• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

دولة المساواة

دولة المساواة
أحمد الجوهري عبد الجواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/8/2017 ميلادي - 1/12/1438 هجري

الزيارات: 4409

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في قلبي دولة مهدية

(4) دولة المساواة


دولة الإسلام التي يحدِّثني بها قلبي، وترهف لأحاديثه تلك أذناي، وتودُّ أعضائي أن لها سمعًا تتنعَّم بها مثل ما تنعمت به الأذنان - دولةٌ تعمل بالحقِّ والمساواة، ولا يعدل أهلها بهما غيرَهما أبدًا.

 

لو لم يكن الإسلام دينًا يأمر الله عبادَه أن يدينوا به، لكان أعظم منهجٍ في الدنيا على الإطلاق يجب أن يُتَّبع، وأقوَمَ دستور يجب أن يحكم سير الحياة، ولو لم يكن المصطفى صلى الله عليه وسلم نبيًّا مرسلًا، لكان الشخصيةَ الأولى الجديرةَ بالاتباع من دون شخصيات الدنيا على الإطلاق، فقد جاء الإسلام بمبادئ وتعاليمَ تحبُّها كلُّ نفسٍ كريمةٍ حرَّةٍ عفيفةٍ، وطبَّق النبي صلى الله عليه وسلم هذه التعاليمَ في حياته كما نزلتْ، فارتقى بها وارتقت البشرية معه، فكان تطبيقه لها أكبرَ دليلٍ على أن هذه التعاليمَ تصلح لقيادة الدنيا، والوصول بها إلى أسعدِ معيشةٍ وأكرمِ حياة!

 

ومن هذه المبادئ: مبدأ المساواة بين كل الخلق، فالناس جميعًا في نظر الإسلام سواسية، لا فضلَ لأحد فيهم على أحد إلا بالعمل الصالح الذي يُعامَل على أساسٍ منه في الدنيا، ويُجزى بحسبه في الآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

 

فأصل البشرية واحد: آدمُ وحواء، هكذا يُعلنها محمد صلى الله عليه وسلم بأمر ربِّه على الناس: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾، فلا خالق في البشر ومخلوق، ولا رب في البشر وعبد، ولا رفيع في البشر ووضيع، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لقرشيٍّ على حبشي، ولا أي شيء، بل كل البشر متساوون أمام الله، هكذا جاء محمد ابن عبدالله وآمنةَ البشرَيْنِ؛ ليقول للبشرية: إنها خُلِقت جميعًا من آدم وحواء، ليس هنالك عنصر من عناصر الألوهية في مخلوق، فيدين له الناس بالعبادة، إنما الدينونة لله ربِّ العالمين وحده.

 

وقد آتت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ثمرتها، "فقد اختفت الأوثان والأصنام من أمامه، وانهارت الإمبراطوريات أمام سيفه، وأصبح المسلمون في مِلته متساوين، وتكوَّنت منهم الجماعة المؤمنة، وتحققت بينهم المساواة؛ إذ لا كهنوت ولا طقوس، وليس هناك مسلم مرتفع، ولا مسلم منخفض، ولا توجد طبقية أو تمايز يقوم على العنصر والرتبة، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي لا يعترف بأي كائن - مهما عظُم ومهما كان مقدسًا - وسيطًا مطلقًا بين الله والبشر"[1].

 

لقد أنقذ دينُ الإسلام البشريةَ بقيادة محمدٍ صلى الله عليه وسلم - من الذل والهوان، والعبودية لكل حجر وحيوان، وطير وشجر وبشر، زعموا لنفسها ما ليس لها، وادُّعي فيها ما ليس بحقٍّ، وقد كانت البشرية سلَّمت لهذا واستسلمت له؛ لجهلها وعدم درايتها بقيمتها البشرية والإنسانية، مخلوقًا كرَّمه الله ونفخ فيه من رُوحه، وهيَّأه لأعظم مهمة وأشرف رسالة، وأنه عظيم الشأن كبير الخطر كما قيل:

وتَزعُم أنك جِرمٌ صغيرٌ *** وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ

 

لكن البشرية جهِلت قيمتها ومكانتها، فراحوا يهرُبون من الثريَّا إلى الثرى، واستبدلوا بالرحيق حريقًا مدمِّرًا، وتركوا التوحيد وهو الحرية الحقيقية، وراحوا ينغمسون في أَسْرِ كل الأشياء من حولهم ويقعون في رقِّها:

هرَبوا من الرِّق الذي خُلِقوا له *** فبُلُوا برقِّ النفسِ والشيطانِ

 

فجاء محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية، وأعادها إلى طريق الجادة، ووضعها على الصواب من الدين والعقل والنظر، وكان فيما أخبرهم أنهم متساوون أمام الله، فلا يَعبد بعضهم بعضًا؛ لأنهم جميعًا عبيد الله، ولا يتكبر بعضهم على بعض، ولا يبغي بعضهم على بعض؛ روى مسلم وغيره عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إليَّ أنْ تواضعوا، ولا يبغي بعضُكم على بعض))[2].

الناسُ مِنْ جهة التمثيل أَكْفاءُ
أبوهمُ آدمُ والأم حوَّاءُ
نَفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مُشاكلةٌ
وأعظُمٌ خُلِقَتْ فيها وأعضاءُ
لا عيبَ للمرءِ فيما أن تَكون له
أمٌّ من الرُّوم أمْ سوداءُ دعجاءُ
فإنما أُمهاتُ الناس أوعيةٌ
مُستودعاتٌ وللأحسابِ آباءُ
ورُبَّ واضحةٍ ليست بِمُنجبةٍ
ورُبما أَنجبتْ للفحلِ عجماءُ
إن لم يكنْ لهمُ مِنْ أَصْلهم شَرَفٌ
يُفاخرون به فالطينُ والماءُ

فعلامَ يتفاخر الإنسانُ على أخيه؟ وبأيِّ شيء يتعالى عليه ويتعاظم؟


أيها الأحبة، إنه لا قيمة للمناصب في الإسلام؛ فكلها تُخلع عند عتبة المسجد، ويقف الكل بين يدَي الله، ملتصقي الأكتاف، مَحنيِّي الظهور، مذلي الجباه، خاضعي الجوارح، خاشعي القلوب إن شاء الله.

 

وإن كان الناس - سامحهم الله - قد أعادوا سُنة الجاهلية، فجعلوا الصف الأول في الصلاة لعِلية القوم، وذوي المناصب والجاه.

 

إنه لا قيمة للمناصب في الإسلام؛ فكلها تُخلع عند الميقات؛ ليحرم الجميع في قطعتين من القماش الأبيض كالكفن الذي سيرحل به من الدنيا، الكل سواء في المناسك والمشاعر، والهدي والاتباع إن شاء الله.

 

وإن كان الناس - سامحهم الله - قد أعادوا سنة الجاهلية، فجعلوا مقصورات وإقامات خاصة بالكبار وذوي المناصب والهيئات.

 

وهكذا نجد المساواة في كل ما شرَع الله، وما أرشد إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ كي تُضمَن المساواة الإسلامية بين كل أفراد الشعب، لتأمين السعادة الحقيقية لجميع الناس، لولا تدخُّل بعض هؤلاء الناس بسيِّئ تصرُّفهم لإفساد هذا المبدأ الرفيع، وسيُجازي الله هؤلاء يوم يلقَونه بما يستحقونه من جزاء.

 

إن الإسلام الذي هدم الفوارق الطبقيَّة، فقرَّب بلالًا الأسْود، وأبعَد أبا لهبٍ الأبيض، ورفع سلمان الفارسيَّ، ووضع أبا جهل القرشي، ومدح عمارَ بن ياسر العبدَ، وذمَّ أميةَ بن خلفٍ السيد، وأشاد بصهيب الروميِّ الفقير الفرد، وقبَّح الوليد بن المغيرة ذا المال والولد!

 

إن هذا الإسلام قد هدَم الطبقية، وأزال عُبِّيَّة الجاهلية وتعظُّمها وفخرَها بالأحساب والأنساب، والجاه والمناصب والأموال.

ولِمَ لا؟ ألم يقل الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]؟! وهذه الآية من أعظم الآيات المقرِّرة لمبدأ المساواة في الإسلام.

 

ألم يقل الله تبارك وتعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ [آل عمران: 195]؟!

 

ألم يقل الله تبارك وتعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]؟!

 

ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم لرجلٍ من أصحابه - حين عيَّر رجلًا بسواد أمِّه -: ((إنك امرؤ فيك جاهلية))؟!

 

عن المعرور - هو ابن سويد - عن أبي ذر، قال: رأيت عليه بردًا، وعلى غلامه بردًا، فقلت: لو أخذت هذا فلبسته، كانت حلة، وأعطيته ثوبًا آخر، فقال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمُّه أعجمية، فنلتُ منها، فذكَرَني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: ((أساببتَ فلانًا؟))، قلت: نعم، قال: ((أفنلت من أمِّه؟))، قلت: نعم، قال: ((إنك امرؤ فيك جاهلية))، قلت على حين ساعتي: هذه من كبر السن؟ قال: ((نعم، هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده، فليُطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا يكلِّفه من العمل ما يغلبه، فإن كلَّفه ما يغلبه، فليُعِنْه عليه، ومَن لا يلائمكم، فبيعوه ولا تُعذبوا خلق الله))[3].

 

أين تجد البشرية مثلَ هذا الدستور القويم من المساواة والعدل حتى مع الرقيق والعبيد؟! لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بخطة يحرِّر بموجبها العبيدَ في الدنيا من الأَسْرِ ولو كانوا كفارًا، حين جعل عتق العبيد كفاراتٍ في القتل والظِّهار والأيمان وغيرها، وإلى هذا الحين؛ إلى أن تؤتي هذه الخطة ثمارَها، أرشد النبي إلى معاملتهم أفضل معاملة، وهذا لا نجده في أفضل دساتير البشرية وأمثل قوانينها، وإذا كان هذا في معاملة الرقيق والعبيد، فكيف بالخدم والعمال والموظفين، ممن يجب أن يعامَلوا المعاملة الحسنة، ويؤدَّى إليهم حقُّهم، وألا يُكلَّفوا من الأعمال ما لا يطيقون، فضلًا عن أكل حقوقهم أو فصلهم من وظائفهم بالتعسُّف أو الافتراء عليهم؛ لئلا يحصلوا على مدخراتهم لدى أصحاب الأعمال أو الهيئات؟!

 

إنها مساواة الإسلام التي لا تُفرق بين حر وعبد، بين صاحب المال ومَن يعمل عنده فيه، ولا بين حاكم ولا محكوم، ولك أن تستمع إلى الخطبة التي ألقاها أبو بكر الصديق رضي الله عنه غداةَ مبايعته خليفةً للمسلمين؛ حيث قال: "أما بعد، أيها الناس، فإني قد وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهادَ في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله"[4].

 

وهذا غاية الوضوح في تقرير المساواة بين الرعية، والعدل بينهم في الحقوق والواجبات.

هل نأتيكم بشهادات مفكِّري القوم وروَّاد حضارتهم، يشهدون بأنه لم يعطِ البشريةَ حقَّها، ولم يضَع فيها أفضلَ التعاليم وأرقى المبادئ - إلا الإسلامُ ورسوله محمدٌ عليه الصلاة والسلام؟!

فاسمعوا - إخوتاه - شهادة المنصِّر الإنجليزي المعاصر جون سنت؛ حيث يقول: بعد الاطلاع المتواصل على تفاصيل الإسلام ومبادئه في خدمة الفرد والمجموع، وعدالته في إقامة المجتمع على أسس من المساواة والتوحيد - وجدتني أندفع إلى الإسلام بكلِّ عقلي وروحي، وعاهدت الله سبحانه - من يومها - أن أكون داعية للإسلام، مبشِّرًا بهديه في كل البقاع[5].

 

وفي الوثيقة الدستورية التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم أولَ عهده بالمدينة - تقريرٌ لمبدأ المساواة في خمسِ فقراتٍ من إجمالي تسعٍ وخمسين فقرةً اشتملت عليها الوثيقة، وهي:

• وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعضٍ دون الناس.

• وإن سِلْمَ المؤمنين واحدة، لا يسالَم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم.

• وإن المؤمنين يَبيء - من البَوَاء، وهو المساواة - بعضهم على بعض بما نال دماءَهم في سبيل الله.

• وإن بينهم النصر على من دهَم يثربَ، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ويَلْبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه.

• وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك، فإنه لهم على المؤمنين إلا مَن حارب في الدين.

• على كل أُناس حصتهم من جانبهم الذي قِبَلهم[6].

فالناس في شريعة الإسلام سواء في الحقوق والواجبات.

فالأصل الدين، والمعاملة بالدين، ولا عبرة بالأحساب ولا الأنساب، ولا المناصب والجاه والأموال!

لَعَمْرُكَ ما الإنسانُ إلا بدينِه
فلا تتركِ التقْوى اتِّكالًا على النَّسَبْ
فقد رفَع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ
وقد وضَع الشِّركُ الشريفَ أَبا لَهَبْ

 

إن المساواة في الإسلام تعني العدل، فهل سمعتم أن دينًا كان أقوم من دين الإسلام في تحقيق مبدأ العدل؟!

والجواب: لا والله، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حاكم الدولة الإسلامية، وقائد جيشها - يعرض بطنَه ليقتص منه أحدُ الرعية، وهو ما لم نسمع بمثله في العالمين؛ عَنْ عروة بن الزبير، قال: عدَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف يومئذٍ - أي: في غزوة بدر - فتقدم سَوَادُ بن غَزِيَّةَ أمام الصف، فدفع النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقدح في بطن سواد بن غزية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استوِ يا سوادُ))، فقال له سواد: أَوْجعتني والذي بعثك بالحق نبيًّا، أَقِدْني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، ثم قال: ((استقد))، فاعتنقه وقبَّله، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما حملك على ما صنعت؟))، فقال سواد: حضر من أمر الله ما قد ترى، وخشيت القتل، فأردت أن يكون آخر عهدي بك أن أعتنقك.

 

وفي رواية: فقال: ((ما حملك على هذا يا سواد؟))، فقال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فلم آمَن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يَمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير[7].


ولئن كنا نتعجَّب من موقف القائد الكبير صلى الله عليه وسلم الذي قال للجندي: ((استقد))، فالعجَبُ من الجندي الذي جَرُؤَ على هذا الطلب أعجبُ، غير أن العجب يزول إذا ما علمنا أن ذلك كان أثرًا لتوجيهات الرسول المتتابعة التي حفظها عنه هذا الجنديُّ الوفي وغيره:

• ((كُلُّكُمْ بَنُو آدَم، وَآدَمُ مِنْ تُرَاب، لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ يَفْخَرُونَ بِآبَائِهِمْ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّه مِن الجِعلان))[8]؛ مثل الخنفساء، لا قيمة لهم.


• ((يا أيها الناس، إن الله قد أذهَب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية وتعاظُمَها بآبائها، فالناس رجلان: برٌّ تقي، كريم على الله، وفاجر شقي هيِّن على الله، والناس بنو آدم، وخلَق الله آدم من تراب، ثُمَّ تَلا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]))[9].


• ((إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبية الجاهلية وفخرها بالآباء؛ مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليَدعنَّ رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحمٌ من فحم جهنم، أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجِعلان التي تدفع بأنفها النتن))[10].


وقد رأوه يطبِّق هذا في حياته صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي مسعود، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فكلَّمه، فجعل ترعد فرائصه، فقال له: ((هوِّن عليك؛ فإني لست بملِكٍ، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد))[11].

والقديد هو اللَّحْم المُمَلَّح المُجَفَّف فِي الشَّمْس[12].


إن المساواة في الإسلام معناها تكافؤ الناس أيضًا في الحدود والعقوبات، فتُطبَّق الأحكامُ الشرعية على الغني والفقير، والأبيض والأحمر، والعربي والعجمي، والشريف والدون، وما في أهل الإسلام مَن هو دون، عن عائشة أن قريشًا أهمَّهم شأنُ المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلَّمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتشفع في حد من حدود الله؟!))، ثم قام فاختطب، فقال: ((أيها الناس، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرَقَت، لقطعتُ يدها))[13].

 

ولكم أن تتأملوا تأملًا لا ينقضي خلاله العجبُ في قول خير من وطئ الثرى بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم: ((وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرَقَت، لقطعتُ يدها)).

 

أيها الأحبة، وللإسلام في إقرار المساواة بين العباد غاياتٌ رفيعة نبيلة، ومقاصدُ عالية شريفة، فالإسلام حين يلغي الفروقَ بين بني الإنسان بسبب اللون أو الجنس، أو اللغة أو المال أو العلم، ويجعل التمايز بين الناس بالعمل الصالح الذي يعود عليهم جميعًا بالفائدة، ولكل أجره على ذلك، فإن المساواة بهذا المعنى تبثُّ الثقة بين الناس، وتدفعهم إلى التعايش والتعاون.

 

والمساواة إذا قامت في المجتمع استقامت العلاقات بين أعضائه، وتحقَّق التعاون فيما بينهم لحل المشكلات، ومواجهة الصعوبات.

 

ومن هنا ينهى الله جل شأنه عبادَه عن أن يَسْخر بعضهم من بعض، أو يَحقر بعضهم بعضًا، أو يفخر بعضهم على بعض؛ لأن مثل هذا السلوك يفسد العلاقاتِ الإنسانية، فيقول تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].

 

هذا هو منهج الإسلام، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، "ولو أننا عاملنا الناس على قدر أعمالهم الصالحة؛ قربًا منهم إلى الله وطاعة له، تعظيمًا منا وإجلالًا لهم، والعكس بالعكس؛ فلا نُكرم إلا الكريمَ على الله، ولا نرفع إلا مَن رفع اللهُ، ومن عصى الله سقط من أعيننا، لو أعملْنا هذا الميزان الربانيَّ، لكان لنا شأن أيُّ شأن، شأن لا يكون فيه أبدًا: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ﴾ [غافر: 29]، ولا ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ﴾ [الزخرف: 54].

إنه منهج يغلق جامعة تخريج الطواغيت، ويذل أنف الفراعنة المتجبرين"[14].

 

"إن الإسلام هو العقيدة الوحيدة التي تنصف الناس، وتعدل بينهم، والناس يقفون فيها على قدم المساواة، حاكمهم ومحكومهم سواء"[15].

 

ويَحسُن بنا أن نشير هنا إلى أمر يتعلق بالمساواة في الإسلام، وهو أنه لا بد أن نفرِّق بينه وبين ما قلنا؛ حتى لا نقع في أسر الكلمات الرنانة الطنانة التي يطلقها دعاةُ التأسي بالغرب والاقتداء به؛ انخداعًا منهم لغفلتهم عن حقيقتها، أو خداعًا لنا وهم يعلمون، وهذه الأمور هي أن هناك ما أطلَق فيه الشرع المساواة؛ كتطبيق الأحكام الشرعية على الأبيض والأحمر، والشريف والدون، عند وجود الأهلية، واكتمال شروط الحكم، وتخلُّف موانعه؛ كالتسوية في إقامة حدود الله، وهناك ما منع الشرع المساواةَ فيه؛ كشهادة الرجل والمرأة، وميراثهما، والقوامة وعصمة الطلاق، لاعتبارات أوضحتها الشريعة، وصدَّقها الواقع والأحداث[16].

 

إن دعاة الغرب وأذنابهم في ديار المسلمين يملؤون الدنيا ضجيجًا؛ ليُخرِجوا المرأة المسلمة من بيتها؛ لتتساوى بالرجال - زعموا - وتُزاحمهم في الأعمال؛ لتثبت ذاتها وشخصيتها كما يقولون زيفًا وكذبًا، في الوقت الذي نشرت فيه مجلة "ماري كير" الفرنسية نتيجة استفتاء للفتيات الفرنسيات، شمل 2.5 مليون امرأة، وكان الاستفتاء عن قبول الزواج من العرب، ولزوم البيت، فأجاب 90% بنعم، وأرجعنَ أسباب ذلك إلى أن المرأة الغربية ملَّت المساواة الكاذبة، وملَّت الاستيقاظ عند الفجر للركض وراء القطار، وسئِمت الحياة العائلية التي لا ترى فيها الأولاد إلا على مائدة الطعام، وضاقت ذرعًا بالحياة الزوجية التي لا ترى الزوج إلا عند النوم، وكان عنوان هذا الاستفتاء: (وداعًا عصر الحرية، وأهلًا بعصر الحريم!)[17].

أمورٌ يَضحك السفهاءُ منها *** ويبكي من عواقبها اللبيبُ


هم في ديارهم يبكون من أمور، نسعى نحن إليها لنبكي بعد مدة مثلَهم، أفلا اتَّعظنا بغيرنا! والسعيد مَن وُعِظ بغيره! وما أصدق قولَ ربِّنا هنا: ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33].

 

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ نساء ورجال الإسلام، اللهم انصر الإسلام وأهله، وخُذ بأيدي أهله إلى العزة، ومسِّكْنا بالإسلام إلى يوم نلقاك، يا أرحم الراحمين!



[1] أعظم إنسان في القرآن والسنة (ص 76)؛ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم.

[2] أخرجه مسلم (2865).

[3] الحديث رواه البخاري (2030)، ومسلم (1661)، وأحمد (21447)، وأبو داود (5157)، والترمذي (1945)، وهذا جمع لسياق الروايات فيها من المواضع المشار إليها بالأرقام وغيرها، وانظر الجامع الصحيح للسنن والمسانيد؛ لصهيب عبدالجبار (11/ 226).

[4] سيرة ابن هشام (2/ 661).

[5] الإسلام أصوله ومبادئه (ص140)؛ محمد بن عبدالله بن صالح السحيم.

[6] الإسلام والدستور (ص125)، مرجع سابق.

[7] أخرجه أبو داود (5224)، وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (3133)، وانظر الصحيحة (2835)، وضبط الحافظ في الفتح (4/ 400) سواد، فقال: بفتح السين المهملة، وتخفيف الواو، وفي آخره دال مهملة، وغزية: بغين معجمة وزاي وتحتانية ثقيلة بوزن عَطِيَّة.

[8] أخرجه البزار في مسنده (2938)، عن حذيفة رضي الله عنه.

[9] أخرجه الترمذي (3270)، والبيهقي في شعب الإيمان (5193)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي.

[10] أخرجه أحمد (10791)، وأبو داود (5116)، والترمذي (3956)، وغيرهم - عن أبي هريرة، وحسَّنه الألباني في صحيح أبي داود.

[11] أخرجه ابن ماجه (3312)، وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات، والحاكم في المستدرك (3733)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، انظر الصحيحة: (1876).

[12] حاشية السندي على ابن ماجه (6/ 309).

[13] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (3288)، ومسلم (1688).

[14] الإسلام والآخر (ص 38)؛ حمدي شفيق.

[15] العقيدة وأثرها في بناء الجيل (ص 46).

[16] انظر في هذه المسألة وغيرها: الإسلام والدستور (ص81)؛ توفيق بن عبدالعزيز السديري.

[17] عن "الفتاة ألم وأمل"، شريط كاسيت؛ للشيخ إبراهيم الدويش.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المساواة الساذجة

مختارات من الشبكة

  • في قلبي دولة مهدية (2) دولة سنية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • جزر القمر: الإعداد لمؤتمر دولي في العاصمة موروني حول "علاقات عمان ودول القرن الإفريقي"(مقالة - المسلمون في العالم)
  • اللاجئون من دول إسلامية نحو دول غربية أكثر هشاشة وأسرع كسرا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الاتجاه الإسلامي في الرواية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (دراسة نقدية)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كوسوفا: وزير الخارجية يطالب الدول الإسلامية بالاعتراف بدولة كوسوفا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • دولة العلم والعلماء(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وقفة تدبر مع دولة بني عثمان وحالنا الآن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفتوحات في عهد الخليفة أبي بكر الصديق: زيادة وتأمين رقعة نفوذ بلاد الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العلمانية والدعوة إلى الدولة المدنية(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب