• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

قطب الدين الأعظم (خطبة)

قطب الدين الأعظم (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/1/2021 ميلادي - 17/6/1442 هجري

الزيارات: 8665

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قطب الدين الأعظم

 

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الكريمِ الشّكورِ، الحليمِ الصبورِ، ﴿ لهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ﴾، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ ﴾، وأشهدُ أن محمدًا عبدهُ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، المبعوثُ بالهدى والرحمةِ والنورِ، هوَ صفوة الباريِ وخاتمُ رُسلِهِ، وأمينُهُ المخصوصُ منهُ بفضلهِ

لا درَّ درُّ الشعرِ إنْ لمْ أُملِهِ *** في مدحِ أحمدَ لؤلؤًا منثورًا


صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ، وعلى آله وصحبهِ أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم البعثِ والنشورِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وخيرَ الأمور عوازمُها، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وخيرَ العلم ما نفع، وخيرَ الهُدى ما اتُّبع، وشرَّ العمى عمى القلب، واليدَ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى، وما قلَّ وكفى خير مما كثرُ وألهى، ورأسَ الحكمة مخافةُ الله تعالى، وخيرَ الغنى غنى النفس، وخيرَ الزاد التقوى، ومن وصية العبدِ الصالحِ لابنهِ: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 17، 18].

 

معاشر المؤمنين الكرام، لقد تكفَّل الله تعالى بالحياة الطيبة لمن حقق الإيمانَ والتقوى، وعمل صالحًا؛ كما قال الحقُّ جلُّ وعلا: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، بل إنَّ فضل الله تعالى ورحمتهُ تسعُ الناس جميعًا، مؤمنهم وكافرهم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]، ومفهومُ الآياتِ أن طيب الحياة وبركتها، مع حسن الجزاء في الدنيا والآخرة، مكفولٌ لكل من استقامَ على أمرِ الله، وخضع لِحْكْمِهِ، واهتدى بِهَدْيِه، وسار على شريعته، أمَّا إذا ما خالف الناس أمرَ ربِهم، وجاهرَوا بمُنكراتهم وبغيهم، واستعلنوا بمعاصيهم وفسقهم، وقلَّ في المقابل النُّصح والناصحون، وتلاشى الإصلاح والمصلحون، وتراجع الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، فإن من العقوبات التي قد تحل بهم أن تَتَرَحَّلُ النِّعَمُ عنهم تِبَاعًا، وتتوالى المصائبُ عليهم سِراعًا؛ قال سبحانه وبحمده: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، فتمحق بركتهم، وتتعُسْر أمورهم، وتضيق أرزاقهم، وتختلف كلمتهم، ويتَسلط الأعداء عليهم، وتقسو قلوبهم، وتلك لعمرُ الله من أعظم العقوبات وأشْنَعها؛ قال تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13].

 

وآثارُ الذنوبِ والمنكراتِ يا عباد الله كثيرةٌ ومتنوعة، يُنْزِلُ اللهُ على عبادِه بعضَها لعلهم يتذكرون، ولعلهم يتوبون وإلى ربهم ويرجعون، ولعلهم يُصلِحونَ ما فَسَدَ مِن أحوالِهم ويتداركون؛ قال جل وعلا: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، وتلك حقيقةٌ لا يرتابُ فيها مؤمنٌ، ولا يُجادلُ فيها إلا المُفتَرون، فحين تَنْزِلُ المصائبُ والمحن، يستشعر المؤمنُ أنها نِذارةٌ من الله وتحذير، وأمَّا مَن أسكرتهم الشهوات، وعبثت بقلوبهم الأهواء والشُبهات، فهم عن الآياتِ والنُّذُرِ مُعْرِضُوْن، وفي طغيانهم يعمهون؛ قال جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [المؤمنون: 76]، وقال جل وعلا: ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 60]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43].

 

عباد الله، المعاصي والمنكراتُ هي في الحقيقة مصائبُ ونكبات، وأخطارٌ وآفات، تَفُتِكُ بالأمم والمجتمعات، وإنما تُقاوَمُ وتعالج بالنُّصحِ والإصلاحِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، تأمل قول الحق جل وعلا: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251].

 

نعم يا عباد الله، إذا تفشَّت بين الناس المنكرات، وتكاثَرَت بينهم الذنوبُ والموبقات، فسيعتادها الناس ويألفوها، ومن ثم يزول من القلوبِ استقباحُها، فلا تتمعَّرُ الوجوه لرؤيتها، ولا تَوجَلُ القلوبُ من شناعتِها، وتَتَحَوَّلُ في أعيُنِهم إلى صغائرَ ومُحَقَّرات، رغم أنها عند الله من أكبر الكبائر والموبقات، وربما وصل الحال ببعضهم أن يرى المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، وربما رآهُ تدخُّلًا مشينًا في شؤونِ الآخرين، وتعديًا على حقوقهم، فلنتأمل جيدًا ما جاء في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وحلَّق بأصبعه الإبهام والتي تليها - فقالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث"، فكَثْرَةَ الخَبَثِ لا تحصلُ إلا في المُجْتَمَعاتِ التي يقِلُّ فيها القيامُ بفريضةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، وكثرةُ الخَبَثَ لا تتلاشى بكثرةِ الصالحينَ، وإنما تتلاشى بالقيام بواجب والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح والإصلاحِ والمدافعة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]، والمصلحون هم الصالحون في أنفسهم، المصلحون لغيرهم، لذا سمى العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان المجتمعات، وقال الإمام الغزالي رحمه الله: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قطب الدين الأعظم، وهو المهمُّ الذي ابتعث الله له النبيئين أجمعين، ولو طُوِيَ بساطُه وأُهْمِل علمُه وعمَلُه، لتعطَّلت النبوة، واضمحلَّت الديانة، وفشَت الضلالة، وعمت الجهالة، واستشرى الفساد، وخَرِبت البلاد"، ومن أراد أن يستشعر أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيتأمل قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من رأى منكم مُنْكَرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"؛ رواه مسلم.

 

في بداية الحديث: "مَنْ رأى منكم منكرًا"، فهو خِطابُ تَكلِيفٍ يشمل الجميع، فكل مؤمنٍ يرى أمرًا يعلمُ أنهُ في شريعة الله منكرًا، فإنه يجب عليه وجوبًا أن يُغَيِّرَ ذاك المُنكرَ ما استطاعَ إلى ذلك سبيلًا، فيُنكرُ المنكرَ بيده، إن كان المنكر يقعُ تحتَ ولايته وسُلطانِه، وكم من المنكرات في بيوتنا، وفي مكاتبنا ومحلاتنا، وفي أماكن كثيرة نملِك صلاحية التغيير فيها باليد، فإذا لم يَكُنْ بالاستطاعة تغيير المنكر باليدِ، فإن عليه أن يُنكِرُ المنكرَ بلسانِه نُصحًا وموعظةً وتذكيرًا، وبالتي هي أحسن، فإذا لم يَكُنْ بالاستطاعة تغييرُ المنكر باللسان، فإنه يُنكرُ المنكرَ بقلبِه، وذلك أضعف الإيمان، فيُبْغِضُ المنكر ويتألَّمُ لهُ بقلبه، ويتمعَّرُ وجههُ، ويظهرُ عليه الغضب لله تعالى، ويهجرُ مكان المنكر، ولا يبقى بقربه وهو يَقْدِرُ على مُفارَقَتِه، ويدعو بالهداية لمن وقع فيه، ويدعو بصلاح الأحوال عمومًا، وحين يتأمل المسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم مُنْكَرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، يتيقنُ أن كل من رأى منكرًا فهو مكلفٌ بحسب استطاعته ومسؤولية، وأنه سيحاسِبُ على تقصيرِه بقدر استطاعةِ، وسيُلام على تفريطهِ في مسؤوليته، واللهُ لا يخفى عليه من أمرِ عبادِه خافية: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19].

 

وعلى هذا، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤوليةٌ عامة، فإذا قام به مَن يكفي فقد حقق لنفسِه الفوزَ والفلاح، وأسقط الإثم عن باقي المسلمين، وإلا عمَّ الإثمُ الجميع؛ قال الشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضُ كفايةٍ، إذا قام به مَن يكفي سقط التكليف عن بقية الناس، وإذا لم يقُم به من يكفي، وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر)؛ قال الله سبحانَه: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79]، بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول، فيتَّبع أحسنه أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب..

 

معاشر المؤمنين الكرام، صلاحُ الدينِ والدنيا وصمام أمانها هو القيامِ بالأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرطٌ من شروط الفلاح في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

 

وإذا أراد الله بقومٍ خيرًا، وفَّقهم وأعانهم، ويسَّر لهم سُبلَ النُّصحِ والإصلاح، وأكثر فيهم من يأمُرُ بالمعروفِ برفقٍ وحِكمة، ومن ينهى عن المنكرِ برفقٍ وشفقةٍ، تمامًا كالذي يرى غريقًا أو حريقًا أو مريضًا، فلا تطاوعه نفسه أن يتركه على تلك الحال المهلكة حتى يبذلَ في سبيل إنقاذه كل ما يستطيع من جُهدٍ ووسيلة ممكنة، رغم أنه في كثيرٍ من الأحيان قد يتعرضُ المنقذُ لشيءٍ من الأذى، وهكذا هو المسلم الموفق لا تطاوعه نفسه أن يترك أخاه المسلم على منكرٍ مُهلكٍ حتى يبذَل في سبيل إنقاذه كل ما يستطيعُ من جهدٍ ووسيله شرعيةٍ ممكنة، وإن تعرضَ لشيءٍ من الأذى أو سمعَ بعضًا مما يكرهُ، فإنه يحتسب ذلك عند الله تعالى ويصبر، والله تعالى يقول في سورة العصر: ﴿ وَالْعَصْرِ.... ﴾، ولا شك أن من يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر من الصابرين، وفي محكم التنزيل يقول الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، ويقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، ويقول: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

 

وأما إذا رأى المسلمُ مُنْكرًا، فتركه دون تغَييِرٍ مع قدرته على ذلك، لا يمَنَعَهُ من تغييرهِ إلا خَجَلٌ أو تَفُرِيطٌ أو ضعفُ إيمان، فقد ارتكبَ مُنكرًا يجبُ عليه أن يتوبَ إلى الله مِنه، فَمِنْ صفاتِ القومِ الذين لُعنوا في القرآن الكريم، أنهم ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 79]، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: "والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ، أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ، ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم".

 

ثم اعلموا يا عباد الله أن إشاعةَ أخبارِ المنكراتِ التي تحدثُ هنا وهناك، والتَّحَدُّثِ بها في مجالسِ العامةِ، أو تناقُلِها عبر بعض وسائل التواصُلِ، أو إيصالها لمن لا يستطيع تغييرها، ولا مصلحة راجحة في إعلامه، أن كل ذلك حرامٌ ولا يجوز؛ لأن فيه مساهمةٌ في إشاعةِ المنكرِ وترويجه بين الناس، وتعريفٌ به لمن لا يعرفه، وتهوينٌ لارتكابه على مَن لَم يرتكبه، ومن جميل ما ينسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أميتوا الباطل بالسكون عنه وعدم ذكره".

 

فاتقوا الله عباد الله، وقوموا بهذا الواجبَ العظيم، تُرضُوا ربَّكم وتفلحوا، ويصلح مجتمعكم وتنجحوا، وتحقِّقوا شرط الخيرية وتربحوا، فالله تعالى يقول: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].

 

ويا بن آدم، عِش ما شئت فإنك ميت، وأحبِب من شئت فإنك مفارقه، واعمَل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، اللهم صلِّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • (أوهام الإلمام) للحافظ قطب الدين الحلبي

مختارات من الشبكة

  • قطب الدين الأعظم (خطبة)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • البدر المنير الساري في الكلام على صحيح البخاري لقطب الدين الحلبي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التمثيل والمحاضرة بالأبيات المفردة النادرة لقطب الدين النهروالي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • جواب شبهة: نقصان الدين قبل نزول آية الإكمال واختلاف العلماء على مسائل الدين مع كمالها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إجازة بخط الحافظ شمس الدين السخاوي (831هـ - 902هـ) لتلميذه جمال الدين القرتاوي سنة (899هـ)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصيدة ثائية في أسماء المجددين وأن منهم الحافظ السيوطي جلال الدين للعلامة بدر الدين الغزي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العلامة جلال الدين السيوطي في عيون أقرانه ومعاصريه (1) علاء الدين المرداوي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إجازة الإمام علم الدين البلقيني لتلميذه العلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إجازة الإمام محيي الدين الكافيجي لتلميذه العلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إجازة الإمام شمس الدين السيرامي لتلميذه العلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب