• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

عظمة القدر

عظمة القدر
نور الدين قوطيط

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/6/2016 ميلادي - 16/9/1437 هجري

الزيارات: 6009

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عظمة القدر


لا توجد عقيدة تنازَعَ فيها النَّاس؛ مؤمنهم وكافرهم، قديمًا وحديثًا - وسيظل الأمر كذلك - كعقيدة القَضاء والقدر! فلا عجب أنْ كانت هذه العقيدة إحدى ركائز الإيمان في المنظومة الإسلاميَّة؛ إذ تظاهرَت الآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة على جوهريَّة هذه العقيدة، حتَّى صارت من المعلوم من دِين الإسلام بالضرورة.

 

يقول الحقُّ جل وعلا: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38]، ﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 40]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كتب الله مقاديرَ الخلائق قبل أن يَخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة))، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أول ما خلَق الله القلم، فقال: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد))، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "القدَر نظام التوحيد، فمن وحَّد الله وآمن بالقدر، تمَّ توحيده، ومن وحَّد الله وكذَّب بالقدر، نقض تكذيبُه توحيدَه".


ولقد علِم المتربِّصون بهذه الأمَّة شرًّا القيمة الفعَّالة لعقيدة القدر في الإسلام، وحيويَّتها الدَّفاقة، وفاعليَّتها العميقة في شخصيَّة المسلم وطبيعة علاقته بحركة التاريخ، فحرَصوا بكلِّ حيلة على تَشويهها في عقله ووجدانه، خاصة بعد أن بَهت وخفَت وهجُها لديه عبر التاريخ بسبب عوامل مختلفة في مقدِّمتها ما يسمَّى بـ "علم الكلام" واتجاهاته وصراعاته!

 

ولأنَّ هذه المقالة ليست موضوعة لتتبُّع تاريخ عقيدة القضاء والقدَر لدى مختلف المدارس والاتجاهات، وكشف سياقاتها وعواملها وآثارها، سيكون البحث - إن شاء الله - قاصرًا على تقديم باقة إرشادات تساعد المسلِمَ المعاصر على تبصُّر جمالية هذه العقيدة، وتذوق روعتها، وفهم أبعادها.

 

الخلَل المنهجي الذي وقع فيه كثيرون وهم يَنظرون في القضاء والقدر أنَّهم لم يحدِّدوا الإطارَ الكلِّي الذي يجب من خلاله دِراسة عقيدة القضاء والقدر؛ أي: علاقة الخالق بالمخلوق في مجاله وسياقه، بل انطلقوا لفهم هذه العلاقة المركزيَّة من مقرَّرات بعيدة عن معطيات الوحي الرباني في شموليَّتها وتكاملها!

 

من أجل ذلك، فإنَّي أعتقد أنَّ القضاء والقدَر يجب دراسته انطلاقًا من الحقائق الثلاث التالية:

♦ الحقيقة الأولى: وجود الله تعالى:

قدَّمت العقيدةُ الإسلاميَّة اللهَ تعالى على أنَّه الإله الخالق، له الكمال اللانهائي في ذاته وصفاته؛ وهذا يعني أمرين:

• الله تبارك شأنه غنيٌّ عن العالمين كافَّة، وغناه يُحيلُ بشكل مطلق أن يظلم أدنى ظلم.

• العقل الإنساني يستحيل استحالة مطلقة أن يحيط علمًا بالله تعالى في ذاته وصفاته.

 

♦ الحقيقة الثانية: مهمَّة الإنسان:

حصرت العقيدةُ الإسلاميَّة مهمَّةَ الإنسان في شيء واحد، هو: العبوديَّة لله تعالى بمفهومها الواسع، الشامل، والمتكامل؛ وهذا يعني أمرين:

• الدنيا ليست عالم صفاء وهناء، بل دار امتحان وبلاء؛ إذ هي فانية زائلة.

• يتحرَّك الإنسانُ في إطار منظومة متشابكة من الضوابط والأسباب والآثار.

 

♦ الحقيقة الثالثة: المصير الأبدي:

كشفَت العقيدةُ الإسلاميَّة عن أنَّ مصير الإنسان بعد الموت هو الاستمرار في الوجود بشكل أبدي، إما الجنة أو النَّار؛ وهذا يعني أمرين:

• الإنسان مخلوق للأبد السرمدي، إما في مسار السعادة أو مسار الشقاء.

• مصير الإنسان في عالم الخلود مرتبط جوهريًّا بمدى أدائه لمهمَّته الأصلية في الدنيا.

إذًا في إطار هذه الحقائق الثلاث يجب أن ننطلق لفهم طبيعة القضاء والقدر.

 

ومن هنا يمكننا أن نقول: العلاقة بين الله تعالى والإنسان علاقة تفاعليَّة، هذه التفاعليَّة الثنائيَّة تحتفظ للألوهيَّة بعظمتها وكمالها، كما أنَّها تمنح الإنسانيَّة قيمتَها ومعناها؛ إذ لو كان الأمر جبريَّة مطلقة، لما كان لمسؤوليَّة الإنسان معنًى، ولو كان الأمر حريَّة مطلقة، لما كان للألوهيَّة قيمة!

 

بعد هذا البيان المجمل، سأضع هنا مجموعة ضوابط كليَّة تعصم - إن شاء الله تعالى - المسلمَ المعاصر من الوقوع في شَرَك الحيرة والشكوك التي يحرص الملاحدة وغيرهم على إيقاعه فيها، فأقول:

♦ الضابط الأول: الله جل وعلا متصفٌ بالكمال المطلق:

معنى هذا الضابط: أنَّ الحق تبارك شأنه لما كان هو الخالق، وكان شرط الخالقيَّة في ضرورة العقل هو الكمال اللانهائي في العلم والقدرة والرحمة والحكمة والإرادة، وغير هذا من الصفات - استحال استحالة مطلقة أن تتطرَّق أدنى أشكال الظلم المتوهَّمة في العقل إلى أحكامه وأفعاله؛ إذ لو أمكن ذلك، فهو نقص وعجز وجهل وعبث، وكمالُ الألوهيَّة وعظمة الخالقيَّة منزَّهة عن كل ذلك.

 

♦ الضابط الثاني: الله عز وجل خلق الإنسان والكون خلقًا خاصًّا:

معنى هذا الضابط: أنَّ الحق تبارك وتعالى لما كان هو الإله الخالق، خلق الوجود بما فيه من أشخاص وأشياء بإرادته الكاملة - كان هو وحده جلَّ مجده أعلم بسرِّ تشكيل الكون والحياة والإنسان على هذا النحو؛ إذ إنَّ خلق الوجود على هذا الشكل مرتبط جوهريًّا بكمال الحكمة الإلهيَّة وما لا نعلمه من الصفات الأخرى التي يتَّصف بها الله تعالى.

 

♦ الضابط الثالث: القدر الإلهي له اعتبارات متشابكة ترتبط بالدنيا والآخرة:

معنى هذا الضابط: أنَّ الله عز وجل في شتَّى صور وأشكال أقداره في حياة الإنسان يراعي اعتبارات هائلة ومتشابكة لها صِلات وثيقة بطبيعة عالم الدنيا، وطبيعة مهمة الإنسان وشخصيَّته، وطبيعة مصيره في عالم الآخرة، وغير هذا من الأسرار المعتبرة؛ وهذا ما يؤكِّد استحالة الإحاطة بهذه الاعتبارات علمًا وتصوُّرًا على أي مخلوق؛ إذ كل مخلوق فهو محدود.

 

♦الضابط الرابع: الإنسان مجبر على الكليات، مخيَّر في الجزئيات:

معنى هذا الضابط: أنَّ الله سبحانه خلق نظامًا كونيًّا معيَّنًا؛ فالإنسان يستحيل عليه أن يخرج من دائرة هذا النظام، لكن داخل النظام أعطاه اللهُ تعالى الحريَّةَ ليختار ما شاء من الخيارات التي ضمَّنها الله تعالى الإطار الكلي، مثال: قرَّرْتَ أن تأخذ قطارًا من نقطة (أ) إلى نقطة (ب)، هنا أنت مجبر ومختار:

• مجبر على قبول سلوك القطار للسكة التي وضعها المهندسون، سواء كانت مستقيمة أو منعرجة، ولا يحق لك أن تعترض على مسارها؛ لأنَّ الجواب منهم سيكون: هذا ليس من شأنك!

 

• مختار داخل القطار فقط: تستطيع أن تقطع الرحلة واقفًا أو ماشيًا، جالسًا أو نائمًا... إلخ، ولن تجد أحدًا يرغمك على البقاء وقوفًا مثلًا، بل فقط ستجد إرشادات لراحة أكبر!

 

ولهذا أقول: لا وجود للحرية المطلقة؛ فالحرية المطلقة تناقِض صفة المخلوقيَّة في الإنسان؛ بمعنى لو أنَّ الإنسان حرٌّ بشكل مطلق، إذًا فهو إله وليس مخلوقًا؛ إذ كان معنى الحريَّة المطلقة هو أن يفعل الفاعل ما يشاء بلا قيود ولا حدود، وهذا يقتضي أوَّلًا مجموعة هائلة ومتشابكة من الصِّفات التي يجب أن يكون متَّصفًا بها بشكل لا نهائي؛ كالعلم والقدرة، والإرادةِ والحكمة؛ وما من شك في أنَّ هذا مستحيل في حقِّ المخلوق! وخير برهان على أنَّ الإنسان ليس حرًّا حريَّة كاملة، أنَّه يعيش في بيئة حتميَّات مطلقة لا يمكنه أن يجادل فيها، مثاله: حتميَّة قواعد اللغة التي اختار أن يتحدَّث بها، حتميَّة المناخ البيئي الذي اختار أن يعيش في حدوده، وقس على هذا!

 

يبيِّن هذا المعنى الضابطُ التالي:

♦ الضابط الخامس: الإنسان مخيَّر في الأسباب، مجبر على النتائج:

معنى هذا الضابط: أنَّ الله تبارك شأنه في النِّظام الوجودي الذي أراده، جعل من معالمه وقوانينه: الأسباب والنتائج، فكلُّ سبب يؤدِّي إلى نتيجة معيَّنة، لكن إذا كان الله تعالى هو خالق السبب والنتيجة، فقد منَحَ الإنسانَ حريَّةَ التحكم في السبب، ومنَعَه حريَّة التحكُّم في النتيجة.

 

وهذا مثال هذا الضابط: أنت مخير أن تقف أمام القطار أو ترفض، لكنك إذا قرَّرتَ الوقوف ودهسك القطار، فأنت مجبر ومرغم على قبول النتيجة؛ وهي الموت، أنت مخيَّر أن تمارس الجنس في الحلال أو الحرام، لكنَّك أنت مجبر على قبول النتيجة؛ وهي الحمل، أنت مخيَّر في شرب العصير أو السم، لكنك إذا اخترت السمَّ، فأنت مجبر على قبول النتيجة؛ وهي الموت، أنت مُخيَّر في الركض أو المشي العادي، لكنك إذا اخترتَ الركض فأنت مجبرٌ على قبول النتيجة؛ وهي العرَق والتَّعَب.

 

إذًا فالأسباب فِعل الإنسان، أما النتائج، فهي فِعل الله تعالى وحده، إلا ما أعطاه من القدرة في التدخُّل فيها؛ كحبوب منع الحمل مثلًا، لمنع تحقق النتيجة: الحمل، بل حتَّى هذا الهامش الضيِّق للتحكُّم في النتيجة تترتب عليه نتائج تكون أسبابًا لنتائج أخرى سلبيَّة؛ مثل التحكُّم في الحمل نتج عنه انتشار الزنا، فنتج عنه شيوع أمراض خبيثة، وهشاشة الشخصيَّة، وتفكُّك أواصر المجتمع.

 

إعطاء الحريَّة للإنسان للتحكُّم في السبب مع منعه من التحكُّم في النتيجة - إلا في هامش ضيِّق كما قلنا - هو الذي يضفي على نشاط الإنسان وحياته معناها وقيمتها ومسؤوليَّتها.

 

♦ الضابط السادس: التكليفات مرتبطة بالاختيار دون الاضطرار:

معنى هذا الضابط: أنَّ الحق تبارك وتعالى لما كان قد خلق الإنسانَ للآخرة، وجعل مصيره فيها (الجنة أو النار) مرتبطًا بمدى قيامه بالمهمَّة التي خلقه لأجلها؛ مهمة العبوديَّة: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]؛ عقيدة وسلوكًا، وتعبُّدًا وتشريعًا، وجعل النظام الكوني ثنائيًّا؛ كليَّات قاهرة، وجزئيات حرَّة - في إطار كل هذا، كان التكليف الشرعي الذي يترتَّب عليه الحساب عند الله تعالى مرتبطًا بدائرة الاختيار لدى الإنسان دون دائرة الاضطرار؛ إذ ما يفعله الإنسان مختارًا يكون قد فعله بوعيه وإرادته الكاملة؛ ولهذا وجَب أن يتحمَّل مسؤوليَّته وعواقب اختياراته.

 

وأمثلة هذا الضابط كثيرة جدًّا، منها: الله تعالى لا يحاسب العبدَ على لونه وجنسه ومكان ميلاده وزمانه؛ لأنَّ هذه تقع في دائرة الاضطرار؛ أي: كانت خارجة عن نطاق الفعل الإنساني.

 

الله سبحانه يحاسِب عبدَه على عصيانه وشركِه، وإلحادِه وظلمه وجرائمه؛ لأنَّ هذه تقع في دائرة الاختيار؛ أي: هي داخلة في نطاق الفعل الإنساني، فكلُّ إنسان يجد من نفسه القدرة على الايمان أو الكفر، على الاستقامة أو الانحراف، على محاسن الأخلاق أو فاسدها.

 

إذا فهمنا هذه المعطيات، سنفهم بالضرورة أنَّ كل ما يقوله الملاحدة عن وجود الشرور في الحياة، وبالتَّالي يرتِّبون عليها نفي وإنكار وجود الخالق تبارك وتعالى - ليس سوى تهافتًا شنيعًا وثرثرة فارغة؛ وذلك أنَّ هذه الشرور والآلام (كالتشوهات، الجرائم، الحروب) التي يحتج الملاحدة على وجودها، لم تأتِ من فراغ، بل الإنسان تدخَّل في حدوثها، أمَّا الإله الخالق، فقد سمح بحدوثها فقط، في إطار طبيعة النِّظام الكوني الذي خلقه لتحقيق المقاصد العليا التي أرادها؛ أي: إنَّنا علميًّا عندما نبحث في أسباب هذه (الشرور)، سنجد دائمًا الإنسانَ هو السبب، هو الفاعل، أمَّا الإله الخالق، فهو فقط سمح بحدوث ذلك كما قلتُ.

 

المشكلة عند الملاحدة - وكثير من المؤمنين ينسون ذلك - أنَّهم يعتقدون أنَّ الدنيا هي النهاية، والموت هو آخر الرِّحلة؛ فطبيعي للغاية أن تَثور ثائرتهم على وجود هذه الشرور، لكن لو فهموا أنَّ الحياة الدنيا محطة في رحلة طويلة، وأنَّ الموت ليس النهاية، بل وراءه حياة أخرى سيتحدَّد مصير الإنسان فيها حسب ما فعَل في الدنيا من الخير أو الشر، لو فهموا هذه الحقيقة البسيطة، لكان لهم موقف آخر، ولكن كم للجهل من ضحايا!

 

نخلص من هذا البيان المختصر للقول:

لكل عقيدة يعتقدها الإنسان ثمار ونتائج وآثار، تظهر في طريقة تفكيره، وطبيعة سلوكيَّاته، ومسارات حياته بعلاقاتها وأهدافها، والقدَر بحكم أنَّه عقيدة يعتقدها كل النَّاس - مؤمنهم وكافرهم - بالضرورة يكون لها ثمار وآثار، ولا شك أنَّ الفهم الصحيح لهذه العقيدة كما وضح المنهج الإسلامي حقائقها، يورث المسلمَ نتائج طيِّبة، وثمارًا يانعة، نلخصها في التَّالي:

♦ على مستوى الفكر والعقيدة: إخلاص التوحيد لله تعالى؛ وذلك أنَّ المسلم يدرك أنَّ الله تعالى له السلطان المطلَق والحكم الكامل في الوجود والحياة والإنسان، فلا يحدث في حياة الإنسان وجنبات الكون والحياة شيءٌ خارج قدرة الله تعالى وعلمه وهيمنته المطلقة: ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29]، ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]؛ وبهذا ينجو المسلم من الوقوع في حمأة الشِّرك والكفر، كما وقع فيه مَن أعرض عن منهج الله تعالى ممن اعتقد أنَّه يكون في الوجود ما لا يريد الله تعالى، فرارًا من نسبة الشرور إليه جل جلاله!

 

♦ على مستوى النفس والشعور: وجدان الراحة والطمأنينة؛ وذلك أنَّ المسلم يدرك أنَّ الله تعالى يتَّصف بصِفات العلم المطلق، والرَّحمة الشاملة، والحكمة البالغة، والقدرة اللانهائيَّة، وأنَّه تبارك وتعالى يحب لعبده المسلم الخير والرِّضا والسعادة: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [سبأ: 4]، ومن ثمَّ يطمئن لكلِّ أقدار الله تعالى، حتى وإن كانت على غير هواه، فهو رابِح على الله تعالى في جميع الأحوال: إن أصابته سرَّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبَر، فكان خيرًا له: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]، وبهذا لا ييئَس، ولا يتشاءم، ولا يسخط، كما لا يُعجَب بنفسه، ولا يغتر، ولا يتكبَّر بحوله وقوته وذكائه؛ ذلك لعلمه أنَّ ما أصابه من شرٍّ فبمعصيته لله، وهذا عدل الله: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وما أصابه من خير فبتوفيق الله، وهذا فضل الله: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]؛ بل يجدد علاقته بخالقه، وينطلق في مسارات الحياة ومواجهة تحدياتها وهو ممتلئ بالحبِّ، والتفاؤل، والإيجابيَّة، والتواضع والخشوع؛ لأنَّه يكون موصولًا بالله تعالى وعالَم الخلود الجميل، متحرِّرًا من سجون الشهوات وضغوط الأوهام التي يتنفَّس فيها البُعداء عن الله تعالى.

 

♦ على مستوى السلوك والممارسة: الاستقامة واليقظة؛ وذلك أنَّ المسلم يعلم أنَّ كل عمَل يأتيه له تأثير معيَّن على شخصيَّته أوَّلًا، وعلى مجتمعه ثانيًّا، وعلى علاقته بالله ثالثًا، ومن هنا يكون حريصًا على الاستقامة في نشاطات حياته كافَّة على منهج تعاليم الله تعالى؛ فلا يطلب من الرِّزق إلا الحلال، ولا يضع من الأهداف إلَّا ما ينسجم مع شرع الله تعالى، ولا يعامِل الآخرين الذين تربطه بهم علاقة معيَّنة إلا بما حدَّد الله تعالى؛ لأنَّه يعلم أنَّه مسؤول، وسيحاسب على مسؤوليَّته عن نفسه، وعن أسرته، وعن كل ما في دائرة سلطته؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسَبه وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟))، كما يكون يقظًا لنشاطات المجتمع، فهو مسؤول - في حدود سلطته - أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ أي: أن يمارس "النَّقد الاجتماعي"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الناس إذا رأوا المنكرَ فلم يغيِّروه، أوشك أن يعمَّهم اللهُ بعقابه))، وقال الله تعالى عن بني إسرائيل: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79].


وبهذا يكتسب مفهوم القدَر في عقل ووجدان الإنسان المسلم قيمته وجماليَّته؛ فلا يتعامل معه بشكل سَلبي، بل بصورة إيجابيَّة؛ لأنَّه يتَّخذه قوة دافعة له في الحياة، وهذا هو سرُّ قوَّة المسلم وحيويَّته، كما تجلَّى ذلك بأروع صوره وأعمق معانيه في حياة الصحابة والجيل الأول من المسلمين، الذين حقَّقوا من النتائج في شتَّى المجالات ما بَهَرَ أُممَ العالم قديمًا وحديثًا؛ ولهذا قال بعض الصحابة لمَّا سمعوا أحاديثَ القدر، وأنَّ كل شيء مكتوب عند الله تعالى، وأنَّ على المسلم أن يعمل ما ينفعه ويورثه رضوان ربِّه، فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له: "ما كنتُ بأشد اجتهادًا منِّي الآن"؛ والله أعلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • درجات القدر
  • الإيمان بالقدر
  • سر القدر
  • حكم البلاء ومدافعة القدر
  • فضل من احتسب أولادا ولم يسخط على القدر

مختارات من الشبكة

  • عظمة الشمس من عظمة خالقها(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • تفسير: (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 8/2/1434 هـ - عظمة الله وقدرته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 18/5/1432هـ - دلائل قدرة الله تعالى وعظمته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نماذج من عظمة الله عز وجل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عظمة القرآن (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عظمة الله وأثرها في نفوسنا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عظمة الله وأثره في نفوسنا(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الاستنجاء بالروث والعظام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عظمة الإسلام في علاج الفقر والبطالة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب