• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

في الصراع الحضاري

في الصراع الحضاري
د. محمد محمد بدري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/2/2017 ميلادي - 19/5/1438 هجري

الزيارات: 12072

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في الصراع الحضاري


لا يمكن أن نتحدث عن التقدم والتخلف والحضارة.. وغيرها، دون أن نحدد المعايير الأساسية التي تستند إليها في توصيفنا لما هو التقدم.. وتقديرنا ما هو التخلف؟ ومعرفتنا ماذا تعني الحضارة؟

 

ذلك أن الإجابة الصحيحة عن هذه الأسئلة هي التي تحدد الأرض التي نقف عليها ونحن نقدم الحلول لمشاكل الأمة الإسلامية، ونرسم الطريق الواضح لعودتها إلى قيادة البشرية من جديد.. إن مفهوم الحضارة في الإسلام مفهوم شامل يشمل العقيدة والقيم والأخلاق والنظم والتنظيمات والأفكار والنشاط المعمر للأرض.. وليست هي كل تقدم صناعي أو اقتصادي أو علمي مع تخلف القيم عنها.

 

ولذلك فإن «الحضارة الإسلامية يمكن أن تتخذ أشكالًا متنوعة في تركيبها المادي والتشكيلي، ولكن الأصول والقيم التي تقوم عليها ثابتة، لأنها هي مقومات هذه الحضارة: (العبودية لله وحده، والتجمع على آصرة العقيدة فيه، واستعلاء إنسانية الإنسان على المادة، وسيادة القيمة الإنسانية التي تنمي إنسانية الإنسان لا حيوانيته.. وحرمة الأسرة، والخلافة في الأرض على عهد الله وشرطه.. وتحكيم منهج الله وشريعته وحدها في شؤون هذه الخلافة)..»[1].

 

وإذاً فمفهوم «الحضارة في الإسلام يختلف اختلافًا بينًا عن المفهوم الغربي، وإن التقى معه التقاء عارضًا في ضرورة السعي إلى عمارة الأرض.

الحضارة في المفهوم الإسلامي هي النشاط الذي يقوم به الإنسان في شتى مجالات حياته ليحقق غاية وجوده[2]» وهي عبادة الله وحده، أي أن الحضارة في المفهوم الإسلامي هي عمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني.

 

فإذا نظرنا اليوم إلى الأمة الإسلامية، وطبقنا هذا المفهوم الإسلامي للحضارة على واقعها، فماذا عسانا أن نجد؟ وبماذا نصف حال الأمة؟ لا شك أننا سنجد أن الأمة الإسلامية تعيش حالة من التخلف، بل والتدهور الحضاري الفظيع!! «وهذا التخلف هو تخلف ديني وعقائدي في المقام الأول، وتخلف مدني بالمقام التالي أو الناتج. فأما التخلف الديني في الأمة فقد بلغ - عبر تراكم السنين - درجات خطيرة، إلى الحد الذي أصبح البون فيه شاسعًا بين حاضر الأمة وماضيها الراشد، وغابت السنن وتشوشت العقائد، واضطربت الأفهام، وانعزل الفقه التشريعي وديس بالأقدام، وتجرأ عليه الأراذل، حتى المومسات وأهل المجون؟. وعلت أحكام الجاهلية، ودان بها الناس طوعًا أو كرهًا، أو من غير مبالاة، وتغلغلت البدع والخرافات والترهات، مما جعل الدين غريبًا في أهله،... وأما التخلف المدني فهو ظاهر وغني عن الإطناب، فنحن الآن مجرد سوق لتوزيع منتجات المتقدمين، وديار الإسلام غدت تصنف في مراتب العزة والعلياء في المرتبة الثالثة، يسبقها الكفار والملحدون وعبدة الشمس، وعبدة البقر، ومن لا دين لهم ولا خلاق، مما أطمع الأمم فينا،... حتى أصبحت الأمة بمثابة العرض المشاع، وأصبحنا كمن سماهم الشاعر العربي القديم: عير الحي والوتد..

هذا على الخسف معكوف برمته ♦♦♦ وذا يشج فلا يرثي له أحدُ[3]»

 

لقد رضيت الأمة الإسلامية ما رضيه لها أعداؤها، وقنعت أن تكون سوقًا استهلاكية لإنتاج هؤلاء الأعداء، وتصورت أنها بذلك تحصل الحضارة، بينما هي في الحقيقة في نفس مكانها من السلم الحضاري، وإنها رضيت من الناقة بالذنب!!.

 

لقد سقطت الأمة الإسلامية في قبضة أعدائها، ولم تستطع حماية نفسها بإفراز قيادتها، وجيشها الذي يحميها.. وسقطت في قبضة التخلف بسبب الأنظمة الاستبدادية التي تحكم شعوبها حتى أصبحت مشكلة (التخلف) من أكبر مشاكل العالم الإسلامي وأصبح المراقبون يقسمون العالم إلى (الشمال) تعبيرًا عن العالم الغربي (المتقدم) (والجنوب) تعبيرًا عن العالم المتخلف!!.

 

فالأول: يتمثل في الدول المتقدمة صناعيًا ويشمل محور اليابان ودول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وحلفائهم.

والثاني: يتمثل في بقية دول العالم التي تقع خارج هذه المحاور.

ولقد أخذت الهوة بين الشمال والجنوب تتعمق كل يوم حتى إنه لم يعد الاختيار المطروح على الأمة الإسلامية هو اختيار بين اللحاق والتخلف، بل أصح بين الوجود المستقل المشارك في حركة الحياة، والوجود التابع الذليل الذي تضيع معه الذاتية ويتحول أصحابه إلى (خدم) للآخرين!!.

 

«ويبدو لي أنه من اللائق أن نفكر في الأسباب التي أدخلتنا إلى هذا المأزق قبل أن نفكر في الأسباب التي يمكننا بها الخروج منه.. إن أول هذه الأسباب أن الأمة الإسلامية حينما استيقظت على خطر الاستعمار كانت يقظتها فجائية، وكانت هذه (الفجائية) دافعًا من دوافع الخطأ، فكان مثلها كنائم استيقظ فجأة فوجد النار في غرفته، ودون أي تفكير ألقى بنفسه من نافذة الغرفة التي هي في الدور الرابع أو الخامس لينجو من النار!! فنحن قد ألقينا بأنفسنا من حيث لا ندري في هوة (التقليد) حتى ننجو من الاستعمار.. ودعانا هذا التقليد إلى السير في ذات الطريق الذي شقته الحضارة الغربية أمامنا على أنه يوصلنا إلى ما وصلت إليه!!»[4]. ولأن السابق إلى الشيء دائمًا أولى به، فقد بقينا في سيرنا هذا دون من نقلده، وبقي هو أسبق منا في الطريق، وإذا بقينا نسير على ذات المبدأ.. مبدأ التقليد، فسنظل نقلده إلى الأبد؟!.

 

إن الأمة الإسلامية يجب أن تدرك «أن الذين يتحكمون فينا ليمنعونا من تطبيق شريعتنا هم أنفسهم الذين يتحكمون فينا ليبقى اقتصادنا عالة عليهم، ولا يستقل عنهم، ولا يستغني عن تدخلهم، ولا يصل إلى حد الاكتفاء.

إن الأرض التي انتشر فيها الإسلام - بقدر من الله - هي بفضل الله أغنى بقعة في الأرض، بثرواتها البشرية والمعدنية والمائية، وكل أنواع الطاقات، ولكن أهلها اليوم هم أفقر سكان الأرض، وأشدهم جوعًا ومرضًا وتخلفًا!! ولو كانت هذه الثروات والطاقات ملكًا حقيقيًا لأهلها لكانوا أغنى سكان الأرض.. فمن الذي يمنعهم من امتلاكها والتصرف الحر فيها؟ هم ذات الأعداء الذين يمنعونهم من تطبيق شريعتهم»[5].

 

إن الأمة الإسلامية يُراد لها أن تبقى عاجزة عن الاستفادة من الخامات الموجودة في أرضها عجزًا تامًا وكاملًا.. ويُراد لها أن تبقى عاجزة عن حماية نفسها عجزًا تامًا وكاملًا، ولذلك فإن المخططات الصهيونية والصليبية الاستعمارية تضع في مقدمة أهدافها تدمير الأمة الإسلامية، من ناحية العنصر البشري بإشاعة الانحلال العقيدي والخلقي.. ومن ناحية تدمير الاقتصاد.. وأخيرًا من ناحية التدمير العسكري.

 

فأما تدمير العنصر البشري فقد حرص أعداء الأمة على القضاء على روح الجد في أفرادها بنشر اللهو الذي يرهل النفوس ويمنعها من التوجه إلى معالي الأمور» حتى أصبحت الملايين من أفراد الأمة حطامًا منهارًا لا يملك المقاومة حتى لو وضعت في يده أقوى الأسلحة.. وهكذا هي المجتمعات حين تنهار عقائديًا وخلقيًا، تصبح الملايين فيها غثاء لا يقف في وجه التيار!![6]».

 

لقد أدرك أعداء الأمة أن السيطرة الاقتصادية على الأمة ضرورة، ولكنها غير كافية. وأن السيطرة العسكرية ضرورة أيضًا ولكنها غير كافية.. ولذلك حرصوا - لكي تكون سيطرتهم شاملة، وتكون التبعية لهم كاملة - حرصوا على (التدمير) البشري، و(التجزئة) السياسية، حتى تبقى الأمة عاجزة عجزًا دائمًا، بل ويتولد العجز فيها تولدًا طبيعيًا.

 

إن أحد أسباب التخلف في الأمة الإسلامية هو قلة (الأدمغة)، فهل يرجع ذلك إلى أن أفراد الأمة الإسلامية أقل ذكاء وفطنة من أمثالهم في العالم المتقدم؟ كلا.. ولكن هذه (الأدمغة) تُفرز من كل جيل كما يفرز الزبد من الحليب «ثم يجري تهجيرها إلى الخارج عن طريق البعثات الدراسية التي تقدمها الشركات الأجنبية، أو عن طريق التهجير القسري، أو الطوعي تحت تأثير القيم الجديدة التي ترفع من مكانة الدارسين في العالم المتقدم[7]» وبهذه الطريقة تجتذب دول العالم المتقدم العقول النابغة إلى حظيرتها، وهناك يتم تحويلها إلى دم جديد يدفق في جسم الحضارة الاستعمارية!!.

 

إن الأسباب التي تؤدي إلى هجرة[8] العقول النابغة إلى الدول الاستعمارية كثيرة ومتنوعة وليس من أقلها أن هذه العقول النابغة التي تُخرجها الأمة الإسلامية تواجه بواقع الأنظمة الحاكمة في الأمة والتي تجعل من هم أقل علمًا وخبرة رؤساء لأفضل العقول، لاعتبارات فاسدة، كأن يكونوا من الأسرة الحاكمة أو ممن لهم انتماء حزبي معين!! أو غيرها من الاعتبارات التي تجعل أصحاب العقول النابغة يشعرون أن جهودهم من أجل أمتهم لا تقدر ولا تحترم في دولهم.. فيدفعهم ذلك إلى الهروب إلى دول العالم المتقدم التي تستطيع الاستفادة من هذه العقول في سبيل مصلحتها..

 

ولا تقتصر أسباب هجرة العقول على عدم احترام قيمة العلم، وعدم تقدير أهمية الخبرة بل إن أجواء القمع والإرهاب التي تسود دول العالم الإسلامي لا تسمح باستيطان هذه العقول فيها، ذلك لأن «أجواء القمع والإرهاب تصيب ملكات الإنسان بالعطالة الكاملة، فتجعل من العالم والباحث والمفكر إنسانًا عاديًا يمارس طعامه وشرابه وشهواته كأي مخلوق آخر، وقد يستنفد طاقته ليحصل على ذلك!! فكيف لنا والحالة هذه أن نطلب الإبداع والنبوغ والتقدم للمجتمعات الإسلامية؟!»[9].

 

إن العملاء من حكام الأنظمة العلمانية التي تسيطر على دول العالم الإسلامي يقومون عبر أجواء القمع والإرهاب التي ينشرونها بـ(تهجير) العقول النابغة إلى أعداء الأمة، بل إنهم يحاولون الامتداد والمطاردة لهذه العقول حتى في بلاد المهجر.. وإذا تغلبت (بعض) هذه العقول على أجواء الإرهاب، فإنها ترغم إرغامًا على ممارسة نوع آخر من الهجرة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الهجرة داخل الوطن، أو (الاغتراب) وفقدان الانتماء!.

 

لقد قام الحكام العملاء بتهجير العقول النابغة ثم زعموا أنهم سيقومون بردم الهوة القائمة بين العالم المتقدم، والعالم الإسلامي المتخلف، عبر اللجان المشتركة والجهود المكثفة!! فكان الفشل - ليس فقط في ردم الهوة - بل في إيقافها عند حد معين وبقت هذه الهوة تزداد اتساعًا كل يوم.. وهنا خرج علينا الحكام العملاء بمقولة الخيانة، ومضمونها: إن الأمة الإسلامية لا يمكنها اللحاق بالعالم المتقدم.. وإن قطار الحضارة قد فات هذه الأمة، ولا يمكنها أن تلحق به مهما حاولت ذلك.. وإن عليها أن تقنع بمكانها من السلم الحضاري، وتتخذ من (التبعية) الكاملة للغرب سبيلًا للتقدم وطريقًا للحضارة!!.

 

وهكذا أعاد الحكام العملاء الأمة من حيث بدأت، وزينوا لها طريق (التقليد) والتبعية للغرب فبدأت في الدوران داخل الحلقة المفرغة للتبعية التي تنتج التخلف. والذي يولد بدوره تبعية جديدة.

وهكذا حطّم أعداء الأمة الإسلامية أسوار (الريادة) التي تمثل الحصن الذي تحتمي به كل أمة وهي تبدأ المرحلة الأولى في بناء الحضارة.

 

فإن قال قائل: إن كيد الأعداء كيد شديد.

قلنا: نعم، هذه حقيقة، ولكنها حقيقة لا تعفي الأمة الإسلامية من مسؤوليتها أمام الله، يوم يكون الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره.

 

وأحسب - والله أعلم - أنه من المفيد لنا أن ننظر إلى واقع الأمة الإسلامية كمشكلة «(مجتمع) لا كمشكلة (دين) وعقيدة، وبعبارة أخرى: كمشكلة بشر مسلمين لا مشكلة إسلام، وحين أقول: مشكلة مجتمع، لا مشكلة دين، لا أقصد أن أنزع المسلم من دينه وعقيدته، بل أريد فقط أن نفرق بين السنن التي تجعل الإنسان عاجزًا، والسنن التي تجعل الإنسان مجتهدًا عاملًا... بمعنى: أن الإسلام حقيقة من حقائق الكون، لا يجادل فيها أحد. ولكن (الإنسان) المسلم ينطبق عليه ما ينطبق على البشر من غفلة وجهل وعنجهية وغرور وطيبة ووداعة، وسذاجة وحماقة»[10].

 

ولا شك أن هذه النظرة هي النظرة الإسلامية الصحيحة القائمة على عدم بخس الناس أشياءهم والعدل حتى مع الأعداء كما أن قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135] مبدأ قرآني لنعدل في الانتصاف من أنفسنا وممن نحب، ونقدر الأصدقاء والأعداء بميزان العدل لا بميزان الهوى المبني على النظرات القصيرة.

 

ولذلك نقول: «إن استمرارنا في تكرار المقولة المعهودة، وربما الصحيحة في جانب منها، بأن الحضارة الغربية حضارة مادية ومنحلة وآيلة للسقوط، لن يغير من الحقيقة القائمة والمفروضة في واقع العالم وهي قوة هذه الحضارة واقتدارها واستمرارها لقرون. وانتشارها في كثير من أنحاء العالم. إن هذا الاقتدار والاستمرار لا بد أن تكون وراءه عناصر قوة حقيقية في الحضارة والمجتمع والإنسان، وليس في التكنولوجيا فقط، لأن التكنولوجيا لا تنبثق ولا تتطور ولا تكون مطواعة في يد إنسان هش، ومجتمع هش، وحضارة هشة!!»[11].

 

إن علينا أن ندرك أن الغرب الذي يمثل (المقابل) الحضاري لأمتنا، هو في صراعه الحضاري يطبق ما يمكن أن نسميه قوانين ذاتية القوة، وأننا إذا أردنا أن نخدم أمتنا، ونقيم حضارتنا فلا بد أن نعرف هذه القوانين التي وفرها الغرب في مجتمعه فأصبح قويًا، ثم نبدأ في تطبيق هذه القوانين في مجتمعاتنا لكي تتمتع بالقوة الذاتية المستمدة من عمق عقيدتنا وهويتنا الإسلامية المستقلة.

 

ولكي نوضح ما نقصد بـ(قوانين ذاتية القوة) نشير إلى هذا الحديث الذي رواه موسى بن علي عن أبيه قال: قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس». فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالًا أربعًا: إنهم لأحكم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف. وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. - رواه مسلم -.

 

ومن خلال قول عمرو: تتحدد عناصر البقاء الحضاري وهي:

1 - الحكمة عند الفتنة.

2 - الإفاقة بعد المصيبة.

3 - الكر بعد الفر.

4 - رعاية الضعفاء.

5 - منع الظلم.

 

وهذه العناصر الخمسة هي على وجه التحديد موانع الهلاك إذا وُجِدت أسبابه، فإذا كانت الفتنة، وهي أول أسباب الهلاك، كانت الحكمة وهي أول أسباب إخمادها وتفادي آثارها. وإذا كانت المصيبة كانت الإفاقة التي تمنع استمرارها، وإذا كان الفر والهزيمة، كان الكر والمقاومة، ثم رعاية الضعفاء الدالة على أصالة الأقوياء، ثم الامتناع على ظلم الملوك الذي هو أصل الهلاك ليكن العدل، وهو أول شروط البقاء»[12].

 

وإذن «فالعقل الإسلامي لا يبحث في الغرب عن السلبيات فحسب، وإنما يرى الإيجابيات ويعترف لهم بها: فهم أحكم الناس في مواجهة المشكلات، وأسرعهم نهوضًا بعد النكسات، وأوشكهم كرة بعد هزيمة، وخيرهم في توفير الضمان الاجتماعي للمساكين والأيتام والضعفاء. ويتوج هذه الصفات الأربع صفة خامسة جميلة وهي تمسكهم بالحرية ومناعتهم ضد استبداد الملوك والرؤساء. وهذا منهج في النظر إلى الغرب يفيد في أوقات الحرب والسلم سواء فهو يوجه المسلمين في أوقات الحرب أن يبصروا جانب القوة فيمن يواجهونهم فيتقونه، وأن يبصروا في زمن السلم مزايا الآخرين فلا يغمطونهم حقوقهم... ويتحدثون عن قرب سقوط الحضارة الغربية سقوطًا يوفر على المسلمين عناء الاستعداد والمواجهة.. بل يذكرون دائمًا أنه إذا كان مفهوم الأسرة قد انهار في الغرب، فإن مفهوم الأمة قد انهار عندنا في الشرق، وأنه إذا كانت نقطة الضعف في الغرب هي - ضعف المناعة الاجتماعية - فإن نقطة الضعف عندنا في الشرق هي - ضعف المناعة السياسية - وقابلية التفتت إلى عصبيات وإقليميات وطوائف وعشائر»[13].

 

إن الأمة - أية أمة - إذا حملت أفكارًا وهمية عن خصومها أو أصدقائها، فإنها لا تستطيع أن تخوض الصراع مع أولئك الأعداء، أو تقيم تعاونًا مع هؤلاء الأصدقاء.. والخلاص من الأوهام عن الأعداء والأصدقاء لا يتم إلا بالإدراك الصحيح للواقع، والإدراك الصحيح لا يتم إلا بفتح السمع والبصر على حقيقة هذا الواقع.

 

ومن هنا فإننا نؤكد على ضرورة التخلص من العقلية السطحية التي لا ترى في الغرب إلا السلبيات ومقدمات السقوط، وتغفل عما يملك هذا الغرب من مقومات القوة والبقاء.

 

ولا يعني هذا أننا نسلّم بأن الغرب قوة صاعدة ومهيمنة - كما يزعم العلمانيون - بل إننا في ذات الوقت الذي نرى فيه مقومات القوة في الغرب، نرى عناصر الضعف وآليات الصراع ومقدمات الانهيار.. ونؤكد على قدرتنا على التصدي للصراع الحضاري معه، بل وإحراز التقدم عليه في هذا الصراع، وذلك طبقا لقانون التدافع الحضاري، وبسبب من تآكل دور (القيم) والجوانب الإنسانية في المشروع الحضاري الغربي، واحتمالات تفجر الصراع بين أطراف المعسكر الغربي نفسه، وربما في المستقبل غير البعيد.

 

إن الهيمنة الغربية، والتبعية المطلقة من أمتنا للغرب ترجع - بالإضافة إلى الاستعمار والأنظمة العلمانية العميلة - إلى غياب (الهوية الإسلامية)، وتزييف (وعي) الأمة الإسلامية، وضعف إرادة (التحدي) في نفوس أفرادها، وحب أكثرهم للدنيا وقعودهم عن الجهاد.. ويوم أن نرى عنف التحديات الغربية لأمتنا سيُحدث ذلك - بإذن الله - نهضة إسلامية واستنفارًا للطاقات والقوى، وحشدًا للإمكانات المتاحة في الأمة لتحقيق المشروع الحضاري الإسلامي واستعادة دور الأمة الإسلامية الحضاري في قيادة البشرية.

 

ولا شك أن هذه النهضة الإسلامية المنشودة، والقيام برسالة الأمة الإسلامية، لا يتحقق من تلقاء نفسه - وإن كان الله قادرًا على ذلك - إنما يتحقق بجهود أفراد الأمة، وإن تهاون أفراد الأمة في بذل الجهد فإن ذلك يصيب الأمة بـ(التخلف) يقدر هذا التهاون.. ذلك أن «الله سبحانه قد أجرى حكمته بأن كمال الغايات تابعة لقوة أسبابها وكمالها، ونقصانها لنقصانها»[14].

 

فإذا كان (التقليد) و(التبعية) للغرب قد أوقع الأمة الإسلامية في هوة التخلف، فإن المخرج من هذه الهوة أن نحصن أمتنا بأسوار عالية من الريادة وادم التبعية، وأن يكون في مشروعنا الحضاري الإسلامي ما تعترف به الإنسانية كحاجة لا بد من إشباعها، وهو ما عبّر عنه قول الله عز وجل: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] فإذا دخلنا الصراع الحضاري بهذه المؤهلات فإننا نكون أسبق من غيرنا، ونحقق لأمتنا أكرم مكان في سُلم الحضارة.

 

وإذا كان الغرب في صراعه الحضاري مع أمتنا الإسلامية يعتمد في المقام الأول على تدمير الثروة البشرية، وسرقة العقول النابغة.. فإن هذا يحتم علينا في صراعنا لحضاري معه أن نحصر على أمرين:

«أولهما: تنمية الثروة البشرية لدى أفراد الأمة بتنمية ما وهبهم الله من قوى واستعدادات دون تمييز بين غني أو فقير،.. وتقديم خبرة الأجيال وتجارب الناس وثمرات ما انتهى إليه العقل البشري.. تقديم كل ذلك للأفراد الموهوبين في الأمة.

 

والأمر الثاني: أن تكون هذه التنمية في سبيل المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، ومعنى ذلك أن يبلغ الفرد في الخبرة وكسب التجارب في الحقل الذي تخصص فيه الغاية التي ليس وراءها غاية، ولكن ذلك ليضم إلى ثروة المجتمع وليكون لبنة قوية متماسكة في بناء المجتمع، ولا يكون ذلك إلا إذا آمن الفرد بعقيدة المجتمع واستمسك بمبادئه وحمل الرسالة التي يحملها المجتمع»[15].

 

وإذا كان الغرب يحاول السيطرة على أمتنا عبر الأنظمة العلمانية العميلة.. فإن هذا يعني أن الطريق إلى الحضارة لا بد أن يمر بإلغاء هذه الأنظمة الاستبدادية، والرجوع إلى النظام السياسي الإسلامي الذي يقيم دولته على أساس من الشورى ومشاركة الأمة في الحكم.

 

إن الصراع القائم بين الأمة الإسلامية، والجاهلية المتعددة الأسماء، هو صراع ذو أبعاد مختلفة.. ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية وعسكرية.. وبالتالي فهو صراع حضاري شامل لا يختص بجانب من جوانب الحياة دون جانب آخر. وهذا الصراع الشامل ذو الأبعاد المتعددة لا يمكن كسبه إلا بتكثيف الجهود وتركيزها.. فإذا أرادت الأمة الإسلامية مقاومة الحضارة الغربية، فإن هذا يستدعي أن تقوم بتأسيس حضارة إسلامية متكاملة الأبعاد، وتقوم بتجميع عناصر القوة في الأمة، وتوجهها إلى ما ينفع الناس، ويؤمن خطى الأمة على طريق المستقبل، ويثبت أقدامها (في الصراع الحضاري).

 

وبكلمة:

الحضارة في المفهوم الإسلامي: هي عمارة الأرض بمقتضى المنهاج الرباني. وطبقًا لهذا المفهوم الإسلامي للحضارة، فإن واقع الأمة الإسلامية يشهد أنها تعاني من التخلف والتدهور الحضاري الفظيع.. وأن الفجوة الحضارية بينها وبين العالم المتقدم تزداد كل يوم. ولا شك أن الأمة الإسلامية إذا أرادت النهوض واللحاق بركب الحضارة، بل وسبقه، فإنه لا بد لها أن تستعيد ثقتها في نفسها، وتحافظ على ريادتها واستقلالها، وتدرك ما لديها من طاقات وقوى ذاتية فتستخدمها في بناء حضارتها، ولا تضيعها في الفراغ أو تتركها لأعدائها يستخدمونها في إذلالها والتحكم فيها.. فإذا فعلت الأمة ذلك فإنها تكون قد ملكت العوالم المادية التي قد يمتلكها الآخرون.. وتبقى الأمة الإسلامية متميزة بملكية السلاح الذي لا تملكه الأمم الأخرى، وهو المنهاج الرباني.. فيكون لها السبق الحضاري على كل الأمم، وتعود إلى قيادة البشرية من جديد.

 

الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة، دار الصفوة بالقاهرة، 1437هـ، 2016م



[1] معالم في الطريق - سيد قطب ص 132.

[2] حول تطبيق الشريعة - محمد قطب 88.

[3] فقه الخلاف - جمال سلطان ص 44، 45.

[4] تأملات - مالك بن نبي ص 211 بتصرف.

[5] حول تطبيق الشريعة - محمد قطب ص 124.

[6] لماذا أعدموني - سيد قطب ص 18.

[7] هكذا ظهر جيل صلاح الدين - د. ماجد عرسان الكيلاني ص 271.

[8] معظم الذين تعرضوا لقضية هجرة العقول والخبرات إلى الدول المتقدمة وتناولوا بمعالجاتهم الأعراض والمظاهر ولم يتناولوا الأسباب الحقيقية للظاهرة، لأن تناول الأسباب بجرأة وصدق قد يجعل منهم مهاجرين!!.

[9] نظرات في مسيرة العمل الإسلامي - عمر عبيد حسنة ص 136.

[10] حتى يغيروا ما بأنفسهم - جودت سعيد ص 28، 29 بتصرف.

[11] ندوة الفكر الإسلامي المعاصر: ص 139.

[12] قدر الدعوة - رفاعي سرور ص 106، 107.

[13] هكذا ظهر جيل صلاح الدين - د. ماجد عرسان الكيلاني ص 309.

[14] شفاء العليل - ابن قيم الجوزية.

[15] المجتمع الإسلامي - د. محمد أمين المصري ص 82.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العربية بين العولمة والصراع الحضاري
  • الإسلام والصراع الطبقي
  • نظرية التأخر الحضاري في البلاد المسلمة

مختارات من الشبكة

  • تفسير سورة القصص: قصة الصراع بين الخير والشر أو الصراع بين الحق والباطل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العام الهجري الجديد عام تجديد أم تبديد؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • توظيف المصطلح في الصراع الحضاري: مصطلح الإرهاب أنموذجا (WORD)(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • توظيف المصطلح في الصراع الحضاري: مصطلح الإرهاب أنموذجا (PDF)(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • عجائب القدر في الصراع بين البشر(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الصراع بين الحق والباطل: سنة حاصلة وماضية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخلاصة والنتيجة من كتاب صدام الثنائيات افتعال الصراع بين الملتقيات(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • حقيقة الصراع في تاريخ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لفيصل قزار الجاسم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فن إدارة الصراع بين الزوجين(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مشكلة المياه في الوطن العربي.. احتمالات الصراع والتسوية(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب