• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    لفي خسر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    عاشوراء: فضل ودروس (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    عظمة القرآن تدل على عظمة الرحمن (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    مكانة الصحابة رضي الله عنهم في الكتاب والسنة ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    الوصية بالوالدين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    خطبة (المولد النبوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ذكر الله سبب من أسباب نزول السكينة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: عندما يكون الشاب نرجسيا
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    علمتنا الهجرة (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    خطبة: تدبر أول سورة البقرة
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تفسير: (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحريم الحلف بالأمانة
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الإسلام دعا إلى تأمين معيشة أهل الذمة من غير ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    منهج السجاوندي في الوقف على ما قبل (إذ) (PDF)
    د. محمد أحمد محمد أحمد
  •  
    خطبة: حسن الظن بالله
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    من طامع في مال قريش إلى مؤمن ببشارة سيدنا محمد ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

ضرب الأمثال بالغيث (2) (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء)

ضرب الأمثال بالغيث (2) (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


تاريخ الإضافة: 9/12/2020 ميلادي - 24/4/1442 هجري

الزيارات: 13335

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ضرب الأمثال بالغيث (2)

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ﴾

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ، الْبَرِّ الرَّحِيمِ؛ ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 65]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يُنْعِمُ عَلَى عِبَادِهِ بِالْغَيْثِ الْمُبَارَكِ؛ فَتُبْهَجُ نُفُوسُهُمْ، وَتَخْضَرُّ أَرْضُهُمْ، وَيَهْتَزُّ زَرْعُهُمْ، وَيَدِرُّ ضَرْعُهُمْ، وَتَكْثُرُ خَيْرَاتُهُمْ؛ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَإِنْعَامًا عَلَيْهِمْ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 34]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَسْتَبْشِرُ بِالْغَيْثِ الْمُبَارَكِ، وَيَفْرَحُ بِهِ، وَيَحْسِرُ ثَوْبَهُ حَتَّى يُصِيبَهُ الْمَطَرُ، فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمٍ عَظِيمَةٍ؛ فَقَدْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَكُمُ الْقُرْآنَ، وَظَلَّلَ عَلَيْكُمُ الْأَمَانَ، وَسَقَى أَرْضَكُمْ بِالْأَمْطَارِ، وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَعْطَاكُمْ، وَدَرَأَ الشَّرَّ عَنْكُمْ ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النَّحْلِ: 53].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: إِنْزَالُ الْغَيْثِ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ مُسْتَلْزَمَاتِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ إِقْرَارًا بِقُدْرَتِهِ وَأُلُوهِيَّتُهُ، وَإِذْعَانًا لِأَمْرِهِ وَشَرْعِهِ، وَشُكْرًا لَهُ عَلَى نِعَمِهِ وَفَضْلِهِ ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشُّورَى: 28].

 

وَلِأَثَرِ الْغَيْثِ الْمُبَارَكِ فِي حَيَاةِ النَّاسِ، وَمَا يَحْدُثُ بِسَبَبِهِ مِنْ تَغْيِيرَاتٍ فِي الْأَرْضِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ بِهِ الْأَمْثَالَ ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 25].

 

وَمِنَ الْأَمْثَالِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي الْغَيْثِ الْمُبَارَكِ تَشْبِيهُ الْأَرْضِ بَعْدَ الْغَيْثِ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي تُزْهِرُ لِأَهْلِهَا، ثُمَّ تُصِيبُهُمْ مَصَائِبُهَا، أَوْ يَمُوتُونَ وَيَتْرُكُونَهَا بَعْدَمَا جَمَعُوا فِيهَا مَا جَمَعُوا، وَعَمَّرُوا مَا عَمَّرُوا، فَلَا السَّاكِنُ بَقِيَ، وَلَا الْمَسَاكِنُ دَامَتْ عَلَى جِدَّتِهَا وَجَمَالِهَا، بَلْ ذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيَخْلُفَهُمْ غَيْرُهُمْ.

 

وَلِأَهَمِّيَّةِ هَذَا الْمَثَلِ الْعَظِيمِ؛ وَلِكَيْ يَعِيَهُ قُرَّاءُ الْقُرْآنِ؛ كُرِّرَ عَلَيْهِمْ فِي مَوَاضِعَ أَرْبَعَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى:

فَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يُونُسَ: 24].

 

فَالدُّنْيَا تُزْهِرُ لِصَاحِبِهَا بِالْأَمْنِ وَالْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْعَافِيَةِ؛ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَزُولُ عَنْهُ أَبَدًا ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾ مَا أَبْلَغَهُ مِنْ تَعْبِيرٍ فِي بَيَانِ اغْتِرَارِ الْإِنْسَانِ الضَّعِيفِ بِمَا أُعْطِيَ مِنْ إِمْكَانِيَّاتٍ وَقُوَّةٍ فِي دُنْيَاهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ زَوَالَهَا قَرِيبٌ بِقَارِعَةٍ لَمْ يَحْسِبْ لَهَا حِسَابًا. يُظْهِرُ الْقُدْرَةَ وَهُوَ عَاجِزٌ، وَيَدَّعِي الْقُوَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيَتَظَاهَرُ بِالِاسْتِغْنَاءِ وَهُوَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقِيرٌ، وَهَذَا الظَّنُّ السَّيِّئُ يُهْلِكُ أَصْحَابَهُ وَيُوبِقُهُمْ، وَيَقَعُ فِيهِ الْأَفْرَادُ كَمَا تَقَعُ فِيهِ الدُّوَلُ وَالْأُمَمُ. فَمِنَ الْأَفْرَادِ مَنْ أَثْرَوْا سَرِيعًا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ لَا يَفْتَقِرُونَ، ثُمَّ زَالَتْ ثَرَوَاتُهُمْ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، كَمَا حَصَلَ فِي كَارِثَةِ الْأَسْهُمِ. وَمِنَ الْمُدُنِ مَا أَزْهَرَتْ بِالْبِنَاءِ وَالْعُمْرَانِ، وَامْتَلَأَتْ بِالسُّيَّاحِ وَالزُّوَّارِ، ثُمَّ ابْتَلَعَهَا الْبَحْرُ بِمَدِّهِ، أَوْ ضَرَبَهَا الزِّلْزَالُ بِقُوَّتِهِ، فَفَقَدَ أَهْلُهَا أَحِبَّتَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَدُورَهُمْ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَصْبَحُوا لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ يَا لَهُ مِنْ شَيْءٍ مُخِيفٍ، يَجِبُ مَعَهُ أَنْ لَا يَرْكَنَ الْعَبْدُ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَا يَأْمَنَ مَكْرَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 97-99].

 

وَكُرِّرَ هَذَا الْمَثَلُ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ الَّتِي تُقْرَأُ كُلَّ جُمْعَةٍ؛ لِيَعْتَبِرَ الْقَارِئُ بِهِ ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الْكَهْفِ: 45]. وَلْنَنْظُرْ إِلَى جَمَالِ الْغَيْثِ وَهُوَ يَهْطِلُ بِغَزَارَةٍ، ثُمَّ إِلَى الْأَرْضِ وَقَدِ ارْتَوَتْ مِنْهُ، وَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى سُهُولِهَا وَبِطَاحِهَا وَأَوْدِيَتِهَا لِيُمَتِّعُوا أَبْصَارَهُمْ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ، وَيَمْلَئُوا صُدُورَهُمْ بِرَائِحَةِ طَلِّهِ وَنَدَاهُ، ثُمَّ أَنِسُوا بِخُضْرَةِ الْأَرْضِ وَرَبِيعِهَا، وَرَعَتْ فِيهِ أَنْعَامُهُمْ، وَارْتَوَتْ مِنَ الْمَاءِ بَسَاتِينُهُمْ وَزُرُوعُهُمْ، وَازْدَحَمُوا عَلَى الرِّيَاضِ الْخَضْرَاءِ، يَتَنَزَّهُونَ فِيهَا وَيَسْتَمْتِعُونَ بِهَا، ثُمَّ بَعْدَ أَسَابِيعَ مِنْ هَذِهِ الْبَهْجَةِ وَالْحُبُورِ تَصْفَرُّ الْأَرْضُ الْمُخْضَرَّةُ، وَيَيْبَسُ زَرْعُهَا، ثُمَّ يَتَكَسَّرُ وَيَسْقُطُ لِتَذْرُوَهُ الرِّيَاحُ، فَلَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِتَعُودَ غَبَرَةُ الْأَرْضِ وَقَسْوَتُهَا وَشِدَّتُهَا. وَهَذِهِ هِيَ الدُّنْيَا لِمَنْ عَقِلَهَا، إِذَا ازْدَانَتْ لِعَبْدٍ بِجَاهٍ وَمَالٍ وَأَمْنٍ وَعَافِيَةٍ فَإِنَّمَا هِيَ سَنَوَاتٌ أَوْ عُقُودٌ عَلَى الْأَكْثَرِ، ثُمَّ يَضْعُفُ الْبَدَنُ بِالشَّيْخُوخَةِ، وَتَعْتَلُّ الصِّحَّةُ، وَيَدْنُو الْأَجَلُ، وَيَنْظُرُ صَاحِبُ الدُّنْيَا إِلَى دُنْيَاهُ فَلَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، بَلْ يَرْحَلُ عَنْهَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى. هَذَا إِذَا لَمْ يُفْجَعْ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ ذَلِكَ.

 

وَفِي الْغَالِبِ أَنَّ الدُّنْيَا لَا تَكْتَمِلُ لِلْعَبْدِ إِلَّا حَيْثُ يَقِلُّ انْتِفَاعُهُ بِهَا؛ فَفِي أَوَّلِ حَيَاتِهِ حَيْثُ النَّشَاطُ وَالْقُوَّةُ، يَعْمَلُ وَيَكْدَحُ وَيَنْقُصُهُ الْكَثِيرُ مِمَّا يُرِيدُ، ثُمَّ إِذَا حَصَلَتْ لَهُ الدُّنْيَا بَعْدَ طُولِ عَمَلٍ وَكَدْحٍ إِذَا هُوَ قَدْ تَجَاوَزَ الشَّبَابَ إِلَى الْكُهُولَةِ، ثُمَّ إِلَى الْهَرَمِ، فَيَنْتَفِعُ بِدُنْيَاهُ مَنْ هُمْ بَعْدَهُ.

 

وَأُشِيرَ إِلَى هَذَا الْمِثْلِ الْعَظِيمِ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [الزُّمَرِ: 21]. نَعَمْ إِنَّهُ مَثَلٌ حَيٌّ أَمَامَنَا يَدْعُونَا إِلَى التَّذَكُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَعَدَمِ الْغَفْلَةِ.

 

وَكُرِّرَ مَرَّةً رَابِعَةً فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الْحَدِيدِ: 20].

 

وَهَذِهِ الْآيَةُ صُدِّرَتْ بِالْأَمْرِ ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا مُجَرَّدُ لَعِبٍ وَلَهْوٍ وَزِينَةٍ وَتَفَاخُرٍ وَتَكَاثُرٍ، ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْأَرْضِ إِذَا ازْدَانَتْ بِالْمَطَرِ، ثُمَّ اصْفَرَّ نَبَاتُهَا وَتَحَطَّمَ، وَخُتِمَتِ الْآيَةُ بِبَيَانِ حَقِيقَةِ الْآخِرَةِ، وَبَيَانِ حَقِيقَةِ الدُّنْيَا؛ لِيَخْتَارَ الْعَبْدُ مِنْهُمَا مَا يَشَاءُ، فَيَعْمَلَ بِعَمَلِهَا ﴿ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾.

 

فَهَذِهِ أَمْثَالٌ أَرْبَعَةٌ ضَرَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْغَيْثِ الْمُبَارَكِ إِذَا ازْدَانَتْ بِهِ الْأَرْضُ، وَسَرَّ النَّاظِرِينَ، ثُمَّ زَالَتْ آثَارُهُ سَرِيعًا، فَهَذَا هُوَ حَالُ الدُّنْيَا، تَزُولُ زِينَتُهَا وَزُخْرُفُهَا، وَيُفَارِقُهَا الْعَبْدُ بِالْمَوْتِ. وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَأْخُذَ الْعِبْرَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْثَالِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ حَيْثُ الْغَيْثُ وَمَا يَنْتِجُ عَنْهُ مِنَ الرَّبِيعِ الطَّيِّبِ، ثُمَّ زَوَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَانْتِفَاعُ الْقَلْبِ بِالْمَثَلِ وَالْمَوْعِظَةِ أَنْفَعُ لِصَاحِبِهِ مِنَ انْتِفَاعِ الْأَرْضِ بِالْغَيْثِ الْمُبَارَكِ، وَالْقُرْآنُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ وَغَيْثُهَا، بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْأَمْثَالِ ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 43].

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَا يَغْتَرُّ بِزِينَةِ الدُّنْيَا إِلَّا مَغْرُورٌ، وَلَا يَرْكَنُ إِلَيْهَا إِلَّا مَخْذُولٌ، وَهُوَ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ اخْضِرَارَ الْأَرْضِ بَعْدَ الْمَطَرِ يَدُومُ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ شَمْسَ الصَّيْفِ تُحْرِقُهُ حَتَّى تَذْرُوَهُ الرِّيَاحُ فَلَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ؛ وَفِي الْآيَاتِ الْأَرْبَعِ السَّابِقَةِ عِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبِرِينَ، وَعِظَةٌ لِلْمُتَذَكِّرِينَ، وَقَدْ أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَقِبَهَا إِلَى مَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ؛ فَأَرْشَدَ فِي آيَةِ يُونُسَ إِلَى الْعَمَلِ لِدَارِ الْخُلْدِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يُونُسَ: 25]. وَأَرْشَدَ فِي آيَةِ الْكَهْفِ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمِنْهُ أَنْوَاعُ الذِّكْرِ، وَهِيَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الْكَهْفِ: 46]. وَأَرْشَدَ فِي آيَةِ الزُّمَرِ إِلَى الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ وَالذِّكْرِ ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزُّمَرِ: 22]. وَأَرْشَدَ فِي آيَةِ الْحَدِيدِ إِلَى الْمُسَابَقَةِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَهِيَ الْفَوْزُ الْحَقِيقِيُّ وَلَيْسَ الْفَوْزَ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا مَهْمَا بَلَغَ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الْحَدِيدِ: 21].

 

فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَأْخُذَ الْعِبْرَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْثَالِ، وَأَنْ يَعْمَلَ فِي دُنْيَاهُ مَا يُبَلِّغُهُ الْمَسِيرَ إِلَى آخِرَتِهِ؛ لِيُوَافِيَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ مُحِبٌّ لِلِقَائِهِ لِمَا يَنْتَظِرُهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَوْزِ، وَأَنْ لَا يَرْكَنَ إِلَى الدُّنْيَا مَهْمَا ازْدَانَتْ لَهُ، وَلَا يَغْتَرَّ بِهَا مَهْمَا اسْتَقَامَتْ لَهُ؛ فَهِيَ غَدَّارَةٌ لَا تَفِي، وَخَدَّاعَةٌ لَا تَصْدُقُ، وَفَانِيَةٌ لَا تَبْقَى. ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الْحَدِيدِ: 20].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • ضرب الأمثال بالغيث (1) كصيب من السماء(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مجال التأديب بالضرب .. ضرب الزوجة والولد(مقالة - موقع د. إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم)
  • الضرب ضرب أبي محجن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مجال التأديب بالضرب .. ضرب العبد(مقالة - موقع د. إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم)
  • التأديب بالضرب ( ضرب التلميذ )(مقالة - موقع د. إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم)
  • التأديب بالضرب ( حقيقة الضرب المشروع في التأديب 2 )(مقالة - موقع د. إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم)
  • التأديب بالضرب ( حقيقة الضرب المشروع في التأديب 1 )(مقالة - موقع د. إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم)
  • مسائل في ضرب الزوجات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/2/1447هـ - الساعة: 8:46
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب