• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

روح الفريق والمبادرات الذاتية

روح الفريق والمبادرات الذاتية
د. محمد محمد بدري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/2/2017 ميلادي - 5/5/1438 هجري

الزيارات: 10834

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

روح الفريق والمبادرات الذاتية


الأفراد هم العنصر الأول في بناء أية أمة، والصلات بين هؤلاء الأفراد هي الشرط الأول لقيام الأمة برسالتها وتقديم العطاء الحضاري للأمم الأخرى. ولا يستطيع الأفراد كـ(أفراد) تقديم أي عطاء حضاري أو حمل أية رسالة، إلا حين يتمتعون بروح الجماعة ويعملون بروح الفريق.. فروح الفريق هي الدعامة الأساسية في حمل رسالة الأمة، والعمل الجماعي هو أهم ضمانات النجاح وتحقيق الأهداف.. والأمة التي تسير خطوات أفرادها بروح الفريق والجماعة، هي الأمة الجديرة بالريادة البشرية.

 

ولذلك نجد «في القرآن الكريم، والسنة الشريفة، توجيهات، وتطبيقات متكررة، هدفها تدريب الإنسان على التفكير الجماعي، الذي يربط مصير الفرد بالجماعة، ومصير الجماعة بالفرد، ويجعل تبادل الرعاية بين الطرفين صفة لازمة للمجتمع الراقي. والتوجيهات المتعلقة بهذا الشأن كثيرة جدًا، من ذلك قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». رواه البخاري، وقوله عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». رواه مسلم.

ويلحق بذلك تضافر التفكير الجماعي، ليتجسد في مبدأ الشورى»[1].

 

لقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرعيل الأول من المسلمين على روح الجماعة والمسؤولية الجماعية عن أمر هذا الدين، «ومن ذلك وصفه صلى الله عليه وسلم دين الإسلام الذي يجمع المجتمع بأنه كالسفينة السائرة في البحر، وأن الكفار والفساق قوم أرادوا خرقها وإغراق أهلها، وأن المسلمين لا ينجيهم من الغرق إلا الأخذ على أيدي المفسدين، كما في صحيح البخاري، قال صلى الله عليه وسلم: «مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا»...، فهذه مسؤولية جماعية يجب أن يقوم بها المسلمون مجتمعين لأن الكفار يقومون بخرق السفينة وهم مجتمعون، ولا يفل الحديد إلا الحديد[2]» وكما أن الكفار لا يمارسون كفرهم فرادى، وإنما يوالي بعضهم بعضًا، ويتسلمون قيادة العالم، ويشيعون في الأرض الفساد.. فإن المسلمين لا بد لهم من ممارسة إسلامهم مجتمعين، ونهايات سورة الأنفال تؤكد هذا المعنى، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 72 - 73]. «فالآيات كما نرى تفرق بين (مجتمع المؤمنين) والمؤمنين الفرادى. فتعرف مجتمع المؤمنين بأنه يتكون من أفراد ربطتهم شبكة من العلاقات العقائدية والاجتماعية خيوطها الإيمان والهجرة للتجمع في وطن واحد، والجهاد في سبيل قضية واحدة، والتكافل والإيواء والتناصر. أما من يكتفون بالإيمان الفردي دون شبكة العلاقات الاجتماعية فهؤلاء لا ترابط ولا ولاية بينهم[3]» وتستطرد الآيات لتبين الأضرار التي تنجم عن عدم ترابط الأفراد المؤمنين عبر شبكة العلاقات الاجتماعية من هجرة وجهاد وإيواء ونصرة.. ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ «فإذا لم تقم (أمة الإيمان) فسوف تتولى (أمة الكفر) القيادة في الأرض، وتهيمن على مقاليد التوجيه والتخطيط والتنفيذ في كل ما يتعلق بشؤون السلم والحرب سواء. ولا شك أن انتقال القيادة العالمية إلى (أمة الكافرين) سوف يؤدي إلى استغلال خزائن الله من المقدرات البشرية والمادية استغلالًا سيئًا ثم يكون من نتائج هذا الاستغلال السيء ملء الأرض بالفتن والفساد الكبير: فتن في ميادين السياسة، وفساد في ميادين الاجتماع، وتشيع الصراعات والحروب الداخلية والإقليمية والعالمية، وينتشر الفساد الكبير، الذي يتمثل في الانهيارات الأخلاقية، وشيوع التحلل والفواحش، وانتشار الفلسفات والأفكار الهدامة وغير ذلك»[4].

 

وإذن فقد صار (الفقه الجماعي) و(البحث الجماعي) و(التطبيق الجماعي) و(الإنتاج الجماعي) ضرورة من ضرورات الحياة الإسلامية، وواجب من واجبات المسلمين في كل ميدان، التزمًا بالأصول الإسلامية التي تجعل في محور قيمها أن يد الله مع الجماعة.. وتحقيقًا - في ذات الوقت - لتقدم الأمة الإسلامية.

 

«إن ظاهرة العمل الفردي ظاهرة ورثناها من عصر القبيلة العربية قبل الإسلام، يوم كانت القبيلة هي الوحدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فتجسدت هذه الفردية في القيادة والإدارة. فكان رئيس القبيلة يجمع في شخصه دور المفكر والسياسي والإداري والاقتصادي وجميع التخصصات. ثم جاء الإسلام - وجاء بمفهوم الأمة المفتوحة - فحصر القبيلة في الدور الاجتماعي، وبالذات في مجال صلة الأرحام دون العصبية - ولكن الروح القبلية استعصت ولم تنهر تحت ضربات الإسلام الموجعة كما انهارت الوثنية، ونهضت مرة أخرى ونافست قيم الإسلام في ميادين السياسة والاجتماع والاقتصاد واستشرت في الحياة العامة حتى عصرنا الحاضر[5]» حتى إن العمل الإسلامي لم يستطع إلى اليوم الانتقال من العصبيات الضيقة إلى الأمة العالية الدائرة في فلك الفكرة الإسلامية، وما زال الكثير من المسلمين يتحايل على دائرة الانتماء للأمة الإسلامية، بالانتماء إلى جماعات وتنظيمات إسلامية تكون بمثابة المقابر التي تدفن فيها مشكلات (مزق) الأمة الإسلامية المتوفاة!!.

 

ولا شك أن العودة بالمسلمين إلى روح (الأمة) وقيم الولاء لـ(الأفكار)، يحتاج إلى شجاعة لفك الارتباط القائم بين العمل الإسلامي والأطر الحزبية، وبالتالي تقبل العمل الإسلامي للاستراتيجية الصائبة التي توصله إلى أهدافه، سواء نبعت هذه الاستراتيجية من داخله أو من خارجه، وذلك تحقيقًا لقيمة تقديم الولاء للأمة على الولاء للأحزاب والجماعات والتنظيمات.

 

ومن أجل أن يتحقق هذا الهدف الأكبر، ويصل العمل الإسلامي المعاصر إلى ذلك المستوى السامق لا بد من تحفيف الإحساس بالفردية، عبر تقوية الدوافع الاجتماعية التي تدفع الفرد إلى الارتباط بالآخرين وتحمل مسؤولية المجتمع والأمة، ولا بد للتربية الإسلامية من تنمية الصفات التي تؤدي إلى التفاعل بين الأفراد كصفة الأخوة، والشورى، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والعطاء المتبادل، والقدرة على تكوين تجمعات حضارية يكون الولاء الأول فيها للأمة الإسلامية، قبل أن يكون للتجمع أو الحزب.

 

ولا شك أن تنمية هذه الصفات يحتاج إلى برامج تربوية تركز على الائتلاف والعمل الجماعي، وتنهى عن العزلة عن المجتمع، وتربي الأفراد على أساس من الحرية ضمن النظام، والمبادرة مع الانضباط، والتنفيذ وليس الجدل، وتفجير الطاقات وليس تبرير العجز، وروح الفريق وليس روح القطيع!!.

 

إن التربية «المطلوبة - لتنشئة المسلمين عمومًا فضلًا عن الجيل الذي يقع عليه عبء المواجهة الأولى مع الجاهلية - ينبغي أن توازن بين الروح الفردية والروح الجماعية عند أفراد الجماعة، فلا تحيلهم أصفارًا عن طريق تنمية الروح الجماعية على حساب الروح الفردية، ولا تنمي فيهم الفردية الجانحة فيعتز كل منهم بفكره وبذاته وبتقييمه الخاص للأمور، فلا تأتلف منهم جماعة، ولا يلتئم لهم تجمع له وزن»[6]!!.

 

ولكي تحقق الحركة الإسلامية المعاصرة ذلك التوازن بين الروح الجماعية، والروح الفردية، لا بد لها من توفير المناخ الذي يساعد على تنمية شخصية الأفراد، واختيار أساليب العمل التي تتيح أقل قدر من السلطة وأكبر قدر من المبادرات الذاتية الفردية والجماعية، وفي ذات الوقت تحرص الحركة الإسلامية على ترسيخ الأسلوب القائم على الشورى بين العاملين في صفوفها، وتبادل الآراء بين أفرادها في كل الأمور، وبخاصة الأمور التي تخص الأمة جميعها.

 

«إن المسلم الذي تحتاجه الحركة الإسلامية ليس هو من تكتمل معرفته بالإسلام وبالعالم والعصر على أيديها.. بل هو المسلم القادر على التحرك وسط سائر الظروف، بكل جزء من المعرفة يكتسبه، ويطبقه في تحركه، ويتفاعل به مع ما يستجد حوله تفاعلًا حيًا يصلح الخطأ ويجعله مصدرًا للخبرة، وينمي الكفاءة ويجعلها سبيلًا لابتكار الوسائل فينهض في يومه بما لم يستطع النهوض به في أمسه، ويتحول إلى رفد للعمل، لا إلى عبء عليه»[7]!!.

 

ولا شك أن هذا يستلزم أن تتحول الحركة الإسلامية من أسلوب المركزية في اتخاذ القرار، وتطبيق القرار، ومراقبة تنفيذه ومن ينفذونه.. إلى أسلوب المشاركة الواسعة النطاق، رغم المخاطرة بالوقوع في الخطأ.. ولا بد للحركة الإسلامية «أن تنشئ بداخلها بعض المؤسسات (المستقلة) التي تأخذ على عاتقها القيام بمهمة أو عمل ما، دون أن تمارس القيادات دور (الرقابة) أو دور الرئاسة الشكلية - غالبًا - بل أن تترك لهذه المؤسسات حرية العمل والتحرك، ضمن الإطار المتفق عليه والمحددة أبعاده... ذلك أن هذه الاستقلالية في العمل هي التي تتيح للطاقات أن تنمو وتتفتح وتتحرر من انحصارها داخل قمقم القيادات وداخل أفكارها وتصوراتها[8]» كما أن شعور الفرد بالحرية في التحرك والعمل، يزيد من حماسه للعمل والعطاء لإحساسه بمكانته في الجماعة، وبأن له وظيفة مستقلة تتناسب مع كفاءته وقدراته.

 

وإذا كانت المؤسسات المستقلة داخل الحركة الإسلامية تحقق أهداف تنمية الشخصية واستقلالية القرار، فإن الصلات التعاونية بين الأفراد تؤدي إلى نمو روح الود بينهم وتيسر تأثير كل فرد على إخوانه، وتقبل كل فرد منهم آراء الآخرين.. فتكون نتيجة ذلك هي ازدياد التفاعل بين أفراد الجماعة، وتكامل جهودهم في سبيل حمل الرسالة التاريخية لأمتهم.

 

إن التنظيم في الإسلام لا يعني ما يعنيه التنظيم في النمط الغربي؟! إن التنظيم في الإسلام يعني التعاون والعلمية، أي تعاون الجهود في خطة يضعها العلم، فجوهر التنظيم في الإسلام هو التعاون بين المسلمين، والتكامل بين نشاطاتهم في اتجاه التمكين لشريعة الله، وإقامة دولة الإسلام، وإحياء الأمة الإسلامية.

 

«ولذلك فالتخطيط الإسلامي: أسلوب عمل جماعي - يأخذ بالأسباب لمواجهة توقعات مستقبلية - ويعتمد على منهج فكري عقدي - يؤمن بالقدر، ويتوكل على الله، ويسعى لتحقيق هدف شرعي هو عبادة الله وحده لا شريك له.

 

ولأن التخطيط الإسلامي: أسلوب عمل جماعي، فهو يستوعب جهد كل أفراد المجتمع، ويهتم بتحقيق الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي، وذلك بإيجاد رابطة الأخوة بين المسلمين، والاهتمام بالروابط الأسرية، وعلاقات الجوار[9]» ولتتحول علاقة المؤمنين ببعضهم بعضًا إلى شعور (حي) يتفاعل مع مشاكل الآخرين وحاجاتهم، كما يتفاعل مع قضاياه الفردية.

 

ولأن التخطيط الإسلامي أسلوب عمل جماعي، فهو يقوم على مبدأ (الشورى) ويصطبغ بصبغته، قال عز وجل في صفة المؤمنين: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38] وقال سبحانه آمرًا النبي ومن بعده المؤمنين: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]، ولذلك فإن المسلم يبحث دائمًا عمن يستشيره من أهل العلم والخبرة، وأهل الإخلاص والتقوى.. فيمزج فكره وتجربته مع ما يمكن أن يستفيده من أفكار وتجارب الآخرين، وبالتالي يكون عمله على ضوء من رؤية مستوعبة، وبصيرة نافذة.

 

ولأن التخطيط الإسلامي: أسلوب عمل جماعي، فهو يؤكد على (التشجيع المتبادل) وينهى عن التثبيط، قال عز وجل: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3] فالإنسان بطبعه يحتاج إلى من يشجعه، ولذلك «تلعب كلمة التشجيع دورًا هامًا في دفع عجلة العمل إلى الأمام، بينما تعوِّق كلمات التثبيط العمل القائم - إن لم توقفه تمامًا - ومن هنا فإن واجب القائمين على العمل الإسلامي أن يبتعدوا عن الأقوال المثبطة للهمم مثل: (ماذا يفيدنا هذا؟)، أو (لن نستطيع أن نعمل شيئًا)، وأن يعملوا بروح إيجابية، وهم على يقين أن هنالك دائمًا ما يمكن عمله، وأن كل عمل مفيد»[10].

 

ولأن التخطيط الإسلامي: أسلوب عمل جماعي، فهو يقوم بهدم الحواجز التي قد تقوم بين المؤمنين مثل حواجز العصبيات والحقد والحسد وسوء الظن وغيرها، ويبدلها بقيم الأخوة والإيثار والتعاون وغيرها.. قال عز وجل: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]. وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 9 - 10] وإذا كانت هذه الآيات قد نزلت في وصف جيل الصحابة - الجيل القرآني الفريد - فقد طلب الله من المسلمين في كتابه الباقي إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يقتفوا أثر ذلك الجيل الفريد ويصلوا أنفسهم به: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. وإذن فلا بد من التعاون بين المسلمين، ولا بد من التكامل والتكافل الذي يهدم الحواجز بينهم، فيعطي المجتمع القوى التي يحميه الله بها من الاستعباد والقهر.

 

إن الحياة الإسلامية حياة جماعية يسودها التعاون والتكامل، ويخرج فيها الفرد من دائرة الانغلاق والتمحور حول الذات إلى الانفتاح على الآخرين.. ومن الاتجاه إلى الهموم الفردية، إلى حمل هموم الأمة، ولا تستحق تجمعات الأفراد الذين لا تقوم بينهم صلات الأخوة والتعاون والتكامل، لا تستحق وصف (المجتمع المسلم).. و(الأمة الحية).. بل إن أول صفات الأمة الميتة «هي تعطل روح الجماعة، والعمل الجماعي، وتوقف تبادل الخبرات والمشورة. والذي ينتج في واقع الأمة ظواهر التعصب للرأي، والعجب والكبر والتعالم، وإملاء الرأي وفرضه على الآخرين في جميع دوائر الحياة الاجتماعية ابتداء من القواعد الدنيا في الأسرة والمصنع والمتجر ودوائر الوظيفة، حتى أعلى دوائر المجتمع في رئاسة الحكومة، وقيادة الدولة، حيث زعامات الحكم المطلق، والقيادات الدكتاتورية المتنافرة المتناحرة، ويكون من نتائج ذلك بروز مجتمعات الكراهية، وفقدان الثقة، وشيوع الحسد، وانعدام التعاون والوحدة، وتفرق الكلمة، والتستر على الأخطاء والنواقص والعيوب، ورفض النقد الذاتي، وتبرير الهزائم والنكسات والأزمات،... وبالجملة: تحطيم روح الجماعة، والعمل الجماعي، وإغلاق قنوات الاتصال والتفاهم، فلا تحل المشكلات إلا بالخصومة، والفتن، والتآمر، والقتل.. وإلى هذا المصير يشير قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 65]، وقد فسر ابن عباس رضي الله عنه قوله تعالى: ﴿ مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ أي: من أمرائكم... و﴿ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ من سفلتكم.. و﴿ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ﴾: الأهواء والاختلاف.. و﴿ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾: يقتل بعضكم بعضًا»[11].

 

إننا نشكو في حركتنا الإسلامية المعاصرة من بعض الأخطاء.. هذه حقيقة.. ولكننا إذا بحثنا عن سبب هذه الأخطاء لوجدنا أن وزرها جميعًا يعود إلى أننا نحمل في كياننا جميع الجراثيم التي (تمنع) العمل الجماعي، من شح مطاع، وهوى متبع ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.. وستبقى أخطاء حركتنا الإسلامية، طالما ظللنا عاجزين عن تصفية وتجديد كياننا طبقًا لتوجيهات الإسلام!!.

 

إن الحركة الإسلامية لن يكون لها الأثر الطيب في إحياء الأمة وإخراجها من الاستضعاف إلى التمكين، ومن الفرقة والضعف إلى الائتلاف والقوة، إلا إذا قامت على أساس من (المؤاخاة) وشعر أفرادها أنهم «رجال تجمعهم رابطة العقيدة»، ويعملون في خدمة هدف واحد يشعرون نحوه برغبة في التضحية، ويتقاسمون متاعبه كل حسب إمكاناته وقدرته وكفاءته، دون تفكير في الغيرة أو الدسائس، ذلك أنهم يوقنون أن عملهم ليس في خدمة أشخاص، بل هو في سبيل الله، وفي خدمة الإسلام»[12].

 

إن التعاون بين الأفراد هو أهم أساس في نجاح الجماعة، والروابط القوية بين الأشخاص هي الشرط الأول لتحقيق الأهداف.. قال عز وجل: ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾. فالفرد المنعزل لا يستطيع أن يستقبل الخير أو يرسله إلى غيره.. بل لا بد لكي يكون الأفراد قائمين بالعمل الفعال والإنجازات الكبيرة، أن يكون تحركهم في صورة (فريق عمل) يؤدي نشاطًا مشتركًا..

 

ولكي ندرك أهمية هذا النشاط المشترك، ينبغي لنا أن نسأل أنفسنا «عما كان يمكن أن يحدث من المسلمين الأوائل لو أنهم بدلًا من أن يدعو إلى الإسلام بالطرق العملية، اكتفوا بصلاة داخل مسجد من أجل تحقيقه؟.. من المؤكد أنهم ما كانوا ليغيروا الوسط الجاهلي باحتفاظهم باستقلالهم الأخلاقي في جميع الظروف، وإنما هو الوسط الجاهلي الذي ربما كان قد حولهم إلى جاهليين!! فالنشاط المشترك هو الذي أنقذهم، وهو الذي أنقذ الوسط الجاهلي في الوقت ذاته»[13].

 

ولا شك أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولذلك فنحن بحاجة إلى أن يكون عملنا في إطار (الفرد للمجموع والمجموع للفرد) أو ما يمكن أن نعبر عنه بـ(روح الفريق والمبادرات الذاتية).

 

وبكلمة: لا تستطيع أمة من الأمم أن تحقق أقصى فعالية في الداخل والخارج إلا إذا كان النظام الجماعي هو الذي يسير خطوات أفرادها، ذلك أن العمل الجماعي هو الذي يجعل كل فرد في الأمة يضاف إلى الآخر إضافة (كيفية) وليس إضافة (كمية) وبالتالي فهو الطريق إلى القوة الاجتماعية التي يتحول فيها الأفراد إلى كيان تتوحد فيه الأفكار والمشاعر والممارسات العملية من أجل تحقيق رسالة الأمة. ومن هنا، فإن واجب الحركة الإسلامية بجميع فصائلها «أن تبدأ مسيرة التعاون من أجل بناء الأمة الإسلامية القوية التي تستطيع أن تواجه كل أعدائها، وتؤدي رسالتها الحضارية التي لا يمكن أن يقوم بها أفراد، وإنما يقوم بها مجموعات متعاونة تعمل حسب خطة تكاملية مدروسة»[14]، وتتحرك بتوازن دقيق بين الروح الجماعية والروح الفردية فتقيم استراتيجيتها على أساس من (روح الفريق والمبادرات الذاتية).



[1] مقومات الشخصية المسلمة - د. ماجد عرسان الكيلاني ص 63.

[2] أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية - د. علي بن نقيع العلياني ص 81.

[3] هكذا ظهر جيل صلاح الدين - د. ماجد عرسان الكيلاني ص284.

[4] إخراج الأمة المسلمة - د. ماجد عرسان الكيلاني ص 30 بتصرف.

[5] هكذا ظهر جيل صلاح الدين - د. ماجد عرسان الكيلاني ص 284.

[6] واقعنا المعاصر - محمد قطب ص 477.

[7] مجلة الرائد - العدد 129 ص 18.

[8] مسائل في العمل الإسلامي - محمد وليد سليمان ص 59، 61.

[9] التخطيط - د. فرناس عبد الباسط البنا ص 85, 93.

[10] لمحات في فن القيادة - ج. كورتوا - تعريب المقدم الهيثم الأيوبي ص 34.

[11] إخراج الأمة المسلمة - د. ماجد عرسان الكيلاني ص 140.

[12] لمحات في فن القيادة - ج. كورتوا - تعريب المقدم الهيثم الأيوبي ص 146 بتصرف.

[13] ميلاد مجتمع - مالك بن نبي ص 105, 106.

[14] راجع إن شئت: نحو وحدة العمل الإسلامي - للمؤلف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العمل بروح الفريق
  • كن مبادرا
  • المبادرات المتفردة ودورها في تجويد العمليات الإبداعية: مؤسسة مقاربات أنموذجًا

مختارات من الشبكة

  • ما الحل لانعدام روح الفريق(استشارة - الاستشارات)
  • مخطوطة روح الأرواح(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مواعظ وحكم من كتاب روح الأرواح لابن الجوزي (2)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مواعظ وحكم من كتاب "روح الأرواح" لابن الجوزي (1)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (22)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • لماذا فريق عمل؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فريق في الجنة وفريق في السعير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شهر شعبان بين فريق غلا وفريق جفا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الفروق المسمى أنوار البروق في أنواء الفروق(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب