• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

لا، ليس جميلاً!

لا، ليس جميلاً!
إكرام محمود أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/5/2012 ميلادي - 28/6/1433 هجري

الزيارات: 9204

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لا، ليس جميلاً!

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

في مقالٍ لها في "المصري اليوم" بتاريخ: 20/7/2009م تحدثَّتْ "فاطمة ناعوت" عن مفهومِ الجمال من منظورِ "كانط"، وأنَّه إذا اعتَقد أحدٌ أنَّ شيئًا ما جميلٌ، فعليه أنْ يحدِّدَ ذلك بقولِه: بالنسبةِ إليه، وإلا كان متحكِّمًا ليس في ذائقتِه الخاصَّةِ فقط، بل في ذائقاتِ الجميع.

 

وقالت: بأنَّ ثمة قيمتيْنِ تتحكَّمانِ في الإحساسِ بالجمالِ لدى الشَّخصِ المشاهدِ شيئًا ما: "إستاطيقا الشيء"، وهما: القيمةُ الجمالية للشيءِ، ثم الذائقة.

 

"الإستاطيقا" كما عرَّفْتها: هي الفكرةُ الفلسفية عن الجمال.

 

في حين أنَّ الذَّائقةَ هي نتاجُ البيئةِ المحيطة، والطَّبقةِ، والتَّعليم، والوعيِ الثقافيِّ؛ ومن ثَمَّ فالذائقةُ يمكن تطويرُها وتغييرُها وتهذيبُها.

 

وضربَتْ مثالاً على تطويرِ الذَّائقةِ بالحركاتِ العدميَّةِ الثائرةِ على فكرةِ الجمالِ المستقلَّةِ السائدةِ في الذِّهنِ الجمعيِّ للبشريَّةِ؛ ففي عام 1917م أحضر الفنَّان الفَرنسي "مارسيل دو شامب": "مبولةً"، ومنحَها اسمَ النَّافورةِ! ثم عرَضها في معرِضٍ فنِيٍّ بوصفِها قطعةً فنيَّةً، وقد قال: "إنَّه يريدُ زحزحةَ بؤرةِ الفنِّ عن كونِهِ عملاً جماليًّا بصَريًّا إلى مدلولٍ عقليٍّ".

 

طبعًا رفضها النَّاسُ وأُلْقِيَت في القمامة بعد المعرِض، "وفُقدت للأبد" - على حدِّ تعبيرِ الكاتبة - تقول: لكنَّ "دو شامب" نجح مَع مَن سبقه مِنْ أبناءِ المدرسة الوحشيَّة والتَّكعيبية في خلخلةِ المفهومِ القديمِ السَّائدِ لفكرةِ الجمال لدى النَّاسِ، وهو ما سيُرهصُ لفنَّانِي ما بعد الحداثةِ في السِّتينيات الذين احتفَوْا "بإستاطيقا القبح"، أو المفهوم الصادم للجمالِ، ثم أعقبَتْ بمثالٍ عنها أنَّها في استضافةٍ لها على قناةٍ فضائيَّةٍ قالت: إنَّها تحبُّ الغُرابَ وصَوتَه؛ لأنَّها تراه "جنتلمان" يرتدي بدلةً "سموكنج أسود في أبيض في رمادي" ويقفُ بكبرياءٍ لا مثيلَ لها، وأنَّا لا نراه جميلاً؛ بسبب موروثِنا الدِّينيِّ عنه.

 

واختتمت بقولِها: لكن لو حرَّرْنا عيونَنا من تلك المحمَّلاتِ الثَّقافيةِ الفكرية الإرثية، سيكون بوسعنا أن نراه على حقيقتِه التي خلَقه اللهُ عليها: كائنًا جميلاً - بصريًّا على الأقل - وسنقدِرُ مِن ثَمَّ أن نرى كلَّ الكائنات جميلةً حتى الضِّفدِع.

 

القارئ للمقال سيجد أنه يتناقضُ مع بعضِه في أكثرَ من موضعٍ: ففي حين أرسَتْ مبدأً في البداية يؤكِّدُ أنَّ على الشخصِ الذي يعتقد أنَّ شيئًا ما جميلٌ أن يحدِّدَ بأن ذلك بالنِّسبةِ إليه، وإلا كان متحكِّمًا ليس في ذائقتِه فقط، بل في ذائقاتِ الجميع، ثم في نهايةِ مقالِها نجِدُها تدعو الجميعَ للتحرُّرِ من محمَّلاتِهم الثَّقافيةِ والفكرية؛ لكي يكونَ بوسعِهم أنْ يرَوُا الغرابَ - كما تراه هي - على حقيقتِهِ التي خلَقه اللهُ عليها: "كائنًا جميلاً - بصَريًّا على الأقل - وأنَّنا سنقدِرُ من ثَمَّ أن نرى كلَّ الكائناتِ جميلةً حتى الضِّفدع"!

تحرُّرُنَا يكونُ برؤيةِ الغُراب والضِّفدعِ جميلينِ!

وفيما قالت بأنَّ هناك قيمتينِ تتحكمانِ في الإحساس بالجمالِ، هما: الإستاطيقا، ولم تُعَرِّفها بأكثر من أنَّها القيمةُ الجمالية للشيءِ، ثمَّ الذَّائقة، وضربَتْ مثالاً على تطويرِها - و هنا يظهر التَّناقضُ الشَّديدُ - بالحركات العدَميَّةِ الثَّائرةِ على فكرةِ الجمالِ "السَّائدةِ في الذِّهنِ الجمعيِّ للبشريةِ".

 

يعني مثالها لتطويرِ قيمةِ الذَّائقةِ يهدِمُ قيمةَ الإستاطيقا، ويتعارضُ أيضًا - وتمامًا - مع ما أرسَتْه في البدايةِ بقولِ "كانط" عن عدم التَّحكُّمِ في ذائقاتِ الجميعِ!

 

ومثال التَّطويرِ هو تحويل "مبولة" إلى قطعةٍ فنيَّةٍ - وهو ما رفضَتْه الذَّائقةُ السَّليمةُ للجميع بإلقائِها في القمامة بعد المعرِضِ.

 

مرة أخرى نفسُ التَّناقضِ الهادمِ للمبدأِ المُرسَى في بداية المقال: تحتفي بنجاحِ "دو شامب" ومَن سبَقه من أبناءِ المدرسة الوحشيَّة والتكعيبيَّة في "خلخلة" المفهوم القديمِ السَّائدِ لفكرة الجمالِ لدى النَّاس!

 

حينما تُعَقِّبُ بمثالٍ عن نفسها برؤيتِها للغرابِ جميلاً، فهي تربِطُ نفسَها بهذه المدارسِ.

 

وحين تحدَّثت عن أنَّ ما فعله هؤلاء أرهصَ لفنَّاني ما بعد الحداثةِ في الستينيات الذين احتَفَوْا بإستاطيقا القبحِ أو المفهوم الصَّادمِ للجمال، فهي تُقِرُّ وتعترفُ بأنَّ ما فعله هؤلاء بدايةً ثم فنَّانو ما بعد الحداثة هو قبحٌ ومفهومٌ مضادٌّ للجمالِ كما كتبته "anti - art"!

 

والتناقضُ الأخير كان في مثالِها عن نفسِها ورؤيتها للغرابِ جميلاً؛ فقد رأتْه بمحمَّلٍ شخصيٍّ، أو كما أراد "دو شامب": "خلخلة بؤرة الفنِّ؛ ليخرج عن كونِه عملاً جماليًّا بصريًّا، إلى كونه محمَّلاً عقليًّا"، وهو ما فعلتْه "ناعوت" حين نظرتْ للغرابِ بمحمَّلٍ عقليٍّ خاصٍّ بها، وهو اعتقادُها أنَّه "جنتلمان"، ثم - وبعد أنْ دعَتْنا إلى التخلِّي عن محمَّلاتِنا الثقافية - تناقضَتْ مع نفسِها بطلبِها أنْ ننظُرَ للغرابِ كطائرٍ جميلٍ "بصريًّا على الأقل"، في حين أنَّها هي نفسها لَم ترَهُ جميلاً بصريًّا؛ وإنما بمحمَّلٍ عقليٍّ!

 

والآن، وبما أننا نتحدَّثُ عن النَّظرياتِ، فلنتطفَّلْ قليلاً على "البنيوية"، ونظرية موت المؤلِّف، ولننظرْ في مقالِ الكاتبة نظرةً سريعةً، فسنجدُه احتوى على كلماتٍ مثل: "كفر، عدمية، ثائرة، الوحشية، الدادئية، السريالية، مبولة، زحزحة، بؤرة، دعاية، فجة، ضد فني، قمامة، فقدت إلى الأبد، خلخلة، القبح، الصادم، المكرمشة، الأجعد، الغراب، اندهش، اسموكنج، نكرهه، نتشاءم، قابيل، قاتل، تاريخ، دفن، رمزًا للموت والشؤم، الغدر، ذهب ولم يعد، ألا يألفه، ضفدع"!

 

ثم بعد كلِّ هذه الكلماتِ، لا تنسَوْا أنْ تتذكَّروا أنَّ المقالَ يتحدَّثُ عن الجمالِ!!

قلنا: إنَّ الكاتبةَ ضربَتْ مثالاً على تطويرِ الذَّائقةِ بالحركاتِ العدميَّةِ الثَّائرةِ على فكرة الجمالِ المستقرَّةِ السَّائدةِ في الذِّهنِ الجمعيِّ للبشرية ومدارسِها من وحشيَّةٍ وتكعيبيَّةٍ وداديَّةٍ، ثم ما بعد الحداثة، والحقيقةُ أنَّنا نعرف أن: بضدِّها تتميَّزُ الأشياءُ، لا تُعَرَّفُ الأشياءُ!! فليس من المعقولِ أن نُعَرِّف الماءَ بالنَّارِ! كما لا يمكنُ أن نُعرِّف الجمالَ بالقبحِ؛ لأنَّ إحدى المدارس المجنونةِ لأشخاصٍ مختلِّين فكريًّا قد ارتأى أن يُعرِّفها بذلك!

 

فبمَ تبشِّرُنا الكاتبةُ؟

بمدارسَ مرفوضةٍ فكريًّا وعمليًّا؛ فالدادية مثلاً التي تتحدث عنها والتي أُسِّستْ على يدِ "ترستان تزارا" في فرنسا، والتي لا يعني اسمُها شيئًا سوى الدَّلالةِ على عبَثِيَّتِها.

 

نقرأ عنها في موسوعةِ النَّظرياتِ الأدبية لـ د. نبيل راغب طبعة 2003 ص 288 ما يلي:

"وصارت العاصمةُ الفَرنسية منذ أوائل 1920م عاصمةً للثَّورة الدادية، التي انحرفَتْ إلى مساراتٍ شائكةٍ وشاذَّةٍ، بل ومذهلةٍ، واتَّخذت شكلَ المظاهراتِ والظَّواهرِ التَّخريبيَّة والرَّافضةِ لكلِّ ما هو متعارَفٌ عليه، وانتهكت حرمةَ الأماكنِ المحترَمة، وغاصت إلى قاعِ الأماكنِ غيرِ المحترَمةِ، وداسَتْ في طريقِها كلَّ حُجَجِ العقلِ والمنطقِ والعُرْفِ والأخلاقِ".

 

ثم نكمل في نفس الصَّفحةِ والصفحة التي تليها؛ لنعرفَ كيف تبشِّرُنا الكاتبةُ بمدارسَ ليست ميِّتةً فقط، بل ومنتحِرةً أيضًا!

 

"وقد كتبت الداديةُ شهادةَ وفاتِها بيدها عام 1922، عندما قام أنصارُها بإغراقِ تمثالِ "دادا" في نهر "السِّينِ" في شهر مارس من هذا العامِ، في حين ألقى "تزارا" خطبةَ رثاءٍ له، استعرض فيها أهمَّ مبادئِ الحركةِ، قال فيها: "لقد توقَّفت "الدادية" عن الكفاحِ؛ لأنَّها كانت تُدركُ منذ البدايةِ أنَّها لا تخدُمُ أيَّ غرضٍ، فهي نفسُها لا شيءَ، عدمٌ، إنَّها النُّقطةُ التي تلتقي فيها نعم ولا، وكلُّ المتناقضاتِ بالصُّدفةِ على قارعة الطَّريقِ".

 

ثم يُكمِلُ بعدها د. نبيل راغب صاحب الموسوعة قائلاً:

"أي: إنَّها كانت رأسَ حربةٍ مبكِّرة لِمَا عُرِفَ بعد ذلك بنظريَّةِ ما بعد الحداثةِ، التي امتلكت قدرةً تدميريَّةً وتخريبيَّة وعدميَّةً في أواخر القرن العشرين" ص 288 - 289.

 

أي: إنَّ حركةً ممَّا تتحدَّث عنها لَمْ تدُمْ أكثرَ من بضعِ سنواتٍ، ثم انتحرَتْ! لتأتي الأستاذةُ وتبشِّرنا بها بعد ما يقاربُ القرنَ، وتضرب الأمثلةَ بمجانينِها على تطويرِ الذَّائقةِ الجماليةِ لدينا!

 

وحتى ما بعد الحداثةِ التي تُصدَّعُ بها الرُّؤوسُ منذ الثمانينيات وإلى الآن، والتي تحتفي الكاتبةُ بإرهاصِ تلك الحركات بها، حتى هذه النَّظريةُ وجدتْ من ينقُدُها ويُظهِرُ زيفَها للناسِ، وفي مقدِّمة هؤلاء كان: "آلان سوكال"، و"جان بريكمونت"، اللذان أصدرا في فرنسا كتابَهما: "المحتالون بالثقافة" في أكتوبر 1997م، وهو مِن أهمِّ الكتبِ الثَّقافيةِ والنَّقدية والتحليلية التي صدَرَت في الرُّبع الأخير من القرن العشرين.

 

وللكاتبةِ مراجعةُ نظريَّةِ ما بعد الحداثةِ في موسوعةِ النَّظرياتِ الأدبية، والكتبِ الأخرى التي تعرِفُها الكاتبةُ ولا نعرفُها؛ بحُكْمِ اطِّلاعِها على أدبيَّاتِ الغربِ ونظريَّاتِه.

 

قد يتساءل قارئو المقالِ عن سبب الردِّ على مقالٍ قديمٍ، نُشِرَ منذ أكثرَ من عامين؛ والجواب: بمجرَّدِ أنْ تقعَ عينُ إنسانٍ على ما يعتقدُ أنه خطأٌ، فعليه أن يُظهرَ خطأَهُ للنَّاسِ، فربما تُنشَرُ المقالةُ اليوم، ولكنَّها قد تؤثِّرُ في عقل قارئِها مدى الحياةِ.

 

إنَّ ما روَّجَتْ له روَّجَ له هؤلاء أصحابُ تلك المدارسِ قديمًا ثم حديثًا، ولا يزال يُعمَلُ به!

 

لقد قالت: إنَّنا نرى الشيءَ قبيحًا بمحمَّلاتٍ ثقافيَّةٍ، طالبَتْنا بالتخلُّصِ منها؛ لكي نرى الشيءَ "على حقيقتِه التي خلَقه اللهُ عليها"، ثم إذا بك بعد أنْ تفعلَ ذلك تجدُها تضعُ لك مكانَها محمَّلاتِها هي الثَّقافيةَ؛ لكي ترى ذلك الشيءَ جميلاً!

 

أي: إنها تنتزعُك من "أيديولوجيتك" لتتركَك قليلاً دون أيِّ محمَّلاتٍ في حالة تِيهٍ، ثم تأخذُ بيدِك لتضعَ لك "أيديولوجيتها" هي!

 

هل المسألة بهذه الضَّخامةِ؟ نعم، إنَّها كذلك!

وهذا ما يُفعل فعلاً: تُفرَّغُ من محتواك بزعم همجيَّتِه، ثم تتقبَّلُ الهمجيةَ على أنها الشيءُ الطبيعي.

 

ليس لك أن ترى القبيحَ قبيحًا؛ فهو جميلٌ، وعليك أن ترى جمالَه قهرًا، وإلا تكن متخلِّفًا ومحمَّلاً بمحمَّلاتٍ ثقافيَّةٍ جائرةٍ ومتخلِّفةٍ.

 

إنه المفهومُ الجديد للجمَالِ! يبثُّونَه في وسائلِ الإعلامِ ليلَ نهارَ؛ بدءًا من أفلام كرتونِ الأطفالِ، التي استُبدلَ فيها الأبطالُ ذوو الملامحِ الرَّقيقةِ، والعيون البريئةِ بأبطالٍ قبيحِي المنظرِ، ذوي قوَّةٍ خارقةٍ، يتوحَّدُ معهم الطِّفلُ، ويتقبَّلُهم؛ لأنَّهم مَن يحاربون الأشرارَ ويُنقِذون العالَمَ، حتى لو دمَّروا نصفَه في سبيل إنقاذِ النِّصفِ الآخَرِ! وبهذا يُصبحُ الطفلُ - العجينة الطيِّعة - متقبِّلاً للقُبْحِ بوصفِه جمالاً، ويتقبَّلُ أفعالَهم التَّدميريةَ؛ فهي شيءٌ لا بدَّ منه، وخارج عن إرادتِهم؛ فالأشرارُ هم البادئون، وهم المسؤولون.

 

وهكذا أصبح بطلُ الطفل: "بات مان"، رغم ما يحملُه الخفَّاشُ من إيحاءٍ بالظُّلمةِ ومصِّ الدِّماءِ، لكنَّه هنا يمثِّلُ الخيرَ، والعنكبوت - رغم ضعفِه وقبحِه، وهشاشةِ خيوطِه، ونصبِه الشِّباكَ، وامتصاصِه دمَ ضحاياه الأحقرِ منه - لكنَّه يصبِحُ "الرجُل العنكبوت" البطلَ القويَّ المنقذَ، ناصرَ الخيرِ، ومحارِبَ الشَّرِّ.

 

وأصبح أبطالُه أيضًا: السَّلاحف والفئرانُ والسَّحالي والتنانين، سوى الأشكال الأخرى التي يُثير منظرُها الاشمئزازَ، ولا مثيلَ لها في عالَمِ الواقعِ أو حتى الأساطير! لكنَّها فجأةً أصبحت المثَلَ الأعلى لأطفالِنا، والمدافعين عنه، وعن العالَمِ ضد الأشرارِ!

 

ومدار الفكرةِ هنا هو تقبُّلُ القُبْحِ على أنَّه جمالٌ، وتقبُّلُ الفعلِ القبيحِ؛ لأنَّه الوسيلةُ للجمالِ: "الغاية تبَرِّرُ الوسيلةَ".

 

ومثل هذا في أفلام ومسلسلات الكبار؛ فأنت محمولٌ حَمْلاً على التعاطفِ مع اللِّصِّ والقاتلِ، وإلقاءِ اللَّومِ على أيِّ شيءٍ، وأيِّ أحدٍ سواه.

 

ونفس ما في كارتون الأطفال: يقوم الأبطالُ بتحطيمِ كلِّ ما ومَن يقف في طريقِهم في سبيلِ الوصولِ للغايةِ العظمى - وهي غالبًا إنقاذُ العالَمِ - غير عابئين - ونحن معهم بالتَّبعيَّةِ - بكلِّ ما جنَتْه أيديهم حتى يحقِّقوا ذلك!

 

وهذا هو المرادُ الوصولُ إليه في النِّهاية: تكريسُ القُبْحِ على أنَّه جمالٌ، كما يفعلون في أفلامِ الرُّعبِ، ومشاهدِ قتلِ وتقطيعِ البشرِ؛ حتى يصبحَ شيئًا عاديًّا، بل ومُقْبَلاً عليه من المشاهدينَ.

 

ثم تجدُ نتيجةَ كلِّ ذلك هو ما يطبِّقونَه فعلاً على الأرض، وهم هانِئُو البالِ، عارفون برَدِّ فعلِنا؛ والذي لا يعدو سوى تقبُّلِ الكذبِ على أنَّه صدقٌ، وتقبُّلِ الاعتداءِ على أنَّه أمرٌ حتْميٌّ، فيكون دفاعُ الفِلَسطينيين الشَّرعيُّ عن النفسِ هو الجُرمَ، ويكون قتلُهم دفاعًا عن النَّفسِ، وتجوعُ العراقُ كلَّ تلك السِّنينَ، ويموتُ أطفالُها وأهلُها جُوعًا ومرضًا بحجَّةِ عدم إتاحة رئيسِها تفتيشَ منشآتِه، وتُدمَّرُ لاحقًا، ويُقتل أهلُها أمام النَّاسِ بحجَّةِ تحريرِها، وإدخالِ الدِّيموقراطيةِ، وتُحاصَرُ بلدةٌ - كالفالوجة - وتدمَّرُ ويُقتَلُ أهلُها بحجَّةِ وجودِ شخصٍ مطلوبٍ فيها، وكذا في أفغانستان، وكذا في قبائلِ باكستان؛ فيُلقونَ بالقنابلِ، ويدمِّرون المنازلَ على رؤوسِ أصحابِها؛ بحجَّةِ وجودِ زعيمٍ لطالبان، وقبلها دمَّرَتْ إسرائيلُ لبنانَ بحجَّةِ أسْرِهم لجنودٍ، وغزةَ بأسْرِها من أجلِ واحدٍ!

 

وكلُّ ما نراه - نحن والعالَم - من دماءٍ وأشلاءٍ لا يحرِّكُ فينا ساكنًا، فهذا ثمنُ الحربِ على الإرهابِ!

 

هذا هو نتاجُ رؤيةِ القبيحِ جميلاً!

أما في حياتك العادية، فلو ذهبتَ لمستشفًى، ثم سُرِقَت كُلْيتُك لتُعطَى لشخصٍ عظيمٍ، فهذا جميلٌ! مَن أنت حتى تمنعَ حياةَ هذا العظيمِ برفضِك التَّبرُّعَ له؟ أيُّهما أفيدُ للناس: أنت يا موظَّفُ، يا تافهُ، أم ملِكُ التِّجارةِ التي لو توقَّفَتْ، لتوقَّفَ كذا وكذا، وتشرَّدَ أمثالُك؛ بل وماتوا جُوعًا أيضًا؟!

 

إذًا سَرِقتُها منك جمالٌ!

وكذا لو أُخِذ منك بيتُك قهرًا؛ ليتوسَّعَ صاحبُ مصنعٍ، فأيُّهما أكثرُ فائدةً: بيتٌ لشخصٍ أم مصنعٌ للمئاتِ، ويُعيلُ الآلافَ، ويُنتجُ للملايين من النَّاسِ؟

 

اغتصابُ بيتِك جمالٌ!

نحن نَجزمُ أن لا شيءَ من ذلك كان حاضرًا في ذهن الكاتبةِ؛ فهي نفسُها - غالبًا - ضحيةُ مفاهيمَ استقَتْها من قصصٍ مثل: الجميلة والوحش، والأميرة والضِّفدع، "حين تقبِّل الأميرةُ الضِّفدعَ الحقيرَ، فيتحوَّلُ إلى أمير".

قد نُتَّهم بالمبالغةِ، وتبنِّي نظريةِ المؤامرةِ.

لكنَّ المسألةَ أبسطُ من ذلك.

المسألة: أن مَن يتبنى وجهةَ نظر، عليه أن يُطبِّقَها على نفسِه هو فقط؛ لا أنْ يُطبقَها على النَّاسِ ويُعفِيَ نفسَه منها!

 

كل ما على الكاتبة وكلِّ مَن يتبنَّى وجهةَ نظرِها في الجمالِ أن تطبِّقَ مفهومَ الجمالِ عند "كانط" الذي استشهدَتْ به، والذي ساقَتْه في بداية حديثِها:

 

"بأنَّه إذا اعتقد أحدٌ أنَّ شيئًا ما جميلٌ، فعليه أنْ يحدِّدَ ذلك بقولِه: "بالنسبة إليه"، وإلا كان متحكِّمًا، ليس في ذائقتِه الخاصَّةِ فقط؛ بل في ذائقاتِ الجميعِ".

 

وختامًا نؤكِّدُ أنَّ الفطرةَ السَّليمةَ للإنسان تدُلُّه على جمالِ الجميلِ، وقُبْحِ القبيحِ "طبيعة الشيءِ التي خلَقه اللهُ عليها"، التي تؤكِّدُ لنا قُبْحَ الشَّيطانِ، وقُبْحَ الخِنْزيرِ، وقُبْحَ الثُّعبانِ - رغم ألوانِه ونعومِة جلدِه - وقبح العقرب، وحتى...الضِّفدِع!

 

مرجع: موسوعة النظريات الأدبية لـ د. نبيل راغب طبعة 2003م





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خضرة الدمن
  • أنت جميل

مختارات من الشبكة

  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ليس بحاجة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • القول الجميل في الاعتراف بالفضل والجميل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كن جميلا تر الوجود جميلا(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • لا فائدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: إذا حرم الرجل امرأته ليس بشي(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الحديث: إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • ليس لك من الأمر شيء(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • "الذيل على المحاضرات والمحاورات" ليس للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب