• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتاوى الطلاق الصادرة عن سماحة مفتي عام المملكة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    عناية النبي بضبط القرآن وحفظه في صدره الشريف
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    على علم عندي
    عبدالسلام بن محمد الرويحي
  •  
    عظمة الإسلام وتحديات الأعداء - فائدة من كتاب: ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: أهمية التعامل مع الأجهزة الإلكترونية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    نصيحتي إلى كل مسحور باختصار
    سلطان بن سراي الشمري
  •  
    الحج عبادة العمر: كيف يغيرنا من الداخل؟
    محمد أبو عطية
  •  
    تفسير سورة البلد
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    فضل يوم عرفة
    محمد أنور محمد مرسال
  •  
    خطبة: فضل العشر الأول من ذي الحجة
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: اغتنام أيام عشر ذي الحجة والتذكير بيوم عرفة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    حقوق الأم (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    من مائدة العقيدة: شروط شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    تحريم صرف شيء من مخلوقات الله لغيره سبحانه وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الله يخلف على المنفق في سبيله ويعوضه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

الهجرة إلى الحبشة: دروس وعبر (2)

الهجرة إلى الحبشة: دروس وعبر (2)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/6/2023 ميلادي - 1/12/1444 هجري

الزيارات: 5939

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سلسلة (3): سلسلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة (16)

الخطبة: 45 من السيرة النبوية

الْهِجرَةُ إلى الْحَبَشَةِ: دروسٌ وعِبَرٌ (2)


الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّه، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغفِرهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفِسِنَا وَمَنْ سَيِّئاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَحْمَدُكَ رَبَّنَا عَلَى مَا أنعَمْتَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمِكَ العَظِيمَةِ، وآلائِكَ الْجَسِيمَةِ حَيْثُ أرْسَلتَ إلَيْنَا أَفْضَلَ رُسُلِكَ، وأنْزَلْتَ عَلَينَا خَيْرَ كُتُبِكَ، وشَرَعْتَ لَنَا أَفْضَلَ شَرائِعِ دِينِكَ، فَاللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الْحَمْدُ إذَا رَضِيتَ، وَلَكَ اَلْحَمْدُ بَعْدَ الرِّضا، أَمَّا بَعْدُ:

أيُّهَا الإخْوَةُ المُؤْمِنُونَ، تحدَّثنا في الخُطبة المَاضية عَن الهِجرة الأولى إلى الحَبشةِ، واستفدنا فيها -من الدروس والعِبر- الحِرصَ على تكثير سَوادِ المُسلمين، والحذر من خطر الإشاعة والكذب، وأثر القرآن وسِحره في التأثير على النفوس.


ولمَّا رجع المُهاجرة الأولى ازدادَ أذى المُشركين فأمَرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة ثانيةً إلى الحَبشة للسَّبب السَّالف الذِّكر بكونِ مَلِكها مَلِكًا عَادِلًا، فخرجُوا تِباعًا، وكان عَددُهم ثلاثة وثمانين رجلًا، وإذا احتسبنا نساءَهم فالعددُ يفوق مِئة.


عِبَاد الله، تُحدِّثُنا أمُّ سَلمةَ رضي الله عَنها عن هذه الرِّحلة قائلةً: "لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى لَا نُؤْذَى، وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إلى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأُدْمُ [الْجُلُود]، فَجَمَعُوا لَهُ أُدْمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إلَّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عبدالله بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَأَمَرُوهُمَا بِأَمْرِهِمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعَا إلى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمَا إلى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلَاهُ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إلَيْكُمَا قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بِطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إلَّا دَفَعَا إلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، وَقَالَا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: إنَّهُ قَدْ ضَوَى [لَجأ] إلى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينِ مُبْتَدَعٍ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إلى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِيَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُمْ إلَيْنَا وَلَا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا [أبْصَر بِهم]، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ. ثُمَّ إنَّهُمَا قَدَّمَا هَدَايَاهُمَا إلى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنَّهُ قَدْ ضَوَى إلى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلى عبدالله بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرِو ابْن الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النَّجَاشِيُّ. قَالَتْ: فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَأَسْلِمْهُمْ إلَيْهِمَا فَلْيَرُدَّاهُمْ إلى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ. قَالَتْ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لَاهَا اللَّهِ، إذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْهِمَا، وَلَا يَكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلَادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أَسْلَمْتهمْ إلَيْهِمَا، وَرَدَدْتُهُمْ إلى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي"[1].


عِبَادَ اَللَّهِ،في هذا القَدر مِن الحَدث نخرج بدروسٍ وعِبرٍ نجملُها في دَرسَين:

الدرس الأول: العدلُ أساسُ المُلك:

العِلَّة من إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الصَّحابة للحبشةِ هو عَدلُ مَلِكها النَّجاشي، ومن مظاهر ذلك:

• الأمن على الدِّين وضمان الحُريَّة الدينية للصَّحابة رضوان الله عليهم، وهذه الحريَّة مفقودة في مكة.


• عدم الإذايةِ لهم ايذاءً معنويًّا أو جَسديًّا، وفي مكة أذاقوهم صُنوفًا من العذاب.


• رفضُ تسليمِهم حتى يسمع مِنهم، وهذا مقتضى العدل فيجبُ على الحَاكِم والقاضي الاستماع مِن الطرَفين. وفي مكة يرفضون الاستماع للقرآن ويمنعُون أي أحَد من أن يَسمع للنبي صلى الله عليه وسلم.


• في نهاية القصَّة رفَضَ النَّجاشي تسلِيم الصَّحابة؛ لأنَّ الحقَّ معَهم، وردَّ الهدية التي قدَّمها مبعوثا قريش؛ لأنَّها رشوة.


ومن ثمارِ وبركةِ عدلِ النَّجاشي: أن نَصَرَهُ اللهُ على خَصْمِه الذي نَازعَه المُلك. فالعدلُ سببٌ في دَوام الملكِ وعَدمُ زوالِه، كَما أنَّه سَببٌ في تَحقيق النَّصرِ. وَقادَه ذلك إلى التَّمييز بينَ الحَقِّ والبَاطلِ، والدخول في الإسلام.


وقد ضربَ النبي صلى الله عليه وسلم أروعَ الأمثلةِ للعدلِ من خلالِ سِيرتِهِ العَطرةِ، ومن ذلك: ما رُوي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ"، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"[2].


وسَجَّل الخلفاءُ الرَّاشدونَ أرْوَعَ الأمثلةِ في العَدلِ تأسِّيًا بالنبيِ صلى الله عليه وسلم؛ فهذا أبو بكرٍ الصديق رضِي الله تعالى عنهُ لمَّا ولِي الخِلافةَ قال: "الضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حتى أرجع عَلَيْهِ حَقَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ"[3]. فالحقُّ أعطى الضعيف قوةً، والحقُّ حطَّ من قوةِ القوي حتى يتعادلا ويتساويَا في الحُقوقِ وفي الحُكمِ. وفي زمنِ عُمرَ رضي الله عنه كان جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ مَلك غسَّان يطوف بالكَعبة، فوطئ رجلٌ فِزارِيٌّ إزارَه فغضِب فلطَمَه وهشم أنفَه، فرفع أمرَه إلى عُمر فاستدعَاه فقال جَبَلَةُ: وطئ إزاري فلطمتُه، فقال عُمر: قد أقررتَ على نفسِك، فلا بدَّ من القِصَاص. فقال جَبَلَةُ: كيف وهو سُوقةٌ وأنا مَلِك؟! قال عُمر: الإسلامُ سوَّى بينكمَا. فمَا كان مِنه إلا أن طَلبَ مُهلةً فهرَب وتنَصَّرَ. فخسِر الدنيَا والآخرَة[4].


فإيَّاكم إخواني والظلم فإنَّه قَاصِمةُ الظهرِ لِلأفرادِ والأمَمِ، قَال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102][5].


لَمَّا رَجَعَتْ إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُهَاجِرَةُ الْحبشةِ، قَالَ: «أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟» قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟» [6].

لا تَظلِمَنَّ إذا ما كُنتَ مُقتدِرًا
فَالظلمُ تَرجِعُ عُقبَاهُ إلى النَّدمِ
تَنامُ عَيناكَ والمَظلومُ مُنتَبِهٌ
يَدعُو عَليكَ وعَينُ اللهِ لَمْ تنمِ

 

فاللَّهم إنا نعُوذ بك أن نَظلِمَ أو نُظلَم، وآخِر دَعوانَا أنِ الحَمدُ لله رَبِّ العَالمين.

 

الْخُطْبَةُ الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَصَلَّى اللَّهُ وسَلَّمَ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن اقْتَفَى.


الدرس الثاني: الرشوة بين أهل الحقِّ وأهلِ البَاطِل:

النَّجاشي رفض الرشوة وردَّها إليهم، وقال مُستعملًا القياس: "رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةَ لي بهَا، فو الله مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ"[7]. وهذا هو صَنيع أهلِ الحق، لا يقبضون رشوةً على أعمالِهم التي كُلِّفوا بإنجازهَا، ولايقبضونَ رشوةً أو يُعطونها لقلبِ المَوازينِ والقوانينِ وإبطالِ حقٍّ، أو إحقاقِ باطلٍ، أو ظلمِ أحدٍ، كما فَعل بَطَارقتُه الذين قبضُوا رشوة وإن غلِّفت في صُورة هَديَّة أو غيرهَا من الأسماءِ كـ: (الحلاوة)، فلا يُغيِّر من حقيقتها شَيئًا. فقالوا: "صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَأَسْلِمْهُمْ إلَيْهِمَا فَلْيَرُدَّاهُمْ إلى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ".


قال صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ"[8]، واللَّعن هو الطَّرد والإبعادُ من رحمةِ الله.


الرَّاشي: هو الذي يرشي المَسؤولين والعمَّال والوجَهاء ليحصُل على حقٍّ ليس لَه، أويَصرفُ حقًّا عن صَاحبِه، فمن دفعَ رَشوة لمَسؤولٍ، أو لِعاملٍ، أو لِولي أمرٍ من وُلاة المُسلمين، فهو مَلعونٌ، ومثالُه في قصَّتنا؛ ما فعَلته قريش، فهم الرُّشَاة، وعبدالله بنُ ربيعة وعمرو بن العاص، وسطَاء، وقد ورد في بعض الروايات – رغم ضعفِها [9]- "لعن الرَّائِش" وهو الواسطةُ في الرشوة - لكنَّهما نَجَا من اللَّعن بِسببِ إسلامِهما، والإسلامُ يَجُبُّ (يمحُو) ما قَبلَه - ومَن قَبِلَها فهو مَلعُونٌ وهو المُرتشي، ومِثاله في قصَّتِنا: بطارقَة النَّجاشي.


فالواجِبُ إخواني التَّوبةُ من الرشوة وعدم الإضرارِ بأحَد، وكفَّارتُها أن يتُوب المُرتشي إلى الله سُبحَانه وتعالى، وأن يأخذَ هذا المَال ليُنفقَه في أحد الوجُوه، ولا يدخِله عَليه ولا علَى أبنَائِه فيُؤْكِلَهُم السُّحْت وَالحَرام، ثم لا يعودُ مرة ثانية إليها، وقد قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 70، 71].


فاللَّهم احفظنا بالإسلام قَائِمين، واحفظنَا بالإسلامِ قَاعِدين، ولا تُشمِّت بنَا عَدوًّا ولاحَاسِدًا، آمين. (تتمة الدُّعاءِ).



[1] سيرة ابن هشام: 1/ 335-336.

[2] رواه البخاري برقم: 3475.

[3] البداية والنهاية لابن كثير: 6/ 301.

[4] انظر تاريخ ابن الوردي: 1/ 139، والبداية والنهاية لابن كثير: 8/ 69.

[5] رواه البخاري برقم: 4686.

[6] رواه ابن ماجه برقم:4010. وصحَّحَه شعيب الأرنؤوط ومن معه في تحقيقه لسنن ابن ماجه.

[7] سيرة ابن هشام: 1/ 338.

[8] رواه أحمد في المسند برقم: 9031، وصحَّحه شعيب الأرنؤوط.

[9] عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ»؛ رواه الحاكم في المستدرك برقم: 2101. قال الألباني: "ذكر ليث في هذا الحديث زيادة لم يروِها غيره؛ وهي "الرائش"كما ذكر البزار، فهي زيادة منكرة لتفرُّد ليث بها، وهو ضعيف لاختلاطه". انظر السلسة الضعيفة: 3/ 381. لكن يبدو أن معنى الزيادة صحيح؛ لثبوت نفس العلة في الرائش؛ وهي التعاون على الإثم والعدوان في إلحاق الضرر بالغير. والله أعلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الهجرة إلى الحبشة: دروس وعبر (1)
  • الهجرة إلى الحبشة: دروس وعبر (3)
  • الهجرة إلى الحبشة: دروس وعبر (4)
  • الهجرة وأثرها على الشباب المسلم
  • أحداث غزة الأخيرة ابتلاء انطوى على دروس وعبر ومواقف وآمال وآلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الهجرة: دروس وعبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رحلة الهجرة النبوية: دروس وعبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهجرة دروس وعبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في ظلال الهجرة النبوية: دروس وعبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس وعبر من الهجرة النبوية(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الهجرة: دروس وعبر(مقالة - ملفات خاصة)
  • الهجرة دروس وعبر، سلوك وأخلاق (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الهجرة دروس وعبر سلوك وأخلاق (1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • قصة الهجرة النبوية - ليلة الهجرة ووداع الوطن الحبيب(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • قصة الهجرة النبوية - ليلة الهجرة ووداع الوطن الحبيب(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/12/1446هـ - الساعة: 2:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب