• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

مدخل إلى قواعد الحكم في الإسلام ونظامه

مدخل إلى قواعد الحكم في الإسلام ونظامه
محمود بن أحمد أبو مسلّم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/11/2021 ميلادي - 14/4/1443 هجري

الزيارات: 5392

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مدخل إلى قواعد الحكم في الإسلام ونظامه


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذا مدخل إلى قواعد الحكم في الإسلام في كلمات يسيرة؛ لعلها تكون ملهمة أو مساعدة على فهم أمرٍ جليل، أظن أنه يحتاج إلى مزيد تأمُّل وتنظير في العصر الحديث. فلا شك أن الحضارة الحديثة، والنظم السائدة في العالم أصبح لها تأثيرٌ على كافة أنظمة الحكم لا يمكن إغفاله، انقسم الناس فيها بين مؤيد ومعارض، كل يدلي بحجته.

 

وفي هذا المقال أشير فقط إلى بعض أهم مبادئ الحكم في الإسلام، كمدخل إلى فهم أن القواعد يبنى عليها نظمٌ للحكم، مع قطع النظر عن مسمى هذه النظم.

 

(1) لا يوجد في القرآن "نظام" حكم محدد ولا في السُّنَّة:

هاهنا أمران:

الأول: حين نقول "نظام" فنعني بذلك الإطار المنهجي المصمم لإدارة سياسات وإجراءات معينة للمنظمات أو للدولة، ولا نعني به مثلًا "تطبيق الحدود، وتوزيع الميراث، وجباية الزكاة"، هذا ليس نظامًا، بل قواعد الحكم وتسمى القوانين والسياسات، لكن النظام هو كيفية (آلية) تطبيق القواعد؛ ولذلك كان هناك خلطٌ كبير عند البعض بين مفهوم النظام، ومفهوم القواعد والأحكام.

 

اقرأ كتاب الله، من بسملته إلى ﴿ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾، اقرأ الصحيح والمسانيد والمصنفات والتفسير والسير، لن تجد أمرًا واحدًا أو دليلًا واحدًا للجواب على سؤال: ما هو نظام الحكم في الإسلام؟

 

وليس هذا قصورًا، بل على العكس، هذا من عظمة الإسلام، وحكمة الله في الإنسان، فالعصور تتغير، والأزمان تختلف، ولو وضَع القرآن نظامًا محددًا للحكم، ربما وضع الإنسان في حرج شديد، فنظام الحكم لهذا العصر قد لا يصلح، أو بالتأكيد لن يصلح لعصر آخر، فترك الله عزَّ وجلَّ للإنسان وضع النظام الذي يلائمه ليحقق به القواعد والأصول والسياسات المنزلة.

 

ولا يوجد دليل على ما أقول أحسن من تطور "نظام الحكم" بعد موت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأبي بكر؛ إذ لم تكن فترة حكمه طويلة كفاية، لكن في عصر عمر، الذي اتخذ إجراءات ونظمًا حديثة في حكمه، كالحسابات (الدواوين)، ومراقبة الأسواق، والنيابة عنه في متابعة الولاة، وغير ذلك مما فرضه عليه زمانُه من آليات لتنظيم حكم دولته، وكل ذلك لم يكُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، بل استُحدث، ومنها ما كان غير عربي ولا إسلامي، كالدواوين.

 

ثم استَحدث بنو أمية بعد ذلك نظام الشرطة، والولايات (أقاليم الحكم)، وصكَّ العملات.. وهكذا.

 

القصد من هذه المسألة أن القرآن والسنة لم يمنعا استحداث النظم لتطبيق الأحكام والقواعد تطبيقًا سليمًا، حتى لو كانت بعض هذه النظم استحدثها غير المسلمين؛ لأن الحضارات الدنيوية تُبنى على بعضها البعض، وتقتبس من بعضها أسباب الحياة والرفاهية، وهو من معاني قوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140].

 

الأمر الثاني: أن القرآن والسُّنة إنما نصَّا على قواعد كلية، تفرع منها أحكام تفصيلية لازمة التطبيق لتنضبط حياة الناس، فأمَرا بأمور كلية كالعدل، والإحسان، وتغليب الحق، ونصرة المظلوم، والأخذ على يد الظالم، ثم تفرع من ذلك تفصيلًا أحكام الإشهاد، والميراث، والقصاص، والدية، والقَوَد، والقسمة، والبيع... إلخ، ثم استُنبط منها أحكام تفصيلية أخرى والاجتهادات في النوازل المعروفة في كتب الفقه.

 

كيف تطبق هذه الأحكام والقواعد إذًا؟

بالنظام.. بالآلية.. بالمنهج الذي يناسب العصر، وليس بمنهج أو بآلية عصور فائتة؛ لذلك قلت: إن الأمر ما زال يحتاج إلى تنظير وتأمل وتطوير مستمر لنظام الحكم، حتى نصل إلى أفضل نظام لتطبيق قواعد الشريعة وأحكامها.

 

وكمثال على تنظيم الحكم أيضًا: تنوع طريقة الاستخلاف بعد وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكلام أهل العلم عن ضرورة وجود أهل للحلِّ والعقد، ثم وجود الوزارات في هذا الزمان، ومجالس الشعب والشورى، وهكذا.

 

(2) القرآن لم ينزل للحكام (ولاة الأمر) فحسب، بل للناس جميعًا:

وهذا مدخل آخر مهم جدًّا من مداخل الحكم في الإسلام، التبس على بعض الناس، فجعلوا كتاب الله وسنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم موجَّهةً توجيهًا كليًّا للحكام، فما كان من قصور في الدولة فمن الحكام وحدهم، هم من يحتملون تبعاته وحدهم.

 

وهذا خطأ محض!

لا ننكر أهمية أن يكون الحكم على منهج السماء، لكن هل الشريعة كلُّها أُنزلتْ ليطبقها الحكام وحدهم؟ بالطبع لا، بل إنك لَتعجبُ حين تطالع كتابًا من كتب الفقه ستجد فصوله ربما - في المتوسط - سبعين فصلًا، يزيد أو يقل قليلًا، معظمها هي ما يلزم المسلمَ أن يطبقه على نفسه، بداية من الشهادة حتى الحج، وهي العبادات، وكثير من المعاملات. وحتى لو كانت الدولة الحديثة في هذا العصر تضع قوانين تنظم ذلك، لكن يبقى الأمر في يد الناس، وهذا لا مفر منه، فليست كل القوانين سواء "الوضعية أو الشرعية" يحترمها الناس ويلتزمون بها حرفيًّا، بل إن من القوانين ما لا يوجد إلا على صفحات الورق فقط، وإلا لماذا شرعت العقوبة والتعزير؟ وخطاب القرآن دومًا يكون ﴿ يا أيها الناس ﴾ في أكثر من عشرين موضعًا، وفي حوالي تسعين موضعًا ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ التي تشمل الحكام والمحكومين.

 

ما يغفل عنه البعض أن نظام الحكم وقواعده المنشورة والمعمول بها في الدولة له وجهان:

الأول: أنه - غالبًا - لا يمكن تطبيقه على الأفراد قسرًا وجبرًا؛ لأن الفرد في أغلب الأحوال خارج نطاق تحكم أجهزة الدولة، ولو أرادت الدولة مراقبة كل فرد في حركاته وسكناته وخلوته ومعيشته لحظةً بلحظة، فهذا المستحيل عينُه (حتى مع تقدم وسائل الاتصال وانتشار كاميرات المراقبة، ليس ذلك بالأمر بالهين)، والدول الناجحة في ضبط منظومتها نجحت بسببين رئيسين أو أحدهما:

1- انضباط أفرادها ومسؤوليتهم الكاملة عن تحقيق هذا النجاح؛ لالتزامهم بقواعد الدولة في الحكم حتى في غياب رقابة الدولة (خذ الدنمارك كمثال لارتفاع معدلات الأمن ومؤشرات السعادة فيها، لدرجة أن الأم تترك رضيعتها خارج المقهى حتى تفرغ من قهوتها)، والعكس بالعكس.

 

وهذا نابع من التزام الفرد، وشعوره بالمسؤولية تجاه المجتمع واحترام قوانين الدولة، فإن كان هذا هو الحال مع الالتزام بقوانين وضعية (وليس معنى وضعية أنها بالضرورة تكون مخالفة في كلِّ أحوالها للشريعة وقواعدها الكلية كتحقيق العدل والإنصاف كما هو معلوم)، فما بالك لو التزم الناس بتطبيق قواعد السماء؟!

 

وقد لخَّص القرآن قضية التزام الفرد بتعاليم السماء، ونتيجة ذلك في آيات عدة، منها قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 66]، وقال جلَّ وعلا: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، في إشارة لهذه الأمَّةِ بما ينبغي عليهم، وكل ذلك مردُّه إلى الفرد، وليس ولاة الأمر وحدهم.

 

2- السبب الآخر: الحزم التام في تطبيق القانون على الجميع دون تفرقة، ومعاقبة المخالف، وإرجاع الحق لصاحبه، وكل ذلك بقوة القانون. ولا أعني أنه يطبق بشكل كامل ومثالي، ولكن بنسب كبيرة في الدول المتقدمة، وكلما زادت النسبة زاد استقرار الدولة.

 

وهذا عينه ما كان يدور في دولة الإسلام الأولى والخلافة الراشدة، ((إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا))، وهذا عينه ما أنزله الله من قواعدَ كلية في الحكم بين الناس من العدل والإحسان وقول الحق ولو كان على نفس الإنسان.

 

الوجه الثاني: أن القوانين (الشرعية أو الوضعية) لا تحكم بين الناس إلا بعد أن يُطلَب من الدولة ذلك، إما عن طريق التقاضي، أو عن طريق ضبط الوقائع المخالفة بالإبلاغ عنها أو بتقصِّيها، أما غير ذلك، فهو بين الأفراد بعضهم البعض، فهناك من يتعاملون بالربا، وهناك من يشربون الخمر، وهناك من يزنون، وهناك من يأكلون أموال اليتامى والميراث... إلخ هذه النماذج التي هي بالفعل موجودة في الدول الإسلامية، لكن الأفراد مخالفون!

 

القصد، أن أكثر أبواب الفقه إنما يقع تطبيقه من الناس أنفسِهم يعاملون بذلك ربَّ الناس، وتقريبًا لا تتدخل الدولة في أكثر ذلك إلا أن يُرفَعَ إلى القضاء فيها خلافٌ، أو كما ذكرنا آنفًا. حتى لو كانت الدولة تطبق الشريعة بحذافيرها، فذلك لن يجبر الأفراد على الالتزام بذلك، ولن يحملهم ذلك على الحق، وإلا فالقرآن والسُّنة بين أيديهم.. فلماذا فرَّطوا؟!

 

ولذلك قال ربنا في هذه الآية الفذة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].

 

واعلم أن التزام الناس بأحكام الشريعة فيما بينهم، يعتبر من أكبر وسائل تطبيق شريعة الرحمن، كما أمرهم الله، ويكونون على ذلك يدًا واحدة، فبذلك يتغير الواقع وتَطِيبُ الحياة، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170].

 

ويستثنى من ذلك بالطبع إقامة الحدود والجهاد، فإنه للإمام دون سائر الناس باتفاق.

 

وأختم هذه النقطة بما صحَّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما تزلزلت المدينة على عهده قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا أَسْرَعَ مَا أَحْدَثْتُمْ! لَئِنْ عَادَتْ لأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ".

 

(3) حكم الإسلام يضبط حياة المسلم وآخرته:

الفارق العظيم والجوهري بين الإسلام وغيره من أنظمة الحكم وقواعده: أن الإسلام جاء ليحفظ على الناس دينهم ودنياهم. لو نظرت في أول واجبات الحاكم في أي من كتب الفقه والسياسة الشرعية لوجدتَه "حفظ دين الناس وبيضة الإسلام"؛ لأن هذا هو الأساس الذي يقوم عليه قواعد الحكم، وهو الهدف الأسمى لاستقرار المجتمع؛ لذلك إن وجدت المجتمع منحرفًا ومضطربًا ومتناقضًا ومهتزًّا، فاعلم يقينًا أن الأساس غير متين، ولا يُعتنى به إهمالًا أو عمدًا.

 

لكن أنظمة الحكم الأخرى وقواعدها لا تسعى ولا تهدف إلا لتنظيم دنيا الناس، فلا عبرة عندها لدين ولا معتقد، هم محرومون منه أصلًا. وهذه الأنظمة والقواعد الحكمية "الدنيوية" ليس لديها دستور أخلاقي وعقدي حقيقي تقوم عليه، فليس أمامها إذًا سوى تطبيق قوانينها بدقة وحزم، خاصة في الدول التي بها خليط عظيم من الناس والأعراق والاعتقادات المختلفة، كالولايات المتحدة مثلًا. ولا بد لها من الحزم والعدل قدر المستطاع.. لماذا؟ لسببين:

الأول: أنها لو لم تفعل ذلك سينحلُّ المجتمع وسيتحول حرفيًّا إلى غابة، لن يكون الأمر هينًا أبدًا لو فقدت السيطرة على مجتمع متنوع الأعراق والمعتقد، فالحلُّ إذًا هو تطبيق القانون بكل حزم وقوة على الجميع بلا استثناء؛ حتى لا ينفرط العقد المجتمعي؛ فتسعى كلُّ طائفة لفرض كلمتها!

 

الثاني: وهو الأهم، ليس عند هؤلاء أيُّ معتقد أو دستور أخلاقي يرتكزون عليه فيما بينهم وبين أنفسهم، أو شعور بالمسؤولية - الأخروية - أمام الله في تصرفهم تجاه الآخرين وتجاه أنفسهم، عكس الإسلام الذي يزرع أول ما يزرع قضيةَ الإيمان والرغبة والرهبة في نفوس معتنقيه، ويغرس فيهم حبَّ التقرب إلى الله جلَّ وعزَّ بالأعمال الصالحة والأفعال الحسنة.

 

فمن قواعد الحكم في الإسلام الارتكازُ على الأساس الأكبر أولًا، وهو الإيمان، ثم الحفاظ عليه وحفظ دين الناس به، بإقامة وإشهار شعائر هذا الدين العظيم؛ ولذلك كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ"؛ يعني أن الأذان دليل على إسلامهم.

 

فلو افترضنا أن الأمَّة جسد واحد، فإن أفرادها هم الذرات والجزيئات التي تشكِّل هذا الجسد، والمعتقد والأخلاق هما الروابط التي تمسك وتربط هذه الذراتِ والجزيئات بعضها ببعض، فإذا انقطعت الروابط، تناثرت الذرات، وانهار الجسد ولو كان عنده أعظم الدساتير والقوانين!

 

فالتساؤل المهم إذًا: إلى متى ستصمد الدول تحت أي نظام حكم دون ركيزة عقدية سليمة أو أخلاقية سوية؟

 

(4) الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية:

هذا أيضًا من المداخل الهامة جدًّا عند الكلام على قواعد الحكم في الإسلام، وهو أن التقنين الوضعي، لا بأس به ولا ضرر، طالما كان يهدف إلى تحقيق العدل والاستقرار والتنظيم، فقوانين المرور والعمل وتنظيم الحج والعمرة والتموين والتقاضي وتنظيمه والاستثمار والإسكان والصحة والتعليم.. كل ذلك لا يعارضه الإسلام وقواعده، بل يحثُّ عليه كما قدَّمنا في النقطة الأولى؛ لأجل تغير العصور وانتشار الناس وكثرتهم.

 

فالإسلام وضع قواعد كلية، كالأمر بالعدل والإحسان، وحافظ على الأصول الخمسة (الدين، والعقل، والنفس، والمال، والنسل)، وكل هذه القوانين والسياسات لا بد من اشتقاقها من هذه القواعد لتحقيق العدالة بين الناس، وهذا جوهر الحكم والسياسة.

 

ولذلك نقول: القوانين الوضعية نوعان:

الأول: أن يكون فيه تحريف لأحكام الله، أو مخالفة للقرآن والسُّنة وإجماع المسلمين، فهذا لا يجوز التحاكم به وإليه.

 

الثاني: أن يكون ذلك تحت مظلة الشريعة الكبرى، وقواعدها العظمى، وهو ما سمِّي قبل بالسياسة الشرعية؛ كقوانين المرور، والصحة، والتعليم، والإسكان ونظير ذلك، فهذا مما لا بأس به، بل وضروري لصلاح أحوال الناس.

 

ولذلك قال أبو الوفاء بن عقيل في الفنون: "للسلطان سلوك السياسة وهو الحزم عندنا، ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع".

 

وشرح ابن القيم هذا الكلامَ فقال: "فإن الله أرسَل رسله، وأنزَل كتبه ليقوم الناس بالقِسْط، وهو العدل الذي قامت به السمواتُ والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحُه بأي طريق كان، فذلك من شرع الله ودينه ورضاه وأمره، والله تعالى لم يحصر طرقَ العدل وأدلته وأماراتِه في نوع واحد ويبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر، بل بيَّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامةُ الحق والعدل وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكمُ بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل لا تُراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبَّه بما شرعه من الطرق على أشباهها وأمثالها، ولن تجد طريقًا من الطرق المثبتة للحق إلا وفي شَرْعِهِ سبيلٌ للدلالة عليها، وهل يُظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك؟

 

ولا نقول: إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها، وباب من أبوابها، وتسميتها سياسةً أمرٌ اصطلاحي، وإلا فإذا كانت عَدْلًا فهي من الشرع" انتهى.

 

والناظر في الأصول الفقهية كالاستحسان، والعرف، وسد الذرائع، يعلم يقينًا أن الأمر لا يقف عند الأحكام الشرعية والفقه المكتوب فحسب؛ فكلما جدَّ في الواقع ما يحتاج إلى تجديد وتنظيم وإصلاح قلنا به، طالما كان تحت سماء الشريعة، ولم يخالف نصًّا ولا إجماعًا.

 

هذا، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أضواء على نظام الحكم في الإسلام
  • أصول نظام الحكم في الإسلام مع بيان التطبيق في المملكة العربية السعودية

مختارات من الشبكة

  • الحكم التكليفي والحكم الوضعي والفرق بينهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدخل إلى كتاب الكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مدخل إلى دراسة النظم الإسلامية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المدخل لتطبيق نظام الجودة بالكليات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • سد مداخل الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موارد ومصادر مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة للعلامة السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نظام الحكم في الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أصول نظام الحكم في الإسلام (مع بيان التطبيق في المملكة العربية السعودية)(كتاب - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)
  • قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المدخل السهل في أحكام الغسل (WORD)(كتاب - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب