• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

لا يشكر الله من لا يشكر الناس (خطبة)

لا يشكر الله من لا يشكر الناس (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/11/2024 ميلادي - 19/5/1446 هجري

الزيارات: 8006

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لا يشكر الله من لا يشكر الناس[1]


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

أيها المسلمون، إن النفس الإنسانية ذاتُ مشاعرَ وأحاسيسَ تتأثر بمواقف الناس تجاهها، فإذا أحسنت فقُوبل إحسانها بالشكر، التذَّت واستراحت، وإذا قُوبل معروفها بالجحود ضاقت وتكدَّرت.

 

فما أسمى ذلك الإنسانَ الذي إذا صنع له امرؤٌ معروفًا شَكَرَه، فأثنى على المحسن بلسانه، وذَكَرَه بفضله وإحسانه!

 

وأما من جحد المعروف بالنُّكران، أو قابله بالتغافُل والنسيان، أو تجاوز حدودَ الأخلاق فأساء إلى من كان له محسنًا، فذاك إنسان فقير الأخلاق، لئيم الطِّباع، وسيُجزى من الناس بمثل فِعلِه، فيذوق من المرارة مثل ما أذاق مَن جَحَدَ فضلَ خيرِهِ عليه.

 

فشتَّان ما بين الشاكر الذي ينبُت فيه المعروف كما ينبت الغرسُ الطيب في الأرض الخِصبة، وبين الجاحد الذي ينزل عليه غيثُ الإحسان كما ينزل الغيث على القِيعانِ التي لا تُمسك ماءً ولا تُنبت كلأً.

 

وما الناس في شُكر الصنيعة عندهم
وفي كُفرها إلا كبعض المزارعِ
فمزرعةٌ طابت فأضعف نبتها
ومزرعة أكْدَت على كلِّ زارعِ[2]

 

عباد الله، إن الإنسان الكريم يشكر المعروف ولو جاءه من حيوان، فيحفظ لذلك الحيوان معروفه، ويُكافِئه عليه بما يقدر من الخير له، فكيف بمعروفٍ جاء من إنسان؟ بل كيف بمعروف جاء من قريب أو حبيبٍ، أو جار أو صديق؟!

 

فعن أبي عثمان الثقفي قال: "كان لعمر بن عبدالعزيز غلامٌ على بغل له يأتيه كل يوم بدرهم، فجاءه يومًا بدرهمين، فقال: ما بدا لك؟ قال: نفقت السوق، قال: لا، ولكنك أتعبت البغل، أَجِمَّه ثلاثة أيام"[3].

 

بل إن بعض العرب كانوا يسقُون خيلهم اللبنَ المحض، ويَدَعُون لأنفسهم وأولادهم اللبن الممذوق؛ شكرًا للخيل على ما تُوليهم من النِّعَمِ والخدمة.

 

لهذا - معشر المسلمين - ينبغي لنا أن نتحلى بشكر ذوي المعروف والإحسان، وأن نحذر من الجحود والنكران؛ فإن شُكْرَ الناس من شُكْرِ الله، فمن لم يَشْكُر مَن أحسن إليه منهم، لم يشكر ربه العظيم؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس))[4].

 

وعن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((إن أشْكَرَ الناس لله أشكرهم للناس))[5].

 

قال الشاعر:

إذا المرء لم يشكر قليلًا أصابه
فليس له عند الكثير شُكورُ
ومن يشكر المخلوق يشكر لربه
ومن يكفر المخلوق فهو كَفورُ[6]

 

ولا ينبغي أنْ نجهلَ أنَّ شُكْرَ الناس على معروفهم، والثناء على جميل إحسانهم، عبادةٌ من العبادات، وقُربة من القربات؛ وقد صدق من قال:

شكرتك إن الشكرَ لله طاعة
ومن شكر المعروف فالله زائدُه[7]

وأحْسَنَ القائل:

شكرتُك إن الشكر حظٌّ من التُّقى
وما كلُّ من أوليته نعمةً يقضي[8]

لهذا احذر - أيها المسلم - أن تكون للمعروف كَفورًا، وللإحسان جَحودًا؛ فإن هذا نوعٌ من اللؤم ودناءة الأخلاق، ومعصية من معاصي الخلَّاق؛ قال بعض العلماء السابقين: "كُفْرُ النعمة من لؤم الطبيعة، ورداءة الدِّيانة"[9].

 

وقال الشاعر:

وإذا اصطنعت إلى أخي
ك صنيعةً فانسَ الصنيعهْ
والشكر من كرم الفتى
والكفر من لؤم الطبيعهْ[10]

أيها المؤمنون، إنَّ شُكْرَ المعروف له مظاهرُ كثيرة، فمن عجز عن بعضها لم يعجَز عن بقيَّتها، ومن جمعها، فقد أحْسَنَ كلَّ الإحسان في ردِّ الجميل؛ فمن تلك المظاهر:

المكافأة المادية: وتكون بشكر الْمُحْسَن إليه معروفَ الْمُحْسِن بمالٍ يُعطيه، في مناسبة تستدعيه، كحاجة في جائحة، أو قضاء دين، أو إعانة في بعض تكاليف الحياة، أو يُرسلَ إليه هدية تعبِّر عن شكره، واعترافه بفضله.

 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهَدِيَّة ويُثيب عليها))[11].

 

ومن شُكْرِ نبينا محمد عليه الصلاة والسلام للمعروف: أنه أحْسَنَ الردَّ على جميل عمِّه أبي طالب الذي ربَّاه، ودافع عنه أذى من أذاه؛ فإن أبا طالب كان كثيرَ العيال: ((فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمِّه وكان من أيسر بني هاشم: يا عباسُ، إن أخاك أبا طالب كثيرُ العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه، فلنخفِّف عنه من عياله؛ آخُذ من بنيه رجلًا، وتأخذ أنت رجلًا، فنكلهما عنه، فقال العباس: نعم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنا نريد أن نخفِّف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلًا، فاصنعا ما شئتُما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا، فضمَّه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمَّه إليه، فلم يزل عليٌّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيًّا، فاتبعه عليٌّ رضي الله عنه، وآمن به وصدَّقه، ولم يزل جعفرٌ عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه))[12].

 

ومرَّ سعيد بن العاص بدار رجلٍ بالمدينة فاستسقى فسَقُوه، ثم مرَّ بعد ذلك بالدار ومنادٍ ينادي عليها: من يزيد؟ فقال لمولاه: سَل لِمَ تُباع هذه؟ فرجع إليه فقال: على صاحبها دَين، قال: فارجع إلى الدار، فرجع فوجد صاحبها جالسًا وغريمه معه، فقال: لِمَ تبيع دارك؟ قال: لهذا عليَّ أربعة آلاف دينار، فنزل وتحدث معهما، وبعث غلامه فأتاه ببَدْرَةٍ[13]، فدفع إلى الغريم أربعة آلاف، ودفع الباقي إلى صاحب الدار، وركب ومضى[14].

 

أرأيتم كيف شكر سعيدٌ على شربة ماء؟ وكيف كافأ صاحب الدار بهذا المال الكثير على كأس من ماء؟

 

ومن مظاهر شكر المعروف أيضًا: إيصال الشكر للمُحسن، والإعلان بالثناء عليه ومدحه على معروفه؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فأثْنُوا عليه حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه))[15].

 

سبحان الله! ما أعظم الإسلام في مراعاة مشاعر النفوس، وسُبُلِ راحتها، وإدخال السرور عليها!

 

وعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((من صُنْعَ إليه معروفٌ فَلْيَجْزِهِ، فإن لم يجد ما يجزيه فَلْيُثْنِ عليه، فإنه إذا أثنى فقد شكره))[16] ، وفي رواية: ((من أُبْلِيَ بلاءً فذكره، فقد شكره، وإن كتمه فقد كَفَرَه))[17].

 

فهل بقِيَ من عذرٍ في ترك الشكر؟

 

قال الشاعر:

علامةُ شُكرِ المرء إعلانُ حمدهِ
فمن كتم المعروف منهم فما شَكَر[18]

ومن شكر المعروف: قَبول شفاعة ذي المعروف في الأمور الكبيرة وعدم ردِّها.

 

فعن محمد بن جبير، عن أبيه رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في أُسارى بدرٍ: ((لو كان الْمُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حيًّا، ثم كلمني في هؤلاء النَّتنى لتركتُهم له))[19].

 

وكان المطعم بن عدي ممن شارك في شقِّ صحيفة الظلم بحصار الشِّعب، وهو أيضًا الذي أجار النبي عليه الصلاة والسلام عند دخول مكة حين رجع من الطائف، فأراد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يكافئه على هذا المعروف، ولكنَّ موتَ الْمُطعم سبق غزوة بدر.

 

ومن شُكْرِ المعروف أيضًا: الدعاء للمُحسن.

 

فعن أنس رضي الله عنه أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، ذهب الأنصار بالأجر كلِّه قال: ((لا، ما دعوتُمُ الله لهم، وأثنيتُم عليهم به))[20].

 

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صُنِعَ إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء))[21].

 

ومن شُكْرِ المعروف كذلك: التغاضي عن إساءة المحسن، وهذا مظهر من أسمى مظاهر الشكر، ومن الأمثلة على ذلك: موقف عروة بن مسعود قبل إسلامه يوم الحديبية مع أبي بكر رضي الله عنه؛ ففي صحيح البخاري: ((... قال عروة عند ذلك: أي محمدُ، أرأيتَ إن استأصلتَ أمرَ قومِك، هل سمعتَ بأحدٍ من العرب اجتاح أهلَه قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإني والله لأرى وجوهًا، وإني لأرى أوشابًا من الناس خليقًا أن يَفِرُّوا ويَدَعُوك، فقال له أبو بكر الصديق: امْصُصْ ببَظْرِ اللات، أنحن نَفِرُّ عنه ونَدَعه؟! فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يدٌ كانت لك عندي لم أجْزِك بها، لَأجبْتُك)).

 

نسأل الله أن يجعلنا للمعروف شاكرين، وبين الناس من المحسنين.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد أيها المسلمون:

فإن شكر المعروف خُلُقٌ كريم، وعمل حميد عظيم، يُثمر ثمراتٍ جميلةً، وتنتج عنه أعمال جليلة؛ فمن ذلك: أنَّ شكر المعروف يحُثُّ ذويه على استمرار خيرهم، ومواصلة معروفهم وبرِّهم، وقد يستنهضهم إلى مضاعفة إحسانهم وزيادته، وتوسيع نطاقه ودائرته؛ لأن بعض أصحاب المعروف إذا لم يجدوا لمعروفهم شاكرًا، ولا لفضلهم مُثنيًا، قد يدعوهم ذلك إلى قطعِهِ، أو تحويله إلى قوم شاكرين.

 

فقد قيل في المثل:

من لا يؤدِّبه الجمي
ل ففي عقوبته صلاحه[22]

وقال الشاعر:

يزهِّدني في كل خيرٍ فعلته
إلى الناس ما جربتُ من قلة الشكرِ[23]

وقال رجل لبعض جلسائه: "على أي شيء أنتم أشد ندامة؟ قالوا: على وضع المعروف في غير أهله، وطلب الشكر ممن لا يشكره"[24].

 

ومن ثمرات شكر المعروف: ترسيخ المحبة بين الناس، والبعد عن الهِجران والكراهية؛ فإن كُفرانَ المعروف جالبٌ للقطيعة، ومُوقِد للعداوة، فكم قد رأينا - معشر المسلمين - من أُناسٍ كانوا متوادِّين متواصلين، فلما أحسن بعضهم إلى بعض ولم يُشكَر ذلك الإحسان، انقلبت تلك المودة إلى بُغْضٍ وقطيعة!

 

عباد الله، وإذا كان شكر المعروف له ثمرات، فإن جحوده له مضرَّات كذلك؛ فمنها: انقطاع المعروف عن الجاحد، وتفويت الخير على نفسه، وذهاب البركة عن المعروف الذي وهبه فلم يشكره، "والنعم لا تستجلب زيادتها، ولا تدفع الآفات عنها إلا بالشكر لله جل وعلا، ولمن أسداها إليه"[25].

 

ومن مضرَّات عدم شكر المعروف: ندم المحسن وتحسُّره، وتوجُّعه وتألُّمه، وقد ينقلب إحسانه إذا صادف لئيمًا سببًا للإساءة إليه وإيذائه.

 

فقد حُكِيَ أن قومًا من العرب خرجوا إلى الصيد إذ عَرَضت لهم أمُّ عامر - وهي الضبع - فطردوها حتى ألجؤوها إلى خِباء أعرابيٍّ، فاقتحمته، فخرج إليهم الأعرابي، وقال: ما شأنكم؟ قالوا: صيدَنا وطريدتَنا، فقال: كلا، والذي نفسي بيده لا تَصِلُون إليها ما ثبت قائمُ سيفي بيدي، فحماها منهم؛ لأنها استجارت بخبائه، قال: فرجعوا وتركوه، وقام إلى لِقْحَةٍ فحلبها، وماء فقرَّب منها، فأقبلت تلِغ مرةً في هذا ومرة في هذا حتى عاشت واستراحت، فبينا الأعرابي نائم في جوف بيته إذ وثبت عليه فبقرت بطنه، وشرِبت دمه وتركتْهُ، فجاء ابنُ عمٍّ له يطلبه، فإذا هو بَقيرٌ في بيته، فالتفت إلى موضع الضبع فلم يَرَها، فأخذ قوسه وكنانته واتبعها، فلم يزل حتى أدركها فقتلها، وأنشأ يقول:

ومن يصنع المعروف مع غير أهله
يلاقِ الذي لاقى مُجيرُ امِّ عامرِ
أدام لها حين استجارت بقربه
لها محضَ ألبان اللقاح الدَّرائرِ
وأسْمَنَها حتى إذا ما تكاملت
فَرَتْهُ بأنياب لها وأظافرِ
فقُل لذوي المعروف هذا جزاء من
يجود بمعروفٍ إلى غير شاكر[26]

 

وصارت هذه القصة بعد ذلك مَثَلًا في سوء حال من صنع معروفًا إلى غير شاكرٍ.

 

أيها الأحِبَّة الكرام، علينا أن نعرف أهميةَ شكر المعروف والإحسان، وألَّا نكون من أهل الجحود والنسيان، بل نجزي أهل المعروف إلينا بما نقدر عليه من الجزاء؛ إما بالهدية والعطاء، وإما بالمدح والثناء، وإما بزيادة الودِّ والدعاء.

 

وأن نعلم أن لشكر الإحسان آثارًا حسنةً تحُثُّنا على الشكر الجزيل، ومضرَّاتٍ عديدةً تحذرنا من نكران الجميل.

 

وإيانا ثم إيانا أن نخُصَّ بالشكر كثيرَ المعروف، ونحجبه عن قليله، فهذا ليس من شِيَمِ الكِرام، بل الكريم من يشكر كل معروف قليلًا كان أم كثيرًا، ولا يخص المرءَ بشكره الكثير فقط، بل يشكر معه ما قلَّ من غير احتقار، ويُثني عليه بدون استصغار؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير))[27].

 

ومع هذا كله - يا عباد الله - فإن على الإنسان الذي يريد ثوابَ ربه عند لقائه، وحسن جزائه في حياته، أن يبذل المعروف ولو لم يجد له شاكرًا، وينتظر شكره من ربه الشكور لا من مُعطاه الكفور، ففي حسن جزاء الآخرة على خالص العمل سَلْوَةٌ تُنسي ألم الجحود والنكران، وراحة للنفس من خيبة الضياع والخسران.

 

قال الشاعر:

بُثَّ الصنائع لا تحفِل بموقعها
في آملٍ شَكَرَ المعروف أو كَفَرَا[28]

 

نسأل الله أن يُصلح أمرنا، ويجبُر كسرنا.

هذا، وصلوا وسلموا على النبي الكريم.



[1] أُلقِيَت في مسجد الشوكاني في: 6/ 5/ 1446هـ، 8/ 11/ 2024م.

[2] تعليق من أمالي ابن دريد (ص: 173).

[3] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 273).

[4] رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وهو صحيح.

[5] رواه أحمد، وأبو داود الطيالسي، والبيهقي، وهو صحيح.

[6] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 263).

[7] الدر الفريد وبيت القصيد (7/ 33).

[8] الزهرة (ص: 181).

[9] الإعجاز والإيجاز (ص: 62).

[10] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 266).

[11] رواه البخاري.

[12] سيرة ابن هشام (1/ 229).

[13] ) البَدْرَةُ: كِيسٌ فِيهِ أَلْفٌ أَو عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ أَو سَبْعةُ آلَاف دِينارٍ، [تاج العروس (10/ 142)].

[14] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 263).

[15] رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وهو صحيح.

[16] رواه البخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح.

[17] رواه أبو داود، وهو صحيح.

[18] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 267).

[19] رواه البخاري (3139).

[20] رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والبيهقي، وهو صحيح.

[21] رواه الترمذي، والنسائي، والبيهقي، وهو صحيح.

[22] الرسائل للجاحظ (1/ 109).

[23] أمالي القالي (1/ 123).

[24] بهجة المجالس وأنس المجالس (ص: 65).

[25] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 264).

[26] مجمع الأمثال (2/ 144).

[27] رواه البيهقي، وهو حسن.

[28] الدر الفريد وبيت القصيد (5/ 167).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفهم الصحيح للحياة (قواعد - ونتائج) (خطبة)
  • السيرة النبوية: فضلها وثمرات معرفتها ومصادرها (خطبة)
  • تثبيت الناس في البلايا الست (خطبة)
  • العبادة وطموحات الروح (خطبة)
  • التكبير: فضله - مواطنه - حكمه (خطبة)
  • ارحموا الآباء والأمهات (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شكر المعروف ومكافأة فاعله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة حديث أبي العباس أحمد بن محمد اليشكري (قطعة من الجزء الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قوم سبأ والنعمة التي لم يشكروها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إسبانيا: رئيس إكستريمادورا يشكر اتحاد الجاليات الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • البرتغال: وزير الخارجية يشكر الجالية الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • روسيا: المفتي يشكر فتاة مسلمة أنقذت طفلتين من الموت(مقالة - المسلمون في العالم)
  • البوسنة: حجاج البوسنة يشكرون خادم الحرمين الشريفين على الاستضافة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فرنسا: الألبان والبوشناق في باريس يشكرون مفتي إقليم السنجق(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب