ديان ستانلي وعبدالرحمن أبو المجد في حوار حول صلاح الدين

يُعَدُّ صلاح الدين (1138 (1193 - شخصيَّة من أهم الشخصيات البارزة في الثقافة الإسلامية والعربيَّة، وهو معروف في الدول الغربيَّة، ليس فقط لأنه قاد الجيوش الإسلاميَّة لهزيمة الصليبيين في معركة حطين، ولكن أيضًا لفروسيَّته وسُمو أخلاقه.

دخلَت قوَّاته القدس في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب 583هـ الموافق 2 أكتوبر 1187 بعد حصار المدينة، ودُفِعت فِدية عن كلِّ إفرنجي في المدينة؛ سواء كان رجلاً، أم امرأة، وسَمَح صلاح الدين للكثيرين منهم بالمغادرة دون دفْع الفِدية المطلوبة، فحاز أعظمَ الفخر وأسْمى الشرف‏.‏

اختار صلاح الدين المُضي قُدمًا نحو القدس بسبب أهميَّة المدينة للإسلام، وحرَّر صلاح الدين غي دي لوزينيان، وأعاده إلى زوجته الملكة سيبيللا في القدس.

قال رينيه جروسيت: من الحقيقي أنَّ كرَمَه، وتقواه، وتجرُّده من التعصُّب، وسماحته وأدَبه، كان نموذجًا يُحتذى به بالنسبة لمؤرِّخينا القُدماء؛ مما أكسبَه شعبيَّة في بلاد الفرنجة أكثر من أرض الإسلام.

كانت علاقة صلاح الدين بـ"ريتشارد" مبنيَّة على نُبل الفروسيَّة واحترام قِيَمها؛ مما جعَل نُبلاء أوروبا يقرون بنُبْله وشرفه، بالإضافة إلى المنافسة العسكريَّة الشريفة، وفي "أرسف" عندما فقد ريتشارد حصانه، أرْسَل صلاح الدين له بحصانين بديلين، واقترَح ريتشارد على أُخته "جوان" ملكة صقلية أن تتزوَّج أخا صلاح الدين، وأن تكون القدس هديَّة عُرْسهم على الرغم من أن صلاح الدين وريتشارد لَم يتقابلا وجهًا لوجْه، والاتصال بينهما كان؛ إمَّا مكتوبًا، أو عن طريق رسول.

لا أستطيع أن أمنعَ نفسي من قراءة أيِّ عمل عن صلاح الدين في الأدب النصراني المتعلِّق بالقرون الوسطى، والذي صوَّر الصراعات بين صلاح الدين وريتشارد الأوَّل أثناء الحملة الصليبية الثالثة، كمبارزة شريفة بين نبيليْن شجاعَيْن انتصَر فيها الأوَّل على الأخير، ليس بسبب قوَّة الأوَّل، ولكن لخيانة بعض قوَّات الأخير له، وما تزال العديد من الكتب تُكْتَب باللغات الأجنبيَّة حتى الآن عن صلاح الدين، نطالع على سبيل المثال لا الحصر عناوين كُتب أجنبيَّة، مثل: "اسم صلاح الدين في التاريخ"، "التاريخ الجيد والنادر لصلاح الدين"، "الشخصيات التاريخيَّة في العالم: صلاح الدين، المحارب الذي دافَع عن شعبه"، "صلاح الدين: السلطان الذي أطلَّ زمانه 1138 - 1193"، "قلب الأسد: ريتشارد الأول"، "صلاح الدين"، "صلاح الدين: السلطان القوي وموحِّد الإسلام"، "صلاح الدين: سلطان مصر وسوريا"، "زمن الحملة الثالثة"، و"حياة صلاح الدين".

ديان ستانلي:

ديان ستانلي مؤلِّفة أمريكيَّة متخصِّصة في أدب الطفل، وهي أيضًا رسَّامة، وُلِدَت في أبيلين، تكساس في عام 1943، حصَلت على مؤهِّلها الجامعي من جامعة الثالوث المقدس، وحصَلت على درجة الماجستير من كلية طب جامعة جونز هوبكنز، ثم عَمِلت كرسَّامة طبيَّة، ومُصَمِّمة جرافيك لمنشورات شركة ديل، ومديرة للفن في مؤسسة  (Putnam's Sons)، وفازَت بثلاثة جوائز للتصميم من معرض نيويورك للكتاب.

وستانلي هي مؤلِّفة ورسَّامة شارَكت في كتابة خمسين كتابًا للطفل، واشْتَهرت بسلسلة الكتب المصوَّرة التي كانت تتألَّف من اثني عشر كتابًا، وعُدَّ كتاب "شاكا ملك الزولو" أفضلَ كتاب مصوَّر من قبل نيويورك تايمز، كما حاز كتاب "ليوناردو دافنشي" على جائزة "أوربيس بيكتس" للأدب النثري من المجلس القومي لمدرسي اللغة الإنجليزيَّة، وكُرِّمت عشر كُتب من أعمالها كأعمال إبداعيَّة من قِبَل اتِّحاد المكتبة الأمريكية، وحصَلت مرتين على جائزة الـ"بوستون جلوب - والهورن بوك" من اتِّحاد كُتَّاب كُتب الأطفال الذهبيَّة، وتلقَّت جائزة جمعيَّة الكُتَّاب في واشنطن بوست على أعمالها بشكلٍ عام، وفاز كتابها صلاح الدين بجائزة كُتَّاب العرب الأمريكيين the Arab American Book award يونيه 2011.

ستانلي هي مؤلفة كتاب "صلاح الدين: الأمير النبيل للإسلام"، وإننا لا نتوقَّع فقط أن تنشر الطبعة العربية في "دُبَي" أثناء "مهرجان شركة طيران الإمارات للأدب" العام القادم، لكنَّنا نتوقَّع أن تحصلَ على الجائزة العربية لأدب الطفل.

عُرِف صلاح الدين في الغرب كشخص غير متمدِّن ولكنَّه نبيل، ولمعرفة لماذا استحْوَز صلاح الدين على مخيلة واهتمامات الناس في القرن الـ21، من الضروري أن نُجري هذا الحوار مع ديان ستانلي التي تقدِّم البطل صلاح الدين للأطفال في الوقت الذي بكلِّ أسفٍ لا نُقدِّمه لأطفالنا.

س: يعتبر صلاح الدين الحاكم المسلم الشهير الذي يَظهر بوضوح في الحكايات المتداولة، وتاريخ الحروب الصليبية، ولا شكَّ أنه يوجد في التاريخ الإسلامي الكثير من الشخصيات الرائعة، مثل: عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، والسلطان نور الدين، والسلطان العادل، هل لك أن توضِّحي لنا لماذا اخترتِ صلاح الدين من بينهم؟

ستانلي: لَم أكنْ أبحث عن شخصيَّة إسلاميَّة بعينها للكتابة عنها، ولكني كنت أبحثُ عن ملك إفريقي عندما كتبتُ عن "شاكا"، وعرَفت بعض المعلومات عن صلاح الدين، وبدا لي شخصية جديرة بالإعجاب، وقد أحببْتُ بالفعل عندما أتحدَّث عنه أن أقدِّم بعض المعلومات للقُرَّاء عن الإسلام والحروب الصليبية وريتشارد قلب الأسد الذي يُعتبر شخصيَّة نبيلة ومُساءً فَهْمُها؛ بسبب ما اتَّصف به من غرورٍ وتهوُّرٍ.

س: عُرِف صلاح الدين في الغرب كشخصٍ غير متمدِّن، ولكنَّه نبيل، لماذا استأثر صلاح الدين بمخيلة واهتمامات الناس في القرن الحادي والعشرين؟

ستانلي: بالفعل أنا لا أعرف لماذا تتمتَّع بعض الشخصيات التاريخية بشُهرة واسعة أكثر من غيرها، بالتأكيد لقد عاش صلاح الدين في فترة مهمة جدًّا من التاريخ، مثل: الملكة إليزابيث الأولى التي حكَمت إنجلترا - والتي كتبتُ عنها أيضًا - وكانت شخصيَّته عظيمة لدرجة أن أعداءَه قد أُعْجبوا بها.

س: في كثيرٍ من الأحيان أطْلَق صلاح الدين سَراح أعدائه الأسرى، أو أعطاهم فُرصة لدفْع فِدية لتجنُّب بيعهم كعبيد، وعلى النقيض قتَل الملك ريتشارد ثلاثة آلاف من أسرى المسلمين.

ستانلي: هذا ليس سؤالاً؛ لذا أفترض أنَّك تريد مني أن أعلِّقَ على هذه المواقف؟ نعم لقد أوْضَحت هذه النقطة بشكلٍ واضح وكامل في كتابي.

واليوم يعرف الأطفال ريتشارد في الغالب من قصة "روبن هود" بأنه الملك الطيِّب الذي يقود الحروب الصليبية، بينما حكَم أخوه جون بشكل سيِّئ في إنجلترا، وفي الحقيقة كلاهما كانا فظيعَيْن، فتوضيح شخصيَّة ريتشارد كانتْ جزءًا مهمًّا من الكتاب، فقد كان محاربًا عظيمًا، ولكنَّه لَم يكن رجلاً لطيفًا.

س: هل تتفقين معي بأن الناس لا يتصوَّرون أن يكون رجل مثل صلاح الدين أكثر كرمًا وعطْفًا من ريتشارد، هل لك أن تُحَدِّثينا عن هذا؟

ستانلي: حسنًا أقول بأنَّ معظم الناس الذين لَدَيهم مثل هذا التصوُّر - صلاح الدين أكثر كرمًا وعطفًا من ريتشارد - يعانون من انحياز قوي لذلك النوع من التعصُّب، وبالحقيقة هم جاهلون؛ لا يعرفون الكثير عن أيٍّ منهما.

س: لقد رأى الكثير من الناس الحلقات الوثائقيَّة التي كانتْ تُذاع في الإذاعة العامة والمسمَّاة بـ"المحاربون الذين يخوضون الحروب الدينيَّة"، والتي كانتْ عن صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد أثناء الحملة الصليبية الثالثة، فلماذا أضفتِ إليها صلاح الدين: أمير الإسلام النبيل؟

ستانلي: أنا آسفة فلم أرَ تلك الحلقات.

س: لقد قرأْتِ العديد من الكتب عن صلاح الدين ووجدْتِه شخصيَّةً جديرة بالإعجاب ومُدهشةً، وتِرياق ممتاز ضدَّ كراهية الإسلام الموجود حاليًّا، هل يمكن أن تفصلي لنا هذه المقولة؟

ستانلي: إنه أحد الأسباب التي جعلتْني أكتب هذا الكتاب.

س: يحترم كتابك أهلُ الإسلام، وأعتقد أنك مُعجبة بشكلٍ واضح بصلاح الدين؟

ستانلي: في الواقع المعلومات الموضوعيَّة المُنْصفة التي لَدَينا حول صلاح الدين نادرة جدًّا، ولكن المعلومات التي استطعْتُ أن أحصلَ عليها أنه كان شخصيَّة تاريخيَّة مُمتازة، ولَدَيه الكثير من الأشياء المثيرة للإعجاب، وبما أنَّ الأمريكيين، وأنا شخصيًّا لا أعرف الكثير عن تاريخ الشرق الأوسط، ففكَّرت أنَّ الكتابة عن صلاح الدين ستكون فرصة لتعريف الناس عن منطقة من مناطق العالم، وديانة رئيسة، وفترة تاريخيَّة، وشخصيَّة تُثير إعجاب الجميع.

س: الفن الإسلامي والصور المرسومة بالزجاج الملون المتعلِّقة بالقرون الوسطى، أنت في كتابك تُصوِّرين صلاح الدين في البيت جالسًا مع عائلته أمام جدران مبطنة بصورٍ زاهية، وعلى العموم فإنَّ القائد المسلم العظيم قد صُوِّر على أنه أنبلُ بكثيرٍ من أيِّ منافس آخر، كيف تَرين الفن الإسلامي؟

ستانلي: أنا معجبة به جدًّا، وقد حاوَلْت أن أُبدي رأْيي من خلال هذا الأسلوب.

س: كان الرسم أكثر شيءٍ مُحَبَّب إليك في العالم، فبعد الالتحاق بمدرسة الفن والحصول على درجة الماجستير، عَمِلت كرسَّامة طبيَّة، كيف اكتشفتِ طريقك لكُتب الأطفال المصورة؟

ستانلي: بعد أن أصبحتُ أُمًّا قضيتُ الكثير من الوقت أقرأ لأطفالي، وكلَّما نظرتُ إلى تلك الكتب، أُعجبت بالصور، واستمتعتُ بالنصِّ، وأَحْببت شعور القرب من أبنائي، وأنني شارَكْت هذه القصة مع بناتي، وكلَّما تفكَّرت في المسألة، أَحْببت أن أُشارك فيها؛ ولذا غيَّرت مِهنتي من الصور الطبيَّة، وأصبحت أوَّلاً رسَّامة، ثم أصبحتُ كاتبة.

س: لا شكَّ أن أُمَّك لها تأثير كبير عليك، فماذا عن زوجك بيتر فينيما؟

ستانلي: علَّمتني أمي أن أحبَّ الكتب والكتابة، وساعدني زوجي في كتابة العديد من الكتب لوقت طويل، وساعدني في البحث عن السِّيَر، وفي كتابتي عن "شاكا" و"صلاح الدين"، اقترح عدة موضوعات، وسافَر معي في رحلات بحثيَّة، والآن أنا أكتبُ روايات تخصُّ الأطفال في مرحلة المراهقة، كان يستمع إلى ثرثرتي عن النقاط المهمة، ويقرأ كلَّ شيءٍ أكتبه قبل أن يذهب إلى المحرِّر، إنه بالفعل داعمٌ لي وفخور بما أعمَله.

عبدالرحمن: شكرًا كثيرًا.