• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

شريعتنا نهضة وحضارة كلها

د. محمود حسن محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2016 ميلادي - 18/8/1437 هجري

الزيارات: 3969

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شريعتنا نهضة وحضارة كلها


لعلَّ من الأمور المطلوب التأكيد عليها باستمرار أنَّ شريعة الله الخالدة تُحمِّل المسلم أمانة إعمار الأرض، وأن هذه الشريعة العادلة جاءت لتَرسم المسارات الصحيحة، الملائمة للوجود الإنساني على الأرض؛ كي يعبد الناس خالقهم على بصيرة، وتقوم الحضارة الربانية، فما خلق الله خلقه عبثًا أو بلا شريعة تَقذِف بالحق على الباطل فتَدمغه فإذا هو زاهق.


إنَّ شريعة القيم والأخلاق وعمارة الأرض وإصلاح الحياة - قابلة لإدارة كل نهوض وتحضُّر يَسعى لأمن الإنسان، وسعادته، ونهضته، فكلُّ جملها مفيدة، وكل معانيها هادية، وكل أحكامها ضابطة، وكل غاياتها عالية وعزيزة ومُثمرة.


كما أنها جديرة بأن تظلَّ المشروع العملي الحَضاري الذي يجدِّد نمو طاقاتنا، ويطوِّر إمكاناتنا الحضارية، ويُساعد على توظيفها في إبراز وتوليد مَظاهر مُتجدِّدة للحياة الإسلامية الإنسانية الكونية، ويدفع الشخصية المسلمة للتغيير والعمل، والنهوض الحضاري اللائق بمَكانتنا الكونية؛ وذلك بالامتثال الواعي لأحكامها ومَقاصدها في النفس الإنسانية والحياة، والتأثير والإبداع، واحترام القوانين التي تُنظِّم حياتنا الاجتماعية، وتحفَظ الحقوق والواجبات، ومُعالجة الأخطار البيئية التي يمكن أن تدمِّر الحياة.


إن شريعة هذا الدين هي دستوره وقانونه، وصبغة الله التي أنزلها ليَهتدي بها البشر في دروب الحياة، وهذه الشريعة يتناغم فيها الثبات والتطور، فكل ما ورَد فيه (نص) هو الثبات، وكل ما تَرك الله التفصيل فيه (التطور)[1].


كما أن هذه الشريعة التي حفَّزت أسلافنا على الإبداع في الطب والفلك والهندسة - تَملِك القدرة التحفيزية لأن تكون باعثَ نهضة لكلِّ العصور، ولكلِّ الأجيال التي تَمتلك إرادة الإبداع والنهوض الحضاري، وأن تكون سبيلًا يُضيء الحياة للمسلمين في الشرق والغرب على سواء، ويُعالج مشكلاتنا الحضارية المتجدِّدة، وقضايانا التنموية الشائكة، ويُعيد ترتيب العقلية المُسلمة كي تُقاوم عَجزها الحضاري بالتغيير المُتكامل نحو الأفضل.


تُطلَق الشريعة على كلِّ الأحكام التي شرعها الله لعباده وهذه الأحكام تَنقسِم ثلاثة أقسام:

أ- أحكام اعتقادية تتعلَّق بما يجب على المكلَّف اعتقادُه في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما فيه مِن ثَواب وعقاب.

ب- أحكام خُلُقيَّة تتعلَّق بما يجب على المكلَّف أن يتحلى به من الفضائل، وأن يتخلى عنه من الرذائل.

ج- أحكام عمَلية تتعلَّق بما يَصدر عن المُكلَّف مِن أقوال وأفعال وعقود وتصرفات، وهذه الأحكام تَنتظِم نوعين: أحكام العبادات التي يُقصد بها تنظيم علاقة الإنسان بربه، وأحكام المعاملات مِن عقود وتصرُّفات وعقوبات وغيرها، بما يُقصد به تنظيم علاقة المكلَّفين بعضهم ببعض، سواء أكانوا أفرادًا أم أممًا أم جماعات[2].


تَمتاز الشريعة الإسلامية عن سائر الشرائع بجملة من الخصائص الإيمانية والحضارية التي تؤهِّلها لأن تَكفل للمجتمع البشري كله رشده، ونهضته وخيريته، وفلاحه في الدنيا والآخرة:

• فهي ربانية المصدر، وقد نزلت من السماء كاملة في معناها، شاملة في فحواها، ربانية في رسالتها ومغزاها، مبرَّأة من الجَور والهوى، لا ترى فيها عِوجًا ولا أَمْتًا، وضعها مَن له الكبرياء في السموات والأرض وهو اللطيف الخبير العزيز الحكيم، والإيمان بأن مصدرها هو الله يَدفَع إلى احترامها، والالتزام بأحكامها بوازع داخلي يؤمن بأن فيها مصلحةَ الإنسان وسعادته، على عكس القوانين التي يضعها الإنسان فإنها ناقصة؛ لأنَّ واضعها متَّصف بالنقص والضعف وقلَّة الحيلة، مهما بلغت معرفته، وتسامت تجربته.


كما أنَّ كَمال هذه الشريعة يبدو واضحًا في إرساء المبادئ التي تَحترم الإنسان لذاته، وتحفظ عليه آدميته، وكرامته، وعزَّته، وحقوقه، وتطبَّق على الجميع في عدل وإنصاف، وتُعالج كل مشكلات الحياة علاجًا حضاريًّا صحيحًا، التي لا يرقى إلى آفاقها تشريع من صنع البشر.


كما تعني تلك الخصيصة أن الشريعة تنظر إلى الإنسان نظرة مُتكاملة تقودُه لعمارة الأرض؛ فهي لا تهتم بجانب دون آخَر؛ وإنما تهتم بكل ما يحول بين الإنسان وما يَمسخ فطرته النقية على نحو يَرتقي بالحياة ويُطوِّرها، حتى يتحقَّق في الأرض معنى الخلافة الصحيحة عن الحق تبارك وتعالى، وحتى يستقيم في كل أحواله على ما كتبه الله عليه، وهذا ما لا تعرفه القوانين البشرية.


إن قوالبها العامة، ومعاييرها الواسعة، وأحكامها الاجتهادية المتجدِّدة: تحث على أداء الأمانات لأهلها، بما يُشيع الإحسان والمعروف والمعاملة بالحسنى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].


• كما تتميَّز شريعتنا بالعالمية؛ فقد جاءت نهضةً وحضارةً لكل البشر، وتنميةً وارتقاءً لجميع المجتمعات الإنسانية، كما جاءت هدى ورحمة للعالمين في أي زمان عاشوا، وفي أي مكان وُجِدُوا؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].


إن القرآن الكريم في كثير من آياته يُخاطب الناس ويدعوهم إلى الإيمان، وفي بعض الآيات يتحدَّث في جلاء عن هذه العالمية؛ كقول الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].


فهي تنظِّم أحوال الفرد والأسرة، وتنظم شؤون الدولة الداخلية، كما تُنظِّم علاقاتها الخارجية، وتحدِّد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والعلاقة بين العامل ورب العمل، وبين الابن وأبيه، والزوج وزوجه، فهي شريعة الأرض بكل مُكوِّناتها، وشريعة السماء بكل أرجائها، "وإنَّ كل ما كتب الله على عباده متفقٌ تمامَ الاتفاق مع ما جُبل عليه الإنسان بصفته إنسانًا مِن طاقات ذهنية ونفسية، فليس فيه ما ينبو عن العقل، والاستعداد للحضارة، والقدرة على اكتساب المعرفة، وسد الحاجة، وتطوير الحياة"[3].


كما اهتمت برفع القيمة الكونية للمرأة، وجعلها شريكة الرجل في الحقوق والواجبات، كما أكَّدت على أهمية حفظ حقوقها الاجتماعية والسياسية والحضارية كاملةً؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1]، ومما يدلُّ على ملائمة الشريعة للفطرة الإنسانية: قلَّة التكاليف، ومراعاة الأعراف، وقيام ما كتبه الله على عباده على القصد والتوسُّط واليُسْر ونفْي الحرج، ثم التكليف بما يُطاق لا بما يشقُّ على النفس، ولعلَّ من المسلَّمات العقلية والشرعية ابتداءً أن الأحكام الشرعية أو التكاليف الشريعة جميعها إنما تقع ضمن حدود إمكانية الإنسان واستطاعته؛ حيث لا يُمكن أو يتصوَّر أن يُكلِّف الله سبحانه وتعالى - خالق الإنسان، والأعلم بنوازعه ودوافعِه، وغرائزه وفطرته، وكينونتِه بشكل عام - ما يشكِّل لهذا المخلوق العنتَ، ويتجاوز قدراته، ولا أدَلَّ على ذلك من قوله تعالى[4]: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، وقوله: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].


فهي بكل أحكامها وآفاقها وأبعادها تُهيِّئ للإنسان استقامة أَمرِه، واتزان وعيه، وانضباط سلوكه، وتحقيق كرامته وقوته، وتحثُّه على اكتساب المعارف وتنميتها واستثمارها ليَبلغ القمة الإنسانية والحضارية، وهي بكل خصائصها وواقعيتها مؤهَّلة باستمرار لإيقاظ الوعي الحضاري، وتحريك الالتزام بأَوامر الإسلام، ودفع عالم التنمية نحو الأمام، وإعانة كل مَن يُريد أن يستردَّ للأمة مكانتها الحضارية المتميزة، وينشر العدالة والكرامة والمُساواة والحرية والرحمة، ويوجه سعيه وكدَّه لمستقبل أفضل؛ وبذلك فإنها عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، ونهضة كلها، وحضارة كلها.


إنَّ المخزون الثقافي الحضاري الذي تَمتلكه الأمة المسلمة من عطاء رحلة النبوة التاريخي، وفقه السير في الأرض، وامتلاكها النص الإلهي السليم، الذي يُعتبر من لوازم ختم النبوة، والذي أورثها خاصية الإمكان الحضاري، وبيَّن لها دليل الوصول إلى الوراثة الحضارية - يجعلها قادرة على النهوض واستئناف دورها في القيام بأعباء وراثة الكتاب؛ ذلك أن شواهد التاريخ تَحمل الدلالة الكافية على قدرتها في فترات متعدِّدة على النهوض والتجاوز والتجديد، وتحقيق الخلود المستمر بإنتاج النماذج المأمولة من كل جهة.


كما تحمل الدلالة أيضًا على أن فترات الركود والخمود والجمود والتقليد والاستنقاع الحضاري، كانت بسبب اختلال المعادلة بين معارف وهدايات الوحي ومدارك العقل، وعجز وسائل التربية والتشكيل الثقافي عن إحداث التفاعُل بين الإنسان والإسلام، بين العقل والوحي، الأمر الذي أدى إلى عجز العقل المسلم - بسبب سوء تشكيله التربوي - عن التجديد والعودة بالأمة إلى الجادة المستقيمة، وذلك بردِّ الأمور المستجدة إلى قِيَم الكتاب والسنَّة، وامتلاك القدرة على الاستنباط، واكتشاف الوسيلة التي تسهم في الحل، وتحقق الهدى المقصدي للكتاب والسنَّة، حسب ظروف الزمان والمكان؛ استجابة لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]، والاستنباط هو الاجتهاد، وهو مسؤولية العقل القادر على استصحاب قيم الكتاب والسنة بفهم جديد قويم للنصِّ الخالد للاهتداء إلى الحل[5].


كما اهتمَّت هذه الشريعة بالعلم والمعرفة والإبداع الحضاري، وجعلت القراءة مدخلًا لنهضة الأمة؛ قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وقد جعلتِ المعرفةَ مسؤوليةً وتبعات حتمية الفعل والتأثير والتجديد، بما يجعلنا نؤثر في المجتمعات الإنسانية المعاصرة، ويتمدَّد هذا التأثير في المستقبل، ويجعلنا نشعر بقيمتنا الكونية والحضارية، ونتأهَّل دائمًا للقدرة على الاستمرارية الحضارية.


ويُخطئ من يظن أن طموحاتنا الحضارية ستُبنى بعيدًا عن الآفاق الحضارية لهذه الشريعة السمحة، أو نُصبح من أنشط الناس في التقدم التنموي، دون أن نَبني على أساسها القُدوة الأخلاقية والمعرفيَّة والإبداعية، التي تجعلنا نعيش في أمن وسلام، وتُشجِّعنا على إيجاد أرضية واسِعة مِن التواصُل البشري والتعاون الإنساني الذي يُغطِّي حاجات ملايين البشر للطعام واللباس والدواء والعلم النافع.


• ومن خصائص هذه الشريعة صلاحيتها للتطبيق الدائم؛ فهي ليست محليَّةً أو إقليمية تَصلُح لبيئة دون أخرى، أو لعصر دون عصر، ولكنها عالَميَّة تصلح للإنسان حيث كان، لقد عاشت حتى الآن نحو أربعة عشر قرنًا تُطبَّق في كل الشعوب الإسلامية على تفاوتٍ في هذا التطبيق بين قُطْر وقُطْر، وبين عصر وعصر، لم تَقف عاجزةً أمام مشكلة من مشكلات الحياة، واستجابت لكل ما يجد من نوازل، ونظمت علاقة الإنسان مع غيره في شؤون المعاملات، والبيع والشراء، والميراث، والقضاء والعقوبات "فالتشريع الإسلامي له سماته الفريدة، وخصائصه الفعالة، وهو يَملك من مقومات الحركة والمُرونة ما يجعله صالحًا لكل زمان ومكان، فهو حياة للحياة، أو روح للأرواح، فهو قائم متجدِّد، ولا يهدأ إلى قيام الساعة، له في كل أمة وفي كل جيل صولات، يُعطي الحياة دفئها وبركتها، ونموها ونشاطها"[6]، ويسعى لتحقيق مصالح العباد الدنيوية والأُخرويَّة، ويفتح أمامهم أبواب الخلود في جنة عرضُها السموات والأرض أعدَّت للمتقين، وهذا ما لا تسعى إليه التشريعات الوضعية.


إذا أردنا أن نولِّد من التزامنا بشريعتنا لحظةً حضارية واعدةً تصل بنا إلى الإيمان والنهوض الذي نسعى له على صعيد الفكر والعمل والسباق الحضاري المعاصر، فلا بدَّ مِن بناء نهضة شاملة، تتحرَّك في ظلال شريعة كاملة ومُتنوِّعة القضايا في السلم والحرب والعلاقات الدولية، ولا يوجد في منهجها ذرة تدعو لظلم أو كسل أو تأخُّر حضاري، أو غلق لباب الاجتهاد والتجديد، ومَن يُرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين.


فبناء حَضارتنا مِن جديد منوطٌ بما شرع الله عز وجل لنا مِن توجيهات وأحكام وعَدَ الله عز وجل بظهورها على الدِّين كله، وهناك خلل أخلاقي في العالم يَدعو إلى اتباع خاتمة الشرائع السماوية، وكلما أقبل الناس عليها وآمنوا واتقَوا، فتح الله لهم بركات من السماء والأرض وزاد الخير، وكلما اقتنعوا برسالتها وغاياتها وصدَقوا في قَبولها، استقامت أحوالهم، ووضعوا الأمور في مواضعها، ونجَوا من عقاب الدنيا والآخرة، وشيَّدوا الحضارة الواعِدة التي لا تظلم الناسَ شيئًا؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18].


لا بد وأن تهتم دراساتنا الشرعية والحضارية المستقبلية بإبراز هذه الجوانب، فتستفيد الأجيال القادمة منها استفادة فكرية وعمليَّة تُشجِّع على تحقيق العبودية الكاملة لله، والنهضة الشاملة لحياتهم، والحضارة الكونية التي تُصلح كل شيء يَحتاج إلى تقويم وإصلاح، والاستغلال الواعي لما أنعم الله به عليهم من طاقات وخبرات شرعية وحضارية، استغلالًا لا يُهمِل جانبًا من الجوانب الروحية والمادية في ظلال شريعة صالحة للتطبيق الدائم، إلى أن يَرث الله الأرض ومن عليها، وعندما يبرز هذا الاهتمام، سيبدأ العالم الإسلامي في التحرُّك نحو رُوح الحضارة ورفاهيتها الشاملة، وستَنمو الإرادة الخيرية في جموع الأمة، فتقوى وحدتُهم، وتتجه حياتهم وجهة حضارية راشِدة تخفِّف آلام المنكوبين في هذا العالم المضطرب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه))[7].


كما أنَّ عالمية هذه الشريعة تفتَح أبواب المُستقبَل لكل التجارِب الإنسانية والحضارية التي لا تُعارض مُنجَزات التقدم البشري، بل تُسدِّد خطاه وتنير الطريق لمن يريد الخطو نحو إنتاج المعرفة والنهضة والحضارة، وتدعونا لأن نَستلهِمَ منها قِيَم الإبداع وأخلاقياته وسلوكياته وضوابطه، التي توفر له مقومات الفعل والتأثير الحضاري، وتوفر بيئة الإصلاح القادرة على استيعاب كل مشكلات الإنسان المعاصر، وإعلاء قيم العدل والحرية والشُّورى والتعارُف الإنساني، وتؤسِّس للعمران الذي يُطوِّر الحياة في المستقبل، أو يَجعل العالم الإسلامي شريكًا مُبدعًا في كل مرحلة تطوير مُرتَقَبة، في ظلال رؤية شرعية إسلامية شامِلة لمَظاهر حياتنا وميادينها المختلفة.

 


[1] انظر: د. عبدالحليم عويس: ثوابت ضرورية في فقه الصحوة الإسلامية (ص: 36)، ط1 - 1414هـ / 1994م.

[2] راجع: عبدالوهاب خلاف: علم أصول الفقه (ص: 32) ط - دار القلم.

[3] د. محمد الدسوقي: مقدمة في دراسة الفقه الإسلامي (ص: 35)، نقلًا عن: علال الفاسي: مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها (ص: 66).

[4] عمر عبيد حسنة: من فقه الاستطاعة (ص: 6)، ط1، 1421هـ / 2000م المكتب الإسلامي.

[5] انظر: عمر عبيد حسنة: الاجتهاد للتجديد سبيل الوراثة الحضارية، (ص: 7) ط1 - 1419هـ / 1994م - المكتب الإسلامي.

[6] د. محمد رفعت زنجير - ديناميكية التشريع الإسلامي - مقال منشور بموقع الألوكة - 14 / 6 / 2014 م - 15 / 8 / 1435هـ.

[7] متفق عليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الطريق إلى حضارتنا
  • حضارتنا الإسلامية .. من المرض إلى النهضة
  • العلماء العاملون هم قادة حضارتنا
  • تاريخنا وحضارتنا.. من التفسيرات الإسقاطية إلى التوظيف الحضاري
  • الشخصية المصباحية

مختارات من الشبكة

  • نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من صور التقدم والحضارة والرقي في شريعتنا الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أنواع النسخ والحكمة من وجوده(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج ابن كثير في الدعوة إلى الشريعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشريعة عالمية وشاملة ومفصلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معاملة المدنيين في أثناء القتال في الشريعة الإسلامية والشريعة اليهودية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم من اتبع شريعة غير شريعة الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تطبيق الشريعة الإسلامية بدولة الكويت بين الشريعة والقانون (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • ضرب الزوجة في شريعتنا بين الفظاظة واللطافة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المعلومات التي تصلنا عن الآخرين وتوجيهات شريعتنا في ذلك(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب