كانت متخلفة وتعيش عيشة الهمج لا تعرف لرقة التحضر معنًى، ولا تتذوق لها طعمًا، فلما تقدمت - بفعل عوامل أخرى غير النصرانية - نبذتها وراءها ظهريًا.

أما العرب فقد أعزهم الإسلام من بعد ذلة، وأخذ بيدهم من تخلف البداوة إلى مدارج الحضارة، فلما تخلوا عنه عادوا كما كانوا تخلفًا وضعفًا، وهذا ما يعرفه من درس تاريخ الديانتين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المستشرق " سافاري " وحديثه عن القرآن (1)
  • المستشرق " سافاري " وحديثه عن القرآن (2)
  • المستشرق "مونتيه" وحديثه عن القرآن (1)
  • المستشرق "مونتيه" وحديثه عن القرآن (2)
  • المستشرق " بلاشير " وحديثه عن القرآن (1)
  • المستشرق " بلاشير " وحديثه عن القرآن (2)
  • المستشرق " بلاشير " وحديثه عن القرآن (3)
  • المستشرق " بلاشير " وحديثه عن القرآن (4)
  • حديث المستشرق الفرنسي Barthelemy عن محمد والقرآن (2)
  • المستشرق Clement Huart وحديثه عن القرآن

مختارات من الشبكة

  • المستشرق الفرنسي فولتير(مقالة - ملفات خاصة)
  • مستشرقون منصفون .. اللورد هدلي والفيلسوف الفرنسي عبدالواحد يحيى(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • الديون المغربية الخارجية مطلع القرن 20 م وتأثيرها في تغلغل الرأسمال الفرنسي بالمغرب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فرنسا: المعهد الفرنسي يدرس تاريخ القرآن(مقالة - المسلمون في العالم)
  • افتتاح أكبر مسجد بإقليم آكيتن الفرنسي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • نشيد الثورة الجزائرية الكبرى على الاحتلال الفرنسي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شريعة الإسلام ومقام رسول الله أسمى من إسقاطات الرئيس الفرنسي(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الاحتلال الفرنسي لمصر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حركة الشيخ رابح بن فضل الله ضد الاستعمار الفرنسي في تشاد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مصطلح نقد السرد بين النقدين الفرنسي والعربي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- انحطاط علمي بامتياز
هشام - SPAIN 12-11-2012 03:26 PM

من خلال استعراضه لأفكاره الواهية و الضعيفة، راح هذا المستشرق يضرب أخماسا في أسداس وأسداسا في أرباع وهبطت به آراؤه إلى درجة التخبط الفظيع بل والسمج أيضا، فهوى إلى درك الجهال بعيدا عن مستوى التحقيق والتدقيق العلمي المطلوب والذي يمتاز به المختصون من العلماء الكبار مسلمين وغير مسلمين. إني حقا لأشتم رائحة التعصب والحقد الأعمى والكذب والتدليس البعيد كل البعد عن الأمانة العلمية المبتغاة في هذا الموضوع ...إلخ

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب