• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

تعرف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة (خطبة)

تعرف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/2/2021 ميلادي - 21/6/1442 هجري

الزيارات: 66821

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تعرف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة


الحمدُ للهِ الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 1، 2]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]، والصلاةُ والسلامُ على من بعثهُ اللهُ تباركَ وتعالى هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا منيرًا، صلى الله عليه وسلم وأنعـمَ عليـه، وعلى آله الأطهارِ، وصحابتهِ الأبْرارِ، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنَّهار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمَّا بعدُ:

فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، فتقوى اللهِ هي الزادُ الأعْظَمُ، والمنهجُ الأقْوَمُ، والسبيلُ الأسْلَمُ، والتزموا سنَّةَ نبيكم صلى اللهُ عليه وسلَّم تهتدوا، وأخلِصوا لله تعالى نياتِكم تُفلِحوا، وابتعدوا عن المنكرات تسْلموا، واستبِقوا الخيراتِ تربحوا، ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 18 - 20].

 

معاشر المؤمنين الكرام، بين يدي موضوعِ هذا اليوم، سأنقل لكم أجزاءً من بعض أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكلها بحمد الله أحاديثٌ صحيحة، وكلها تدور حول نفس المعنى، وكلها يصلح أن تكون عنوانًا لخطبة هذا اليوم، فأرعوني سمعكم، وأعمِلوا عقولكم، وافتحوا للحق قلوبكم، وباسم الله، وعلى بركة الله، قال صلى الله عليه وسلم: "صَنائِعُ المَعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ"، وفي رواية: "صنائع المعروف تقي مصارع السُّوء والآفات والهلكات"، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن سرَّه أن يستجيبَ اللهُ له عندَ الشَّدائدِ والكُرَبِ، فلْيُكثِرِ الدُّعاءَ في الرَّخاءِ"، وقال عليه الصلاة والسلام: "وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ يعرفُك في الشدَّةِ".

 

أحبتي في الله، جُبِلت هذه الدنيا على الكدر وعلى الشِدَّة والابتلاء؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4]، وقال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، وفي حديثٍ صحيح: أشدُّ الناس بلاءً الأنبياءُ ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسبِ دِينِه، فأنبياءُ اللهِ ورسله هم الأشدُّ بلاءً، لكن لأنهم يعرفونَ الله في الرخاء، فإن اللهَ يعرفهم في الشدة.

 

فها هو نوحٌ عليه السلام يعاني تلك المعاناة الشديدة الطويلة مع الملأ الذين استكبروا من قومه، فلما غرقت الأرض كُلها بالطوفان حتى غطى رؤوس الجبال، كان نوحٌ عليه السلام والذين آمنوا معهُ في كنف الله ورحمته، وسفينتُهم: ﴿ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾، فلما انتهى الطوفان استوت بهم على الجودي بسلام، قال تعالى: ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾، فـ "تعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ يعرفُك في الشدَّةِ"..

 

وها هو خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، يتعرض للابتلاء الشديد فيلقى في النار المتأججة، ثم يُؤمرُ بذبح ابنه وقد جاءهُ على كِبر، فأي بلاء أشدُّ من هذا البلاء، لكن لأنه كان يعرفُ الله في الرخاء، فقد عرفه الله في الشدة، فقال الله للنار: كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، وفدى الابن بذبحٍ عظيم، فتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ، يعرفُك في الشدَّةِ.

 

ها هو نبي الله يونسُ عليه السلام يتعرضُ للابتلاء الشديد، فيبتلعهُ الحوت، وتُحيطُ به ظُلماتٌ ثلاث، ظلمةُ الليل, وظلمةُ البحر, وظلمةُ جوف الحوت, ظلماتٌ بعضُها داخل بعض: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، ولأنه كان يعرفُ الله في الرخاء، فقد عرَفهُ اللهُ في الشدة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون ﴾ [الصافات: 143، 144]، فيأتيه الجوابُ الإلهي الكريم: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]، فتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ، يعرفُك في الشدَّةِ.

 

وهذا نبي الله أيوبَ عليه الصلاة والسلام، يُبتلي ابتلاءً شديدًا، فيطولُ به المرض سنين عددًا، ويُتركُ لوحدِه فلا أنيس ولا جليس، ويشتدُ فقرهُ حتى تضطرَّ زوجتهُ لبيع ضفائرها, ولأنه كان يعرفُ اللهَ في الرخاء، فقد عرفه اللهُ في الشدة، فما أن ﴿ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83], حتى جاءهُ الجواب سريعًا: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84]، فتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ، يعرفُك في الشدَّةِ.

 

وهذا يعقوب عليه السلام يُبتلى ابتلاءً شديدًا، فيفجعُ برؤية قميصِ ولدهِ الحبيب مُلطخًا بالدماء، ثم يَفقدُ ولدهُ الآخر، فيطولُ حُزنه، حتى تبيضَّ عيناه ويفقِدُ بصرهُ، ولأنه كان يعرفُ الله في الرخاء، فقد عرَفه الله في الشدة، فما أن دعا الله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 83]، حتى جاءتهُ البشرى، والعجيب أنها من جنس الفاجِعة قميصًا بقميص؛ قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ﴾ [يوسف: 96]، فتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ، يعرفُك في الشدَّةِ.

 

وهكذا بقيةُ أنبياء الله ورسله عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه، كُلهم تعرضوا لأشدِّ أنواع الابتلاءات والكروب، وكان أشدَّهم بلاءً نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ولأنهم كانوا يعرفون الله في الرخاء، فقد عرفهم الله في الشدة، ففرَّج الله عنهم, ونجَّاهم وحفِظهم, ونصرهم على القوم الظالمين، فتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ، يعرفْك في الشدَّةِ.

 

والأمر ليس خاصًّا بالأنبياء والرسل وحدهم، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصةِ الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غارٍ في سفح جبل، فانحدرت عليهم صخرةٌ عظيمة، فسدت عليهم فم الغار، فإذا الغارُ صندوقٌ محكم الإغلاق، لا يمكن الخروج منه بحال، وكانت كُربةً عصيبة، وشِدةً رهيبة، حاولوا الخلاص منها، فما وجدوا سبيلًا إلا أن يتذكروا معاملتهم مع الله في الرخاء، ليعرفهم اللهُ في الشدة، قام الأولُ فدعا ربَّهُ ببره بوالديه, فاسمع أيها العاق، لقد رجعَ يومًا من عمله مُتأخرًا على غير عادته، وكان أبواهُ لا يشربان الحليب إلا من يده، فلما جاءهم بالحليب وجدهما قد ناما، فلم يشأ إيقاظهما، ولم تقبل نفسهُ أن يسقي أبناءَهُ قبلهما، فضل واقفًا عند رأسِهما، والقدحُ على يده ينتظرُ استيقاظهما، والصبيةُ عند قدمه يتضاغون من الجوع، وظل واقفًا على تلك الحال، حتى انفلق الصبح وطلع الفجر، فلما استيقظ والداهُ بدأ بهما، فعل هذا في الرخاء، ثم دعا في الشدة: "اللهم إن كنت تعلمُ أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرُج عنا ما نحن فيه".

 

أما الثاني، فقد توسَّل إلى الله عز وجل بخوفه وخشيته من الله، ومراقبته له، يوم أن قدر على المعصية، وتمكَّن من الفاحشة، ووصل إلى أحبِّ الناس إلى قلبه ابنة عمه، بعد أن اشتاقَ إليها طويلًا، وراودها كثيرًا، فأعيته المراودة، حتى إذا أمكنته الفرصة، وأوشك أن يصل إلى مُرادهِ، خاطبت فيه تلك المرأة التقية رقابةَ الله، فقالت: اتَّق الله ولا تفُضَّنَّ الخاتم إلا بحقه، فارتعد القلب، واقشعر الجلد، ووجلت النفس، فقام عنها، وهي أحبُّ الناس إليه، وترك لها المال الذي أعطاها، فعل هذا في الرخاء، ثم دعا في الشدة: "اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، فافرُج عنا ما نحن فيه".

 

أما الثالث، فقد توسل إلى الله بنُبله وصدقه وأمانته، فقد استأجرَ عُمالًا فأعطاهم أجورهم، إلا واحدًا منهم، فقد ذهب ولم يأخذ من أجرهِ شيئًا، فلم يكتف هذا الرجل النبيل بحفظ الأجرة ريثما يعودُ صاحبها، بل إنه استثمرها له ونمَّاها, فكثرُ المال وتبارك، فإذا هو قطيعٌ كبيرٌ الماشية، ومجموعةٌ من العبيد يرعونها، ثم جاء الأجير بعد مدةٍ طويلة، فقال للرجل: اتَّق الله وأعطني حقي، ولأنه كان أمينًا غايةً في الأمانة, نبيلًا غايةً في النبل, فقد قال له: حقُّك محفوظ، فلما أراه القطيعَ والعبيد تفاجأ الأجير مُفاجأة كبيرة، فقال مستنكرًا: "اتَّق الله ولا تستهزئ بي"، فقال: يا عبد الله، إني لا أستهزئ بك، وكل ما تراه من العبيد والماشية فهو أجرك، نَمَّيتهُ لك، فاستاقهُ جميعًا, ولم يترك منهُ شيئًا، فعل هذا في الرخاء، ثمَّ دعا في الشدة: "اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك، فافرُج عنا ما نحن فيه".

 

واستجاب الله الدعوات، وقبل المناجات، فإذا بالشدَّةِ تنفرج، وإذا بالصخرة الضخمة تتزحزح، وإذا بهم يخرجون يمشون، ولا غرابة يا عباد الله، فقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ، يَعرِفْك في الشدَّةِ".

 

معاشر المؤمنين الكرام، وكما كُشفت الشدائدُ والكُروب عن الأفراد؛ لأنهم عرفوا الله في الرخاء، فكذلك تُفرَّجُ عن الأمَّة كروبها بإذن الله، وتُنفَّسُ عنها شدائِدها، إذا عرفوا الله في الرخاء، وما ذلك على الله بعزيز.

 

لما حاصر الأحزابُ المدينة النبوية وهم عشرةُ آلافِ مقاتل، وكانت شدةً عنيفةً, عبَّر عنها القرآن الكريم فقال: ﴿ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 10، 11]، لكن الله فرَّجها عمن كان يعرفه في الرخاء، فلقد سلَّط الله على أعداه البرد الشديد، وأرسل عليهم ريحًا صرصرًا، اقتلعت خيامهم, ودحرجت قدورهم, وأطفات نيرانهم, وحثت الترابَ في وجوههم، فإذا بالجيش الجرَّار يرتحل من غير نزالٍ ولا قتال، فتعرفوا يا عباد الله على الله في الرخاء، يعرفْكم في الشدة، فنحن اليوم نعلم جيدًا أن الأمة الإسلامية تعيشُ كروبًا متعددة، وشدائدَ مُتنوعة, تعصِفُ بها من كل ناحية، جراء غفلتها الطويلة, وصدودِها الكبير عن الله وعن سبيله القويم, وصراطه المستقيم، ولذا فحين ندعو في الشدة, ثمَّ ندعو, ثمَّ ندعو, فلن يكون الحال إلا كما تعلمون، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول، فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله.

 

معاشر المؤمنين الكرام، قد يقول قائلٌ: إنما يتعرفُ الله تبارك وتعالى على الأنبياء والمرسلين، وعلى الرعيل الأولِ من الصحابة والتابعين، فاسمعوا إذن لهذا القصةِ العجيبة، وهي قصةٌ معروفةٌ مُتواترة، بطلُها رجلٌ قريبُ العهد، ومن أهل هذا البلاد المباركة، اسمه ابن جدعان، يقول هذا الرجل الموفق: نظرت إلى إبلي في فصل الربيع، فإذا بي أراها سِمانًا، قد امتلأت أثداؤُها حليبًا، فتذكرت قول الله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾[آل عمران: 92]، وتذكَّرتُ جارًا لي وهو فقيرُ الحال، لا يكادُ يجدُ قوتَ يومهِ، ولهُ سبعُ بنيَّاتٍ، فقلت: والله لأتصدقنَّ بأحبِّها إلى نفسي؛ يقول: فأخذت أفضل النياق ومعها ابنٌ لها يرضعُ تحتها، وطرقت الباب على جاري، وقلت له: خُذ هذه هديةً مني، يقول فرأيت من الفرح في وجهه ما لا يوصف، فكان يشربُ من لبنها ويحتطِبُ على ظهرها، وينتظرُ وليدها ليكبرَ فيبيعهُ، وجاءهُ منها خيرٌ عظيم، فلما انتهى الربيعُ بخضرته ونمائه، وجاء الصيفُ بحرِّه وقحطه، تشقَّقت الأرض، وبدأ البدو يرتحلون بحثًا عن الماء في الدُّحول، والدحول هي حفرٌ عمِيقةُ في جوفِ الأرض مُتشعبةُ المسارب تحبسُ الماء، ولكنها شديدة الخطورة، فدخل ابن جدعان في أحد الدُّحول ليجلب الماء، وكان أولادهُ الثلاثة بالخارج ينتظرون، فتاه الرجل تحت الأرض، ولم يعرف كيف يخرُج، وانتظرَ أبناؤه يومًا ويومين وثلاثة حتى يئسوا، فرجعوا إلى البيت وقسَّموا المال والإبل بينهم، وتذكروا أن أباهم قد أعطى ناقةً نفيسةً ومعها ابنها لجارهم الفقير، فذهبوا إليه وقالوا له: أعد الناقة وخذ هذا الجمل مكانها، وإلا سنأخذها عَنوةً وبلا مقابل، فقال الجار: سأشتكيكم لأبيكم، قالوا: وكيف تشتكي وقد مات الوالد، قال: كيف ومتى مات؟ قالوا: دخل دِحلًا في الصحراء ولم يخرج منه، قال: ناشدتكم الله دلوني على مكانه، ثم خذوا الناقة، ولا أريد جملكم، فدلوه على المكان ورجعوا، فذهب الجار وأحضرَ حبلًا طويلًا، ثم ربط الحبل خارج الدحل، وربط نفسه، ثم نزل حتى وصل إلى أماكن ضيقةٍ شديدة الظلام، وأخذ يحبو تارةً، ويزحفُ تارةً، ويتدحرجُ تارةً، حتى اقترب من الماء، وبدأ يشمُّ رائحة الرطوبة والطين، فإذا به يسمعُ أنينًا خافتًا، وسط الظلام الشديد، فأخذَ يزحفُ تجاه الأنين، ويتلمسُ في كلِّ اتجاه, حتى وجد صاحبهُ وهو في حالةٍ يُرثى لها، فلقد مضى عليه أسبوعٌ كامل، فقام وعصَّب عينيهِ واغلقهما؛ كي لا يبهرُه الضوءُ، ثم جرَّه حتى أخرجهُ خارج الدَّحل، ثم سقاه تمرًا ممروسًا، ثم حمله على ظهره، حتى جاء به إلى داره، وأخذ يُعالجهُ ويهتم به حتى دبت الحياة في الرجل من جديد، كُل هذا وأولادهُ لا يعلمون، ثمَّ إنه سأله بعد أن تعافى: كيف بقيت أسبوعًا كاملًا تحت الأرض بلا طعام؟ فقال ابن جدعان: لما نزلت الدِّحل، تشعَّبت بي الطرق، فضعتُ بينها، فقلت لنفسي: أبقى بقرب الماء، فأشرب منه، ولكن الماء وحدهُ لا يكفي، فبعد ثلاثة أيام، أخذ مني الجوعُ كل مأخذ، فاستلقيت على ظهري، وفوضت أمري إلى الله، وإذا بي أشعر بدفء اللبن يتدفقُ على فمي، فاعتدلت في جلستي، وأنا لا أرى شيئًا، إلا أني أشعرُ بإناءٍ فيه لبنٌ يقتربُ من فمي، فأشربُ حتى أشبع، ثم يختفي، وكان يأتيني ثلاثَ مراتٍ في اليوم، إلا أنه انقطعَ منذُ يومين، ولا أدري ما سببُ انقطاعه؟ يقول: فقلت له: لو تعلمُ سبب انقطاعه لتعجبت، ظنَّ أولادك أنَّك مِتَّ، وجاؤوا إليَّ وسحبوا الناقة التي كان اللهُ يُسقِيك بسببها، فلما شُفي الرجل تمامًا ورجعَ إلى بيته وأولاده، استرجع حلاله وإبله، ثم قسمه بينه وبين جاره الوفي، فتعرفوا يا عباد الله على الله في الرخاء، يعرفْكم في الشدة، واعلموا أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، واعلموا أن أمامكم من الشدائد والأهوال ما لا يمكن التخلص منها إلا بالتعرف على الله في الرخاء وقبل فوات الأوان.

 

نعم يا عباد الله، أمامنا شدائدٌ وأهوالٌ عظيمة، لن تخطئنا ولن نُخطئها, أمامنا شِدة الموت وسكرته، وشدة القبر وظلمته, وشدة الحشر وكربته, وشدة حرارة الجو وسخونته، وشدة العرض والحساب والميزان ودقته، وشِدة الصِّراط وخُطورته، إنها يا عباد الله شدائدُ وأهوالٌ عظيمة، ونحن أحوج ما نكون إلى أن يعرفنا الله فيها، وفي نهاية المطاف فإن مَن عرَف الله في الرخاء يدخل الجنة, ويقول عند دخولها: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28]، أما المعرضون عن ربهم في الرخاء، فيقال لهم: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20]، فاتقوا الله عباد الله وخذوا بوصية حبيبكم صلوات الله وسلامه عليه، تعرَّفوا على الله في الرَّخاء يعرفْكم في الشِدَّة.

 

ويا بن آدم، عِشْ ما شئت فإنك ميِّت، وأحبِب مَن شئت، فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يَبلى والذنبُ لا يُنسى، والديَّان لا يموت، وكما تَدين تُدان، اللهم صلِّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أثر الإيمان والتقوى في الرخاء الاقتصادي
  • آفاق الرخاء وآلام الجوع
  • أحوال العباد في الرخاء والشدة (خطبة)
  • قراءة منهجية لقوله صلى الله عليه وسلم: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)
  • قراءات اقتصادية (25) فليعم الرخاء
  • بين الشدة والرخاء
  • تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة
  • تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة يرويها إمام الثقات عمن تعرف على الله في الرخاء فعرفه في الشدة(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • تعرف الإسلام كي تعرف المسيح أكثر(مقالة - ملفات خاصة)
  • أهمية الدعاء في الشدة والرخاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرج بعد الشدة والكرب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة بعنوان الشدة والفرح(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • خطبة عيد الأضحى: الفرج بعد الشدة في حياة خليل الرحمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرج بعد الشدة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: انتظار الفرج وقت الشدة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب