• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الأخلاق أساس الحضارات الراقية

السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/2/2017 ميلادي - 30/5/1438 هجري

الزيارات: 46311

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأخلاق أساس الحضارات الراقية

 

أما بعد:

أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم-حديثنا اليوم عن "الأخلاق أساس الحضارات الراقية" لنتعرف على مجد وأصالة هذه الأمة وأن نهضتنا ليست بالتوجه إلى الغرب والشرق بل بالقران الكريم وسنة النبي الأمين-صلى الله عليه وسلم-

فنحن عباد الله: أمة ذات مجد وأصالة وذات تاريخ وحضارة.

خضعت لنا الدنيا كلها ليس بسطوة السلاح وإنما بسمو الروح والأخلاق.

عاشت المخلوقات والكائنات في ظل حضارتنا يغشاها الرحمة والعدل والمساواة

إِنَّ الْمَكَارِمَ أَخْلاقٌ مُطَهَّرةٌ
فَالدّينُ أَوَلُّها وَالعَقْلُ ثَانِيهَا
وَالْعِلْمُ ثَالِثُها وَالحِلْمُ رَابِعُها
وَالْجُودُ خَامِسُها وَالْفَضْلُ سَادِيهَا
وَالْبِرُّ سَابِعُها وَالصَّبْرُ ثَامِنُها
وَالشُكرُ تاسِعُها وَاللَينُ بَاقِيهَا
وَالنَفسُ تَعلَم أَنّي لا أُصادِقُها
وَلَسْتُ أَرشُدُ إِلا حِيْنَ أَعْصِيهَا
وَالعَينُ تَعلَمُ مِن عَينَي مُحدِّثِها
إِن كَانَ مِنْ حِزْبِهَا أَوْ مَنْ يُعَادِيهَا

 

العنصر الأول: الإسلام رسالة الأخلاق

أحباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوضح لنا النبي - صلى الله عليه وسلم- الهدف الأسمى من رسالته.

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ ». أخرجه البيهقي.

ولما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ماهية الدين أجاب بأنه حسن الخلق عن نواس بن سمعان: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ما البر؟ قال: حسن الخلق؟ قال: ما حك في نفسك و كرهت أن يعلمه الناس. أخرجه البيهقي في الشعب.

وجعل جائزة الأخلاق الحسن القرب منه يوم القيامة جابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّؤونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ، الْمُتَشَدِّقُونَ، الْمُتَفَيْهِقُونَ". رواه الطبراني في مكارم الأخلاق والترمذي.

 

أنها أساس بقاء الأمم: فالأخلاق هي المؤشر على استمرار أمة ما أو انهيارها، فالأمة التي تنهار أخلاقها يوشك أن ينهار كيانها، كما قال شوقي:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ♦♦♦ فأقم عليهم مأتما وعويلا

 

ويدل على هذه القضية قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16].

 

العنصر الثاني: انهيار الأمم والحضارات سببه تدهور الأخلاق

أمة الحبيب الأعظم – محمد صلى الله عليه وسلم- إن الناظر إلى الأمم و الحضارات البائدة سواء في العصور القديمة أو الحديثة ليرى حقيقة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء أن السبب الرئيس لانهيارها ليرجع إلى انهيار أخلاق أفرادها وهذا ما قرره الله تعالى في كتابه عندما حدثنا عن الأمم السابقة و يمكن أن نلخص لكم أسباب الانهيار في عدة نقاط.

أولا الكفر بالله تعالى ورسله: فما أهلك الله تعالى قوم نوح وما أباد الله تعالى قوم عاد وأهلك الله تعالى فرعون وقومه إلا بسبب كفرهم قال تعالى: ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [آل عمران: 11].

 

وتأمل عبد الله إلى تلك الحضارة الزاهية التي بلغت أوجها وكان سكانها يعيشون في رغد رفاهية وفي أمن وأمان ولكنهم بدلوا نعمة الله كفرا فاحلوا بأنفسهم دار البوار إنها حضارة سبأ قال عز وجل: ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 17].

 

ثانيا التكذيب لهدى الرسل: ومن أسباب انهيار الحضارات التكذيب بما أنزل الله تعالى على رسله و أنبيائه قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا * وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ﴾ [الفرقان: 35 - 39].

 

ثالثا الظلم: وهو سوس ينخر في الأمم والشعوب متى تسرب ذلك السوس سوس الظلم إلى أمة أو حضارة إلا جعل عاقبة أمرها خسر وأذاقها الله تعالى الدمار والزوال قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يونس: 13].

 

رابعا الفساد في الأرض: ومن الأخلاق المرذولة الفساد فمتى استشري في جسد أمة أيا كان ذلك الفساد سياسيا أو اقتصاديا أو أخلاقيا فهو نذير شؤم ورسول دمار قال العزيز الغفار قال تعالى: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 103].

 

خامسا انتشار الرذائل وفساد الأخلاق: فالميوعة والانحراف عن الخلق الجميل وكذلك الانجراف مع سيل الشهوات سبب لزوال الأمم والحضارات قال رب الأرض والسموات عن قوم لوط: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [الأعراف: 80، 81].

 

العنصر الثالث الأخلاق سبب قيام الحضارات

عباد الله: إن الناظر إلى تاريخ الأمة الإسلامية يجد أن مصدر نهوضها وسمو قدرها وتغلبها على الحضارات السالفات إنما يرجع إلى سمو أخلاق أفرادها.

وإذا أردنا أن نبين اهم الأخلاق التي خلقت الحضارة الإسلامية يمكن أن نجملها لكم في عبارة رقيقة رقراقة وإشارة لطيفة في أسس.

أولا: العبودية لله وحده لا شريك له: فالله تعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت وأن العبودية له وسام شرف على صدر كل مسلم ومسلمة ومتى تحرر الإنسان من عبودية غير الله ساد وعز ومكنه الله تعالى في الأرض وتأمل كيف انصهرت نفوس الصحابة في بوتقة الإيمان فخلقت منهم خلقا أخر فتح البلاد وأذل القياصر والأكاسرة وعبر التاريخ تحققت في الأمة الإسلامية قضية التمكين في الأرض؛ فسادوا الأمم وقادوها إلى الحق والرشد، وهزموا فارس والروم عندما تمسكوا بمنهج الله تعالى ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

ولنأخذ مثالا تطبيقيا لمبدأ العبودية لله تعالى أساس الملك والحضارة.

وانظر إلى ربعي بن عامر رضي الله عنه يوم قدم إلى أبهة الملك، بما فيها من متاع الدنيا وزخرفها، فوطئ الطنافس بأقدامه، وخرقها برمحه، واستغنى واستعلى بإيمانه، وقال قولته المشهورة التي ما تزال تدوي في سمع الزمان: ((جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)).

دوت هذه الكلمات في إيوان كسرى وانطلقت في آفاق الكون نبهت الناس إلى العدل والتواضع والقيم الرفيعة التي يدعو لها الإسلام فتناقلوها وتناقلها الناس بينهم، فكانت الكلمة هي مقدمة الفتح الإسلامي التي هزت إيوان كسرى وفتحت فارس ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].

 

ثانيا الإحسان: وللإحسان أثر كبير في الرقي الإيماني والحضاري فالمسلم يرى الله تعالى في كل شيء أعني يراقب الله في كل أحواله وأفعاله ومتى كانت المراقبة لله وحده فلن ترى خللا في هذه الحياة لا غش ولا رشوة ولا ظلم ولا زنا ولا فجور فمراقبة الله سيف يقوم الأخلاق والأفعال ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].

 

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلا تَقُلْ
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيْبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفَلُ سَاعَةً
وَلا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيْبُ
لَهَوْنَا لَعَمْرُ اللهِ حَتَّى تَتَابَعَتْ
ذُنُوبٌ عَلَى آثَارِهِنَّ ذُنُوْبُ

 

فالحاكم يعدل في رعيته لعلمه أن الله أقدر عليه وأن يد الله فوق يده.

والموظف ينتج ويعمل لعلمه أن الله تعالى سائله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، والتاجر يتجار ويضرب في ربوع الأرض فلا يغش ولا يخدع لعلمه أن الأرزاق مقسومة وأن البركة في الحلال لا في الحرام.

فالكل يشاهد قيوميته لله تعالى ويراقبه.

 

كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-معه بعض أصحابه يسيرون في الصحراء بالقرب من المدينة، فجلسوا يأكلون، فأقبل عليهم شاب صغير يرعى غنمًا، وسلَّم عليهم، فدعاه ابن عمر إلى الطعام، وقال له: هلمَّ يا راعي، هلمَّ فأصب من هذه السفرة.

فقال الراعي: إني صائم.

فتعجب ابن عمر، وقال له: أتصوم في مثل هذا اليوم الشديد حره، وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟‍!

ثم أراد ابن عمر أن يختبر أمانته وتقواه، فقال له: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها، ونعطيك من لحمها فتفطر عليها؟

فقال الغلام: إنها ليست لي، إنها غنم سيدي.

فقال ابن عمر: قل له: أكلها الذئب.

فغضب الراعي، وابتعد عنه وهو يرفع إصبعه إلى السماء ويقول: فأين الله؟!

فظل ابن عمر يردد مقولة الراعي: (فأين الله؟!) ويبكي، ولما قدم المدينة بعث إلى مولى الراعي فاشترى منه الغنم والراعي، ثم أعتق الراعي.

 

مراقبة الله: فالله - سبحانه - مُطَّلع على جميع خلقه، يرانا ويسمعنا ويعلم ما في أنفسنا، ولذا يحرص المسلم على طاعة ربه في السر والعلانية، ويبتعد عمَّا نهى عنه، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [متفق عليه].

 

ثالثا: خلق الرحمة: والرحمة أساس الإيمان وعمود الرسالة كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

ورحمة الإسلام رحمة عامة شاملة تشمل جميع العوالم دون استثناء حتى مع الأعداء روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)

 

وقد أوضح ذلك في شخصه -صلى الله عليه وسلم- وفي تعاملاته مع أصحابه وأعدائه على السواء؛ حتى إنه صلى الله عليه وسلم قال محفِّزًا ومرغِّبًا على التَّخَلُّقِ بهذا الخُلُقِ وتلك القيمة النبيلة عَنْ جَرِير بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَرحَم الله مَنْ لاَ يَرحَم الناس". أخرجه البخاري.

 

وكلمة الناس لفظة عامَّة تشمل كُلَّ أَحَدٍ، دون اعتبارٍ لجنس أو دين، وفي ذلك قال العلماء: هذا عامٌّ يتناول رحمة الأطفال وغيرهم.

 

وقال ابن بطال: "فيه الحضُّ على استعمال الرحمة لجميع الخَلْقِ؛ فيدخل المؤمن والكافر والبهائم؛ المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدَّي بالضرب.

 

فالمسلم يرحم الناس كافَّة، أطفالاً ونساءً وشيوخًا، مسلمين وغير مسلمين. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِى الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ ».ِ"أخرجه أحمد.

 

بهذه الرحمة عاشت البشرية في ظل الحضارة الإسلامية فقد عاش اليهود والنصارى وغيرهم حياة أمنة هادئة لا تعرف الظلم ولا الشدة والقسوة.

 

فلقد مرّ عمر الفاروق رضي الله عنه يومًا بشيخٍ يهودي يسأل النّاس، فتألّم لذلك قائلاً والله ما أنصفناك يا رجل، أخذنا الجزية منك شابًا قادراً، ثمّ تركناك وحيدًا في شيخوختك، ففرض له من بيت مال المسلمين ما يكفيه ويسد حاجته في الحياة.

 

وفي ذلك كتب أبو يوسف: أن "هشام بن حكيم بن حزام" أحد الصحابة -رضي الله عنه - رأى رجلاً - وهو على حمص - يشمِّس ناسًا من النبط في أداء الجزية، فقال: ما هذا؟.

 

سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله - عز وجل - يعذِّب الذين يعذبون الناس في الدنيا)). رواه مسلم.

 

رابعا خلق العدل: و بالعدل قامت السماوات و الأرض فالعدل يتولى تنظيم العلاقات بين الناس المادية والأدبية والسياسية والاجتماعية وغيرها ضمانا لحقوقهم , لذا فإن العدل يدخل في كافة الشرائع , أي: في جميع المعاملات. وقد أمر الإسلام به ونهى عن ضده فهو المحور الأول الذي يرتكز الإسلام عليه قال تعالى ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة النحل: 90].

 

﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [النساء: 58].

 

"إن الجميع متساوون أمام قانون الكتاب والسنَّة، ولا بد من تنفيذه فيهم بدرجة واحدة من أدنى فرد في الدولة إلى القادة والحكام، وليس فيه موضع لمعاملة شخص ما معاملة مختلفة عن غيره، وكما جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى هدى نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - لأن يعلن: ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى: 15]، يعني أنني مأمور بالإنصاف دون عداوة، فليس من شأني أن أتعصبَ لأحد أو ضد أحد، وعلاقتي بالناس كلهم سواء، وهي علاقة العدل والإنصاف، فأنا نصيرُ مَن كان الحق في جانبه، وخصيم مَن كان الحق ضده، وليس في ديني أي امتيازات لأي فرد كائنًا مَن كان، وليس لأقاربي حقوق وللغرباء عني حقوق أخرى، ولا للأكابر عندي مميزات لا يحصل عليها الأصاغر، والشرفاء والوضعاء عندي سواء؛ فالحق حق للجميع، والذنب والجُرْم ذنب للجميع، والحرام حرام على الكل، والحلال حلال للكل، والفرض فرض على الكل، حتى أنا نفسي لست مستثنًى من سلطة القانون الإلهي".

 

وفي جانب العدل مع المخالفين في الدين والعقيدة لم ترَ البشرية عدل كعدل الإسلام وسمو أخلاق أتباعه عندما التزموا دينهم.. هذا ابن عمرو بن العاص والي مصر يضرب ابن القبطي بالسوط وقال له: أنا ابن الأكرمين! فما كان من القبطي إلا أن ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في المدينة وشكا إليه، فاستدعى الخليفة عمرو بن العاص وابنه، وأعطى السوط لابن القبطي وقال له: اضرب ابن الأكرمين، فلما انتهى من ضربه التفت إليه عمر وقال له: أدرها على صلعة عمرو فإنما ضربك بسلطانه، فقال القبطي: إنما ضربتُ مَن ضربني. ثم التفت عمر إلى عمرو وقال كلمته الشهيرة: "يا عمرو، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"؟

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين... اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام....

 

أما بعد:

خامسا الوفاء: ومن أسس نهوض الحضارة الإسلامية خلق الوفاء بكل ما تحمله الكلمة من معاني ودلالات وإشارات

قال الله تعالى و هو يصف أهل الجنة من المؤمنين الخلص ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المعارج: 32]، وقال في سورة (المؤمنون) في صفات المؤمنين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]، وقال في علامات الصادقين المتَّقين في سورة البقرة: ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].

 

قبل غزوة "بدر" يخبره حذيفة بن اليمان، والحديث في "صحيح مسلم": أن كفَّار "قريش" قد أخذوه قبل أن يدخل المدينة هو وأبا حُسَيل، فقالوا إنكم تريدون محمدًا، قلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عَهْد الله وميثاقه لننصرفَنَّ إلى المدينة ولا نقاتل معك يا رسول الله.

 

فماذا قال لهما صاحب الوفاء يا تُرى؟ ماذا قال لهما مَن بعثه الله ليتممَ به مكارم الأخلاق؟ ومع أنه كان في أشد الحاجة إلى الرجال ليقاتلوا معه ضد المشركين، المشركين الذين أخرجوه من مكة، الذين سفكوا دماء المسلمين واستحلوا أموالهم، وعذبوهم أشد العذاب، وبالرغم من كلِّ هذا، قال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انصرفَا نَفِي لهم بعَهْدِهم، ونستعين الله عليهم)).

 

وروى مسلمٌ عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ، أو سريَّةٍ، أوصاه في خاصتِه بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: (اغْزُوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا مَن كفر بالله، اغزوا ولا تغُلُّوا، ولا تغدِروا (أي: ولا تنقُضوا العهد)، ولا تُمَثِّلوا (أي: لا تشوِّهوا القتلى)، ولا تقتلوا وَلِيدًا (أي: صبيًّا)، وإذا لقيتَ عدوَّك من المشركين، فادعُهم إلى ثلاثِ خصالٍ، فأيَّتهنَّ ما أجابوك، فاقبَلْ منهم، وكُفَّ عنهم، ثم ادعُهم إلى الإسلام) (مسلم).

 

بهذه الأخلاق فتح المسلمين بلاد الفرس وبلاد الروم، وإسبانيا وفرنسا وغيرها، ولذلك قال سيد قطب - رحمه الله - "ولقد انتصر محمد حين انتصر، حينما جعل من المصحف نسخًا كثيرة، لا أقول: مطبوعة في الأوراق، ولكن مزروعة في قلوب الرجال، فتحركوا بهذا القرآن يمشون على الأرض، حتى فتح الله على أيديهم ووصل الدين إلى ما وصل إليه".

الدعاء....





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأخلاق الراقية
  • الأخلاق والعلم
  • الأخلاق وبقاء الحضارات
  • ظاهرة انهيار الأمم والحضارات

مختارات من الشبكة

  • الأخلاق أساس بناء الحضارات(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مكارم الأخلاق وأثرها في بناء الحضارات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر آية الأخلاق: 70 هداية قرآنية مستنبطة من آية الأخلاق (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بذور الأخلاق للناشئين – 30 خلقا من أجمل وأروع الأخلاق التي يربى عليها الناشئة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حصن الأخلاق: جملة من الأخلاق الواردة في القرآن والسنة (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • تحلي المعلم والمتعلم بمكارم الأخلاق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأخلاق الإسلامية(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • حضارة العدل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فساد الأخلاق يدمر الحضارة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حضارتنا تبدأ حيث تنتهي الحضارات (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب