• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

عاشوراء دروس وعبر

عاشوراء دروس وعبر
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/8/2020 ميلادي - 11/1/1442 هجري

الزيارات: 46775

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عاشوراء دروسٌ وعِبر

 

الحمدُ للهِ الذي خلَقَ الخلْقَ ليعبدوهُ، وأودعَ فيهمُ العقولَ ليعرفوهُ، وعرَّفهُم بأسمائه وصفاتهِ ليوحِدوهُ ويُـطيعُوهُ، وأسبغَ عليهم نعمهُ ظاهرةً وباطنةً ليشكروهُ، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة: 235]... وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ.. بنى السماءَ فأعلاها، وسَطحَ الأرضَ ودَحاهَا، ونَصبَ الجبالَ فأرساهَا، وأنشَأَ السحابَ وأزجاها، وفجَّرَ المياهَ وأجراهَا، وأنبتَ الزروعَ وروَّاهَا، وبثَّ الدوابَّ ورعاهَا، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34].. وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، ومصطفاهُ وخليلهُ، أكرمنا اللهُ بنبوَّتهِ، ومنَّ علينا ببعثتهِ، وأتمَّ بهِ علينا نعمتهُ، وجعلَ خاتمةَ الرسالاتِ في رسالته، و﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124].. فصلواتُ اللهُ وسلامهُ عليهِ، وعلى آله وعترته وصحابتهِ، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

 

أمّا بعدُ: فأوصيكم أيّها النَّاسُ ونفسي بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ، فاتّقوا اللهَ رحمكم اللهُ واغتنموا لحظاتِ الأعمارِ فما أسرعَ انْقضائَها، وانتهزوا الفُرصَ السانِحةَ قبلَ فواتِها، وأعِدُوا ليوم الحسابِ أجوبةً صواباً، فإنَّما يحاسِبُ النَّاسَ من لا يخفى عليهِ خافِيةٌ من أحوالِها، ومن أرادَ النَّجاةَ فليُخالِفْ النَّفسَ وهواها، ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [الأنعام: 104].

 

معاشر المؤمنين الكرام: تَدُورُ الدُّنْيَا بدورتها، وَتمضِي الأَيامُ بسرعتها، ليحلَّ علينا شهر الله المـحرَّمٍ، ويحلُّ معهُ ذكرى عاشوراء، يومٌ عظيمٌ من أيام الله تبارك وتعالى، يومٌ ظهرَ فيه الحقُّ عزيزاً، وزهقَ الباطل ذليلاً.. يومٌ انتقمَ الله فيه من الظالمين، وانتصر للمظلومين.. يومٌ نجى الله فيه كليمه موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون الطاغية ومن معه من الظالمين.. وإنَّ في قصةِ موسى وفرعونَ لعبراً وذكرى، ودروساً كُبرى، فلقد تكرَّر اسمُ مُوسى في كتابِ اللهِ تعالى أكثرَ من مائةٍ وثلاثين مرة، وتكرَّرت فيه قِصةِ مُوسى اثنينِ وعشرينَ مرةً. كُلُّ ذلك ليستَلهِم مِنها المؤمنونَ العبرَ والعِظات، ويتدبَّروا أحداثَها ومَواقِفَها.. فهيَ قِصةٌ جمعت بين أحوالِ الطُغاةِ الظَلمةِ المفسِدِينَ المستبدِين، وبينَ أحوالِ المؤمنينَ المصلِحينَ المستضعَفِينَ المضطَهدِينَ، وبينت عاقبةَ ومآلَ كُلِّ طرفٍ، ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 4-6].. إنها قِصةٌ عظِيمةٌ، تحدَّثت عن الإيمانِ والكفرِ، عن الشِدَّةِ والفَرَجِ، عن العُسرِ واليُسرِ.. قِصةٌ مَليئةٌ بالفَوائِدِ والعِبرِ، والعِظاتِ والغِيرِ.

 

فمن أوائِل فَوائِدِ هذه القِصةِ العَظِيمةِ: أنَّ آياتِ اللهِ تعالى في القُرآنِ، وآياتِه في الكونِ، وآياتِه في تَسيِّيرِ أحداثِ الحياةِ، يَنبغِي للمُسلمِ أنَّ يتدبَّرها جيداً، وأنَّ يعتبِر ويتَّعِظَ بها، ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].. واللهُ تَباركَ وتعالى إنَّما أنزلَ كِتابهُ للتَّدبُرِ والتَّأمُّلِ: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وقال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120]..

 

ومِنْ أَعظَمِ دُرُوسِ وفوائد هذه القصة العظيمة: تَحريمُ الظُّلْمِ بكلِّ صُورهِ وأشكالِهِ، وبيانِ شُؤمِهِ وسُوءِ عاقبتِهِ.. روى مُسلمٌ في صَحيحهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يرَوَيهِ عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا).. وكانَ أبو إدريسَ الخولانِيُ رحمهُ اللهُ إذا حَدَّثَ بِهَذَا الحَديثِ جَثَا عَلَى رُكبَتَيهِ مِنْ هَولِ مَا فِيهِ.

 

ومن أعظم الفوائد من هذه القصة: أن الله تعالى إذا أراد شيئًا هيأ له أسبابًا عجيبةً لطيفة.. مقدماتها لا توحي بنتائجها.. فهذا فرعونُ قد تجبَّرَ وطَغى، وعاثَ فساداً في بني إسرائيل وبَغى.. قتَّلَ أطفالهم، واسْتحيا نِسائَهم وقال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، بل وأمرهم بعبادته قائلاً: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، ومع ذلك كله، فقد كان اللهُ يُهيئ لهذا الظالم أسبابَ سُقوطِهِ وهلاكِهِ من حيثُ لا يحتسِب، وربُنا العظيمُ القديرُ سُبحانهُ كما جاءَ في الحديثِ الصحيح: يُملي للظالم، حتى إذا أخذهُ لم يُفلتهُ، وقد أملى اللهُ لهذا الطاغيةِ أربعينَ سنة، حتى إذا وصلَ طُغيانهُ مداهُ، وزُيِّنَ لهُ سُوءُ عملهِ وصُدَّ عن السَّبِيلِ، ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾، جاءهُ بَأْسُ اللهُ الذي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وأخذه اللهُ أخذَ عزيزٍ مُقتدر، وجعلهُ عبرةً لمن يعتبر، قال تعالى: ﴿ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ﴾ [الزخرف: 51]، وقال تعالى: ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 40].. فإلى كلِّ ظالمٍ متجبر: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].

 

ومن فوائد هذه القصةِ العظيمة: أن الباطلَ قد ينتفشُ ويتمدَّدُ ويزهو.. حتى ييأسَ كثيرٌ من الناسِ من صلاحِ الأحوال، لكنَّ القرآنَ الكريم، ومن خلالِ هذه القِصةِ العظِيمةِ، يُعلمُنا أن لا نيأسَ ولا نَقنطَ، ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110]، فمهما تمدَّدَ الباطلُ وعلا صَوتُهُ، فالحقُّ أعلا وأقوى، وأظهرُ وأبقى، وسينصُرُهُ اللهُ ولو بعد حين، فالعاقبةُ دَوماً للمتقين. ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾.

 

ومن فوائدِ هذه القِصةِ: أنْ الاستِهزَاءَ بالصَالحينَ عادةٌ قديمةٌ للمفسِدِين، وحِيلةٌ رخِيصةٌ لتشوِيهِ صُورتِهم في عُيونِ العالمين، والغرضُ الحقيقيُ من ذلك، هو الصدُّ عن سبيل اللهِ، فهذا مُوسى عليه السلامُ كانَ في لِسانِهِ لثْغةٌ شدِيدة، فعيَّرهُ بها فِرعونُ قائلاً: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [آل عمران: 141]، بل وزعمَ الطَّاغِيةُ أنَّ دَعوةَ التَّوحِيدِ التي جاءَ بها مُوسى عليه السَّلامُ، إنَّما هيَ دَعوةٌ للفسادِ في الأرضِ، ثمَّ رتّبَ على هذهِ الفِريةِ أنَّ مُوسى يَستَحِقُّ القتل: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]، وهكذا هو دأبُ الظلمةِ المفسِدِين، فلا مَانعَ عِندهُم من افتِراءِ الأكاذِيبِ، وقلبِ الحقائِقِ، والسُخريةِ والتَّهكُمِ، وانتهاجِ أيُّ وسِيلةٍ تُمكِنَهم من تنفِيرِ النَّاسِ وصدِّهِم عن سبيلِ اللهِ، قالَ تعالى: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [الذاريات: 52، 53].

 

ومن فوائدِ هذه القِصةِ العظِيمة: أنَّها تُعلمُنا كيفَ نصنَعُ الأمَلَ ونستشرِفُه، تُعلمُنا أنْ نتَرقَبَ وِلادَةَ النَّورِ من رَحِمِ الظُلمةِ، وأن نتفاءلَ بخروجِ الخيرِ من قلبِ الشَّرِ، وانبثاقِ الفَرجِ من كَبدِ الأزماتِ، وأنَّ في طياتِ كلِّ مِحنَةٍ مِنحَةٌ، ومعَ كُلِّ ألمٍ هُناكَ أملٌ، ومعَ كُلِّ بلِيةٍ هُناكَ عَطيّة.. ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].. وكم لهذِه الأمّةِ من وثَبَاتٍ بعدَ كبَوَات، وإفاقاتٍ بعد غَفَوات، وصولاٍت وجولات.. كيف لا؟! وهي الأمّة المرحومةُ المنصُورةُ.. التي لا يُدرَى خيرُها في أوّلها أو في آخِرها.. وهي الأمّةٌ التي تمرضُ ولا تموت، تُجرَح ولا تُذبَح، تُفصَّلُ ولا تُستأصل، ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].

 

وإنَّ في هذا الحدَثِ العظِيمِ يا عبادَ اللهِ من الآياتِ البيناتِ، والدُّروسِ النيرات، والعِبرِ البَالِغاتِ، ما لو استلهَمتهُ الأجيالُ لصلُحت بإذن اللهِ الأحوال، فالقوةُ للهِ جميعاً، والعزة للهِ ولرسولهِ وللمؤمنين يقيناً، ونحن قومٌ أعزنا اللهُ بهذا الدِّين، ومهما ابتغينا العزةَ بغيره أذلنا الله.. ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].. بارك الله.

 

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه واتباعه واخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحذروا الظلم، فشؤمهُ وبيلٌ، وعاقبتهُ وخيمةٌ في الدنيا والآخرة، وكلُّ من ظَلَمَ غيرَهُ فواللهِ لنْ يفلِحَ.. كيفَ واللهُ عزّ وجلّ يقولُ: ﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 21]، وكلٌّ ظالمٍ خَائِبٌ خَاسِرٌ، محرومٌ من التوفيقِ في الدُنيَا وَفي الآخِرَةِ، قال تعالى: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111]، وهدايةُ اللهِ أبعدُ ما تكونُ عن الظالم، فقد تكرَّرَ قولُهُ تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258]، في عشرِ آياتٍ مختلفاتٍ من الكتابِ العزيزِ، كما أنَّ الآياتِ التي تُبينُ شُؤمَ الظُلمِ وسُوءَ عاقِبتهِ كَثيرةٌ جداً، مِنها قولهُ تعالى: ﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]، ﴿ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 151]، ﴿ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 44]، ﴿ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22]، ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [الحج: 53]، ﴿ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ﴾ [الشورى: 45]، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [غافر: 52]، ﴿ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ ﴾ [الشورى: 22]، ﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 41]، إلى غير ذلك من الآيات وفي الحديث المُتَّفَقٌ عَلَيهِ قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]، فمصير الظلَمةِ أسود، وعاقبتُهم شنيعة، ﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 41]، ومن سنةِ اللهِ الثابتةِ نُصرةُ المظلومِ، قال تعالى (وعزتي وجلالي لأنصرنَّكَ ولو بعد حين).

 

فلا تظلمنَّ إذا ما كنَّتَ مُقتدراً
فالظلمُ آخِرهُ يُفضِي إلى النَّدمِ
تنامُ عيناكَ والمظلومُ مُنتبِهٌ
يدعو عليكَ وعينُ اللهُ لم تنمِ

 

وصورُ الظُلمِ يا عباد الله كثيرةٌ ومُتنوعة، ولكثرتها قد يتساهلُ البعضُ فيها، وهي والله ليست كذلك، ففي الحديث الصحيح: "إيّاكم والشحّ! فإنّه أهلكَ من كانَ قبلَكُم؛ أمرهُم بالقطيعةِ فقطعوا، وأمرَهم بالظُّلمِ فظَلَموا، وأمَرَهم بالفُجور ففجَروا".. وأبرزُ صُورِ الظُلمِ المنتشرةِ ظُلمُ الأقوياءِ للضُعفاءِ، كظلم الرَّجُلِ لِأَهْلِ بَيتِهِ، وظُلمِ الرَّئيسِ لموظفِيه، وظُلمُ الكَفيلِ لمكفُولِه، وظلم الموَظَفِ لمُراجِعيه، وغيرها من صورِ الظُلمِ.. ألا فليتَذكَر كلُّ من ولَّاهُ اللهُ تعالى رعيةً أو حمَّلةُ مسئُوليةً، ليتذكر حديثَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "اللهمَّ من وليَ من أمرِ أُمتي شيئًا فرفِقَ بهم فارفق به، اللهمَّ من وليَ من أمرِ أُمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته".

 

ثم اعلموا يا عباد الله: أنه يستحبُ استحباباً شديداً صيامُ يومِ عاشوراء ويوماً قبلهُ أو بعدهُ، ففي صحيحِ مُسلمٍ أنَّ رسولَ ‏اللهِ صلى الله عليه وسلم: صامَ يومَ عاشوراء، وأمرَ بصيامه، ولما قيلَ له يا رسول الله: إنه يومٌ تعظمهُ ‏اليهود والنصارى! قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا كان العام المقبل إن شاء ‏الله، صمنا اليوم التاسع)... فصوموا يا عباد الله يومَ عاشوراء، واعلموا أنَّ لهُ فضلاً عظيمًا، وأجراً كبيراً، ففي صحيحِ مُسلمٍ أيضاً أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (صيامُ يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفرَ السنة التي قبله).. فهي فرصةٌ عظيمةٌ من فُرصِ الخيرِ، فأحسنوا استغلالها..

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان...

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صيام عاشوراء: فضله وأحكامه
  • عاشوراء يوم النصر
  • صوم عاشوراء غنيمة العام
  • خطبة قصيرة عن صيام عاشوراء
  • فوائد متعلقة بيوم عاشوراء
  • عاشوراء رحلة من الألم إلى الأمل (خطبة)
  • بدء الدراسة وعاشوراء (خطبة)
  • عاشوراء ومخالفة اليهود والمبتدعة (خطبة)
  • نصر عاشوراء (خطبة)
  • السنن والبدع في يوم عاشوراء (خطبة)
  • خطبة قضايا في يوم عاشوراء
  • عاشوراء: تأريخه وفضله وأحكامه العقدية والفقهية
  • صيام التاسع والعاشر من شهر الله المحرم
  • عاشوراء.. ذكرى للمؤمنين
  • عاشوراء بين قوانين الأرض وأوامر السماء

مختارات من الشبكة

  • خطبة عاشوراء دروس وعبر(محاضرة - ملفات خاصة)
  • دروس وعبر من صيام عاشوراء(مقالة - ملفات خاصة)
  • محرم وعاشوراء .. دروس وعبر(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضل صيام عاشوراء وتعريفه(مقالة - ملفات خاصة)
  • إفراد عاشوراء بالصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • حكم صيام عاشوراء، وصيام الأطفال فيه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأفضلية لمن: يوم عرفة أم يوم عاشوراء؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مجلس سماع لمسلسل عاشوراء للأمير الصغير ومجلس في فضل عاشوراء للمنذري(مقالة - ملفات خاصة)
  • من قصص القرآن والسنة: قصة قارون دروس وعبر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دروس وعبر من التاريخ والسير(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب