• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: فتنة الدجال... العبر والوقاية (2)
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    شروط الصلاة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    لا بد من اللازم!
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (29) «أخبرني ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ما يستثنى من الآنية وثياب الكفار والميتة من كتاب ...
    مشعل بن عبدالرحمن الشارخ
  •  
    الحديث الخامس: خطورة الرياء
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    بناء الشخصية الإسلامية في زمن الفتن (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    تذكير أهل الديانة بخلق الأمانة
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    فقه الإحسان (5) الإحسان إلى الخلق
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    خلاف العلماء في حكم جلد الميتة بعد الدباغ
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    اكتشف أبناءك كما اكتشف رسول الله صلى الله عليه ...
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    عناية الصحابة - رضي الله عنهم - بحفظ القرآن وضبطه ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    كيف تكون عبدا ربانيا
    أ. د. زكريا محمد هيبة
  •  
    لقاء حول البنوك (PDF)
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

اليهود في القرآن الكريم (8) شدة تفرقهم واختلافهم

اليهود في القرآن الكريم (8) شدة تفرقهم واختلافهم
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/4/2024 ميلادي - 9/10/1445 هجري

الزيارات: 7345

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اليهود في القرآن الكريم (8)

شدة تفرقهم واختلافهم


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ ‌فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الْأَعْلَى:2-5]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ عَزَّ جَارُهُ، وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، وَالشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ يَوْمَ الدِّينِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى أَمْرِهِ وَلَا تَعْصُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ وَلَا تُفْلِتُوهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * ‌وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:102-103].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الِاخْتِلَافُ وَالتَّفَرُّقُ دَاءٌ وَبِيلٌ، وَشَرٌّ مُسْتَطِيرٌ، لَا تُصَابُ بِهِ أُمَّةٌ إِلَّا وَهَنَتْ قُوَّتُهَا، وَوَهَتْ عَزِيمَتُهَا، وَتَمَكَّنُ مِنْهَا أَعْدَاؤُهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ جُهُودَ الْمُخْتَلِفِينَ الْمُتَفَرِّقِينَ يَنْصَرِفُ أَكْثَرُهَا إِلَى كَيْدِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَالنَّيْلِ مِنْهُمْ، فَيُشْغَلُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ عَنْ بِنَاءِ أُمَّتِهِمْ، وَتَشْيِيدِ حَضَارَتِهِمْ، وَدَرْءِ أَعْدَائِهِمْ.

 

وَلِذَا حَفَلَتْ نُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ؛ لِئَلَّا يُصِيبَ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ مَا أَصَابَ أَهْلَ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَفَرَّقُوا دِينَهُمْ؛ فَتَبَاغَضَتْ قُلُوبُهُمْ، وَهَانَتْ عَلَيْهِمْ شَرِيعَتُهُمْ؛ فَنَبَذُوهَا وَحَرَّفُوهَا؛ وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ ‌وَاخْتِلَافِهِمْ ‌عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَالْيَهُودُ أَكْثَرُ النَّاسِ تَفَرُّقًا وَاخْتِلَافًا، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُكْثِرُونَ أَسْئِلَتَهُمْ، وَيَخْتَلِفُونَ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ؛ كَمَا فَعَلُوا حِينَ أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ لِمَعْرِفَةِ الْقَاتِلِ، فَتَكَلَّفُوا بِالسُّؤَالِ عَنْ سِنِّهَا وَلَوْنِهَا وَوَظِيفَتِهَا، وَمَا كَادُوا يَذْبَحُونَهَا، وَقِصَّتُهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

 

وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَتَفَرُّقَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمَا ‌تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [الْبَيِّنَةِ:4]، وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ سُلُوكِ مَسْلَكِهِمْ فِي الِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ‌تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:105]؛ «يَعْنِي بِذَلِكَ: أَهْلَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَنَا، بَعْدَ مَا أَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ ‌الْحُجَجَ ‌وَالْبَيِّنَاتِ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَاخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ: «أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَأَنَّ النَّصَارَى اخْتَلَفُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً. قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي».

 

وَسَبَبُ تَفَرُّقِهِمْ عَدَمُ اتِّبَاعِهِمْ لِدِينِهِمْ، وَالِانْتِقَاءُ مِنْهُ؛ فَيَأْخُذُونَ مَا يَشْتَهُونَ، وَيَتْرُكُونَ مِنْهُ مَا لَا يَهْوَوْنَ، وَلِأَنَّ رَغَبَاتِ النَّاسِ تَخْتَلِفُ؛ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَأْخُذُونَ مِنْ دِينِهِمْ وَمَا يَتْرَكُونَ، فَوَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَمَّا بُعِثَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اخْتَلَفُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَفَرُوا بِهِ وَسَعَوْا لِقَتْلِهِ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى أَلَّهُوهُ وَعَبَدُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى؛ ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ ‌اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النِّسَاءِ:157-158].

 

إِنَّهُمْ قَوْمٌ فَرَّقُوا دِينَهُمْ، وَفَرَّقُوا كِتَابَهُمْ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ رُسُلِهِمْ؛ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ ‌بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ ‌بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النِّسَاءِ:150-151]، وَخَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ ‌بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ ‌بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ:85].

 

وَتَفْرِقَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ لِدِينِهِمْ أَدَّتْ إِلَى تَبَاغُضِهِمْ وَتَنَاحُرِهِمْ، وَلَوْ بَدَا لِلنَّاسِ اجْتِمَاعُهُمْ وَتَآلُفُهُمْ؛ وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْيَهُودِ: ﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ ‌شَتَّى ﴾ [الْحَشْرِ:14]، وَلَكِنَّهُمْ رَغْمَ بَاطِلِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ فِي دِينِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى حَرْبِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْحَقِّ، قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «تَجِدُ أَهْلَ الْبَاطِلِ مُخْتَلِفَةً شَهَادَتُهُمْ، مُخْتَلِفَةً أَهْوَاؤُهُمْ، مُخْتَلِفَةً أَعْمَالُهُمْ، وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي ‌عَدَاوَةِ ‌أَهْلِ ‌الْحَقِّ».

 

وَالْبَغْضَاءُ وَالْعَدَاوَةُ بَاقِيَةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَا دَامُوا عَلَى بَاطِلِهِمْ، فَلَا تَزُولُ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ‌الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [الْمَائِدَةِ:64]، وَإِنَّ قَارِئَ التَّارِيخِ لَيَرَى هَذِهِ الْآيَةَ وَاقِعَةً فِيهِمْ؛ فَالنَّصَارَى ظَلُّوا قُرُونًا تِبَاعًا مُعَادِينَ لِلْيَهُودِ، مُلَاحَقِينَ لَهُمْ، فَاتِكِينَ بِهِمْ، إِذَا ظَفِرُوا بِهِمْ عَذَّبُوهُمْ وَأَحْرَقُوهُمْ، فَعَلُوا ذَلِكَ بِهِمْ فِي حَمْلَتِهِمُ الصَّلِيبِيَّةِ الْأُولَى عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَحْرَقَ الصَّلِيبِيُّونَ الْيَهُودَ فِي كَنِيسٍ لَهُمْ، ثُمَّ فَعَلُوهُ بِهِمْ فِي سُقُوطِ الْأَنْدَلُسِ؛ فَعَذَّبُوا الْيَهُودَ وَالْمُسْلِمِينَ فِي مَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ الْمَشْهُورَةِ، وَأَحْرَقُوا الْيَهُودَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، ثُمَّ فَعَلَهُ النَّازِيُّونَ بِهِمْ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، وَالنَّازِيُّونَ نَصَارَى، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَأَصُّلِ الْعَدَاءِ بَيْنَهُمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ ‌لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى ‌لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ [الْبَقَرَةِ:113]، وَهَذِهِ الْآيَةُ «نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ، فَتَنَاظَرُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ، وَقَالَتْ لَهُمُ النَّصَارَى: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ»، كَمَا أَنَّ الْيَهُودَ يَفْتَرِقُونَ فِي دِينِهِمْ فِرَقًا شَتَّى، يَبْغَضُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ وَلِذَا أَمَرَ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ بِالتَّبَرُّؤِ مِنْهُمْ وَمِنْ مَسْلَكِهِمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ‌فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ:159]، وَنَهَى سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُشَابَهَتِهِمْ فِي تَفْرِقَةِ دِينِهِمْ، وَالِانْتِقَاءِ مِنْهُ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ ‌فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الرُّومِ:31-32].

 

فَتَفْرِقَةُ الدِّينِ سَبَبٌ لِتَفَرُّقِ النَّاسِ، وَتَبَاغُضِ قُلُوبِهِمْ، وَكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ، وَالْأَخْذُ بِالدِّينِ كُلِّهِ سَبَبٌ لِلِاجْتِمَاعِ وَالْأُلْفَةِ، وَالْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ‌فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ:153].

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:131- 132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِقَامَةِ الدِّينِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ تَفْرِقَةِ الدِّينِ بِالِانْتِقَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْبَغْضَاءِ وَالِاخْتِلَافِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا ‌تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشُّورَى:13].

 

وَمَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِإِقَامَةِ الدِّينِ، وَعَدَمِ تَفْرِقَتِهِ، وَحَذَّرَ مِنْ سُلُوكِ مَسْلَكِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي تَفْرِقَتِهِمْ لِدِينِهِمُ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى تَفَرُّقِهِمْ؛ فَإِنَّ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ فِيهَا تَفْرِقَةٌ لِدِينِهَا تُؤَدِّي إِلَى تَفَرُّقِهَا وَاخْتِلَافِهَا وَتَبَاغُضِهَا؛ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ افْتِرَاقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمِينَ، وَكَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ ‌بَأْسَ ‌بَعْضٍ ﴾ [الْأَنْعَامِ:65]، وَلَكِنَّ الْفَارِقَ الْمُهِمَّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ: أَنَّ تَفْرِقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ لِدِينِهِمْ أَدَّتْ إِلَى ضَيَاعِ دِينِهِمْ وَتَحْرِيفِهِ وَتَبْدِيلِهِ وَتَرْكِهِ، وَأَمَّا دِينُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ مَنْ فَرَّقَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَتَرَكَ مَا يَشَاءُ بِحَسَبِ هَوَاهُ؛ فَإِنَّهُ يَضُرُّ نَفْسَهُ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي ضَلَالِهِ، وَلَا يَضُرُّ دِينَ الْإِسْلَامِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ دِينٌ مَحْفُوظٌ بِحِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى لِكِتَابِهِ وَشَرِيعَتِهِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ ‌لَحَافِظُونَ ﴾ [الْحِجْرِ:9]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ ‌مِنْ ‌بَيْنِ ‌يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فُصِّلَتْ:41-42]، وَتَبْقَى طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الدِّينِ الصَّحِيحِ، تَأْخُذُهُ كُلَّهُ وَلَا تُفَرِّقُهُ، وَلَا تَنْتَقِي مِنْهُ، وَتَقُومُ بِهِ، وَتَدْعُو إِلَيْهِ، وَتَصْبِرُ عَلَى الْأَذَى فِيهِ؛ فَتُحْفَظُ بِهَا الشَّرَائِعُ، وَيَعِزُّ بِهَا الدِّينُ، وَيُهْدَى بِهَا النَّاسُ، وَلَنْ يَخْلُوَ زَمَنٌ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ ‌طَائِفَةٌ ‌مِنْ ‌أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَثَبِّتْنَا عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اليهود في القرآن الكريم (1) كثرة ذكر اليهود في القرآن.. لماذا؟
  • اليهود في القرآن الكريم (2) عداوتهم لله تعالى ولأوليائه
  • اليهود في القرآن الكريم (3) الكفر والعصيان والاستكبار
  • اليهود في القرآن الكريم (4) نقض العهود والمواثيق
  • اليهود في القرآن الكريم (5) أشد الناس عداوة للمؤمنين
  • اليهود في القرآن الكريم (6) قسوة القلوب
  • اليهود في القرآن الكريم (7) {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة}
  • اليهود في القرآن الكريم (9) كبرهم وعلوهم على غيرهم

مختارات من الشبكة

  • قراءات اقتصادية (61): اليهود والعالم والمال(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • شرح حديث: لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدكتور المسيري: مع اليهود أم ضد اليهود؟(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • خطاب القرآن الكريم عن اليهود - دراسة نصية (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • لن تضيع القدس(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث القرآن الكريم عن الماء أو حضارة الماء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإحصاء في القرآن الكريم والسنة النبوية: أبعاد ودلالات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفهوم الشرك في القرآن الكريم: قراءة تفسيرية موضوعية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وفاء القرآن الكريم بقواعد الأخلاق والآداب(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية
  • غوريكا تستعد لإنشاء أول مسجد ومدرسة إسلامية
  • برنامج للتطوير المهني لمعلمي المدارس الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/3/1447هـ - الساعة: 13:52
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب