• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

الرجولة الحقة (خطبة عيد الفطر 1440هـ)

الرجولة الحقة (خطبة عيد الفطر 1440هـ)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/4/2020 ميلادي - 19/8/1441 هجري

الزيارات: 15578

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرجولة الحقة

(خطبة عيد الفطر 1440هـ)

 

الحمد لله، الحمد لله حمد الرضا، حمدًا كثيرًا طيبًا، حمدًا كبيرًا أرحبا، حمدًا جميلًا موجبًا، والشكر لله في بدء ومختتم، فالله أكرم من أعطى ومن وهبا، سبحانه وبحمده جل وعلا، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمةً وحلمًا، وقهر كل مخلوق عزةً وحكمًا، ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ [المؤمنون: 88]، ﴿ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ﴾ [الأنعام: 14]، ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾ [الأنعام: 103]، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، ﴿ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [النحل: 20]، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88]، ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: 117]، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، ومصطفاه وخليله، بلغ العلا بكماله، كشف الـدجى بجماله، بهر الألى بمقاله، أسر العداء بـفـعاله، حسنت جميع خصاله، يا رب صلِّ عليه وآله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون وأطيعوه، وعظموه في هذا اليوم المبارك وكبروه، واحمدوه على ما هداكم واذكروه، واشكروه على ما أعانكم عليه من الطاعات وسبحوه، أصلحوا يا عباد الله ماضيكم بالندم، وأصلحوا حاضركم بحسن العمل، وأصلحوا مستقبلكم بصادق النية وعظيم الأمل، فالحياة فسحة محدودة، وأنفاس معدودة، ثم إلى الله المصير، فريق في الجنة وفريق في السعير، وشتان بين الفريقين في المآل والمصير؛ ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الحشر: 20].

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.


أيها المسلمون، أديتم فرضكم، وأطعتم ربكم، وصمتم شهركم، وصليتم ما شاء الله لكم أن تصلوا، وقرأتم ما فتح الله عليكم أن تقرؤوا، وتصدقتم بما يسر الله لكم أن تتصدقوا، وربما قمتم بغيرها من أعمال البر والتقوى، وها أنتم اليوم تحضرون عيدكم بعد تمام شهركم، واكتمال نعمة الله تعالى عليكم، فأسعد الله أيامكم، وبارك الله أعيادكم، وأدام الله أفراحكم، وتقبل الله منا ومنكم، وبشراكم بإذن الله فوزكم بالأجر العظيم والجزاء الأوفى، فربكم محسن كريم، لا يضيع أجر من أحسن عملًا، أوليس قد صح الخبر بأن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وفرحة بلقاء ربه؟ فافرحوا بعيدكم واسعدوا، وأدخلوا الفرح والأنس على ذويكم وابتهجوا.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.


معاشر المؤمنين الكرام، الهمة العالية شرف نبيل، ومقصد جميل، فبالهمم تعلو الأفراد والأمم، حتى تبلغ معاليَ القمم، ومحاسن الشيم، والرفعة منحة إلهية؛ ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، وقد أثنى الله تعالى على أصحاب الهمم العالية من الأنبياء والمرسلين، وأوصى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، فقال له: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]، كما أثنى على أوليائه أولي الهمم العالية، والعزائم الماضية؛ ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

 

وأمر الله سبحانه بالتنافس في المعالي؛ فقال: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]، وعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته علو الهمة؛ فقال: ((إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها))، وقال: ((إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة))؛ والحديث في البخاري، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لا تصغرن همتكم؛ فإني لم أرَ أقعد عن المكرمات من صغير الهمم"، وفي الحديث الصحيح: ((كل الناس يغدو فبايع نفسه؛ فمعتقها أو موبقها))، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ [الليل: 5 - 11].

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.


أخي المسلم، الحياة وأيامها، الزمان ولحظاته - هبةٌ الله لعباده، وهو في نفس الوقت ابتلاء لهم واختبار: كيف يسيرون في هذه الحياة؟ وكيف يستثمرون ما مُنحوا من الأوقات؟ ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، تأملوا يا رعاكم الله هذا المشهد العجيب؛ ((فقد أخذ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مجلسه ثم قال لمن حوله: تمنوا، فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا؛ فأنفقه في سبيل الله، فقال عمر: تمنوا، فقال آخر: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة بأنفس الجواهر؛ لأنفقها في سبيل الله، فلا زال عمر رضي الله عنه يقول لهم: تمنوا، حتى قالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، ما نتمنى غير هذا، فقال الملهم عمر: أما أنا فأتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالًا أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان؛ فاستعملهم في طاعة الله))، يا لروعتك يا أمير المؤمنين! فلقد كان مشغولًا بالأفراد الأفذاذ، الرجال الذين تكامل تكوينهم إيمانًا وعلمًا، وصدقًا وصبرًا، وتضحيةً في سبيل الله وبذلًا، أولئك في حس أمير المؤمنين أغلى من الذهب، وأنفس من الألماس والجوهر.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.


ثقوا يا كرام أن في كل فرد منا خصائص وصفات، ومواهب وقدرات، وطاقات وإمكانيات، لو فعَّلها بالشكل الصحيح، واستثمرها بطريقة سليمة، لتغير طعم الحياة في حسه، ولشعر بعلو قيمته وسمو قدره، ولعاش سعيدًا ومات حميدًا، ألا إن الخسارة كل الخسارة أن يهبك الله عقلًا سليمًا، وجسمًا صحيحًا، وينعم عليك بما لا يحصى من النعم والطاقات، والمواهب والقدرات، ويمد في عمرك سنوات وسنوات، ثم يضيع جل ذلك في الترهات، والتافه من الاهتمامات، ألا ما أشد أن يخسر الإنسان نفسه! ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11]، وإن أردت أخي الكريم إثباتًا، فتأمل فيمن حولك جيدًا، كم من الفرص العظيمة تضيع! وكم من القدرات الهائلة تهدر! وكم من المواهب الفذة لا تُستغَل! وكم من الأوقات النفيسة لا تستثمر! وصدق الله: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].

 

يا عباد الله، إن مفتاح النجاح، ومعراج الفلاح، وجماع الخير كله - أن يربيَ الإنسان نفسه على المعالي والأهداف العظيمة، أن يعرف المرء قيمته وقدره، وأن ينعتق من الدوران حول نفسه، فالإسلام يأبى لأتباعه أن يمضوا حياتهم سبهللًا، وأن تتصرم أيامهم سدًى، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، الإسلام لا يرضى للمسلم أن تتضاءل أهدافه حتى تنحصر في ملذات الدنيا وشهواتها، فما الفرق إذًا بينه وبين من حُرم نور الإيمان؛ ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشعراء: 205 - 207]، والإنسان إذا بلغ رشده، واستوى على أشده، ولمَّـا يربِّ نفسه؛ فمن ذا يربيه:

قد هيئوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ

 

وفي الحديث الصحيح: ((إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة))، الرجل الصالح الكفء هو أساس البناء، ومحور الإصلاح، هذا ما يقوله الواقع؛ ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، والرجولة معاشر الكرام أفعال وليست أشكال، مخابر وليست مناظر، فكم من شيخ في السبعين وقلبه في سن السابعة! يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، متعلق بالقشور، وفي المقابل كم من غلام صغير العمر، ولكنك ترى مخايل النجابة والرجولة في قوله وعمله، وفكره وخلقه! ألم يمر الفاروق رضي الله عنه على مجموعة من الصبيان يلعبون في أحد أزقة المدينة فهرولوا كلهم، كلهم هربوا إلا صبي واحد وقف ثابتًا في مكانه، فسأله الفاروق: لمَ لمْ تهرب مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أقترف ذنبًا فأخافك، وليست الطريق ضيقةً فأوسعها لك، لله درك يا ابن الزبير، ما أجمل الموقف! وما أحلى الكلام! وغلام آخر يدخل على هشام بن عبدالملك في دار خلافته ليتحدث بحاجة قومه، فيقول له الخليفة: يا غلام، ليتقدم من هو أسن منك وأكبر، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمر بالسن، لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة، المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، يا ألله، كم هو رجل، وإن كان في صورة غلام! نعم، فالرجولة ليست في بسطة الجسم، ولا في طول القامة، ولا في قوة البنية وحسن الهندام؛ فلقد كان الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مع شهرته وعظيم منزلته - قصيرًا نحيلًا، دقيق الساقين، ولقد انكشفت ساقاه ذات يوم فضحك بعض الصحابة: فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من جبل أحد))، وجبل أحد لمن لا يعرفه طوله سبعة كيلومترات وعرضه ثلاثة، بينما قال الله عن بعض المنافقين: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ﴾ [المنافقون: 4]، ومع هذا فقد ذمهم بالبلادة والخور؛ ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾ [المنافقون: 4]، وقال عنهم في آية أخرى: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 105]، وجاء في الحديث الصحيح: ((يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة))، الرجولة معاشر الأحبة الكرام ليست بالحسب ولا بالنسب، ولا بالمال ولا بالمنصب، الرجولة قوة نفسية ترفع صاحبها لمعالي الأمور، وتنأى به عن سفسافها، قوة تجعله على بصيرة من أمره، واثقًا من ربه، ماضيًا في عزمه، منجزًا في عمله، يؤدي واجبه قبل أن يطالب بحقه، وأن يعرف ما عليه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو أهله ودينه ومجتمعه، يعلم أن معالي الأمور والطموحات الكبرى لا تأتي إلا بالكد والتعب، وأنه ما من أمة ترقت في مراتب المجد، وسطرت اسمها على صفحات العز - إلا كان وراء ذلك سلسلة من الأعمال الضخمة، والبذل المتوالي لأقصى الجهد وفي كل الميادين:

لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

 

والرجولة في القرآن صدع بالحق ونصرة لأهله؛ ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غافر: 28]، والرجولة في القرآن سعي في الخير ودعوة إليه؛ ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [يس: 20، 21]، الرجولة في القرآن طهارة قلب وبدن؛ ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108]، الرجولة في القرآن صمود أمام الملهيات، وثبات على الطاعات؛ ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، الرجولة في القرآن بذل وتضحية في سبيل الله؛ ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

 

يا أبناء خير أمة أُخرجت للناس، إن بين أيديكم أصح تراث سماوي، وفي قرآنكم ري العالم وعافيته، ألا فتيمموا شطر الفلاح، وخذوا من مشكاة ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]، ثم أتبعوا سببًا، واعلموا أن من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، وأن طريق العلا والمكرمات يحتاج إلى تعب وبذل وتضحيات:

ومن تكن العلياء همة نفسه *** فكل الذي يلقاه فيها محببُ

 

وإذا عرف الإنسان ما يطلب، هان عليه ما يبذل، ومن طلب عظيمًا خاطر بعظيم؛ ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، إن على أمة الإسلام وهي تمر بأحلك ظروفها، وأخطر منعطفات تاريخها - عليها أن تعلوَ بهمتها عن اللهو والعبث والترفه، والغفلة والخمول، وأن تربيَ أجيالها على الجد والطموح والهمم العالية؛ فقد قال الله لنبيها صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2]، ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 1، 2]، ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8]، و﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

 

فاستفرغوا الجهد والطاقة، وعليكم بعلو الهمة وقوة الإرادة، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر الكرام المكارم، ومن كانت له نفس تواقة، طارت به نحو المعالي، والعمل الجاد إن لم يوصلك للقمة فسيقربك منها كثيرًا:

ومن طلب العلا سهر الليالي
وبقدر الكد تكتسب المعالي
ومن رام العلا من غير كد
أضاع العمر في طلب المحالِ
فكن رجلًا رجله في الثرى
وهامة همته في الثريا
وإن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
وإذا كانت النفوس كبارًا
تعبت في مرادها الأجسامُ
يا رب هيئ لنا من أمرنا رشدا
واجعل معونتك الحسنى لنا مددا
ولا تكلنا إلى تدبير أنفسنا
فالنفس تعجز عن إصلاح ما فسدا

 

واعلموا يا عباد الله أن دين الإسلام دين حي، روح تبعث الحياة فيمن يحسن الأخذ به، فإذا أتى جيل معرض، احتفظ الدين بحيويته، حتى يتسلمها منه جيل يأخذ الكتاب بقوة، ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، فاستفتحوا رحمكم الله ما بقي من أعماركم بالصالح من أعمالكم، وأحسنوا الظن بربكم، وأصلحوا ذات بينكم، وآمنوا بالله ورسوله ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28]، توبوا إلى ربكم، واستعدوا بأحسن ما تطيقون لما أمامكم، قدموا الباقية على الفانية، واستنفروا الهمم العالية، حتى يقال لكم: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة: 24]، جعلني الله وإياكم من أهل المنازل العالية، وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله؛ أما بعد:

فاتقوا عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمعون، أيتها المرأة المسلمة، أيتها الصائمة القائمة، إن الأمل معقود عليكِ في تربية جيل صالح، ينفع نفسه وينهض بأمته، فكوني أمًّا تصنع أمة، واعلمي وتيقني أن استنساخ الأسرة الغربية الشقية المفككة يجري على قدم وساق لتطبيقه في بلاد المسلمين؛ لكي تتحول المرأة المسلمة إلى سلعة رخيصة في سوق نخاسة ضخم، تروج له دعايات مضللة، وأطروحات زائفة، فهل ترضى عاقلة بذلك، فضلًا عن مؤمنة بدينها، محبة لربها، معتزة بإيمانها، مفاخرة بطهرها وعفافها؟ وليس بسر أخيتي الغالية أن الرجل إذا سهل عليه الحصول على ما يريد من المرأة فسيزهد فيها، وسيهينها ولن يكرمها، وهذا هو حال المرأة في الغرب الآن، تتمنى رجلًا تثق به لتأوي إليه، فلا تكاد تجده، فهل تتنكر مسلمة لدين أعزها ورفعها، وجعل الرجل يتوسل إليها بخطبتها وبذل مهرها، وحفظ حقوقها؟ فاحذرن مصائد الأعداء، ودعوات التحرير، حفظكن الله بحفظه، وأسبغ عليكن كنفه وستره، وحماكن من كل كيد وشر.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.


أيها الموفقون المباركون رجالًا ونساءً، إذا عدتم بتوفيق الله لبيوتكم وأهليكم، فعودوا بقلوب صافية نقية، صِلوا من قطعكم، وأعطوا من حرمكم، وأحسنوا لمن أساء إليكم، فالعيد مناسبة عظيمة تظهر فيه الأمة جمال نظامها الاجتماعي، وروعة تشريعها التواصلي، العيد قطعة من الزمن خُصصت لنسيان الهموم الجاثمة، واستجمام القوى المتعبة، ولملمة الطاقات المبعثرة، العيد يا رعاكم الله درس عظيم من دروس الأمة، يوضح بجلاء كيف تتسع روح الإخوة والصفاء، وكيف تتلاقى القلوب البيضاء، وكيف يتناسى ذوو النفوس الكبيرة خلافاتهم والشحناء، فيجتمعون بعد فراق، ويتصافون بعد شقاق، ويتعانقون بعد تدابر، ويعيش الجميع فرحة الجميع، ألا ما أروع الموقف! وما أبهى المناسبة! قلوب تتسامح، وأيدي تتصافح، ونفوس تتصالح، ودٌّ وإخاء، وتقارب وصفاء، وتعاون على البر والتقوى، وإني من على منبري هذا أناشد كل من كان بينه وبين أحد من أحبابه أو معارفه فجوة أو جفوة - أن يستعين بالله في ردمها وإزالتها، وحق على الله تعالى أن يعينه إن كان صادقًا؛ فهو سبحانه القائل: ﴿ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ [النساء: 35]:

أيهجر مسلم فينا أخاه
ويعرض لا يمد له يداه؟
إذًا أين السماحة والتصافي
وأين عرى الإخوة في الإله؟
من اليوم تصافينا
ويكفي ما جرى منا
فلا كان ولا صار
ولا قلتم ولا قلنا
فقد قيل لنا عنكم
كما قيل لكم عنا
نسامحكم من الأعماق
وأنتم فاصفحوا عنا
وهيا إخوتي لنعود
أحبابًا كما كنا

 

واعلموا أحبابي في الله أن تقوى الله تعالى ليست في رمضان فقط، بل هي في سائر الأيام والشهور، وطوبى لعبد لم تفقده فرحة العيد شعوره، ولم يُذهِب بريق المعصية صوابه، بل استمر على العهد والتوبة، وشكر الله على الإحسان، فأتبع الحسنة بأختها، وأعقب الطاعة بمثلها، وتلك علامة التوفيق والقبول، وإن مما يناسب ذكره والعمل به بعد رمضان صيام ست من شوال، فمن صامها بعد تمام رمضان كان كمن صام الدهر كله؛ كما صح ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأكثروا يا رعاكم الله من الدعاء لإخوانكم المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها؛ لتثبتوا أنكم تشعرون بهم حتى في العيد، أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عيد الأضحى 1438 هـ
  • خطبة عيد الفطر 1440هـ
  • خطبة عيد الفطر
  • خطبة عيد الفطر المبارك (شوال 1440هـ)
  • خطبة عيد الفطر 1441هـ
  • خطبة عيد الفطر 1442هـ الفرح بطاعة الله تعالى
  • خطبة عيد الفطر 1443هـ
  • خطبة عيد الفطر 1444 (خطبة)
  • خطبة عيد الفطر: {وكن من الشاكرين}

مختارات من الشبكة

  • الرجولة في كليمات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان شهر الإيمان وصناعة الرجال(مقالة - ملفات خاصة)
  • الرجولة أخلاق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احترام الذات قمة الرجولة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من معاني الرجولة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرجولة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرجولة كما حددها القرآن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة عيد الفطر: عيد فطر بعد عام صبر(مقالة - ملفات خاصة)
  • الرجولة: مفهومها ووسائل تحصيلها (WORD)(كتاب - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • ضرب المرأة ليس دليلا على الرجولة(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب