• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

كلام عامي ورطانة غامضة

د. أحمد إبراهيم خضر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/12/2010 ميلادي - 8/1/1432 هجري

الزيارات: 7561

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لا اعتقد أن أخي وصديقي الدكتور "علي ليلة" يختلف معي في أن القضية ليست دفاعا عن تخصص ما أو أصحاب مهنة ما إنما هي قضية الدفاع عن مسلمات ومبادئ وقيم المجتمع المصري‏،‏ التي سعي أساتذة الاجتماع في بلادنا إلي اقتلاعها من جذورها وإحلال قيم ومبادئ أخري لا علاقة لها بالتربة المصرية‏،‏ بدعوي التقدم والتحرر واللحاق بركب الحضارات الحديثة‏،‏ مستخدمين سلاح وضع المعرفة في سياقها الاجتماعي والتاريخي‏.‏ وما كانت هذه القاعدة التي ذكر الدكتور "علي ليلة" أننا تعلمناها معا‏،‏ إلا وبالا علي ثقافتنا وتاريخنا وقيدا فكريا أعاق فهمنا لما جري ويجري في المجتمع المصري‏.‏

 

إن سادتنا وكبراءنا من علماء الاجتماع الأوروبيين والأمريكيين الذين أشاد بهم الأخ الدكتور "علي ليلة" وبدورهم في الحفاظ علي تماسك مجتمعاتهم وملاحقة المشكلات التي ظهرت فيها‏،‏ وتطلعه إلي علم الاجتماع ليحمي مجتمعنا من التمزقات العديدة في فترات التحول التي تعيش مصر في إطارها‏،‏ هم الذين فاجئونا منذ أكثر من عشرين سنة وليس الآن بان ما تعلمناه منهم لم يكن إلا كلاما عاميا ورطانة غامضة‏.‏ وليسمح لي الدكتور علي ليلة بالاستمرار في منهجيتي القائمة علي الاستشهاد بمقولات هؤلاء العلماء حتى لا يتصور احد أننا نقوم بما يطلق عليه الآن جلد الذات‏.‏

 

قبل وفاة عالم الاقتصاد الأمريكي "فرتز ماشلوب" في عام‏1983‏ بقليل‏،‏ كتب مقالة تحدث فيها عن عقد النقص ومشاعر الدونية التي تملا عقول وقلوب العلماء الاجتماعيين حينما يقارنون أنفسهم بعلماء الطبيعة‏،‏ حاول ماشلوب جاهدا أن يخفف من حدة هذه المشاعر والأحاسيس‏،‏ وان يرفع من قدر العلماء الاجتماعيين أمام أنفسهم وأمام غيرهم من العلماء بصفة عامة‏،‏ والاهم من ذلك كله أمام رجل الشارع‏.‏ استنكر "ماشلوب" ظاهرة عدم احترام رجل الشاعر للعلماء الاجتماعيين فقال‏:‏ "إن معني العلم أمر لا يستطيع رجل الشارع أن يفهمه‏،‏ إن العلم معرفة لا تدنو منها إلا العقول العالية فقط‏".‏

 

شخص ماشلوب هذه الظاهرة فقال‏:‏ "إن رجل الشارع لا يستطيع أن يقرا مقالة متخصصة في الطبيعة والكيمياء‏،‏ بل من الصعب عليه أن ينطق العديد من الكلمات التي تتضمنها‏،‏ والأمر علي العكس من ذلك تماما في العلوم الاجتماعية‏،‏ فهو يستطيع أن يقرأ مقالات هذه العلوم‏.‏ وبالرغم من أنها تستخدم ‏(‏رطانات‏)‏ فنية لا يمكن أن يفهمها حقيقة‏،‏ فهو يعتقد انه بإمكانه أن يعرف معاني الكلمات أو يفهم معاني الجمل‏،‏ بل يستطيع أن يطلق عباراته اللاذعة ونكاته الساخرة علي هذه ‏(‏الرطانات‏)".‏ كما يعتقد رجل الشارع أيضا أن خبرته الخاصة وقراءته للصحف والمجلات العامة تجعله يألف الموضوعات التي يكتبها العلماء الاجتماعيون‏،‏ ولهذا فان الآراء والتحليلات التي يقدمها هؤلاء العلماء لا تحظي بالقدر الكافي من الاحترام عنده‏،‏ يستطرد ماشلوب قائلا‏:‏ "يجب علينا إلا نغالي في مسالة الرطانات الفنية واللغوية المستخدمة في العلوم الاجتماعية‏،‏ لان المشكلة أعمق من ذلك بكثير‏.‏ إن العلوم الطبيعية تبحث وتتحدث عن الذرات‏،‏ والمجرات‏،‏ والأحماض‏،‏ وذبابة الندي‏،‏ والكروموسومات‏،‏ والثتعشريات السطوحية‏،‏ والبلوستوسيني‏،‏ والمستحاثات‏.‏ الرجل العادي لا يهمه ولا يعنيه أي شيء من هذا‏،‏ أما العلوم الاجتماعية فإنها تتحدث وتكتب عنه‏،‏ وفي الوقت الذي لا يماثل فيه الرجل العادي نفسه بالبوزيترون‏،‏ أو الجرثومات ذات الرئة الفصية‏،‏ أو إصبع الكمبيوتر‏،‏ فانه يماثل نفسه بالعديد من النماذج المثالية التي يكتب عنها العلماء الاجتماعيون‏،‏ وكثيرا ما يجد أن هذه النماذج فقيرة‏،‏ وان التحليل الذي يقدمه العالم الاجتماعي خاطئ‏،‏ فالعلوم الاجتماعية تتعامل مع الإنسان في علاقته بالآخرين وهذا الأمر عند رجل الشارع هو خبرة حياته اليومية‏،‏ بمعني أن التحليلات التي يقرؤها لا يمكن أن تكون شيئا فوقه أو وراءه من هنا جاء شكه في هذه التحليلات وخيبة أمله في عدم قدرتها علي أن تكون نموذجا له‏،‏ ومن ثم فقدت احترامها لديه".

 

لنترك ماشلوب وننتقل إلي كبير آخر من علماء الغرب‏،‏ كان مازال حيا منذ بضع سنوات مضت حيث كتبنا إليه ورد علينا في ذات القضية‏.‏ انه العالم الأمريكي "الآن ميزور" أستاذ علم الاجتماع في جامعة استانفورد بالولايات المتحدة كتب "ميزور" مقالة وصف فيها علم الاجتماع بأنه اقل العلوم يقول ميزور‏:‏ "إن كل كتب مداخل علم الاجتماع تتحدث في صفحاتها العشر الأولى عن انه علم‏،‏ لكن معظم الطلاب لا يكادون ينتهون من قراءة هذه الكتب حتى يستخلصوا منها انه ليس بعلم.‏ إن السمة الجوهرية للعلم عند غالبية الناس هي انه كيان عميق من المعرفة الحقيقية وليست المعرفة ‏(‏التافهة‏).‏ إن العالم لابد أن تكون لديه منظورات أدق وأعمق وأفضل من تلك التي يعرفها رجل الشارع‏،‏ وإلا فانه ليس بعالم بالمرة‏.‏

 

وإذا كانت الطبيعة علما فذلك لأنها نظرية وتجريبية‏،‏ ولان نظريات علمائها أعمق وأدق وأفضل من تلك التي يعرفها غير علماء الطبيعة‏.‏ إن استخدام المنهج العلمي بمفرده لا يصنع علما‏.‏ لنأخذ هذا المثال‏:‏ قام احد علماء الاجتماع بملاحظة دقيقة لسلوك الناس‏،‏ فلاحظ أن الناس يقفون ويتحدثون مع بعضهم البعض‏،‏ ثم لاحظ أيضا أن تتابع المحادثات بينهم يختلف من موقف لآخر‏،‏ فاستخرج من ذلك تنظيرا مؤداه‏:‏ أن الناس يتفاعلون مع بعضهم البعض عبر مستويات مختلفة‏.‏

 

استمر عالم الاجتماع في ملاحظاته‏،‏ فلاحظ أن الناس يتحدثون مع بعضهم حينما يكونون متجاورين فقط‏،‏ فعدل عن تنظيره وقال‏:‏ "تزيد احتمالات محادثات الناس مع بعضهم البعض حينما يكونون متجاورين أكثر مما يكونون فرادي‏.‏ عالم الاجتماع هنا كان نظريا وكان امبيريقيا كذلك وعدل من نظريته بناء علي المعلومات التي تراكمت عنده ولم يضع حكما أخلاقيا في تنظيره وهذا كله من متطلبات البحث العلمي‏،‏ ولكن هل يدخل هذا الذي أجراه في دائرة العلم؟ بالطبع لا انه شيء تافه كلنا نعرف هذه النتائج التي توصل إليها عالم الاجتماع حتى قبل أن يبدأ ملاحظاته هذه‏.‏ وليس هناك ادني شك في ذلك‏.‏ قد يكون هذا العالم قد استخدم في جمع وتحليل بياناته آلات الكترونية وأجهزة قياس عالية الدقة‏،‏ ومع ذلك فان نتائجه تظل تافهة‏،‏ ومن ثم فإنها ليست بعلم‏.‏ قد يدافع البعض عن علم الاجتماع بمقولة مملة متكررة مؤداها‏:‏ أن كل العلوم لا تتقدم بمعدل واحد‏،‏ وان علم الاجتماع لا يزال يقف في المرحلة التي كانت عليها علوم الطبيعة قبل نيوتن‏،‏ والتي يقدرها البعض بثلاثمائة عام تقريبًا‏.‏ هذا الدفاع ساذج تماما‏،‏ لأنه من الصعب أن نقارن علم الاجتماع بعلوم الطبيعة في مرحلة ما قبل نيوتن‏.‏

 

إن الأساس المتين الحقيقي في العلوم الطبيعية هو الوصف الرياضي للظاهرة الطبيعية‏،‏ هذا الوصف مع محاولة استخدامه في علم الاجتماع لا يزال يبعد تماما عنه كما يبعد في نفس الوقت عن علوم أخرى كالجيولوجيا والأحياء‏.‏ لقد تحقق تكامل الرياضيات مع علوم الطبيعة منذ مرحلة بعيدة كانت قبل نيوتن نفسه‏،‏ وهذا يعني انه يستحيل عقلا مقارنة علم الاجتماع بعلوم الطبيعة انتهي ميزور إلى القول: "إن هذا هو رأيي‏،‏ فانا لا اعتقد أن علم الاجتماع يعتبر علما‏،‏ وأنا اعرف أن الكثيرين لن يوافقوني‏،‏ ولاني لا أريد إغضابهم‏،‏ وارغب في التوفيق بيني وبينهم فاني أقول لهم‏:‏ إن علم الاجتماع هو اقل العلوم‏،‏ وانه يمكن أن يكبر وينضج بشرط أن يتخلى عن نظرياته التافهة‏،‏ وان كنت اعرف أنهم لن يكونوا سعداء بهذا الرأي"، استلزم الأمر منا أن نتابع ردود فعل علماء الاجتماع الأمريكيين لهذه الضربة القوية التي وجهها "ميزور" إليهم‏.‏ قال ‏(‏لورانس روزن‏):‏ لقد أصبت بخيبة أمل وبالغضب مما قاله ميزور‏،‏ إن ما فعله هو انه وضع مقياسا مهتزا ومتغيرا لتحديد معني العلم‏.‏

 

قال‏ (‏دان جرين‏)‏ الأستاذ بكلية غرب كانتيكت: "لقد نجح ميزور في إيجاد فوضي بين تحليل العلم بمعني ما هو العلم‏،‏ وبين قيمة العلم بمعني ما الذي يجب أن يدرسه العلم وما هو الأفضل بالنسبة للمجتمع".

 

قال ‏(‏رونالد وسترم‏)‏ الأستاذ بجامعة شيكاغو‏:‏ "لقد أصبت بالفزع من مقولات ميزور‏،‏ وأتصور أن أفضل طريقة يتقدم بها علم الاجتماع هي التأكيد علي النظرية والتدريب عليها حتى يتوفر لدينا منظرون أكفاء".

 

قال ‏(‏فيليب روس‏)‏ الأستاذ بجامعة كولورادو‏:‏ "إن ميزور لم يحدد لعلم الاجتماع مكانا لا بين ما يعتبره من العلوم العميقة‏،‏ ولا بين ما يعتبره من المعرفة التافهة‏".‏

 

قال‏ (‏فريد كاتز) الأستاذ بجامعة ولاية نيويورك‏:‏ "لقد وضع ميزور إصبعه في المكان الصحيح‏،‏ انه يحتمل ألا يكون علمنا علما‏،‏ وانه لدينا نظريات قليلة‏،‏ لكن علاج ميزور للموقف لا يحسن موقف العلم".

 

قال ‏(‏هارفي مولوتوش‏)‏ الأستاذ بجامعة كاليفورنيا‏:‏ "انه بالرغم من أني اتفق بصفة أساسية مع افتراضات ميزور بأننا كعلماء اجتماع ‏(‏اغبياء‏)،‏ فاني أرى أن وجود علم اجتماع‏ (‏غبي‏)‏ أفضل من عدم وجود علم اجتماع علي الإطلاق‏!!.‏ فكرنا في أن نكتب إلى ‏(‏ميزور‏)‏ ونسأله: ألا يزال مصرا علي موقفه برغم كل ما وجه إليه من انتقادات بعد أكثر من عشرين سنة من طرحه إياها؟ وسألناه أيضا عن رأيه في هذا التحسن الظاهر في نظريات علم الاجتماع المتمثل في ‏(‏الظاهراتية‏)‏ و‏(‏الاثنوميثودولوجية‏)‏ التي يعتقد أصحابها أنهم نقلوا بها علم الاجتماع من مجرد معرفة تافهة إلى نظريات شامخة تصل إلى مستوي نظريات علماء الطبيعة‏.‏

 

رد علينا‏(‏ميزور‏)‏ في‏18‏ يوليو‏1990،‏ فوجدناه لا يزال ينظر إلى علم الاجتماع علي انه جمع من المعلومات الامبيريقية والفلسفات المتضاربة‏،‏ ورأى في النظريات الحديثة التي اشرنا إليها مجرد‏ (‏رطانات‏)‏ غير ذات قيمة‏،‏ ونتائجها كما تبدو له إما ‏(‏تافهة‏)‏ وإما ‏(‏غير حقيقية‏).‏

 

ولنترك‏ (‏ميزور‏)‏ وننتقل في رحلتنا هذه مع كبير ثالث‏،‏ انه البروفيسور ‏(‏جون بيس‏)‏ ولندعه يقص رحلته مع علم الاجتماع‏.‏ يقول‏ (‏جون بيس‏)‏ في مقالته التي كتبها في نوفمبر‏1981:‏ "حينما كنت طالبا ادرس علم الاجتماع في كلية "ويسترن ميتشجا" نصحني بعض الطلاب بعدم التخصص في هذا المجال‏،‏ لان دراسته مضيعة للوقت‏،‏ وهو برمته لا يعدو أن يكون مجرد كلام عامي‏.‏ واعترف لي البعض الثاني من الطلاب بأنه اجتاز اختباراته بالغش‏،‏ أما البعض الثالث فقد قال لي‏:‏ أن مفتاحه للنجاح في علم الاجتماع كان كتابا لم يزد ثمنه علي أربعين سنتا‏،‏ عنوانه‏:‏ "كيف نحصل علي درجات كاملة دون مجهود‏".‏ قال لي البعض الرابع‏:‏ أن قدرته التخيلية هي التي ساعدته علي النجاح في اختبارات علم الاجتماع‏.‏ وقال لي البعض الآخر انه حصل علي درجة ممتاز في علم الاجتماع بقراءة سريعة منفردة‏.‏ أما أنا فقد كنت انظر إلى الأمر بطريقة مختلفة‏،‏ واتبعت النصيحة التي تقول‏:‏ انه من الخير لك أن تصمت حتى ولو وصفت بالغباء من أن تفتح فمك وتحرك في نفسك الشكوك‏.‏ ومضت السنون وأصبحت أستاذا في علم الاجتماع ولم تختف من ذاكرتي مقولات الطلاب عن فعالية الغش والقراءة السريعة والذاكرة التخيلية‏،‏ إلا أن اشد ما كان يؤلمني هي القول بان علم الاجتماع ليس أكثر من مجرد كلام عامي‏.‏ وكنت وزملائي الأساتذة نتعرض للكثير من الأسئلة الصعبة والمحرجة من الطلاب عن علم الاجتماع أو ضده وكان القاسم المشترك بين هذه الأسئلة‏:‏ أليس علم الاجتماع كلاما عاميا؟ طرح علينا هذا السؤال إما طلاب يريدون التخصص في علم الاجتماع أو آخرون ساخرون يطرحونه وعلي شفاهم ضحكات مكتومة".

 

ظلت هذه القضية هي الشغل الشاغل لجون بيس‏.‏ أجابة واحد من أساطين علم الاجتماع المعاصرين ينحني له أساتذة الاجتماع في مصر والعالم العربي إجلالا واحتراما وهو "البروفيسور بيتر بيرجر" فقال‏:‏ إن المثقفين لا ينظرون إلى علم الاجتماع علي انه مهنة علمية مشروعة لأنهم يعتقدون بان علماء الاجتماع يلتفون حول ماهو واضح‏،‏ وأنهم يفتقدون البصيرة ويعوضونها لوابل من التفاهات المبرهنة بعناية‏.‏ أما "كمبتون" فقد كتب لقرائه في ‏(‏النيويورك بوست‏)‏ يقول‏:‏ "إن السمة الأساسية لعلم الاجتماع هي انه يسعى حثيثا لبرهنة ما يعرفه كل إنسان دائما"‏.‏

 

لاحظ "بيس" أن علماء الاجتماع حاولوا رد الاتهامات الموجهة إلى تخصصهم بالرجوع إلى البدايات الأولى لنشأة علم الاجتماع‏.‏ وهذا ما فعله "سمول" و"فينسنت" في عام‏1894‏ برفضهما الفكرة العامة التي تقول‏:‏ أن علم الاجتماع وسيلة متوافرة لمعرفة كل شيء بدون تعلم أي شيء‏،‏ وان أي احد منا يمكن أن يكون عالما في الاجتماع‏.‏

 

لم يكن أمام علماء الاجتماع من وسيلة لضرب هذه الفكرة إلا الدخول في معركة مع الكلام العامي وإعلان الحرب عليه‏،‏ وتشويه سمعته‏،‏ وإظهاره دائما في صورة سلبية‏.‏ قال عنه‏(‏ماك‏):‏ انه زائف‏.‏ وصفه ماك جي بأنه خطأ‏.‏ قال عنه "بروم وسلزنيك" بأنه متناثر‏.‏ قال عنه "بيتر" و"جوليان"‏:‏ بأنه غير صحيح‏،‏ نعته بيري بأنه يقوم علي الملاحظة السطحية والبيانات الناقصة‏.‏ رد خصوم علم الاجتماع علي ادعاءات هؤلاء العلماء بهجوم مضاد وكاسح‏،‏ وأكدوا قوة الارتباط بين علم الاجتماع والكلام العامي‏.‏ فارجعوا التكنيكيات المتبعة في البحوث الاجتماعية إلى القول العامي‏:‏ إذا سالت سؤالا سخيفا فستحصل علي إجابة سخيفة والملاحظة بالمشاركة إلى القول العامي إذا كنت في روما فافعل كما يفعل الرومان‏،‏ ودراسات الخصوبة إلى‏:‏ درهم وقاية خير من قنطار علاج‏،‏ والضبط الاجتماعي إلى القول العامي انك تستطيع أن تقود فرسا إلى البحر لكنك لن تستطيع أن ترغمه علي الشرب منه‏.‏ وحتى الأعمال النظرية المهمة لـ‏(‏مانهايم‏)‏ مثل التي تقول أن الفكر الاجتماعي يحدد موقع الشخص الاجتماعي لا تخرج عن النظرة العامة التي يعرفها كل الناس من أنهم في أزمنة وأمكنة مختلفة يعكسون في آرائهم وسلوكهم نوع الفكر الذي يتعرضون له‏.‏

 

وضيق المعارضون لعلم الاجتماع خناقهم علي علماء الاجتماع فاتهموهم بأنهم لا يعرفون كل شيء‏،‏ وان مقولاتهم زائفة‏،‏ وان الكثير من كتاباتهم المنهجية خاطئة‏،‏ وان الحقائق التي يدعون التوصل إليها زائفة أيضا‏،‏ لأنها تبحث في مشاكل زائفة لا يمكن أن تحل‏،‏ وليست بذلك الزعم الذي يتصورونه‏.‏ توصل‏(‏جاليهر وكين‏)‏ إلى أن ما كتبه علماء الاجتماع عن عصابات المافيا وعن الجريمة المنظمة ما هو إلا نوع من الفولكلور‏،‏ وان المافيا ما هي إلا أسطورة‏،‏ كما أوضح ‏(‏اهلرخ‏)‏ أن ما كتبه علماء الاجتماع عن المرأة في كتب علم الاجتماع العائلي ما هو إلا نوع من الفولكلور أيضا‏،‏ وأشار ‏(‏جولد‏)‏ إلى أن الاستنتاجات التي توصل إليها علماء الاجتماع عن العلاقة بين المخدرات وجرائم الشوارع مشكوك فيها أن لم تكن زائفة بكل معني الكلمة‏.‏

 

وأخيرا: فان كل من يعرف حياة اللص الشهير ‏(‏هاري كنج‏)‏ ليتأكد أن هذا اللص كان يلاحظ البناء الاجتماعي الذي يعمل فيه بدقة‏،‏ وكان يقوم بتحليله في مصطلحات تماثل تلك التي يقوم بها علماء الاجتماع المحترفون‏.‏ إن مقولات علماء الاجتماع ليست في نظر هؤلاء زائفة فقط بل أنها بلاغية متأنقة‏،‏ وأنهم يحملون دوما آراء متحيزة‏،‏ أسلحتهم فيها رمزية عاطفية‏،‏ بلغ قمة هذا التأنق عندهم فيما يسمونه بالامبيريقية‏،‏ فالصدق والثبات في البحث الاجتماعي ليسا أكثر من أناقة فارغة حاولوا تأكيدها باستخدام الإحصاء‏.‏ الذي يوهمون به الآخرين بأنهم يتعاملون مع الواقع بطريقة سحرية أو مقدسة‏.‏ وكل باحث يستخدم الإحصاء يفتح له حرس البوابة السوسيولوجية ما هو مغلق فيها‏.‏ قال احد المسئولين عن الكتابة في الدوريات العلمية لعلم الاجتماع لباحث يريد أن ينشر فيها‏:‏ أن مقالتك قبلت للنشر في هذه المجلة العلمية الرائدة بشرط تدعيمها بمعلومات امبيريقية فقام الباحث بإضافة قائمة إحصائية ليس لها ارتباط بموضوع المقال ونشر المقال‏،‏ ولم تكن هذه القائمة إلا تلفيقا مما يؤكد مسالة التأنق العلمي في علم الاجتماع‏.‏

 

لقد حاولت في هذا المقال أن أرد علي العديد من القضايا التي طرحها الأخ الدكتور "علي ليلة" ليس علي لساني وإنما علي لسان سادتنا وكبرائنا من علماء الغرب ومن تجربة الغرب نفسه‏،‏ مؤكدا ما قاله الدكتور "سعد الدين إبراهيم" بأنه لن يحدث شيء لوطننا العربي لو اختفي منه كل علماء الاجتماع فجأة وبما قاله الدكتور "جلال أمين"‏:‏ من أن رجال الاجتماع في بلادنا قد ساهموا في تخريب نسيجها الاجتماعي لعدم توخيهم الحرص فيما ينقلونه‏،‏ ولم يعرف الواحد منهم ما إذا كان هذا الذي ينقله إلينا علما أم أيديولوجية‏.‏ ولو وعي أساتذة الاجتماع في مصر مقولة المؤرخ الشهير "ول ديورانت‏":‏ "أن كل صبي حلاق أو بقال ليعتبر نفسه حجة ومرجعا يعرف كل حل لكل مطلب وكل حاجة في هذا العالم لكفونا هذه السنوات الطوال التي أجهدنا أنفسنا فيها لإثبات أن تناول قضايا المجتمع ومشاكله وهمومه وتحدياته ليس من الضروري أن يمر بعلماء الاجتماع‏".‏





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • علم الاجتماع: قرن كامل من الفشل فى مصر والعالم العربى
  • علم الاجتماع أقصر الطرق إلى الإلحاد (1)

مختارات من الشبكة

  • كلام في كلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وبل الغمام على كلام الملوك ملوك الكلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك ( تذكروا يوم جمعكم )(مقالة - ملفات خاصة)
  • معنى أن القرآن كلام غير مخلوق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما قيس على كلام العرب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حياة القلوب تفسير كلام علام الغيوب (الجزء الثالث عشر) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حياة القلوب تفسير كلام علام الغيوب (الجزء الثاني عشر) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة القرآن كلام الله(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • هذا كلام الله المتلو والمسطور(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حياة القلوب تفسير كلام علام الغيوب (الجزء الحادي عشر) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب