• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

معالم النهوض

معالم النهوض
د. محمد السيد الجليند

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/10/2011 ميلادي - 20/11/1432 هجري

الزيارات: 7169

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إن تاريخ الحضارات الإنسانية يفرض على المسلمين في عصرنا هذا أن يعيدوا قراءةَ تاريخهم المعاصر، وعلاقتهم بالحضارات الأخرى أخذًا وعطاءً؛ ذلك أن مسيرة التاريخ الحضاري للبشرية توجب علينا أنْ نستخرج من هذه الحضارات أسبابَ قيامها، وعواملَ انهيارها، وازدهارها وانحطاطها، كيف قامت؟ ولماذا بادت وانمحت ولم يبقَ من معظمها إلا الأثر بعد العين، والعبرة التاريخية بعد واقعها المادي؟ تلك قضية على جانب كبير من الأهمية، لفت القرآن الكريم نظرنا إليها في صورة الأمر الإلهي، الذي يحمل معنى الفرض العيني في بعض الأحيان؛ قال الله - تعالى -: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137]، ﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36].

 

وإن هذه السنن كانت تتمثل آثارها في اتجاهين متضادين:

اتجاه تأسيس الحضارات وبنائها وعوامل ازدهارها، وأن ذلك يرتبط بسنن لا تتخلف.

 

قال الله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].

 

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].

 

واتجاه آخر من السنن الكونية يجسد لنا عوامل انهيار الحضارات وإبادتها؛ قال تعالى: ﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ﴾ [الحج: 45].

 

﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [غافر: 5].

 

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر: 82 - 85].

 

ولقد تكرر ذكر ذلك في القرآن الكريم كثيرًا، خاصة في القرآن المكي يبين لنا خلال عرضه أسباب قيام الحضارات في الأمم الماضية، وأنَّ أسباب هذه الحضارات إذا توفرت قامت عليها الحضارة، وسادت وأثمرت وتركت أثرها في مسيرة التاريخ.

 

وأهم هذه العوامل التي نبه إليها القرآن هو عامل الإيمان والاعتقاد الصحيح، وما يترتب على هذا الإيمان من سلوكيات أخلاقية، وعرقات اجتماعية تحكم حركة الحياة للفرد والجماعة على حد سواء، وإن عنصر الإيمان هو السبب الفاعل في قيام أي حضارة تركت أثرها في مسيرة التاريخ.

 

ولعلك تجد مصداق ذلك في الواقع الحضاري للأمم، فلن تجد أمة من أمم أهل الأرض خالية من التعبير عن إيمانها وعقائدها بما شاءت من الشعائر والطقوس التي تجد فيها راحتها النفسية وغذاءها الوجداني، لا تجد أمة بلا معبد أو كنيسة أو مكان تقدسه تلتمس فيه علاقتها الطيبة بمصدر إيمانها وملهم اعتقادها، سواء صحت لها هذه العقيدة في منطق العقل أم فسدت، وسواء كان لعقيدتها صلة بوحي السماء أم كانت من صناعة حكمائها وقديسيها، تلك قضية فرضت نفسها على الواقع الحضاري للبشرية.

 

وينبغي أن يعي ذلك تمامًا المربون والمصلحون وأولو الأمر في رسم الخطط والمناهج التربوية عليهم.

 

ولما كان الإيمان هو السبب الفاعل في تأسيس الحضارات وازدهارها، فإن غياب الإيمان أو محاربته ومصادمته هو أيضًا السبب الفاعل في انهيار الحضارات وانحطاطها؛ ذلك أن غياب الإيمان والاعتقاد الصحيح يترتب عليه سيادة قيم ومبادئ اجتماعية وأخلاقية تجسد الجوانب الدنيا في الطبيعة البشرية، فيسود منطق الأثرة والأنانية بدلاً من الإيثار والمحبة، ويحل الظلم ويغيب العدل، ويرتفع كل معنى أخلاقي نبيل؛ ليسود منطق الغاب وسيادة الأقوى.

 

تأمل معي حال مجتمع يعيش أفرادُه تحت سيادة هذه المبادئ اللاأخلاقية، ثم ماذا يكون حال العلاقات بين الدول إذا أخذوا بهذا المنطق في علاقات الدول الكبرى بالدول الضَّعيفة؟ وهذا هو الواقع المعيش الآن، فإن الدول الضعيفة تكتوي بنار هذا المنطق المعكوس في تعامُل الدول الكبرى معها؛ حيث سطت هذه الدول على خيرات العالم الثالث سلبًا ونهبًا، وإذا وجدت من يُقاومها، فإن القتل والتشريد يكون وسيلةَ الخلاص منه.

 

فلقد اغتر هؤلاء بما عندهم من العلم، كما يغتر أبناء عصرنا بما عندهم من العلم، ونسوا أن العلم هو وسيلة بناء الحضارات وازدهارها، وأنه هو نفسه قد يكون سببًا في انهيارها وإبادتها، ومن هنا جاء الأمر الإلهي بالقراءة المقرونة باسم الرب الخالق، وليس بالقراءة المبتورة عن الخالق؛ قال الله - تعالى -: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، فقراءة الكون واكتشاف أسراره وقوانينه يجب أن تكون في أحضان الإيمان بالرب الخالق، حتى إذا ما أحسن الإنسان قراءة الكون، وتعرف على قوانينه، فإنه يوظف هذه القوانين العلمية توظيفًا إيمانيًّا يسعد بها الإنسان ولا يشقى، فيكون العلم مصدر أمن وأمان للإنسان، وليس مصدر خوف وشقاء.

 

وهنا تأتي حاجة البشرية إلى الحضارة المؤمنة؛ حضارة الإسلام، ويأتي الإسلام بمفهومه الحضاري كمخلِّص للبشرية مما تعانيه من تسلط الدول القوية على الدول الضعيفة، يأتي الإسلام ليصحح مسار الطاقة البشرية، ويعيد توظيف العلم لمصلحة الإنسان، ولتعمير الأرض، بدلاً من العمل على خرابها وتدميرها؛ تحقيقًا للأمر الإلهي؛ ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]؛ أي: أوجب عليكم عمارتها في ضوء سنن الله في كونه، وإذا كان القرن العشرون انصرم من بين أيدي المسلمين، وهم فيه أضعف أمم أهل الأرض سلطانًا في السياسة والنظم الاجتماعية والثقافية والتعليمية، فإن دخولهم القرن القادم يتطلب منهم وقفة مع النفس، وقفة مع الذات أمينة وصادقة وصريحة، يتوجه فيها العلماء والأمراء إلى أنفسهم بالسؤال: ماذا قدمنا لشعوبنا؟ ولماذا وصل الأمر بالمسلمين إلى ما هم فيه؟ كما يتوجه شعوب العالم الإسلامي إلى علمائهم وأمرائهم بهذه الأسئلة: ماذا فعلتم بنا؟ وماذا فعلتم من أجلنا ومن أجل مستقبلنا؟ لا بُدَّ من هذه الوقفة مع الذات.

 

ولا بد أن تكون هذه الوقفة أمينة وصادقة ومخلصة نكتشف خلالها أوجهَ القصور الذاتي فينا.

 

ولا يخالجني شك في أن السبب الرئيسي في هذا القصور والتقصير الذاتي يقع إثمه على نمطين من فئات المجتمع في عالمنا الإسلامي:

1 - النمط الأول: هم العلماء الذين اكتفوا من العلم بالحفظ والتحصيل، ولم يترجموه إلى واقع يحيا به المجتمع؛ لأن هذه هي وظيفة العالم، ولا أقصد بالعالم هنا رجل الدين، وإن كان هو يمثل القوة المحركة لكل صاحب رأي، والمرشد الأمين للعالم الكوني؛ لكي يحسن توظيف علمه.

 

2 - أما النمط الثاني: فهم الأمراء يوم أن سلبوا العالم هيبته ومكانته الاجتماعية، ومِنْ ثَمَّ سلبوه قوة تأثيره في القلوب، فلم يعد له في المجتمعات مكانة، ولا بين الناس هيبة، وفقد كلامُه أثرَه في تحريك القلوب.

 

إن هذين النمطين من فئات المجتمع هما قطب الرحى في صلاح أي مجتمع وفساده؛ إذ بصلاحهما يصلح الناس، وبفسادهما يفسد الناس؛ ولذلك كان أسُس التحضر أو التأخر ترتبط بالأثر الثقافي والسياسي الذي يقوم به هذان النمطان في المجتمعات.

 

وهنا أحب أن أضع أمامنا بعض القضايا كمفاتيح لدخول القرن القادم:

أولاً: فقه السنن الإلهية في الكون.

ثانيًا: تسييد منطق العلم في شؤون الحياة اجتماعيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، وإعادة العالم إلى مكانة الصدارة في المجتمع.

ثالثًا: جمع الصف الإسلامي الممزق تحت أي اسم من الأسماء.

رابعًا: حسن استغلال الثروات الكونيَّة التي أنعم الله بها على المنطقة الجغرافية للعالم الإسلامي.

خامسًا: فتح أبواب الحوار مع الآخر، وأخذ النافع منه، والإفادة من خبراته.

سادسًا: إزالة العوائق أو الحواجز النفسية بين المؤسسات الحاكمة في العالم الإسلامي.

 

أولاً: فقه السنن الإلهية:

إنَّ لله تعالى قوانينه التي تحكم حركة الحياة في المجتمع، ومن شأن هذه القوانين أن تأخذ بهذه المجتمعات إلى مكان الريادة والصدارة، فتسود ويسود معها أخلاقياتها ومبادئها وعقائدها، وإذا كانت هذه المبادئ تعتمد في أسسها على عقائد صحيحة كان لها الخلود والدوام، وهذا ما تميزت به مبادئ الإسلام في تأسيس حضارته وبناء مجتمعاته.

 

هذه قضية على جانب كبير من الأهمية لها أثرها في بناء الأمم أو انهيارها، ولقد لفت القرآن نظرنا إلى أن ذلك الارتباط بين سيادة منطق الإيمان وبناء الأمم - ارتباط عضوي؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾ [الكهف: 59].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54].

﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [الحج: 41].

﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة: 78 - 79].

 

ولما انتقلت هذه الحضارة إلى أوروبا، جردوها من منطق الإيمان، ووظفوا العلم بمنطق شيطاني؛ ليسيطروا به على مقدرات الشعوب، فأصبحت حضارتهم خالية من روح الإسلام، أو إن شئت من نور الوحي، فوظفوا العلم لدمار العالم، بدلاً من إعماره، وإلا فحدثني بربك، ما معنى أن يرصد في ميزانية هذه الدول الصناعية مليارات الدولارات لصناعة الصواريخ والقنابل النووية وأسلحة الدمار؟!

 

وما معنى أن ترصد هذه الميزانية الضخمة لريادة الفضاء وشعوبُ الأرض لا تجد ما تقتاته؟ وما معنى هذا السباق المحموم في غزو الفضاء وأهلُ الأرض يبيتون في العراء؟


وما معنى أن تخضع المنظمة الدولية لإرادة الدولة التي تمتلك هذه الأسلحة المدمرة، فتشرع القوانين لمصلحتها، وتحرم على غيرها ما تبيحه لها؟!

 

إن هذا الخلل الكوني يرجع في أسبابه إلى سيادة منطق الحضارة الفارغة من معنى الإيمان، سيادة المنطق الإلحادي الذي لا يعرف للإيمان معنى، ولا للأخلاق مكانة، ولعل عبارتهم الشهيرة تجسد فلسفة هذه الحضارة: لا أخلاق في السياسة ولا سياسة بالأخلاق، قل لي بربك: ماذا تكون إذًا هذه السياسات التي تستبد بأهل الأرض في زماننا؟


إنَّ القرن القادم يجب على المسلمين أن يدخلوه بهذا المنطق الحضاري المؤمن؛ لينقذوا البشرية من تدميرها بسلاح العلم الملحد، إن هذا الصوت ينبغي أن يدوي من فوق منبر الأمم المتحدة: أوقفوا توظيف العلم بمنطق الشيطان، ووظفوه بمنطق الإيمان، إن هذا الصوت هو نداء السماء لأهل الأرض.

 

ثانيًا: العلم والعلماء:

لا يشك عاقل في أن منطق العلم هو مفتاح كل تقدُّم اجتماعي وسياسي وثقافي، ولا بد أن يطرح الإنسان على نفسه سؤالاً ضروريًّا: ما مكان العلم والعلماء في الغرب؟ وأين مكانة العلم والعلماء في المجتمعات الإسلامية؟


وينبغي أن نفهم العلم هنا بالمعنى العام الشامل لعلوم الدين والدنيا معًا؛ ذلك أن التفرقة بين النوعين من العلوم لا معنى لها في الإسلام إلا من حيث الدرس والتحصيل والتوظيف، فإن العالم المسلم كان هو الطبيب والمهندس والمعماري والرياضي... إلخ.

 

وكانت صحبة الخلفاء وجلساؤهم من هذه الصفوة من المجتمع، وكانوا هم المستشارين والأصفياء؛ ولذلك كانت مكانتهم الاجتماعية محفوفة بالهيبة والوقار، وكان العالم نفسه يأبى وتأبى عليه نفسه إلا أن يكون كذلك.

 

ثالثًا: توحيد الصف الممزق:

جاء الإسلام ليوحد العرب من فرقتهم القاتلة، فجمع كلمتهم حول إله واحد، وعلمهم بل دربهم على تبني النظام، وهجر الفوضى، وتوحيد الصف، وهجر الفرقة، وإن في العبادات والشعائر تدريبًا على الوحدة والنظام، وجاء الأمر الإلهي صريحًا في قوله - تعالى -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، ولقد علم الرسول أمته كيف يحرصون على خلق هذه الوحدة حتى وإن كانت غائبة، ولعل المثل الفريد في تاريخ البشرية خير معلم للمسلمين كيف يتحدون في قصة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؟ وكيف تعامَل الأنصار مع المهاجرين؟

 

إنَّ أهلَ الملل التي لا يجمعها جامع قد اتحدت من فُرقة، وجمعت كلمتها من شتات، وأبناءُ المسلمين الذين يجمعهم دين واحد، وثقافة واحدة، بل وأحيانًا لغة واحدة - قتلتهم الفرقة، وطحنهم الخلاف!

 

فقل لي بربك: هل هذه الخلافات المخزية تصلح لأن يدخل بها المسلمون القرن القادم الذي لا مكانَ فيه للكيانات الصغيرة؟

 

بل إنَّ ظهور العولمة وما تستتبعه من سيادة مبادئ وثقافات وأفكار جديدة، تدعو المسلمين إلى أن يأخذوا الأمر بمنطق الجد، ويتخلصوا من هذا العبث الذي يعيشون فيه، ويعلموا أن الأمر جد وليس بالهزل.

 

فلا بُدَّ من أمر جامع يلتف حوله المسلمون سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، وإلا فهويتهم إلى فناء.

 

رابعًا: ثروات المسلمين من يستغلها؟

بلغ تعداد العالم الإسلامي مليارًا وربع المليار نسمة؛ أي: خمس سكان المعمورة، ويملكون من الثروات ما يكفي لإنعاش العالم اقتصاديًّا، فثرواتهم من البترول والذهب والزراعة والمعادن الأخرى تكفي لأن تجعل من العالم الإسلامي قوة اقتصادية كبرى يخشى العالم بأسها، ويخطب وُدَّها، وهذا أمر لا يخفى على أحد، ولعل حرب الخليج الأخيرة وما كشفت عنه من خبايا وأسرار يعطي المنطقة العربية ثقلها الدولي، ويكشف للمسلمين كيف يتربص العالم بخيراتهم، والأمر يحتاج من أربابه إلى إعادة ترتيب الأوراق في العلاقات والأولويات في المصالح الدولية، وأن يعلم الجميع أنه ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]، وليس معنى هذا قطع الصلة بهذه الدول، ولكن تكون العلاقة على قدر المصلحة، وألا تترك ثروات الأمة نهبًا مباحًا يتقوى به أعداء الأمة، ويصنعون به أسلحة الدمار التي تفتك بشعوبنا الإسلامية، إن استغلال الثروات في العالم الإسلامي يحتاج إلى إعادة النظر، وأن توضع الشروط للشركات والدول التي تستغل هذه الثروات في ضوء علاقات الدول بإسرائيل، وفي ضوء مصالح هذه الشعوب الإسلامية؛ حتى ندخل القرن القادم ونحن نمثل قوة اقتصادية لها وزنها في مسيرة التاريخ.

 

خامسًا: الانفتاح على الغير:

لم يعد العصر الحاضر يسمح بالانغلاق على الذات، وإهمال ما يجري خارج العالم الإسلامي، أو التغاضي عن ملاحقة التطور الهائل، أو القفز السريع وراء معطيات العلم الذي لا تملك معه إلا اللحاق به.

 

وينبغي أن نعترف بأننا في مؤخرة الركب مسايرةً للعلم الحديث، فلا نحسن إلا استهلاك أدواته التي لا نصنعها، ولا نجيد فهم أسرار هذه الأدوات؛ من هنا وجب أن نفتح أبوابنا لتلقي هذا العلم عن أهله، ونجيد فن الإنصات والفهم والتطبيق، وهذا مطلب يدخل في نطاق الأوامر التكليفية، التي قد تصل إلى الفرض العيني، إننا في حاجة إلى الحوار مع الآخر أكثر من حاجته إلى الحوار معنا، وما لم تفتح عقولنا وقلوبنا للأخذ عنه والنقل منه لكل علم نافع ومفيد، فسوف تتسع الهوة بيننا وبينهم.

 

من هنا وجب علينا أن نفتح عقولنا للحوار مع الآخر من خلال منهج علمي رشيد.

 

سادسًا: مصلحة الشعوب أولاً:

إذا عرفنا أن الراعي مسؤول عن مصلحة الرعية، كان علينا أن نجعل مناط العلاقات الدولية بين الحكومات هو مصالح شعوبها، وليس شيئًا آخر وراء ذلك من الأيديولوجيات الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية، إن العلاقات الشخصية بين المؤسسات الحاكمة ينبغي ألا تكون مدخلاً لإفساد علاقات الشعوب الإسلامية، وأن يُنَحَّى جانبًا منطق العلاقات الشخصية للحاكم عن مسار علاقات الشعوب ومصالحها.

 

إن هذه الظاهرة المتفشية في العالم الإسلامي ينبغي أن نتخلص منها تمامًا؛ لتتحد إرادة الحكام مع إرادة شعوبهم ومصالحهم، فإذا أضفنا إلى كل ما سبق ما يتميز به الإسلام من عناصر الخلود التي أسس عليها حضارته، كان لنا أن نشعر بالمسؤولية الكبيرة التي نفخر بها أمام أصحاب الحضارات الأخرى، فإن حضارتنا تملك من عناصر الخلود أنها حضارة إنسانية عالمية، وليست إقليمية، تتسم بالشمول والإحاطة لكل جوانب الحياة الإنسانية المادي منها والروحي، إنها لا تفرق بين جنس وجنس، ولا لغة ولغة، ومقياس التفاضل فيها ليس نسبًا ولا جنسًا، بل كلكم لآدم وآدم من تراب؛ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، إنها حضارة تترسم خطى الأخلاق الفطرية، فلا تتصادم مع فطرة الإنسان، وإنما تكملها وتغذيها، ولا تصادم العقل والعلم؛ إنما ترشده وتغذيه وتعضده.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سبل النهوض بالأمة
  • من أجل النهوض
  • مقدمة في النهوض الحضاري والتنمية المستدامة

مختارات من الشبكة

  • معالم الصناعة الفقهية في النهوض الحضاري(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تكتب معلمو؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التبر المسبوك: معالم في طريق بناء جيل قرآني مميز(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (5) التبصير في معالم الدين(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معالم هامة في تربية الأبناء(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • خطبة: من معالم وأسرار الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شكرا معلمي.. أتعلم من أنت يا معلمي؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ارتقاء التقدم من معالم أي اقتصاد متقدم(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • معالم من سورة الطارق (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • خطبة: معالم المنهج النبوي في التعامل مع الأزمات(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- تعليق على النص
أحمد - موريتانيا 21-10-2011 10:24 PM

شكرا ألف شكر لموقع الألوكة الرائع الذي يهتم بكل مافيه خير الإسلام والمسلمين، جزاكم الله عنا خيرا، معلومات رائعة وقيمة تقدمونها لنا في كل مرة على طبق من ذهب، لاعدمناكم أبدا

1- مقال حسن
أحمد نصيب - مصر 19-10-2011 10:18 PM

بارك الله فيك يا دكتور محمد على هذه الكلمات الرائعة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب