• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    السهر وإضعاف العبودية لله (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطورة إنكار البعث (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    مسألة تلبس الجان بالإنسان
    إبراهيم الدميجي
  •  
    خطبة: المثلية والشذوذ عند الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    المعتزلة الجدد وتأويل النص القرآني
    د. محمد عبدالفتاح عمار
  •  
    من مائدة الحديث: التحذير من الإضرار بالمسلمين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    صلوا عليه وسلموا تسليما
    بكر البعداني
  •  
    بشارة القرآن لأهل التوحيد (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    حقوق اليتيم (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    الحافظ الدارقطني (ت 385 هـ) وكتاباه «الإلزامات» ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    حديث: أن رجلا ظاهر من امرأته، ثم وقع عليها
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    السنة النبوية وبناء الأمن النفسي: رؤية سيكولوجية ...
    د. حسام الدين السامرائي
  •  
    خطبة: الشهود يوم القيامة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    كيف تترك التدخين؟
    حمد بن بكر العليان
  •  
    خطبة: تهديد الآباء للأبناء بالعقاب
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في النصيحة والأمانة
علامة باركود

استقيموا ولا تطغوا

استقيموا ولا تطغوا
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/10/2014 ميلادي - 18/12/1435 هجري

الزيارات: 10111

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

استقيموا ولا تطغوا


أَمَّا بَعدُ، فَ - ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21] وَاجتَنِبُوا السُّبُلَ المُفَرِّقَةَ عَن سَبِيلِهِ وَالزَمُوا صِرَاطَهُ المُستَقِيمَ، بِذَلِكَ وَصَّاكُم - تَعَالى - فَقَالَ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مَرَّت بِنَا عَشرُ ذِي الحِجَّةِ وَيَومُ العِيدِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ، وَقَد كَانَ مِنَ المُسلِمِينَ فِيهَا مَا كَانَ، مِمَّا أَنعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيهِم وَوَفَّقَهُم إِلَيهِ مِن صَالِحِ العَمَلِ، مِن حَجٍّ لِبَيتِهِ الحَرَامِ، وَذَبحٍ وَنَحرٍ وَتَكبِيرٍ وَذِكرٍ، وَصَلاةٍ وَدُعَاءٍ وَصَدَقَاتٍ وَصِيَامٍ، وَتَعَلُّمِ عِلمٍ وَتَعلِيمِهِ وَدَعوَةٍ إِلى اللهِ، وَتَفقِيهٍ لِلحُجَّاجِ وَخِدمَةٍ لَهُم، وَبَذلٍ في وُجُوهِ الخَيرِ تَحَرِّيًا لِلأَجرِ وَطَلَبًا لِلثَّوَابِ، وَاغتِنَامًا لِشَرَفِ الزَّمَانِ أَوِ المَكَانِ في ذَلِكُمُ المُوسِمِ العَظِيمِ.

 

وَبَعدَ هَذِهِ الرِّحلَةِ الإِيمَانِيَّةِ المُبَارَكَةِ، الَّتي اقتَطَفَ المُسلِمُونَ فِيهَا مِن أَزَاهِيرِ الإِيمَانِ مَا وَسِعَهُم، فَإِنَّ مِمَّا يَحسُنُ أَن يُوصَوا بِهِ وَيَتَوَاصَوا، أَلاَّ يَنسَوُا الغَايَةَ مِن خَلقِهِم في جَمِيعِ أَوقَاتِهِم، وَأَن يَدُومُوا عَلَى العُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِم كَمَا أَرَادَ لَهُم، وَيَحرِصُوا عَلَى أَن تَكُونَ أَعمَالُهُم في سَائِرِ أَعمَارِهِم، مُنبَثِقَةً مِن تِلكَ العُبُودِيَّةِ مُتَّجِهَةً إِلَيهَا، عَلَى أَكمَلِ الوُجُوهِ وَأَحسَنِهَا، أَو عَلَى أَقرَبِهَا لِلكَمَالِ وَأَدنَاهَا لِلحُسنِ، وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ  -: " لَن يُنجِيَ أَحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ " قَالُوا: وَلا أَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " وَلا أَنَا إِلاَّ أَن يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنهُ بِرَحمَتِهِ؛ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغدُوا وَرُوحُوا، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلجَةِ، وَالقَصدَ القَصدَ تَبلُغُوا " وَفي رِوَايَةٍ: " سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لَن يُدخِلَ أَحَدَكُم عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ أَدوَمُهَا وَإِن قَلَّ "

 

وَهَذَا الحَدِيثُ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - أَصلٌ في أَنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ عُمُرٌ كَامِلٌ وَحَيَاةٌ مُستَمِرَّةٌ، يَعِيشُهَا المُسلِمُ بِلا انقِطَاعٍ وَلا تَوَقُّفٍ، بَينَ خَوفٍ وَرَجَاءٍ، وَرَغبَةٍ وَرَهبَةٍ، وَطَمَعٍ فِيمَا عِندَ اللهِ مِنَ الرَّحمَةِ وَالثَّوَابِ، وَخَوفٍ مِن ذَهَابِ العَمَلِ سُدًى وَضَيَاعِ ثَوَابِهِ أَو نَقصِهِ، لِسَبَبٍ أَو آخَرَ مِن أَسبَابِ حُبُوطِ العَمَلِ أَو نَقصِ ثَوَابِهِ.

 

وَالمَقصُودُ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - هُوَ أَن يَظَلَّ المُسلِمُ مُستَسلِمًا لِرَبِّهِ طُولَ عُمُرِهِ، مُؤَدِّيًا مَا لَهُ عَلَيهِ مِن حَقٍّ في كُلِّ وَقتٍ وَحِينٍ، مُسلِمًا وَجهَهُ إِلَيهِ في كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، سَامِعًا مُطِيعًا مُتَّقِيًا مَا استَطَاعَ، لا أَن يَنشَطَ في وَقتٍ دُونَ وَقتٍ، أَو يُفَرِّقَ في سَائِرِ عَامِهِ مَا جَمَعَهُ في بَعضِ أَيَّامِهِ، فَالإِسلامُ استِسلامٌ للهِ وَإِخلاصٌ لَهُ، وَانقِيَادٌ إِلَيهِ بِكُلِّ الجَوَارِحِ، وَأَخذٌ بِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ إِحلالاً لِلحَلالِ وَتَحرِيمًا لِلحَرَامِ، مَعَ التَّخَلُّصِ مِنَ الشِّركِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَتَركِ كَبِيرِهِ وَصَغِيرِهِ، عَن جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: أَتَى النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - النُّعمَانُ بنُ قَوقَلٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إِذَا صَلَّيتُ المَكتُوبَةَ، وَحَرَّمتُ الحَرَامَ وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ، أَأَدخُلُ الجَنَّةَ؟ فَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ  -: " نَعَم " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَعَن طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِن أَهلِ نَجدٍ ثَائِرُ الرَّأسِ، يُسمَعُ دَوِيُّ صَوتِهِ وَلا يُفقَهُ مَا يَقُولُ، حَتى دَنَا مِن رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ يَسأَلُ عَنِ الإِسلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ  -: " خَمسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ وَاللَّيلَةِ " فَقَالَ: هَل عَلَيَّ غَيرُهُنَّ؟ قَالَ: " لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ " وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ  -: " وَصِيَامُ شَهرِ رَمَضَانَ " قَالَ: هَل عَلَيَّ غَيرُهُ؟ قَالَ: " لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ " قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ فَقَالَ: وَهَل عَلَيَّ غَيرُهَا؟ قَالَ: " لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ " قَالَ: فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنقُصُ مِنهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ  -: " أَفلَحَ إِن صَدَقَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَمَن عَلِمَ أَنَّ الإِيمَانَ اعتِقَادٌ وَقَولٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنقُصُ بِالمَعصِيَةِ، وَأَنَّ الإِحسَانَ أَن يُرَاقِبَ رَبَّهُ في كُلِّ وَقتٍ وَفي أَيِّ مَكَانٍ، مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ - تَعَالى - يَرَاهُ وَيَطَّلِعُ عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ مِنهُ وَكَبِيرٍ، لم يَكُنْ لِلعِبَادَةِ عِندَهُ وَقتٌ دُونَ آخَرَ، بَل لا تَرَاهُ إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى جَعلِ كُلِّ وَقتِهِ للهِ، مُخلِصًا في نِيَّتِهِ، مُحسِنًا في قَولِهِ، مُسَدِّدًا في عَمَلِهِ، مُبتَغِيًا مَا عِندَ رَبِّهِ، يُعطِي للهِ وَيَمنَعُ للهِ، وَيُحِبُّ للهِ وَيُبغِضُ للهِ، وَيَصِلُ وَيَقطَعُ للهِ، وَيُوَالي وَيُعَادِي في اللهِ، مُتَحَرِّيًا الحَلالَ في مَطعَمِهِ وَمَشرَبِهِ وَمَلبَسِهِ، حَرِيصًا عَلَى أَن يَكُونَ قُدوَةً حَسَنَةً لِمَن حَولَهُ، مُعطِيًا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، مُتَخَلِّصًا مِمَّا يَحجُبُهُ عَن رَبِّهِ، تَائِبًا في كُلِّ وَقتٍ مِن ذَنبِهِ، أَجَلْ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّهُ لا يَخفَى عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ، أَنَّهُ لم يُخلَقْ وَيُوجَدْ عَلَى هَذِهِ الأَرضِ لِيَأكُلَ وَيَشرَبَ وَيَلبَسَ وَيَنكَحَ فَحَسبُ، أَو لِيَبنِيَ وَيَزرَعَ وَيَصنَعَ وَيَجمَعَ، بل كُلُّ أُولَئِكَ إِنَّمَا هِيَ أَسبَابٌ وَوَسَائِلُ جُعِلَت لَهُ وَمُكِّنَ مِنهَا؛ لِيَتَقَوَّى بها عَلَى العِبَادَةِ، فَإِنْ هُوَ قَدَرَهَا بِقَدرِهَا وَاستَعمَلَهَا في رِضَا اللهِ، كَانَت في ذَاتِهَا عِبَادَاتٍ يُؤجَرُ عَلَيهَا، وَإِنْ هُوَ اشتَغَلَ بها عَمَّا خُلِقَ لَهُ، كَانَت وَبَالاً عَلَيهِ يَومَ يَلقَى رَبَّهُ، قَالَ - سُبحَانَهُ  -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].

 

أَلا فَمَا أَحرَانَا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - أَن نَتَّقِيَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَنَتَصَوَّرَ مَا يَجِبُ أَن نَكُونَ عَلَيهِ في سَائِرِ أَوقَاتِنَا تَصَوُّرًا صَحِيحًا، وَأَلاَّ نَخلِطَ بَينَ مَا يُشرَعُ لِلمُؤمِنِ في مَوَاسِمِ الخَيرِ مِنَ الازدِيَادِ مِنَ الطَّاعَاتِ المَندُوبَةِ وَالسُّنَنِ المُستَحَبَّةِ، وَبَينَ مَا يَجِبُ أَن يُحَافِظَ عَلَيهِ طُولَ عُمُرِهِ وَلا يَقصُرَ عَنهُ وَلا يُفَرِّطَ فِيهِ، بَل وَلا يُفرِطَ وَلا يُبَالِغَ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ  -: " إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَترَةٌ، فَمَن كَانَت شِرَّتُهُ إِلى سُنَّتي فَقَد أَفلَحَ، وَمَن كَانَت فَترَتُهُ إِلى غَيرِ ذَلِكَ فَقَد هَلَكَ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، وَعِندَ التِّرمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: " إِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَترَةٌ، فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ " وَمَعنَى الحَدِيثَينِ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ رَغبَةً وَنَشَاطًا، ثم يَكُونُ بَعدَ النَّشَاطِ فَترَةٌ وَضَعفٌ، وَأَنَّ المُفلِحَ مَن كَانَ في عَمَلِهِ وَنَشَاطِهِ وَفَترَتِهِ مُتَّبِعًا السُّنَّةَ، سَائِرًا في دَربِ الوَسَطِ، بِلا غُلُوٍّ وَلا شَطَطٍ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 111 - 115]

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - كَمَا أَمَرَكُم يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، أَن يَجتَهِدَ المُسلِمُ في بَعضِ الأَوقَاتِ الفَاضِلَةِ مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهَا، وَيُضَاعِفَ فِيهَا جُهدَهُ وَيَجِدَّ وَيَتَزَوَّدَ، فَذَلِكَ هَديٌ نَبَوِيٌّ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَلَكِنَّ الَّذِي لَيسَ مِنَ السُّنَّةِ بَل وَلا مِنَ الشَّرعِ في شَيءٍ، أَن يَقصُرَ امرُؤٌ طَاعَتَهُ لِرَبِّهِ عَلَى وَقتٍ دُونَ آخَرَ أَو حَالٍ دُونَ أُخرَى، فَيَحرِصَ عَلَى فِعلِ الوَاجِبَاتِ وَتَركِ المُحَرَّمَاتِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ، ثم يَعُودَ إِلى مَا كَانَ عَلَيهِ مِنَ التَّفرِيطِ، وَهَذا فِعلُ قَلِيلٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّن لا يَفقَهُونَ، وَأَمَّا أَكثَرُ مَا يَقَعُ فِيهِ النَّاسُ مِمَّا لَيسَ مِنَ الاستِقَامَةِ في شَيءٍ، فَهُوَ الاقتِصَارُ عَلَى شَيءٍ مِنَ العِبَادَاتِ وَخَاصَّةً الوَاجِبَاتِ، وَحَصرِ الإِسلامِ وَالاستِقَامَةِ فِيهَا، مَعَ الغَفلَةِ عَن غَيرِهَا مِنَ الوَاجِبَاتِ، وَالوُقُوعِ في كَثِيرٍ مِنَ المُحَرَّمَاتِ وَالمَحظُورَاتِ، وَإِلاَّ فَمَا مَعنَى أَن يَحرِصَ النَّاسُ عَلَى الصَّلَوَاتِ مَثَلاً، ثم يَنطَلِقُوا مِن مَسَاجِدِهِم بَعدَ ذَلِكَ بِشَخصِيَّاتٍ أُخرَى، فَيَكذِبُوا وَيَغُشُّوا وَيَأكُلُوا الرِّبَا، وَيَبخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُم وَيَهضِمُوهُم حُقُوقَهُم، وَيَتَقَاطَعُوا وَيَتَهَاجَرُوا وَيَتَحَاسَدُوا وَيَتَبَاغَضُوا، وَيُقَصِّرُوا في الأَعمَالِ الَّتِي كُلِّفُوا بها وَلا يُؤَدُّوا ما ائتُمِنُوا عَلَيهِ، وَيَنظُرُوا إِلى الصُّوَرِ المُحَرَّمَةِ وَلا يَحفَظُوا أَلسِنَتَهُم وَلا آذَانَهُم وَلا فُرُوجَهُم؟! أَلَيسَ الَّذِي افتَرَضَ عَلَيهِمُ الصَّلَوَاتِ وَأَمَرَهُم بِأَدَائِهَا مَعَ الجَمَاعَاتِ، هُوَ الَّذِي أَوجَبَ عَلَيهِمُ الصِّدقَ وَالوَفَاءَ بِالعُقُودِ وَالعُهُودِ، وَأَدَاءَ الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا وَحِفظَ الحُقُوقِ؟ أَلَيسَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ عَلَيهِمُ الكَذِبَ وَالغِشَّ وَالغَدرَ وَالتَّطفِيفَ، وَنَهَاهُم عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّقَاطُعِ؟ أَلَيسَ هُوَ الَّذِي قَبَّحَ لَهُمُ الغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ وَقَولَ الزُّورِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَالزِّنَا وَالخَنَا؟ بَلَى وَاللهِ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِنَ الغُرُورِ الَّذِي يَسِيرُ فِيهِ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ، أَن يُصَلُّوا وَيُزَكُّوا وَيَصُومُوا، ثُمَّ يُطلِقُوا لأَنفُسِهِمُ العِنَانَ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِتَرتَعَ في المُحَرَّمَاتِ وَتَأتِيَ المُوبِقَاتِ، وَتَتَعَدَّى عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ وَتَظلِمَهُم، ثم إِذَا تَكَشَّفَتِ الأُمُورُ يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِذَا هُم مُفلِسُونَ خَاسِرُونَ، رَوَى الإِمَامُ مُسلِمٌ عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أَتَدرُونَ مَا المُفلِسُ؟ " قَالُوا: المُفلِسُ فِينَا مَن لا دِرهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فَقَالَ: " إِنَّ المُفلِسَ مِن أُمَّتي يَأتي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأتي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَى مَا عَلَيهِ، أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ " أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّا مَأمُورُونَ مَعَ تَحلِيَةِ النُّفُوسِ بِالفَضَائِلِ، بِتَخلِيَتِهَا مِنَ الرَّذَائِلِ، وَوَاجِبٌ عَلَينَا أَن نَعبُدَ رَبَّنَا حَتَّى نَلقَاهُ، وَأَن نَتَّقِيَ اللهَ مَا استَطَعنَا وَأَن نَدخُلَ في جَمِيعِ شَرَائِعِ الدِّينِ وَلا نَترُكَ مِنهَا شَيئًا، وَأَن يَكُونَ هَوَانَا تَبَعًا لِلدِّينَ، لا أَن نَكُونَ مِمَّنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، فَإِن وَافَقَ الأَمرُ المَشرُوعُ هَوَاهُ فَعَلَهُ، وَإِن خَالَفَهُ تَرَكَهُ وَتَغَافَلَ عَنهُ، قَالَ - سُبحَانَهُ  -: ﴿ وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ ﴾  وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ  -: ﴿ فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا ﴾ وَقَالَ - تَعَالى  -: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 208، 209] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا  -: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • استقيموا ولن تحصوا
  • استقيموا أيها الكبار، يستقيم الصغار
  • استقيموا يرحمكم الله

مختارات من الشبكة

  • الكلام على قول حذيفة: (يا معشر القراء استقيموا...إلخ)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصلاة خير الأعمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل الوضوء: المحافظة على الوضوء دليل على قوة الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اتقوا فتنة التبرج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/1/1447هـ - الساعة: 15:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب