• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

قصة هاجر فيها عبر وأحكام من التاريخ الغابر

قصة هاجر فيها عبر وأحكام من التاريخ الغابر
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/8/2016 ميلادي - 13/11/1437 هجري

الزيارات: 121168

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة هاجر

فيها عبر وأحكام من التاريخ الغابر


إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

 

عباد الله؛ العبر والأحكام تؤخذ بأسباب، فمن قصة هاجر أم إسماعيل زوجة إبراهيم، هاجر القبطية؛ قصتها فيها عبر وأحكام، فقد روى البخاري والإمام أحمد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ" - أي الحزام ومَا يُشَدّ بِهِ الْوَسَط - "مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ" - أو سارَّة بتشديد الراء -.

 

♦ قال الحافظ في فتح الباري: [وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِكَ - أي أنها اتخذت المنطق والحزام - أَنَّ سَارَةَ كَانَتْ وَهَبَتْ هَاجَرَ لِإِبْرَاهِيم، فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِإِسْمَاعِيل، فَلَمَّا وَلَدَتْهُ غَارَتْ - سارة التي لم تلد إلا بعد الثمانين أو التسعين غارت - مِنْهَا، فَحَلَفَتْ - سارة - لَتَقْطَعَنَّ مِنْهَا ثَلَاثَة أَعْضَاء، فَاِتَّخَذَتْ هَاجَرُ - وقد خافت منها - مِنْطَقًا فَشَدَّتْ بِهِ وَسَطهَا وَهَرَبَتْ، وَجَرَّتْ ذَيْلهَا - أي أطالت ثوبها - لِتُخْفِيَ أَثَرهَا عَلَى سَارَةَ، وَيُقَال: إِنَّ إِبْرَاهِيم عليه السلام شَفَعَ - أي توسط لها، وشفع - فِيهَا، وَقَالَ لِسَارَةَ: حَلِّلِي يَمِينك بِأَنْ تَثْقُبِي أُذُنَيْهَا - أي تخرقها - وَتَخْفِضِيهَا - الطهارة -، وَكَانَتْ أَوَّل مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ.

 

وَيُقَال: إِنَّ سَارَةَ - بعد ذلك - اشْتَدَّتْ بِهَا الْغَيْرَة، فَخَرَجَ إِبْرَاهِيمُ - عليه السلام - بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّه إِلَى مَكَّة لِذَلِكَ]. - (ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ)، - وما هناك بيت، وإنما مكان البيت، لا يوجد في المكان الذي وضعت فيه هاجر مع ابنها إسماعيل، ما فيه أنيس ولا جليس، ولا يوجد فيه بناء ولا معلم ولا حجر، وإنما هي جبال وأودية ووهاد وصحاري، ووضعهما عند البيت - (عِنْدَ دَوْحَةٍ) - الدوحة: الشَّجَرَة الْكَبِيرَة، تنتشر في الصحراء - (فَوْقَ زَمْزَمَ، فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ) - أَيْ: مَكَان الْمَسْجِد، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بُنِيَ حِينَئِذٍ، وإنما الكلام على المكان -.

 

(وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ)، - فوضعهما هناك -، (وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَاكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ)، - السِّقَاء: قِرْبَة صَغِيرَة -. (ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا)، - أَيْ: وَلَّى رَاجِعًا إِلَى الشَّام -.


(فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ!) - إلى - (أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي؛ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا)، - تكرر عليه وهو لا يرد عليها -، (وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: اللهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ)، - فالمسألة ومجيئكما وحملكما ووضعكما في هذا المكان ليس إرضاء لسارة، وإنما هو أمر من الله لكن كانت هناك حكمة - (قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ) - عليه السلام -، (حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ)، - فكان متكئا لا يراهم ويرونه الثَّنِيَّةُ: مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ -.

 

(اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَدَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ)، - قال العلماء: فيه دليل على استحباب استقبال القبلة عند الدعاء، وكذلك رفع اليدين فيه. - (فَقَالَ) عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]، - واستجاب الله دعاء إبراهيم، حتى الآن يرزقون من الثمرات، ونرجع إلى حديث البخاري -؛ (وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ، وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، فَانْطَلَقَتْ) - تركته وذهبت - (كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ، هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا)، - رفعت ثوبها حتى يسهل عليه السعي، والمشي أسرع - (ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ) - أَيْ: سَعْيَ الْإِنْسَانِ الَّذِي أَصَابَهُ، وبلغ الْجَهْدَ والمشقة -، (حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا، وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) - رضي الله تعالى عنهما: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ)، - في الشوط السابع - (سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ - تُرِيدُ نَفْسَهَا - ) فكَأَنَّهَا خَاطَبَتْ نَفْسهَا فَقَالَتْ لَهَا: اُسْكُتِي.

 

(ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غَوَاثٌ) - أَيْ: عندك إغاثة أو غَوْث فأغث -.

(فَإِذَا هِيَ) - تنظر وترى وإذا هي - (بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ، أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ، حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ) - تجعل حوله حوضا - (وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا، وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَمَا تَغْرِفُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ؛ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ، أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ، لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا). (خ) (3184)، (حم) (3390).

 

♦ (لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ، لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا) تنبع تسيل ويسيل نهرها (مَعِينًا)، قال العلماء: أَيْ: عَيْنًا ظَاهِرًا جَارِيًا عَلَى وَجْه الْأَرْض.

قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: (كَانَ ظُهُور زَمْزَم نِعْمَة مِنْ اللهِ) - لا دخل للبشر فيه، وهي نعمة - (مَحْضَة بِغَيْرِ عَمَل عَامِل، فَلَمَّا خَالَطَهَا تَحْوِيط هَاجَرَ)، - خالطها عمل الناس - (دَاخَلَهَا كَسْب الْبَشَر، فَقَصُرَتْ عَلَى ذَلِكَ، وتوقفت، وحتى الآن في نفس المنسوب الذي كانت عليه زمزم منذ زمن هاجر - فـ(لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ، لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا، تَجْرِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). (حم) (2285).

 

(قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ) - أَيْ: لَا تَخَافُوا الْهَلَاك والضياع -. (فَإِنَّ هَاهُنَا بَيْتُ اللهِ، يَبْنِيهِ هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ)، - فنسأل الله أن يحفظ ذلك البلد، وأن يحفظ أهله للإسلام والمسلمين.

 

(وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ) - الرَّابية: ما ارْتفع من الأرض، فهو مرتفع - (تَأتِيهِ السُّيُولُ، فَتَأخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ) - قَوْلُهُ: (فَكَانَتْ) أَيْ: هَاجَرُ، (كَذَلِكَ) أَيْ: عَلَى الْحَال الْمَوْصُوفَة، وَفِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَذِي بِمَاءِ زَمْزَم، وبقيت مدة من الزمن تشرب من زمزم - (فَيَكْفِيهَا عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب). فتح الباري.

 

(حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ) - فمن هي جرهم؟ (جُرْهُم): هو اِبْن قَحْطَان بْن عَامِر بْن شَالِخٍ بْن أرفخشد بْن سَام بْن نُوح.

هذه القبيلة مرُّوا - (مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ)، - وكُدَى: منطقة فِي أَسْفَل مَكَّة، فَنَزَلُوا. - (فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا)، - فالطائر (العَائِف): الَّذِي يَحُوم عَلَى الْمَاء، وَيَتَرَدَّد، وَلَا يَمْضِي عَنْهُ.

 

(فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ! لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ!) (خ) (3184). - قال: - (فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ فَنَظَرَ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَتَوْا إِلَيْهَا). (خ) (3185).

 

(فَقَالُوا: أَتَأذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ! وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ)، - الماء ملكٌ لي ولولدي، أنتم لا حقَّ لكم فيه؛ حقُّ التملُّك، أما حق الانتفاع فلم تمنعهم من الانتفاع من شرب وسقاية - (قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ)، - يعني كانت تحب أن يبقوا عندها، وأن يؤنسوها فالإنسان سمي إنسانا لأنه يأنس بغيره، وليس متوحشا متفردا - (وَهِيَ تُحِبُّ الْأُنْسَ، فَنَزَلُوا، وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ، - إسماعيل عليه الصلاة والسلام - (وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ).

 

♦ قال ابن حجر: وهذا - (فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّ لِسَان أُمِّه وَأَبِيهِ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا، وَفِيهِ تَضْعِيف لِقَوْلِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ) - أي إسماعيل - (أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ)، - ليس كذلك - (وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك بِلَفْظِ: "أَوَّل مَنْ نَطَقَ بِالْعَرَبِيَّةِ إِسْمَاعِيل")، - وليس أول من تكلم، بل أول من نطق -.

 

(وَرَوَى الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ فِي النَّسَب مِنْ حَدِيث عَلِيّ - رضي الله عنه - بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ: "أَوَّل مَنْ فَتَقَ الله لِسَانه بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُبِينَة إِسْمَاعِيل")، - العربية المبينة - (وَبِهَذَا الْقَيْد يُجْمَع بَيْن الْخَبَرَيْنِ، فَتَكُون أَوَّلِيَّتُه فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الزِّيَادَة فِي الْبَيَان)، - فكان أنطقَ من العرب أنفسهم وأفصح، العرب العاربة، وليس العرب العارية - (لَا الْأَوَّلِيَّة الْمُطْلَقَة، فَيَكُونُ بَعْد تَعَلُّمِه أَصْلَ الْعَرَبِيَّة مِنْ جُرْهُم، أَلْهَمَهُ اللهُ الْعَرَبِيَّة الْفَصِيحَة الْمُبِينَة، فَنَطَقَ بِهَا).

 

- كان إسماعيل عليه السلام عند هؤلاء الناس أفضلهم - (وَأَنْفَسَهُمْ) - أَيْ: كَثُرَتْ رَغْبَتهمْ فِيهِ، وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ.

(فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ)، - يقال: بعد عشرين عاما تزوج إسماعيل - (فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ). - أَيْ: يَتَفَقَّد حَال مَا تَرَكَهُ هُنَاكَ.

 

قال ابن حجر: (وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ مَجِيئِهِ بَيْن الزَّمَانَيْنِ فِي خَبَر آخَر، فَفِي حَدِيث أَبِي جَهْم: "كَانَ إِبْرَاهِيم يَزُور هَاجَرَ كُلّ شَهْر عَلَى الْبُرَاق، يَغْدُو غَدْوَة فَيَأتِي مَكَّة)، - أي في الصباح - (ثُمَّ يَرْجِع فَيُقِيل فِي مَنْزِله بِالشَّامِ")، - في الصباح يكون عندهم بمكة، والقيلولة تكون في الشام.

 

(وَرَوَى الْفَاكِهِيّ مِنْ حَدِيث عَلِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ نَحْوه، وَأَنَّ إِبْرَاهِيم) - عليه السلام - (كَانَ يَزُورُ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ عَلَى الْبُرَاق.

فَقَوْله: "فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيل" أَيْ: بَعْد مَجِيئِهِ قَبْل ذَلِكَ مِرَارًا، وَاللهُ أَعْلَمُ). فتح - وعندما جاء يزور إسماعيل بعد أن تزوج - (فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا) - أَيْ: يَطْلُب لَنَا الرِّزْق.

 

(ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ).

 

♦ (عَتَبَة البَاب: كِنَايَة عَنْ الْمَرْأَة، وَسَمَّاهَا بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ الصِّفَات الْمُوَافِقَة لَهَا، وَهُوَ حِفْظُ الْبَاب، وَصَوْنُ مَا هُوَ دَاخِله)، - والمرأة تحفظ بيتها، وَكَوْنُهَا مَحَلَّ الْوَطْء، والعتبة يطأها الناس). فتح.

 

(فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ! جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ، فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ) - أي مشقة -، (وَشِدَّةٍ، قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ! أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا.

وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ) - امرأة - (أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللهِ عز وجل فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتْ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: الْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ)، - يعني لا شعير ولا قمح - (وَلَوْ كَانَ لَهُمْ، دَعَا لَهُمْ فِيهِ، قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ)، - اللحم والماء موجود، وأما القمح وما شابه لك فقليل - (قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ.

فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ! أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ! هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ.

ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا).

 

♦ (النَّبْل): السَّهْم قَبْل أَنْ يُرَكَّب فِيهِ نَصْلُه وَرِيشه. فتح.

 

(وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ)، - شجرة - (قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ).

 

♦ أَيْ: كَمَا يَصْنَع الْوَالِد بِالْوَلَدِ، أي بعد الغياب، وَالْوَلَد بِالْوَالِدِ، مِنْ الِاعْتِنَاق وَالْمُصَافَحَة وَتَقْبِيل الْيَد، وَنَحْو ذَلِكَ.

 

(ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَاهُنَا بَيْتًا - وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا - )، - الأَكَمَة: ما ارتفع من الأرض دون الجبل، فهي أصغر من ذلك.

 

(قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ)، - القواعد كما جاء مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس: "رَفَعَ الْقَوَاعِدَ الَّتِي كَانَتْ قَوَاعِدَ الْبَيْت قَبْل ذَلِكَ"...، - [القواعد موجودة وما عليه إلا أن يرفعها.

 

وَزَادَ أَبُو جَهْم: "وَأَدْخَلَ الْحِجْرَ فِي الْبَيْت"، - والحجر عبارة عن حظيرة كان يضع إسماعيل فيها أغنامه، فوضعها في البيت - و(َكَانَ - الحِجْر - قَبْل ذَلِكَ زَرْبًا - أي حظيرة - لِغَنَمِ إِسْمَاعِيل، وَإِنَّمَا بَنَاهُ بِحِجَارَةٍ بَعْضهَا عَلَى بَعْض، وَلَمْ يَجْعَل لَهُ سَقْفًا وَجَعَلَ لَهُ بَابًا، وَحَفَرَ لَهُ بِئْرًا، عِنْد بَابه خِزَانَة لِلْبَيْتِ، - من أراد أن يتصدق للبيت فيرمي الذهب والفضة فيه، هذا إن شئت - يُلْقَى فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْبَيْتِ".

 

وَفِي حَدِيثه أَيْضًا: "أَنَّ الله أَوْحَى إِلَى إِبْرَاهِيم أَنْ اِتَّبِعْ السَّكِينَة، فَحَلَّقَتْ عَلَى مَوْضِع الْبَيْت - غمامة تسمى السكينة، وهي مجموعة من الملائكة - كَأَنَّهَا سَحَابَة، فَحَفَرَا يُرِيدَانِ أَسَاسَ آدَمَ الْأَوَّل".


وَفِي حَدِيث عَلِيّ عِنْد الطَّبَرِيِّ وَالْحَاكِم: "رَأَى عَلَى رَأسه فِي مَوْضِع الْبَيْت مِثْل الْغَمَامَة، فِيهِ مِثْلُ الرَّأس، فَكَلَّمَهُ فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيم، اِبْنِ عَلَى ظِلِّي - أَوْ عَلَى قَدْرِي - وَلَا تَزِدْ وَلَا تَنْقُص، وَذَلِكَ حِين يَقُول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ [الحج: 26]. الْآيَةَ". فتح الباري].

 

(فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ)، (خ) (3185)، - أَيْ: الْمَقَام، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن نَافِع: "حَتَّى اِرْتَفَعَ الْبِنَاء، وَضَعُفَ الشَّيْخ - أي إبراهيم الذي يبني - عَنْ نَقْل الْحِجَارَة، فَقَامَ عَلَى حَجَر الْمَقَام"...

 

(حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ، فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، - قال -: وَهُمَا يَقُولَانِ: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127] (خ) (3184).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

من هي هاجر؟ إنها أم العرب، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ)، (خ) (3358)، (م) (2371)، قال العيني: [قال مقاتل - وهو أحد المفسرين -: كانت من ولد هود عليه السلام، - وهود عليه السلام نبي الله وهو عربي، - وقال الضحاك: كانت بنت ملك مصر، وكان ساكنا بمنف، - ويسمونها اليوم المنوفية - فغلبه ملك آخر فقتله، وسبى ابنته فاسترقها، ووهبها لسارة، ثم وهبتها سارة لإبراهيم، فواقعها فولدت إسماعيل، ثم حمل إبراهيم إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة...]. عمدة القاري.

 

♦ إذن هاجر ليست جارية، أصلها حرة بنت ملك من الملوك. - وجاء في اسمها: [(آجَر) - بالهمز والمد - وبفتح الجيم.

 

وقيل: أصله هاجر، أبدل من الهاء همزة، وهي جارية قبطية هي أم إسماعيل]. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (10/ 71).

 

وقال البخاري في (بَاب قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ): وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام بِسَارَةَ، فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ، - أي مصر - فَقَالَ: أَعْطُوهَا آجَرَ، - أي هاجر.

 

لذلك يقولون عن العرب: [(بنو ماء السماء) وهم العرب؛ لأنها أم إسماعيل، والعرب من نسله، وسموا به؛ لأنهم سكان البوادي، وأكثر مياههم من المطر]. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (19/ 68).

 

وقد سبقت هاجر الناس في أمور منها أنها أول من أطالت ثوبها وجرت ذيلها، فهي أسوة للمحجبات والمنقبات فـ[عن بن عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: أَوَّلُ امْرَأَةٍ جَرَّتْ ذَيْلَهَا أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، لَمَّا قَرُبَتْ مِنْ سَارَّةَ أَرْخَتْ ذَيْلَهَا لِتَقْفِيَ أَثَرَهَا، قَالَ: (وَمِنْ هَذَا أَخَذَتْ نِسَاءُ العرب جر الذيول)]. الاستذكار (8/ 312).

 

وهي أول من سعى بين الصفا والمروة، فقد [روى الفاكهي بإسناد حسن عن ابن عباس قال: (هذا ما أورثتكموه أم إسماعيل)]. فتح الباري (3/ 503)، من تركة أم إسماعيل هذا هو الميراث، أي السعي بين الصفا والمروة، فليتذكر الحجاج هذا الأمر.

وهي أول من خُتنت وثقبت أذناها فرضي الله عنها وأرضاها.

 

وفي الختام؛ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ"، - أي ستفتحون مصر - "فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَاخْرُجْ مِنْهَا»، قَالَ: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجَ مِنْهَا. (م) (2543).

 

[(فَإِن - أهل مصر - لَهُم ذمَّة) أَي حَقًا وَحُرْمَة، (ورحما) لكَون هَاجر أم إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْهُم، - وهي أم العرب، لذلك وفي رواية: - (وصهرا) لكَون مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهُم].

 

فصلى الله وسلم وبارك وأنعم وأكرم على نبينا محمد وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

 

اللهم وحِّد صفوفَنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغلَّ والحقد والحسدَ والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

وأقم الصلاة؛ ﴿... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت:45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشهيد الحي - قصة (خاص الألوكة)
  • قصة نبي الله يونس عليه السلام
  • قصة قارون
  • قصة نبي الله أيوب عليه السلام

مختارات من الشبكة

  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • فوائد القصص في المجال الإعلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دروس وفوائد من قصة سيدنا شعيب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من قصص القرآن والسنة: قصة قارون دروس وعبر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصص القرآن والسنة دروس وعبر: قصة ابني آدم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصة سبأ وما فيها من العبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب