• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

دلالة العقل في القرآن وأثرها في حماية الأفكار

د. سمير مثنى علي الأبارة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/5/2016 ميلادي - 13/8/1437 هجري

الزيارات: 27530

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دلالة العقل في القرآن وأثرها في حماية الأفكار

 

القرآن الكريم هو أساس حماية الفكر ومنطلق الاعتدال والتوسط، يدعو إلى ذلك بآياته وأحكامه وأخلاقه، والأمن الفكري مطلب لتربية الأجيال والناشئة في عصر الانفتاح والعولمة والتمدن والحضارة وانفتاح الشرق على الغرب، فالأمن الفكري إذا تحقق في الأمة يكون مصدر عزها وتطورها ونموها حضارياً وثقافياً، بل إن تحقيق الأمن الفكري يعد سياجاً قوياً وحصناً منيعاً لحماية المجتمع عامة والشباب خاصة من أي فكر دخيل أو هدام.

 

يقول تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [1] أي عدولاً وخياراً، وما عدا الوسط فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل هذه الأمة وسطاً في كل أمور الدين، ووسطا بين الأنبياء بين من غلا فيهم كالنصارى وبين من جفا عنهم كاليهود، وسطا في الشـريعة لا تشديدات اليهود وأحبارهم ولا تهاون النصارى[2]، فلذلك كانوا "أمة وسطا" كاملين معتدلين ليكونوا شهداء على الناس ((بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط، يحكمون على الناس من سائر الأديان ولا يحكم عليهم غيرهم))، روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ((كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً وخط خطين عن يمينه وخط خطين عن يساره ثم وضع يده على الخط الأوسط فقال: هذا سبيل الله ثم تلا قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [3].

 

وكذا قوله تعالى في فاتحة الكتاب العزيز ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [4] فهي صـريحة في تحديد المنهج الوسط البعيد عن الغلو والتطرف؛ ذلك أنها بينت أن هذا الصـراط هو صـراط الذين أنعم الله عليهم. قال الطبري: (أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن الصـراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وكذلك في لغة جميع العرب.

 

والقرآن الكريم حمى الفكر وثبت أسس الأمن الفكري عن طريق الملامح التالية:

القرآن الكريم نقّى عقل المسلم من الخرافة، والسحر، والشعوذة، والوهم، وادعاء علم الغيب، وذلك حماية للعقل كي لا تسيطر عليه الخرافات والأوهام التي يهذى بها أهل الشعوذة والدجل ومن نحا نحوهم، ودعا القرآن الكريم إلى استخدام العقل للوصول إلى الإيمان بالله والتمسك بمنهجه عقيدة وشـريعة قال تعالى: ﴿ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [5]قد أمرتكم في دار الدنيا بعصيان الشيطان، وأمرتكم بعبادتي، وهذا هو الصراط المستقيم، فسلكتم غير ذلك واتبعتم الشيطان فيما أمركم به [6]، والقرآن الكريم لا يرضى للمسلم أن يكون إمّعَة يأخذ برأي غيره أو ينقاد بغير تفكير ولا تبين، بل الواجب أن ينظر ويفكر ويتفقه حتى يحقق الاعتدال في التفكير عملاً بقوله تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [7] قل، يا محمد، لهؤلاء المشـركين من قومك، السائليك الآيات على صحة ما تدعوهم إليه من توحيد الله وخلع الأنداد والأوثان: انظروا، أيها القوم، ماذا في السموات من الآيات الدالة على حقيقة ما أدعوكم إليه من توحيد الله، من شمسها وقمرها، واختلاف ليلها ونهارها، ونزول الغيث بأرزاق العباد من سحابها = وفي الأرض من جبالها، وتصدعها بنباتها، وأقوات أهلها، وسائر صنوف عجائبها، فإن في ذلك لكم إن عقلتم وتدبرتم موعظة ومعتبرا، ﴿ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101] يقول جل ثناؤه: وما تغني الحجج والعبر والرسل المنذرة عبادة الله عقابه، عن قوم قد سبق لهم من الله الشقاء، وقضى لهم في أم الكتاب أنهم من أهل النار، لا يؤمنون بشيء من ذلك ولا يصدقون به[8].

 

فالقرآن الكريم دعا إلى تنقية العقل من الأحكام المبنية على الظنون والتخمينات، فالظن في الإسلام لا يغني عن الحق شيئاً. قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [9]أي: لا يجدي شيئا، ولا يقوم أبدا مقام الحق. وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث))[10].

 

كما حذّر القرآن من إتباع الهوى لأنه يحول بين الشخص وبين الوصول للمعرفة الصحيحة قال: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [11]يقول تعالى ذكره: ولو عمل الرب تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشـركون وأجرى التدبير على مشيئتهم وإرادتهم وترك الحق الذي هم له كارهون، لفسدت السموات والأرض ومن فيهن; وذلك أنهم لا يعرفون عواقب الأمور والصحيح من التدبير والفاسد، فلو كانت الأمور جارية على مشيئتهم وأهوائهم مع إيثار أكثرهم الباطل على الحق، لم تقر السموات والأرض ومن فيهن من خلق الله، لأن ذلك قام بالحق[12].

 

فالمسلمون يعيشون في زمن انفتحت فيه الدنيا على مصراعيها؛ وصـرنا نعيش في عالم يجتمع في غرفة واحدة، فالقنوات الفضائية دخلت البيوت، والمواقع الإلكترونية استقطبتها أروقة الدور والعمل، فصار المرء يتلقَّى آراء عديدة، وتوجهات متغايرة، تجعله يتابعها وهو في غرفته ليل نهار.

 

وفي خِضَمِّ هذه التحديات والاختلافات؛ يجدر بالمسلم، أن تكون لديه رؤية ناضجة في مواجهة هذه التحديات، فإنَّ فيها الحق والباطل، والصواب والخطأ، ومن المهم أن يكون لدينا طرق واضحة للتعامل مع هذه التحديات والاختلافات، فمواجهتنا لهذه التحديات الثقافية تتطلَّبُ منَّا قوَّة عقدية، وركائز ثابتة، تأخذنا لبرِّ الأمان، وشاطئ النجاة.

 

ولا بدَّ لسائل أن يقول: وكيف نحصِّن أنفسنا وفكرنا من الداخل، خشية أن يضلَّنا ما هو زائغ عن المنهج القويم، وما الأسس والأصول التي تكوِّن لدينا حصانة شـرعيَّة، نستطيع - بإذن الله - بعدها أن نردَّ الغلط إذا أوردت الشبهات، وخصوصاً في ظلِّ ما يمارس الآن من الحرب الإعلاميَّة الغازية للأفكار والعقول المسلمة؟

 

ومما يمكن تحصين النفس به وحماية الفكر من خلاله حث القران على مراعاة العقل في حماية الفكر الإنساني من الانحراف والضلال، هذا وقد أتى العقل بدلالات ومعاني شتى في القران موجهة وحامية للفكر عن الانحراف.

 

فقد أتى العقل يحمل دلالات مشتركة لابد فيها من مراعاة السياق القرآني، ومجمل تلك المعاني تدور حول العقل بمعنى القوة " المتهيئة " لقبول العلوم كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [13] وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه[14] وهذه القوة هي التي يحصل بها التميز بين الحسن والقبيح، وكذلك يكون بها العلم بصفات الأشياء من حيث الكمال والنقصان، ويسمى العقل قلبا كما يسمى القلب عقلا، قال الحق سبحانه: ﴿ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [15] ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء، وهن الخوالف، بعد خروج الجيش، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس، وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلاما[16].

 

وقوله تعالى:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [17] إن في إهلاكنا القرون التي أهلكناها من قبل قريش ﴿ لَذِكْرَى ﴾ [ق: 37] يتذكر بها ﴿ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ [ق: 37] يعني: لمن كان له عقل من هذه الأمة، فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه من كفرهم بربهم، خوفا من أن يحل بهم مثل الذي حل بهم من العذاب[18].

 

وقد ورد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤكد هذا المعنى ((واعقل عقل قلبك))[19]، ((وليعقل قلبك))[20] وذكر الفراء أيضا أنه جائز في العربية أن تقول: ما لك قلب، وما قلبك معك؛ تقول ما عقلك معك، وأين ذهب قلبك؟ أين ذهب عقلك؟.

 

وعلى هذا المعنى فإن الفعل المتهيئ لتلقي الأفكار وقبول العلم لابد أن يكون محميا في تلقي هذه العلوم والأفكار لمنهج القرآن وإلا فإن مجرد التهيىء لتلقي العلوم والأفكار بالفعل المجرد بدون وحي عاصم قد يوقع المرء في ضلالات وانحرافات نشاهد كثيرا منها في العالم المعاصـر بسبب الابتعاد عن وحي القرآن.

 

ومن دلالات العقل أيضا التثبت في الأمور، يقول الرسول: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [21] نزل به ملك كريم أمين وهو جبريل، عليه السلام، ذو مكانة عند الله، مطاع في الملأ الأعلى، ﴿ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [الشعراء: 194] يا محمد، سالما من الدنس والزيادة والنقص؛ ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 194] أي: لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه، وتبشـر به المؤمنين المتبعين له[22].

 

ومنها قول الله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [23]يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له، لئلا يحكم بقوله فيكون -في نفس الأمر-كاذبا أو مخطئا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن إتباع سبيل المفسدين، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر، وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال[24]، وخاصة في الأمور التي لا يستطيع العقل بمفرده أن يصل فيها إلى نتائج قطعيه ثبوتا أو نفيا.

 

ومن دلالات العقل في القرآن بأن جعله نوراً يهدي به الناس وطالبهم باستعماله والتحاكم إليه وسماه نورا في قوله تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [25] هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتا، أي: في الضلالة، هالكا حائرا، فأحياه الله، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لاتباع رسله، ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ﴾ [الأنعام: 122] أي: يهتدي (به) كيف يسلك، وكيف يتصـرف به. والنور هو: القرآن، كما رواه العوفي وابن أبي طلحة، عن ابن عباس. وقال السدي: الإسلام. والكل صحيح. ﴿ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي ﴾ [الأنعام: 122] أي: الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة، ﴿ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122] أي: لا يهتدي إلى منفذ، ولا مخلص مما هو فيه، وفي مسند الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل))[26] كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [27]يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير، وأن الكافرين إنما وليهم الشياطين تزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات، ويخرجونهم ويحيدون بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك[28] وكما قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [29]أفمن يمشي منكَّسًا على وجهه لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب، أشد استقامة على الطريق وأهدى، أَمَّن يمشي مستويًا منتصب القمة سالمًا على طريق واضح لا اعوجاج فيه؟ وهذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن[30].

 

وحين يجادل القرآن الماديين والدهريين وأرباب الملل والنحل إنما يجادلهم بالبرهان ويدعوهم إلى إمعان النظر والفكر، ويتجلى ذلك في قوله تعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [31] فإن معناه: لهؤلاء الذين ذرأهم الله لجهنم من خلقه قلوب لا يتفكرون بها في آيات الله، ولا يتدبرون بها أدلته على وحدانيته، ولا يعتبرون بها حججه لرسله، فيعلموا توحيد ربهم، ويعرفوا حقيقة نبوة أنبيائهم. فوصفهم ربنا جل ثناؤه بأنهم: ﴿ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، لإعراضهم عن الحق وتركهم تدبر صحة (نبوة) الرسل، وبطول الكفر. وكذلك قوله: ﴿ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، معناه: ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته، فيتأملوها ويتفكروا فيها، فيعلموا بها صحة ما تدعوهم إليه رسلهم، وفساد ما هم عليه مقيمون، من الشـرك بالله، وتكذيب رسله; فوصفهم الله بتركهم إعمالها في الحق، بأنهم لا يبصـرون بها[32].

 

وكذلك قوله: ﴿ وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، آيات كتاب الله، فيعتبروها ويتفكروا فيها، ولكنهم يعرضون عنها، ويقولون ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [33]أي: أعرضوا عنه بأسماعكم، وإياكم أن تلتفتوا، أو تصغوا إليه ولا إلى من جاء به، فإن اتفق أنكم سمعتموه، أو سمعتم الدعوة إلى أحكامه، فـ ﴿ وَالْغَوْا فِيهِ ﴾ [فصلت: 26] أي: تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه، بل فيه المضرة، ولا تمكنوا -مع قدرتكم- أحدًا يملك عليكم الكلام به، وتلاوة ألفاظه ومعانيه، هذا لسان حالهم، ولسان مقالهم، في الإعراض عن هذا القرآن، ﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾ [فصلت: 26] إن فعلتم ذلك ﴿ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26] وهذه شهادة من الأعداء، وأوضح الحق، ما شهدت به الأعداء، فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك، ومفهوم كلامهم، أنهم إن لم يلغوا فيه، بل استمعوا إليه، وألقوا أذهانهم، أنهم لا يغلبون، فإن الحق، غالب غير مغلوب، يعرف هذا، أصحاب الحق وأعداؤه[34].

 

وقد حمل القرآن على المقلدين الذين يعطلون عقولهم ولا يستعملونها، فقال في موضع ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [35]إن شر ما دب على الأرض من خلق الله عند الله الذين يصمون عن الحق لئلا يستمعوه، فيعتبروا به ويتعظوا به، وينكصون عنه إن نطقوا به، الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه، فيستعملوا بهما أبدانهم[36].

 

وذلك نظير وصف الله إياهم في موضع آخر بقوله: ﴿ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يونس: 43] [37]يقول: أفأنت يا محمد، تحدث لهؤلاء الذين ينظرون إليك وإلى أدلتك وحججك، فلا يوفقون للتصديق بك أبصارا، لو كانوا عميا يهتدون بها ويبصرون؟ فكما أنك لا تطيق ذلك ولا تقدر عليه ولا غيرك، ولا يقدر عليه أحد سواي، فكذلك لا تقدر على أن تبصـرهم سبيل الرشاد أنت ولا أحد غيري، لأن ذلك بيدي وإلي.

 

وهذا من الله تعالى ذكره تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم عن جماعة ممن كفر به من قومه وأدبر عنه فكذب، وتعزية له عنهم، وأمر برفع طمعه من إنابتهم إلى الإيمان بالله[38].

 

وهذا ما وجه القرآن به لحماية الفكر في تقليد المخاطبين بأسلافهم في عوائدهم وعاداتهم التي لا يهتدون إلى مواقع الصواب فيها فقال تعالى: ﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [الزخرف: 24] [39] أي: قل يا محمد لهؤلاء المشـركين لو علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به، لما انقادوا لذلك بسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله[40].

 

فهنا خاطبهم القرآن باستعمال عقولهم للموازنة بين الأفكار التي ورثوها والأفكار التي تعرض عليهم ليستخلصوا أوجه الهدى والصواب إلى أي الجانبين تميل.



[1] سورة البقرة:143

[2] تفسير السعدي (ج1 - ص 70).

[3] سورة الأنعام:153

[4] سورة الفاتحة:6

[5] سورة يس:61

[6] تفسير بن كثير (ج6 - ص 584).

[7] سورة يونس:101

[8] تفسير الطبري (ج 15 - ص 215).

[9] سورة النجم:28

[10] تفسير بن كثير (ج 7 - ص 459)، والحديث في صحيح البخاري برقم (5143) وصحيح مسلم برقم (2563) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[11] سورة المؤمنون:71

[12] تفسير الطبري (ج19 - ص 57).

[13] سورة العنكبوت:43

[14] تفسير بن كثير (ج6 - ص 279).

[15] سورة التوبة:87

[16] تفسير بن كثير (ج4 - ص 196).

[17] سورة ق:37

[18] تفسير الطبري (ج22 - ص 372).

[19] المستدرك على الصحيحين للحاكم، باب تعبير الرؤيا (ج 4 - ص 435 - رقم 8188)

[20] الراوي: أبو قلابة عبدالله بن زيد المحدث: ابن كثير- المصدر: تفسير القرآن - الصفحة أو الرقم: 4/197 خلاصة حكم المحدث: مرسل.

أبو قِلاَبَة (104 هـ): عبد الله بن زيد بن عمرو، ويقال ابن عامر، الإمام شيخ الإسلام أبو قلابة الجَرْمِي البصـري. روى عن أنس بن مالك الأنصاري وعبد الله بن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان والنعمان بن بشير وثابت بن الضحاك، وآخرين. وعنه جملة منهم: أيوب السختياني وحسان بن عطية وحميد الطويل ويحيى بن أبي كثير. قال حماد بن زيد: سمعت أيوب ذكر أبا قلابة فقال: كان والله من الفقهاء ذوي الألباب. عن أيوب قال: وجدت أعلم الناس بالقضاء أشدهم منه فرارا، وأشدهم منه فرقا، وما أدركت بهذا المصـر رجلا كان أعلم بالقضاء من أبي قلابة. وعن أبي خشينة صاحب الزيادي: ذكر أبو قلابة عند محمد بن سيرين، فقال: ذاك أخي حقا. توفي سنة أربع ومائة. (البداية والنهاية (9/ 240).

[21] سورة الشعراء:194

[22] تفسير بن كثير (ج 6 - ص 162).

[23] سورة الحجرات:6

[24] تفسير بن كثير (ج 7 - ص 370).

[25] سورة الأنعام:122

[26] تفسير بن كثير (ج3 - ص330).

[27] سورة البقرة:257

[28] تفسير بن كثير(ج 1 - ص 685).

[29] سورة الملك:22

[30] التفسير الميسـر (ج1 - ص 563).

[31] سورة الأعراف:179

[32] تفسير الطبري (ج 13 - ص 278).

[33] سورة فصلت:26

[34] تفسير السعدي (ج1 - ص 748).

[35] سورة الأنفال:22

[36] تفسير الطبري (ج13 - ص 459).

[37] سورة يونس:43

[38] تفسير الطبري (ج15 - ص 96).

[39] سورة الزخرف:24

[40] تفسير بن كثير (ج7 - ص 224).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العقل في القرآن الكريم
  • مقام العقل في القرآن الكريم
  • مرادفات العقل في القرآن الكريم

مختارات من الشبكة

  • دلائل حجية العقل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مقتضيات تعظيم الوحي(مادة مرئية - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • العلاقة بين القرآن والعقل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العقل والقلب أين موقع "العقل" من جسم الإنسان؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العقل المظلوم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العقل في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صور من ذكاء وكمال عقل الصحابة رضي الله عنهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية العقل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مفهوم العقل في اللغة والاصطلاح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العقل والشرع ( العقل والذكاء )(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب