• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تمويل المنشآت الوقفية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض
    سعيد بن محمد آل ثابت
  •  
    الخشوع (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    حال الأمة وسنن الله في التغيير (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    من مائدة السيرة: إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    سلسلة الآداب الشرعية (آداب البشارة والتهنئة)
    علي بن حسين بن أحمد فقيهي
  •  
    إجارة المشاع
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    صفة الحكمة
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    خطبة: الوطن في قلوب الشباب والفتيات
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: العبرة من كسوف الشمس والقمر
    سعد محسن الشمري
  •  
    خطبة: استشعار التعبد وحضور القلب (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    من الكبائر الشائعة: (9) إيذاء الله تعالى ورسولِه ...
    أبو حاتم سعيد القاضي
  •  
    فصل في معنى قوله تعالى: ﴿وروح منه﴾
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    لبس السلاسل والأساور
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    علة حديث ((الدواب مصيخة يوم الجمعة حين تصبح حتى ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

من أخبار الشباب (11): الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى

من أخبار الشباب (11): الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/5/2022 ميلادي - 10/10/1443 هجري

الزيارات: 18517

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أخبار الشباب (11)

الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الْحَجِّ: 75]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَأَوْلَانَا، وَنَشْكُرُهُ مَا حَبَانَا وَأَعْطَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَفَعَ بِالْعِلْمِ أَقْوَامًا فَسَادُوا النَّاسَ وَكَانُوا مَوَالِيَ، وَحَطَّ بِالْجَهْلِ بُيُوتًا فَقَدَتْ عِزًّا مُتَوَارَثًا ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: 11]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حَثَّ عَلَى الْعِلْمِ، وَحَذَّرَ مِنَ الْجَهْلِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى أَمْرِهِ، وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِ نَبِيِّهِ، وَلَنْ تَبْلُغُوا ذَلِكَ إِلَّا بِعِلْمٍ صَحِيحٍ، وَقَصْدٍ صَرِيحٍ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَالْعِلْمُ يُصَحِّحُ النِّيَّةَ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: «طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّنَا إِلَّا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى». وَحَرِيٌّ بِمَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ وَشَبَابِهِ أَنْ يَسُودَ النَّاسَ فِي كُهُولَتِهِ وَشَيْخُوخَتِهِ؛ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لِبَنِيهِ وَبَنِي أَخِيهِ: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَكُونُوا صِغَارَ قَوْمٍ؛ تَكُونُوا كِبَارَهُمْ غَدًا».

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَهَبُهَا مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، فَيَهْدِيهِمْ إِلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَيَرْزُقُهُمُ الْفَهْمَ وَالتَّقْوَى وَالصَّبْرَ؛ حَتَّى يَكُونُوا لِلنَّاسِ أَئِمَّةً هَادِينَ مَهْدِيِّينَ.

 

وَمِنَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ، وَالْعُلَمَاءِ الْفُقَهَاءِ الْحُفَّاظِ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَصَفَهُ الذَّهَبِيُّ فَقَالَ: «الْإِمَامُ الْحَافِظُ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَعَالِمُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، أَبُو الْحَارِثِ الْفَهْمِيُّ». عَاشَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي الْهِجْرِيِّ.

 

طَلَبَ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ، وَصَاحَبَ فِي شَبَابِهِ كِبَارَ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ، فَنَهَلَ مِنْ عِلْمِهِمْ، وَتَأَسَّى بِهِمْ، قَالَ اللَّيْثُ: «سَمِعْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً». فَأَخَذَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِلْمًا كَثِيرًا، وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى نَافِعٍ، فَسَأَلَنِي، فَقُلْتُ: أَنَا مِصْرِيٌّ. فَقَالَ: مِمَّنْ؟ قُلْتُ: مِنْ قَيْسٍ. قَالَ: ابْنُ كَمْ؟ قُلْتُ: ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً».

 

وَقَدْ وُهِبَ اللَّيْثُ ذَكَاءً حَادًّا، وَفَهْمًا ثَاقِبًا، وَسُرْعَةً فِي التَّعَلُّمِ، وَقُوَّةً فِي الْفِقْهِ؛ فَاشْتُهِرَ بِالْحِفْظِ وَالْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَهُوَ صَغِيرُ السِّنِّ. رَوَى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ جَمِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَدْرَكْتُ النَّاسَ أَيَّامَ هِشَامٍ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَثَ السِّنِّ، وَكَانَ بِمِصْرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ، وَإِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ لِلَّيْثِ فَضْلَهُ وَوَرَعَهُ وَحُسْنَ إِسْلَامِهِ عَنْ حَدَاثَةِ سِنِّهِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: لَمْ أَرَ مِثْلَ اللَّيْثِ».

 

هَذَا الْفَتَى الشَّابُّ الَّذِي بَرَزَ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ، وَظَهَرَ لِلْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ فَضْلُهُ وَعِلْمُهُ؛ صَارَ بَعْدُ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ، وَمِمَّنْ يُشَارُ لَهُ بِالْبَنَانِ. حَتَّى إِنَّ إِمَامَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَنْهَلُ مِنْ عِلْمِهِ وَهُوَ قَرِينُهُ، قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ وَهْبٍ: «كُلُّ مَا كَانَ فِي كُتُبِ مَالِكٍ: (وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ)، فَهُوَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ» وَقَالَ أَيْضًا: «لَوْلَا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ لَضَلَّ النَّاسُ». وَكَانَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُقَدِّمُهُ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَكِلَاهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: «اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ لَمْ يَقُومُوا بِهِ». وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى سِعَةِ عِلْمِهِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: «إِنَّا نَسْمَعُ مِنْكَ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِي كُتُبِكَ. فَقَالَ: أَوَكُلُّ مَا فِي صَدْرِي فِي كُتُبِي؟ لَوْ كَتَبْتُ مَا فِي صَدْرِي مَا وَسِعَهُ هَذَا الْمَرْكَبُ». وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: «كَانَ اللَّيْثُ قَدِ اسْتَقَلَّ بِالْفَتْوَى فِي زَمَانِهِ».

 

وَلِبُرُوزِ اللَّيْثِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى، وَاشْتِهَارِهِ بِالْحِكْمَةِ وَحُسْنِ الرَّأْيِ؛ أَرَادَ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، وَلَكِنَّ اللَّيْثَ زَهِدَ فِي الْإِمَارَةِ، وَاسْتَعْفَى مِنَ الْخَلِيفَةِ، قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: «أَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ عَقْلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي رَعِيَّتِي مِثْلَكَ». وَكَانَ وُلَاةُ مِصْرَ فِي زَمَنِهِ وَقُضَاتُهَا يَرْجِعُونَ إِلَى اللَّيْثِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: «كَانَ اللَّيْثُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقِيهَ مِصْرَ وَمُحَدِّثَهَا وَمُحْتَشِمَهَا وَرَئِيسَهَا، وَمَنْ يَفْتَخِرُ بِوُجُودِهِ الْإِقْلِيمُ، بِحَيْثُ إِنَّ مُتَوَلِّيَ مِصْرَ وَقَاضِيَهَا وَنَاظِرَهَا مِنْ تَحْتِ أَوَامِرِهِ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى رَأْيِهِ وَمَشُورَتِهِ، وَلَقَدْ أَرَادَهُ الْمَنْصُورُ عَلَى أَنْ يَنُوبَ لَهُ عَلَى الْإِقْلِيمِ، فَاسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ».

 

وَفِي خِلَافَةِ الْمَهْدِيِّ زَارَ اللَّيْثُ الْعِرَاقَ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ الْمَهْدِيُّ لِوَزِيرِهِ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ: «الْزَمْ هَذَا الشَّيْخَ، فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِمَا حَمَلَ مِنْهُ». وَلَمَّا وَلِيَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْخِلَافَةَ «أَعْضَلَتْهُ مَسْأَلَةٌ، فَجَمَعَ لَهَا فُقَهَاءَ الْأَرْضِ، حَتَّى أَشْخَصَ اللَّيْثَ، فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا». فَكَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ الرَّشِيدِ.

 

وَلِهَذَا الْإِمَامِ الْكَبِيرِ شَأْنٌ عَظِيمٌ فِي الْكَرَمِ وَالْإِنْفَاقِ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ قَطُّ؛ إِذْ كَانَ يُنْفِقُ جَمِيعَ مَا فِي يَدَيْهِ، وَيَسْتَدِينُ ثُمَّ يَقْضِي دَيْنَهُ مِمَّا يَأْتِيهِ مِنْ عَقَارَاتٍ وَعَطَاءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، «وَكَانَ يَتَصَدَّقُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى ثَلَاثِ مِائَةِ مِسْكِينٍ». قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: «كَانَ اللَّيْثُ يَسْتَغِلُّ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَقَالَ: مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ قَطُّ». وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَلْفَ دِينَارٍ، «وَلَمَّا احْتَرَقَتْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيعَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ مِنَ الْغَدِ بِأَلْفِ دِينَارٍ» يُوَاسِيهِ بِمَالِهِ فِي مُصِيبَتِهِ. قَالَ قُتَيْبَةُ: «وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى اللَّيْثِ فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، إِنَّ ابْنًا لِي عَلِيلٌ، وَاشْتَهَى عَسَلًا. فَقَالَ: يَا غُلَامُ، أَعْطِهَا مِرْطًا مِنْ عَسَلٍ. وَالْمِرْطُ: عِشْرُونَ وَمِائَةُ رَطْلٍ». فَلَمَّا اسْتَكْثَرُوا مَا أَعْطَاهَا مِنَ الْعَسَلِ قَالَ: «سَأَلَتْ عَلَى قَدْرِهَا، وَأَعْطَيْنَاهَا عَلَى قَدْرِ السَّعَةِ عَلَيْنَا». وَقَالَ ابْنُهُ شُعَيْبٌ: «خَرَجْتُ حَاجًّا مَعَ أَبِي فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِطَبَقِ رُطَبٍ. فَجَعَلَ عَلَى الطَّبَقِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَرَدَّهُ إِلَيْهِ». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: «صَحِبْتُ اللَّيْثَ عِشْرِينَ سَنَةً، لَا يَتَغَدَّى وَلَا يَتَعَشَّى إِلَّا مَعَ النَّاسِ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا بِلَحْمٍ إِلَّا أَنْ يَمْرَضَ». وَقَالَ أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «كَانَ اللَّيْثُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةُ مَجَالِسَ يَجْلِسُ فِيهَا: أَمَّا أَوَّلُهَا، فَيَجْلِسُ لِنَائِبَةِ السُّلْطَانِ فِي نَوَائِبِهِ وَحَوَائِجِهِ، وَكَانَ اللَّيْثُ يَغْشَاهُ السُّلْطَانُ، فَإِذَا أَنْكَرَ مِنَ الْقَاضِي أَمْرًا أَوْ مِنَ السُّلْطَانِ كَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَأْتِيهِ الْعَزْلُ، وَيَجْلِسُ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ يَقُولُ: نَجِّحُوا أَصْحَابَ الْحَوَانِيتِ؛ فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِأَسْوَاقِهِمْ. وَيَجْلِسُ لِلْمَسَائِلِ، يَغْشَاهُ النَّاسُ فَيَسْأَلُونَهُ، وَيَجْلِسُ لِحَوَائِجِ النَّاسِ، لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ فَيَرُدُّهُ، كَبُرَتْ حَاجَتُهُ أَوْ صَغُرَتْ. وَكَانَ يُطْعِمُ النَّاسَ فِي الشِّتَاءِ الْهَرَائِسَ بِعَسَلِ النَّحْلِ وَسَمْنِ الْبَقَرِ، وَفِي الصَّيْفِ سَوِيقَ اللَّوْزِ فِي السُّكَّرِ». وَقَالَ قُتَيْبَةُ: «قَفَلْنَا مَعَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَانَ مَعَهُ ثَلَاثُ سَفَائِنَ: سَفِينَةٌ فِيهَا مَطْبَخُهُ، وَسَفِينَةٌ فِيهَا عَائِلَتُهُ، وَسَفِينَةٌ فِيهَا أَضْيَافُهُ».

 

سَادَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ بِكَرَمِهِ وَبَذْلِهِ كَمَا سَادَ بِعِلْمِهِ وَفِقْهِهِ وَحِفْظِهِ، قَالَ الْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ: «اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ سَيِّدُنَا وَإِمَامُنَا وَعَالِمُنَا».

 

رَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْإِمَامَ الْكَبِيرَ الْكَرِيمَ، وَسَائِرَ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَعِبَادَ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَرَحِمَنَا وَوَالِدِينَا وَالْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْرِفُ لِلْعُلَمَاءِ أَقْدَارَهُمْ، وَيُؤَدِّي حُقُوقَ الصُّحْبَةِ، وَكَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ قَرِينًا لَهُ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: «كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَصِلُ مَالِكًا بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ، فَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَيْهِ: عَلَيَّ دَيْنٌ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِخَمْسِ مِائَةِ دِينَارٍ، وَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَى اللَّيْثِ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُدْخِلَ بِنْتِي عَلَى زَوْجِهَا، فَأُحِبُّ أَنْ تَبْعَثَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ عُصْفُرٍ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِثَلَاثِينَ حِمْلًا عُصْفُرًا، فَبَاعَ مِنْهُ بِخَمْسِ مِائَةِ دِينَارٍ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ فَضْلَةٌ».

 

وَلَا عَجَبَ أَنْ يَعْرِفَ مَالِكٌ لِلَّيْثِ فَضْلَهُ، فَيُقَدِّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ قَالَ أَبُو صَالِحٍ الْجُهَنِيُّ الْمِصْرِيُّ: «كُنَّا عَلَى بَابِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَامْتَنَعَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: لَيْسَ يُشْبِهُ صَاحِبَنَا، قَالَ: فَسَمِعَ مَالِكٌ كَلَامَنَا فَأَدْخَلَنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَنَا: مَنْ صَاحِبُكُمْ؟ قُلْنَا: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: تُشَبِّهُونِي بِرَجُلٍ كَتَبْنَا إِلَيْهِ فِي قَلِيلِ عُصْفُرٍ نَصْبُغُ بِهِ ثِيَابَ صِبْيَانَنَا فَأَنْفَذَ إِلَيْنَا مَا صَبَغْنَا بِهِ ثِيَابَنَا، وَثِيَابَ صِبْيَانَنَا، وَثِيَابَ جِيرَانِنَا، وَبِعْنَا الْفَضْلَةَ بِأَلْفِ دِينَارٍ؟»

 

مَاتَ الْإِمَامُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، عَنْ إِحْدَى وَثَمَانِينَ سَنَةً، قَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الصَّدَفِيُّ: «شَهِدْتُ جَنَازَةَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مَعَ وَالِدِي، فَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا، رَأَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَيْهِمُ الْحُزْنُ، وَهُمْ يُعَزِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَبْكُونَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ صَاحِبُ هَذِهِ الْجَنَازَةِ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَا تَرَى مِثْلَهُ أَبَدًا».

 

لَقَدْ كَانَتْ سِيرَتُهُ سِيرَةً عَطِرَةً، تَحْكِي قِصَّةَ شَابٍّ جَدَّ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَثَنَى رُكْبَتَهُ فِي الدَّرْسِ، حَتَّى صَارَ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، وَتَخَلَّقَ بِالْعِلْمِ الَّذِي عَلِمَهُ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي كَرَمِهِ وَبَذْلِهِ الْخَيْرَ لِلنَّاسِ حَتَّى سَادَ فِيهِمْ، وَانْعَقَدَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَالنَّاسُ مَجْبُولُونَ عَلَى حُبِّ مَنْ بَذَلَ لَهُمْ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ بَذَلَ مَالَهُ وَعِلْمَهُ لَهُمْ!!

 

وَحَرِيٌّ بِالشَّبَابِ أَنْ يَقْرَؤُوا سِيرَ سَلَفِهِمُ الصَّالِحِ، وَيَعْلَمُوا أَخْبَارَهُمْ؛ لِيَنْهَلُوا مَنْ عِلْمِهِمْ، وَيَتَّبِعُوا سُنَنَهُمْ، وَيَأْخُذُوا الْعِبْرَةَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ جَدَّ وَاجْتَهَدَ فِي صِغَرِهِ وَشَبَابِهِ سَادَ النَّاسَ فِي كِبَرِهِ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ. قَالَ الْحَسَنُ: «إِذَا لَمْ تَكُنْ حَلِيمًا فَتَحَلَّمْ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمًا فَتَعَلَّمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ لَحِقَ بِهِمْ».

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من أخبار الشباب (6) الإمام الشافعي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (7) أبو حاتم الرازي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (8) أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (9) ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (10) سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (12) الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (14) الإمام ابن مهدي رحمه الله تعالى

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة إخبار المستفيد بأخبار خالد بن الوليد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة إخبار الأحياء بأخبار الإحياء(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي (ت 646هـ / 1248م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • من أخبار الشباب (13) الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كتاب أخبار البحتري لمحمد بن يحيى الصولي (ت 335هـ / 946م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • من أخبار الشباب (5) الإمام مالك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان المغرب في أخبار ملوك الأندلس والمغرب لابن عذاري المراكشي(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • أخبار الإمام البخاري وجامعه الصحيح (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المنثور من أخبار شيخ الإسلام ابن تيمية: سلالات تاريخية عن الإمام ابن تيمية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أخبار الشباب (4) عبدالله بن عمر رضي الله عنهما(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/5/1447هـ - الساعة: 14:34
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب