• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

بين الديمقراطية والآليات الشرعية الإسلامية (1)

شريف محمد جابر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/5/2012 ميلادي - 28/6/1433 هجري

الزيارات: 14302

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ثار الجدلُ - وما زال يثورُ - حولَ "الديمقراطية"، باعتبارِها آليَّاتٍ لا بدَّ من قَبولِها والأخذِ بها، إذا ما أَرَدنا إقامةَ أنظمةِ حكمٍ راشدةٍ، تَحفَظ للأمَّة حقوقَها، وتَصُون كرامتَها، وتحقِّق لها هناءةَ العيشِ والنهضةَ المنشودة، هذا من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى: باعتبارِها نظامَ حكمٍ غربيًّا صادرًا عن قيمٍ جاهليةٍ، لا يُمكِن أن تتوافَق مع الإسلامِ بحالٍ، وأن البديلَ الحقيقيَّ للديمقراطيةِ، هو "النظامُ السياسيُّ الإسلاميُّ"، أو هو "الخلافةُ الراشدةُ" - القادمةُ بإذنِ اللهِ.


ولقد كتبتُ سابقًا في موضوع الديمقراطيَّة مقالاً بعنوان: "لماذا نرفضُ الديمقراطيةَ؟"، بيَّنتُ فيه الدوافعَ الشرعيَّة والموضوعيةَ لرفضِ الديمقراطيةِ، حتى ولو كانت على مستوى الآليَّات والاصطلاحِ.


وقد أَفَاض قبلِي الكثيرُ من علماءِ الأمَّة ممن تعلَّمنا على كتاباتِهم في هذا المعنَى بالتفصيلِ.


فكتَب فضيلةُ الشيخ الدكتور "عطيَّة عدلان" حولَ الموضوعِ في كتابِه "الأحكام الشرعيَّة للنوازلِ السياسية" فصلاً كاملاً عن الديمقراطيةِ، وأجادَ في عرضِ الآراء المختلفةِ حولها، ومناقشتِها، وترجيحِ بعضِها على الآخر، وكتَب فضيلةُ الشيخِ "محمد بن شاكر الشريف" بحثَه القيِّم بعنوانِ: "أَسلَمَة الديمقراطية: حقيقةٌ، أم وَهْم؟".


وكَتَب الأستاذُ الدكتور "محمد أحمد علي مفتي" كتابَه القيِّم: "نقضُ الجذورِ الفكريَّة للديمقراطيةِ الغربيةِ"، وأَحسَب أنَّ قارئَ هذه الأبحاثِ سوف يَرَى أمامه الأدلةَ والبراهينَ الدامغةَ على مخالفةِ أسسِ النظامِ الديمقراطيِّ لثوابتِ الشريعةِ الإسلاميةِ.


والمحورُ الأساسيُّ في هذا النظام - الغربي نشأةً وتطوُّرًا – هو ردُّ الأمورِ والقضايا فيه إلى "الشعبِ"، كمصدرٍ للتشريعِ والحكمِ والسلطانِ - نظريًّا على الأقل - خلافًا للحقيقةِ الشرعيةِ التي تجعلُ التشريعَ والحكمَ حقًّا خالصًا للهِ - عز وجل.


لقد اتَّضح لي جليًّا أننا لا نستطيعُ أخْذَ آليَّاتِ النظامِ الديمقراطيِّ دونَ الوقوعِ في لوثاتِ جوهرِها المحظورِ شرعًا؛ باعتبارها صادرةً أساسًا عن بيئةٍ وظروفٍ وملابساتٍ جاهليةٍ، وجوهرُها القيميُّ هو "سيادةُ الشعبِ"، في مقابلِ ما عانت منه الأممُ الأوروبيَّة من سيادةِ رجالِ الدين الكَنَسِي في القرونِ الوسطى؛ فهي انحرافٌ نَشَأ كردَّة فعلٍ عن انحرافٍ سابقٍ، وكلا الانحرافينِ لا يقرُّهما الإسلام؛ فلا يقرُّ الحكمَ بأهواءِ رجالِ الدين المحرَّف، ولا بأهواءِ غالبيَّة الناسِ.


وإنَّ التوافقَ بإعطاءِ الأمةِ الحقَّ في اختيارِ الحاكمِ وعزلِه ومحاسبتِه بين "الإسلام" و"الديمقراطية" هو توافقٌ عرضيٌّ؛ ذلك أنَّ للديمقراطيةِ جوهرًا وعناصرَ أخرى تُخالِف الشرعيَّات الإسلاميةَ، ولا يُمكِن قَبولُها، وفي مراجعةِ الأبحاثِ التي ذكَرنا في الفقرةِ السابقةِ كفايةٌ في إيضاحِ هذه الإشكاليِّات جميعِها، بيدَ أنِّي في هذا البحثِ أَهدفُ إلى بيانِ موضوعٍ آخرَ غيرِ نقدِ الديمقراطية.


إنَّ النقدَ الموجَّه للديمقراطيةِ هو الخطوةُ الأولى التي كان يَنبَغِي أن تتلوَها خطوةٌ أخرى لا تقلُّ أهميَّة - بل هي الأهمُّ في الموضوعِ - وهي: إيجادُ "الآليَّات التطبيقية" للنظامِ السياسيِّ الإسلامي الذي يَنشُده أصحابُ الدعوةِ الإسلاميةِ؛ فلا يَكفِي أن نُبَرهِن على بطلانِ النظام الديمقراطيِّ شرعيًّا وموضوعيًّا؛ وإنِّما كان الواجبُ على الحركاتِ الإسلاميةِ أن تَعمَل بشكلٍ جادٍّ على طرح الرؤية التطبيقيةِ للنظام السياسيِّ الذي تُنادِي به منذ عام 1928 معلنًا اندلاعَ شرارةِ الصحوةِ الإسلاميةِ، التي غَمَرت بقاعَ العالَم الإسلاميِّ اليوم.


وإن هذا الواجبَ بات أكثرَ إلحاحًا في ظلِّ الظروفِ الراهنة التي تَعيشُها الأمةُ في مرحلةِ "ما بعد الثوراتِ العربية"؛ حتى تبيِّن الحركاتُ الإسلاميَّة الجادَّة حقيقةَ مشروعِها، وسبلَ تحقيقِه في الواقعِ الذي تَعيشُه الأمة، فلا يَبقَى مجرَّد أحلام جميلةٍ، وشعاراتٍ برَّاقة!


لقد كان من المؤسفِ جدًّا ألا تطرحَ الحركةُ الإسلاميةُ في دولِ الربيعِ العربِيِّ "الآليَّاتِ التطبيقيةَ للنظام الإسلامي"، الذي قامتْ تاريخيًّا من أجلِ إقامتِه.


كان من المؤسِفِ أن تَرْكَنَ إلى "الآليَّات الديمقراطية" الغربيةِ، فتتلقَّفها كالمعلَّباتِ الجاهزة، ثم يكونُ قصارى ما تَبذُل من جهدٍ - على مستوى التنظيرِ الفكري - أن تَقولَ: هذه الآلياتُ هي الصورةُ التطبيقيةُ للمبادئِ الشرعيةِ الإسلامية! والواقعُ أن هذه الآلياتِ الديمقراطيةَ التي تبنَّتْها بعضُ فصائلِ الحركةِ الإسلاميةِ كانت قد أفرزتْها بيئةٌ جاهليةٌ، فتكيَّفت الآلياتُ وفقًا لقيمِ هذه البيئةِ ومتطلباتِها، فبَعُدتْ عن الرُّشدِ الإسلاميِّ بمقدارِ ما عبَّت من قيمِ الجاهليَّة التي صَدَرت عنها!


إننا في الواقعِ الراهنِ نَقِف أمام نَوعينِ من التيَّارات الإسلاميةِ على أقرب تقديرٍ:

• تيَّار يَركَن إلى الواقعِ ويَقبس منه الحلولَ، على الرغم من أنه واقعٌ جاهليٌّ مطلوبٌ تغييرُه لا تبنِّيه! وعلى الرغمِ من أن آلياتِ هذا الواقعِ نراها عيانًا تفشلُ في تحقيقِ غايةِ وجودِ الإنسانِ في المجتمعِ الغربيِّ، وتؤولُ به إلى البوارِ.

 

• وتيَّار آخرُ يَكتَفِي بنقْدِ الواقعِ الجاهليِّ، ورفعِ الشعاراتِ الكثيرةِ في التبشيرِ بالبديلِ الحقيقيِّ، وطرحِ "النظرية السياسيةِ الإسلامية" البديلةِ عن الأنظمةِ الديمقراطية، دونَ أن يطرحَ البديلَ "التطبيقيَّ" الذي يغطِّي مستجدَّاتِ الواقع ومتغيِّراته، فظلَّ جهدُ هذا التيَّار بعيدًا عن الواقعِ بمقدارِ ما ابتَعَد عن الاجتهادِ وفقَ المستجدَّات الواقعيةِ مع الالتزامِ بالأحكامِ الشرعية الثابتةِ.

 

التيَّارُ الأوَّلُ غَفَل عن إمكانيَّة الاجتهادِ لطرحِ الآليَّات التطبيقيةِ التي تتوافَق مع مبادئِ الشريعةِ الإسلامية وثوابتِها، والتي تَضمَن حقَّ الأمَّةِ في اختيارِ الحاكمِ وعزلِه ومحاسبتِه؛ منعًا للاستبدادِ، دون أن يقعَ في المحظورِ الشرعيِّ بتبنِّيه لآليَّاتِ الديمقراطيةِ بما فيها من لوثاتٍ جاهليةٍ لا يُمكِن أن تتوافقَ بحالٍ مع الشرعيَّات الإسلاميةِ.

 

وغَفَل كذلكَ عن أنَّ أيَّة آليَّاتٍ، سواء كانت هي آلياتِ الديمقراطيةِ، أو الآلياتِ الشرعيةَ التي يَجتَهِد لإيجادِها؛ التزامًا بضوابطِ الشرعِ، وتنزيلاً على الواقع.

 

إن أيةَ آليَّاتٍ ينشدُ تطبيقُها لا تعملُ في ذاتِها بطريقةٍ سحريَّةٍ؛ وإنما تَحتَاجُ كي تعملَ في الواقعِ إلى احتشادِ قواعدَ شعبيةٍ واعيةٍ مريدةٍ، تربَّتْ على المبادئِ التي تحقِّقها هذه الآلياتُ، وآمنت بضرورةِ تحقيقِها، وضحَّت من أجلِ ذلك، فهل تبذلُ تلك الحركاتُ الجهودَ في تحقيقِ آليَّات "الديمقراطيةِ"، أم في تحقيقِ الآليَّات "الشرعيةِ" مادام ينتظرُها عملٌ مجهدٌ شاقٌّ في تربيةِ الأمةِ على ضمانِ تحقيقِ هذه الآليات أيًّا كانت؟!

 

والتيَّار الآخرُ غَفَل عن أن طرحَ المبادئِ الشرعيَّة أو الأسسِ النظريَّة للنظامِ السياسي الإسلامي، ليس هو إيجادَ البديلِ التطبيقيِّ الإسلامي للنظامِ الديمقراطي؛ فمبادئُ الحريَّاتِ الأربعة التي يؤمِن بها الغربُ، ومبدأُ سيادةِ الشعبِ، وضمانِ الحقوقِ، وغيرها من المبادئ - هي "أسسٌ نظريةٌ" للأنظمةِ الغربيةِ، ولكن آليَّات تطبيقِ هذه المبادئِ هي "النظامُ الديمقراطي"، بما فيه من سلطاتٍ ثلاثٍ: التنفيذيَّة، والتشريعيَّة، والقضائيَّة، وآليةٌ للفصلِ بين السلطاتِ؛ لضمانِ النزاهةِ والاستقلاليةِ ومنعِ الاستبداد، وآليةٌ للانتخابِ، بالنسبةِ للمجالسِ النيابيةِ "البرلمانات" أو للرئيس كما في النظام الرئاسي، وكذلك آلياتُ اتخاذِ القرارات، وآلياتُ التشريعِ في البرلمان، بَدْءًا باقتراحِ القوانينِ وإجراءِ التصويتِ عليها، ومرورًا بصياغتِها صياغةً قانونيَّة... إلخ.

 

فهذه بعضُ الآليَّاتِ التطبيقيةِ التي تَضمَن - نظريًّا على الأقلِّ - تطبيقَ المبادئِ التي نشَأت عند الغربِ وآمنت شعوبُه بتطبيقِها عمليًّا.

 

وكي يتَّضحَ المعنَى الذي أُرِيد؛ أَطرَحُ هذا المثالَ الآخرَ: فقد كتبتُ سابقًا مقالاً بعنوان: "ماذا يَعنِي تحكيمُ الشريعةِ؟"، وبيَّنت فيه "الأسسَ النظريَّة" للنظامِ الإسلامي، وتحدَّثت فيه عن أربعةِ أسسٍ، وهي:

• التشريعُ حقٌّ خالصٌ للهِ.

 

• التزامُ الحاكمِ والمحكومِ بما أنزل اللهُ.

 

مشاركةُ الأمةِ:

عن طريقِ ممارساتِ الشورى الملزمةِ لأهلِ الحَلِّ والعقد، ولأهل النظرِ والاجتهادِ، وعن طريقِ ممارساتِ الاختيارِ والعزلِ والحِسبَة للأمَّة على الحاكم.

 

هُوِيَّة تجمع الأمَّة:

الاجتماعُ على الإسلامِ كرابطةِ ولاءٍ.

 

إن بيانَ هذه الأسسِ، وشرحَها، وتفصيلَ أدلَّتها مهما كان ناصعًا وقويًّا وواضحًا، فهو لا يَكفِي كي نقولَ: إننا طَرَحنا البديلَ الشرعيَّ لآليَّاتِ الديمقراطية؛ فإنما هذه "أسسٌ نظريَّة" أو "مبادئُ" تحتاجُ إلى آليَّات عمليَّة واقعيَّة لتحقيقِها، كما أنَّ "مبادئَ الشريعةِ" لا يُمكِن أن تتحقَّق إلا عن طريقِ تطبيقِ "أحكامها الجزئيةِ التفصيليةِ"، كما يقول الأصوليُّون!

 

ومن هنا كانت دَعوَى بعضِ الناسِ في ضرورةِ أخذِ الآليَّات الديمقراطيةِ لتحقيقِ مبادئِ الشريعة التي نُنَادِي بها - تَحمِل شيئًا من الحق؛ ذلك أنهم فَقِهوا الواقعَ جيِّدًا، وعَرَفوا أنه لا يُمكِن الحديثُ عن مبادئَ مجرَّدةٍ، دونَ طرحِ التطبيقاتِ الواقعيَّة التي تَضمَن تحقيقَها، بيدَ أن انغماسَهم في الواقعِ، وبُعدَهم عن التوجهاتِ الشرعيَّة الصحيحةِ، أدَّى بهم إلى الغفلةِ عن عدمِ شرعيَّة هذه الآليَّات، وعن إمكانيةِ الاجتهادِ الشرعيِّ الجدِّي لإيجادِ الآلياتِ النقيَّة التي تحقِّق مبادئَ الشريعةِ واقعًا، والتي يُمكِنهم طرحُها بقوَّة على الأمةِ في ظلِّ هذه الثوراتِ العربيةِ، التي دقَّت المسمارَ الأخيرَ في نعشِ الاستبدادِ "الدكتاتورية"؛ لزيادةِ الوعيِ بحقيقةِ قضيَّة "الشريعةِ"، التي حَمَلوا لواءها وشعارَها، ولدفعِ هذه القضيَّة خطوةً أخرى نحوَ الواقعِ، بدلاً من الخضوعِ لضغطِ الواقعِ الفاسدِ، والقبولِ بالنظامِ الديمقراطي الذي تَفرِضه الشرعيَّة الدولية على العالَم العربي والإسلامي في الأوقات الراهنة.

 

إن الأوضاعَ في مرحلةِ "ما بعد الثورات" ما زالت تتَّصِف بانعدامِ الشرعيةِ عنها؛ ذلك أنها تَفتَقِد للحد الأدنى من وصفِ الشرعيَّة الإسلاميةِ، وهو: الاجتماعُ على الإسلامِ - "كرابطةِ ولاءٍ" - والانتسابُ إلى الشرعِ "في الأحكام".
بيدَ أن عناصرَ "الانفراجةِ" في حريةِ التحرُّك، والتعبيرِ عن الرأيِ، والدعوةِ، والفكرِ - تُعدُّ عاملاً جيِّدًا للحركةِ الإسلاميةِ، فكان الخروجُ من أوضاعِ "الاستبدادِ" إلى أوضاعِ "الديمقراطيةِ" بمثابةِ فرصةٍ لتهيئةِ الأمةِ إلى مرحلةِ "ما بعد الديمقراطية"، وهي العودةُ إلى الشريعة - بإذنِ اللهِ - بعد أن تَعِيَ الأمَّة جيِّدًا انعدامَ الشرعيَّة عن النظام الديمقراطيِّ، رغم ما فيه من إطلاقٍ للحريِّات التي حُرِمَتْ منها في عهودِ الاستبدادِ، بل وتَعِي كذلك بطلانَ صلاحيةِ هذا النظامِ في تحقيقِ النهضةِ لهذه الأمة، وإعادةِ أمجادِ حضارتِها المسلوبةِ، وتحقيقِ رسالتِها المنوطةِ بها في هذه الدنيا، وتبيانُ النموذجِ التطبيقيِّ للنظام السياسي الإسلامي يُعتَبر خطوة ضروريّة في تصحيح المفاهيم حوله وتهيئة الأمة له.


مصادرُ التلقِّي في النظامِ السياسي الإسلامي:

لا بدَّ لنا من تحديدِ المصادرِ التي نَعتَمِدها في رسمِ الصيغةِ التطبيقيةِ للنظامِ السياسيِّ الإسلاميِّ المعاصرِ قبل الشروعِ في بيانِ معالِمِه وتفصيلاتِه، وهو أمرٌ ضروريٌّ جدًّا؛ لأن الكثيرَ من الناسِ يظنُّ أن الصيغةَ التطبيقيةَ للنظامِ السياسيِّ الإسلاميِّ هي صيغةٌ واحدةٌ في كلِّ العصورِ، منذ فجرِ الإسلامِ حتى يومِنا هذا! وهو أمرٌ مجافٍ لطبيعةِ الإسلامِ كمنهج للحياة، ولطبيعةِ التغيُّرات في الواقعِ عبرَ العصورِ؛ فقد وَضَع الإسلامُ الأحكامَ الشرعية للقضايا الثابتةِ في النفسِ والمجتمعِ، وتركَ آليَّة الاجتهادِ الشرعي لاستيعابِ الأوضاعِ المستجدَّة التي لم تَكُن في عهدِ النبوَّة، مع الالتزامِ بضوابطِ الأحكامِ الشرعيةِ عند الاجتهادِ، ومراعاةِ تحقيقِ مقاصدِ الشريعةِ.

 

1- المصدرُ الأولُ في تحديد معالِمِ هذا النظامِ السياسي هو نصوصُ الكتابِ والسنةِ، والإجماعُ، فمن الواجبِ ألا يخالفَ شيءٌ في هذا النظامِ الأحكامَ الشرعيةَ، وأن يراعَى فيه ضمانُ تطبيقِها، فلو عُدْنا إلى الأسسِ النظريةِ للنظام الإسلامي - والتي حدَّدناها في فقرة سابقة - نَستَطِيع أن نقولَ: إن كلَّ صيغةٍ تطبيقية لنظامٍ سياسي يتوفَّر فيها تحقيقُ هذه الأسسِ النظريةِ الأربعة، التي هي من أسسِ نظامِ الحكمِ في الإسلام - هي صيغةٌ تطبيقيةٌ "شرعيَّة" وفقَ معاييرِ الإسلامِ، وكما يقولُ الإمامُ ابن القيِّم:

 

"واللهُ تعالى لم يَحصُر طرقَ العدلِ وأماراتِه في نوعٍ واحدٍ وأبطلَ غيرَه من الطرقِ التي هي أقوى منه وأدلُّ وأظهرُ؛ بل بيَّن بما شَرَعه من الطرقِ أن مقصودَه إقامةُ الحقِّ والعدلِ، وقيامُ الناسِ بالقسطِ، فأيُّ طريقٍ استُخرِج بها الحقُّ ومعرفةُ العدلِ وقيامُ الناسِ بالقسط - وَجَب الحكمُ بموجبِها ومقتضاها، والطرقُ أسبابٌ ووسائلُ لا ترادُ لذواتِها؛ وإنما المرادُ غاياتُها، التي هي المقصد"؛ "إعلام الموقِّعين: 372/4".

 

2- المصدرُ الثانِي في تحديدِ الصيغةِ التطبيقية لهذا النظام، هو سياساتُ الرسولِ - عليه الصلاة والسلام - وسياساتُ الخلفاءِ الراشدينَ من بعده، فنَلتَزِم ونَستَرشِد بها؛ لتُضِيءَ لنا الطريقَ في رسمِ صورةِ النظام الذي نَنشُده؛ وذلك لقولِه - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: ((... فإنه مَن يَعِشْ منكم بَعدِي، فسَيَرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديينَ الراشدينَ، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذِ...))؛ رواه أبو داود، وهو صحيح.

 

والفرقُ بين هذا المصدرِ والمصدرِ الأوَّل، أن هذا المصدرَ عبارةٌ عن طرقٍ وسياساتٍ عمليةٍ لتطبيقِ أحكامِ الشرعِ، وتحقيقِ مقاصدِه في الواقع، والتزامُ هذه الطرقِ والسياساتِ، وجعلُها بمثابةِ "سوابقَ دستوريةٍ" لنا خلالَ وضعِ النظامِ الذي نَنشُده - هو الكفيلُ بصبغِ هذا النظام بصفةِ "الرشدِ" التي يَنبَغِي أن يتَّصِف بها النظامُ الشرعي الإسلامي.

 

3- المصدرُ الثالثُ في تحديدِ الصيغةِ التطبيقية للنظام الإسلامي المعاصِر، هو مراعاةُ "مصلحةِ الأمةِ"؛ فالعملُ على تحقيقِ مصالحِ العبادِ؛ من حفظٍ للحقوقِ، وصيانةٍ للحرماتِ، وكفالةٍ للعدلِ، وغيرها من المصالح - هو أحدُ أهمِّ وظائفِ نظامِ الحكمِ في الإسلامِ، وشروطُ هذه "المصلحةِ" ألا تخالفَ أحكامَ الشريعةِ، وأن تحقِّق مقاصدَها، وألا يترتَّب على تحقيقِها حدوثُ مفسدةٍ أكبرَ منها.

 

والعواملُ التي تؤدِّي بنا إلى معرفةِ مصلحةِ الأمةِ كثيرةٌ، منها: الاستفادةُ من تجاربِ التاريخِ لهذه الأمَّة وللأممِ الأخرى، ووضع الضماناتِ العمليةِ لمنعِ عودةِ الاستبداد والتسلُّط، والضمانات العملية لمنعِ عودةِ التبعيَّة للغربِ، ولا بأسَ من الاستفادةِ مما عند الأممِ الأخرى من طرقٍ إدارية تَضمَن تحقيقَ المقاصدِ الشرعية التي نرجُوها.

 

وكذلك من هذه العوامل:

المعرفةُ العميقةُ بالواقعِ المعاصر، وهي شرطٌ ضروريٌّ لوضعِ الصيغِ التطبيقيةِ والسياساتِ الملائمة، وإلا فإنَّ فقدانَ هذا الشرطِ قد يؤدِّي إلى وضعِ نظامٍ وسياساتٍ لواقعٍ متخيَّل عند واضعِها، لا يمتُّ بصلةٍ إلى الواقعِ الحقيقيِّ الذي يعيشُه!

 

وفي الجزءِ الثاني من المقالِ سوف نشرعُ - بإذن الله - في بيانِ صيغةٍ تطبيقيةٍ معاصرةٍ للنظام الإسلامي، فتكون بمثابةِ "الآليات الشرعية" المرجوِّ تحقيقُها كبديلٍ عن الآليَّات الديمقراطيةِ الجاهلية.

 

والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بين الديمقراطية والآليات الشرعية الإسلامية (2)

مختارات من الشبكة

  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أدعية الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)
  • العقوبة التعزيرية وشرعيتها والفرق بينها وبين غيرها من العقوبات الأخرى (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المؤاخاة في العهد النبوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص بحث: مبادئ نظام الحكم وآلياته بين الأصالة الإسلامية والديموقراطية(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • تركيا تقترح إنشاء آلية لمنع النزاعات بين الدول الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • شيوع الحقد والبغض(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- دعاء لشيخ شريف محمد جابر
تاسع عمر فايو الجوهرى - نيجريا الإسلامية 04-10-2013 04:43 PM

السلام عليكم ورحمة لقرأت هذا البحث القيم واستفدت ميه كثرا رجائي هو أ ن يكثر الله لنا من أمثال شريف وأسال الله له التوفيق والثبات آمين. من تاسع عمر

1- نقطة البداية
د . سمير رمضان - السعودية 20-05-2012 11:14 PM

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :
فما ذكره فضيلة الأخ شريف محمد جابر حفظه الله كلام جميل وله أهمية لا شك فيها فى وقتنا المعاصر وقد أشار فى ثنايا حديثه إلى القاعدة الأساسية لهذه الإنطلاقة الراشدة نحو تحقيق الخلافة الإسلامية الراشدة المنشودة بقوله : (إن أيةَ آليَّاتٍ ينشدُ تطبيقُها لا تعملُ في ذاتِها بطريقةٍ سحريَّةٍ؛ وإنما تَحتَاجُ كي تعملَ في الواقعِ إلى احتشادِ قواعدَ شعبيةٍ واعيةٍ مريدةٍ، تربَّتْ على المبادئِ التي تحقِّقها هذه الآلياتُ، وآمنت بضرورةِ تحقيقِها، وضحَّت من أجلِ ذلك ) وعليه فنهيب بالأخوة الدعاة فى كل مكان بتفعيل هذا المطلب وتكوين قواعد شعبية على علم بأمور دينها وواقعها الذى تعيش فيه والقيام بمقتضى هذا العلم فى ذلك الواقع لتحمل الأمانة إلى الأمة فتحييها بهذا الدين القويم ، والحمد لله رب العالمين.
د. سمير رمضان .

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/41134/#ixzz1vRUR5fKb

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب