• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مسالك العلة وأسباب الخطأ في القياس وحكم القياس في ...
    محمد أمين بن عبدالله بن الهادي الحبيبي
  •  
    خطبة: الحجاب
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    التبتل
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من أحكام يوم الخميس
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    لحظة! قبل الاكتئاب
    أحمد محمد العلي
  •  
    عيسى عليه السلام والكريسمس (خطبة)
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
  •  
    التفسير الاجتهادي
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    لم يلد ولم يولد (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    ماذا لو عفوت عنهم؟!
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
  •  
    الاتباع لا الابتداع في شهر رجب (خطبة)
    الشيخ أحمد إبراهيم الجوني
  •  
    أقسام الشرك
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    اشتمال كلام الله تعالى على جمل وكلمات وحروف وأمر ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    العقيدة سفينة النجاة
    محمد ونيس
  •  
    ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: {ليسوا سواء من أهل ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    قراءة سورة الأعراف في صلاة المغرب: دراسة فقهية
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الميادين العلية للتفكر

الميادين العلية للتفكر
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/3/2022 ميلادي - 20/8/1443 هجري

الزيارات: 12667

حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعةأرسل إلى صديقتعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الميادين العلية للتفكر

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ؛ وَلِيِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَاصِرِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَتَحَ لِعِبَادِهِ أَبْوَابَ الْخَيْرَاتِ، وَنَوَّعَ لَهُمُ الطَّاعَاتِ؛ فَضْلًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَرَحْمَةً بِهِمْ؛ لِيَكْتَسِبُوا بِهَا الْحَسَنَاتِ، وَيَتَزَوَّدُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ كَثِيرَ التَّفَكُّرِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَفِي نِعَمِهِ وَمِنَحِهِ وَآلَائِهِ، يُقَلِّبُ نَظَرَهُ فِي السَّمَاءِ مُتَفَكِّرًا مُعْتَبِرًا ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 144]، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى أَمْرِهِ، وَانْصُرُوا دِينَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصُرُ مَنْ نَصَرَ دِينَهُ ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الْحَجِّ: 40].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْإِنْسَانُ بِجِبِلَّتِهِ ذُو هَمٍّ وَإِرَادَةٍ، وَتَفْكِيرٍ وَخَيَالٍ، فَإِمَّا أَنْ يَشْغَلَ فِكْرَهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَشْغَلَهُ فِيمَا لَا نَفْعَ فِيهِ، مِنَ الْخَيَالَاتِ وَالْأَحْلَامِ الضَّارَّةِ. وَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الْمُعَطَّلَةِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عِبَادَةُ التَّفَكُّرِ، وَهِيَ عِبَادَةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَّا إِلَى إِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي الْأُمُورِ السَّامِيَةِ الْعَالِيَةِ، وَأَعْلَاهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ وَمَخْلُوقَاتُهُ، وَآيَاتُهُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْكَوْنِيَّةُ، وَفِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَمَصِيرِهِ، وَمَا يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ. وَهِيَ الْعِبَادَةُ الَّتِي كَانَ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ يَعْتَنُونَ بِهَا، وَيُعْلُونَ مِنْ شَأْنِهَا، وَيَرَوْنَ أَثَرَهَا فِي صَلَاحِ الْقُلُوبِ وَاسْتِقَامَتِهَا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ: «سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: إِنَّ ضِيَاءَ الْإِيمَانِ أَوْ نُورَ الْإِيمَانِ: التَّفَكُّرُ». وَسُئِلَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: «مَا كَانَ أَفْضَلَ عِبَادَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ؟ قَالَتِ: التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ». وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ التَّفَكُّرُ وَالْوَرَعُ».

 

وَلِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَلَامٌ مَتِينٌ فِيمَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَشْغَلَ فِكْرَهُ فِيهِ، فَقَالَ: «وَأَعْلَى الْفِكَرِ وَأَجَلُّهَا وَأَنْفَعُهَا: مَا كَانَ لِلَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ أَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا: الْفِكْرَةُ فِي آيَاتِهِ الْمُنَزَّلَةِ وَتَعَقُّلُهَا، وَفَهْمُهَا وَفَهْمُ مُرَادِهِ مِنْهَا، وَلِذَلِكَ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى، لَا لِمُجَرَّدِ تِلَاوَتِهَا، بَلِ التِّلَاوَةُ وَسِيلَةٌ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنَ لِيُعْمَلَ بِهِ، فَاتَّخَذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا». ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ آيَاتِهِ، وَبَيَّنَهَا لِعِبَادِهِ؛ لِيَنْتَفِعَ بِهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، وَأُولُو الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 118]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 219]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 118]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 126]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [التَّوْبَةِ: 11]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 43].

 

«الثَّانِي: الْفِكْرَةُ فِي آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ، وَالِاعْتِبَارُ بِهَا، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَبِرِّهِ وَجُودِهِ، وَقَدْ حَضَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِهِ وَتُدَبِّرِهَا وَتَعَقُّلِهَا، وَذَمَّ الْغَافِلَ عَنْ ذَلِكَ». قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 164]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 190]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 97-98]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرَّعْدِ: 2-4]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الْحَدِيدِ: 17].

 

«الثَّالِثُ: الْفِكْرَةُ فِي آلَائِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَإِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ بِأَصْنَافِ النِّعَمِ، وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَحِلْمِهِ». وَقَدْ أَمَرَ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَقْوَامَهُمْ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ هُودٌ لِقَوْمِهِ: ﴿ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 69]، وَقَالَ صَالِحٌ لِقَوْمِهِ: ﴿ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 74]، وَعَدَّدَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً مِنْ آلَائِهِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرَّحْمَنِ: 10-13]، وَكَرَّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ ثَلَاثِينَ مَرَّةً فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ؛ تَذْكِيرًا بِآلَائِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 12-13].

 

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: «وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ تَسْتَخْرِجُ مِنَ الْقَلْبِ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَمَحَبَّتَهُ وَخَوْفَهُ وَرَجَاءَهُ. وَدَوَامُ الْفِكْرَةِ فِي ذَلِكَ مَعَ الذِّكْرِ يَصْبُغُ الْقَلْبَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ صَبْغَةً تَامَّةً».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَأَعْمِلُوا الْفِكْرَ فِيمَا يَنْفَعُكُمْ؛ فَإِنَّهُ طَرِيقٌ لِلتَّقْوَى: ﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [يُونُسَ: 6].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَهَمِّ مَوْضُوعَاتِ التَّفَكُّرِ، وَهُوَ رَابِعُهَا: «الْفِكْرَةُ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ وَآفَاتِهَا، وَفِي عُيُوبِ الْعَمَلِ، وَهَذِهِ الْفِكْرَةُ عَظِيمَةُ النَّفْعِ، وَهَذَا بَابٌ لِكُلِّ خَيْرٍ...»، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا؛ وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ أَوْصَافِهَا وَعُيُوبِهَا فِي الْقُرْآنِ مَا يَدْفَعُ الْمُؤْمِنَ إِلَى مُرَاقَبَتِهَا وَتَهْذِيبِهَا وَإِصْلَاحِهَا، وَتَزْكِيَتِهَا بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ، وَدُونَكُمْ جُمْلَةً مِنَ الْآيَاتِ فِي بَيَانِ خَفَايَا النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 34]، ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 11]، ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 100]، ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الْكَهْفِ: 54]، ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 72]، ﴿ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ [فُصِّلَتْ: 49]، ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ [الْمَعَارِجِ: 19-22]، ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴾ [عَبَسَ: 17]، ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشَّمْسِ: 7-11]، ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [الْعَلَقِ: 6-7].

 

كَمَا أَنَّ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ مَبْلِيَّةٌ بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَحُبِّ الظُّهُورِ وَالشُّهْرَةِ وَالذِّكْرِ، مَعَ مَا فِيهَا مِنْ نَقْصِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْخَلَلِ فِي أَدَائِهِ، وَالْجَهْلِ مَعَ ادِّعَاءِ الْعِلْمِ، وَالْفَسَادِ مَعَ ادِّعَاءِ الصَّلَاحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَدْوَاءِ الَّتِي تَسْتَوْجِبُ عِلَاجَهَا.

 

«الْخَامِسُ: الْفِكْرَةُ فِي وَاجِبِ الْوَقْتِ وَوَظِيفَتِهِ، وَجَمْعِ الْهَمِّ كُلِّهِ عَلَيْهِ، فَالْعَارِفُ ابْنُ وَقْتِهِ، فَإِنْ أَضَاعَهُ ضَاعَتْ عَلَيْهِ مَصَالِحُهُ كُلُّهَا، فَجَمِيعُ الْمَصَالِحِ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنَ الْوَقْتِ، وَإِنْ ضَيَّعَهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْهُ أَبَدًا».

 

وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي عِبَادَةِ التَّفَكُّرِ يَتَفَكَّرُ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْمَلُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَيَعْجِزُ عَنِ الْأَوَّلِ وَيَفُوتُ عَلَيْهِ الثَّانِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَغِلُ بِالتَّفَكُّرِ فِي أُمُورٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ عَنْ أُمُورٍ حَاضِرَةٍ، فَيُضَيِّعُ وَاجِبَ الْوَقْتِ لِمُسْتَقْبَلٍ لَا يَدْرِي هَلْ يُدْرِكُهُ أَمْ لَا؟ ثُمَّ إِذَا أَدْرَكَهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَقْدِرُ عَلَى تَحْقِيقِ مَا فَكَّرَ فِيهِ أَمْ يَعْجِزُ عَنْهُ. وَلِذَا فَإِنَّ مِنْ فِقْهِ التَّفَكُّرِ تَقْدِيمَ التَّفَكُّرِ فِي الْأَهَمِّ عَلَى الْمُهِمِّ، وَتَقْدِيمَ التَّفَكُّرِ فِيمَا يَفُوتُ عَلَى مَا لَا يَفُوتُ، وَتَقْدِيمَ التَّفَكُّرِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَعْجِزُ عَنْهُ. وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَتْ حَيَاتُهُ كُلُّهَا عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ لَحْظَةٌ فِي غَيْرِ عِبَادَةٍ؛ فَإِذَا انْتَهَى مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ اشْتَغَلَ بِالتَّفَكُّرِ فِي عَمَلٍ يَلِيهِ.. وَهَكَذَا.. وَخِلَالَ ذَلِكَ يُعْمِلُ فِكْرَهُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ وَنِعَمِهِ وَآلَائِهِ، فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ أَجْرُهُ، وَمَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى التَّفَكُّرِ هُدِيَ إِلَى أَفْضَلِهِ، وَأَعْمَلَ عَقْلَهُ فِي أَعْلَى الْأُمُورِ وَأَنْفَعِهَا ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 69].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعةأرسل إلى صديقتعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة: لفت الأنظار للتفكر والاعتبار (1)
  • دعوة للتفكر (خطبة)
  • لفت الأنظار للتفكر والاعتبار (1) (باللغة الأردية)

مختارات من الشبكة

  • الشتاء وميادين العبادة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أطفال اليابان رجال الميدان(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إيطاليا: نابولي في ثوبها الإسلامي: صلاة العيد في أكبر الميادين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إسبانيا: الميادين تتحول يوم الجمعة إلى أماكن صلاة للمسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بلجيكا: حظر الحجاب قريبًا في الميادين العامة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ذلك جزاء المحسنين (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • أعلى النعيم رؤية العلي العظيم (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • العجب وآثاره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منشأ المنظومة الأخلاقية عند البشر معرفيا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تحريم التفكر في ذات الله جل وعلا(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • قازان تستضيف المؤتمر الخامس لدراسة العقيدة الإسلامية
  • تعليم القرآن والتجويد في دورة قرآنية للأطفال في ساو باولو
  • ورشة توعوية في فاريش تناقش مخاطر الكحول والمخدرات
  • المحاضرات الإسلامية الشتوية تجمع المسلمين في فيليكو تارنوفو وغابروفو
  • ندوة قرآنية في سراييفو تجمع حفاظ البوسنة حول جمال العيش بالقرآن
  • سلسلة ورش قرآنية جديدة لتعزيز فهم القرآن في حياة الشباب
  • أمسية إسلامية تعزز قيم الإيمان والأخوة في مدينة كورتشا
  • بعد سنوات من المطالبات... اعتماد إنشاء مقبرة إسلامية في كارابانشيل

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/7/1447هـ - الساعة: 16:22
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب