• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في النصيحة والأمانة
علامة باركود

بالتوكل على الله يتحصل المؤمن على مناه

الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/4/2016 ميلادي - 13/7/1437 هجري

الزيارات: 24588

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بالتوكل على الله

يتحصل المؤمن على مناه


إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

أيها الإخوة الكرام؛ الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه العزيز صفاتِ يحبها، ويحبُّ من يتصف بها، ومنها التوكُّل على الله، فنسأل الله عزّ وجلّ أن نكون من المتوكلين على الله حقَّ توكُّلِه.

 

هناك مسألة اليقين، ومسألةُ التوكل، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله معرفا اليقين: [اليقين: هو قوة الإيمان والثبات، حتى كأنَّ الإنسان يرى بعينه ما أخبر الله - عز وجل - به ورسوله -صلى الله عليه وسلم رأي العين كأنه يرى ذلك- من شدة يقينه.

 

و- أما - التوكل: فـهو اعتمادُ الإنسانِ على ربِّه عز وجل في ظاهره - وباطنه -، في جَلبِ المَنافع ودفع المَضَارِّ]. [شرح رياض الصالحين]، فتوكلوا على الله يا عباد الله.

 

لذلك في أكثر من آية قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ﴾ [آل عمران: 159]، وَقَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58]، وَقَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [إبراهيم: 11]، وَقَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، أي: كافِيهِ.

 

فاعلموا يا عباد الله أن المتوكلين على الله حقًّا هم الذين يأخذون بالأسباب، ويتوكلون على الوهّاب سبحانه وتعالى، يأخذون بالأسباب فلا يتواكلون وينامون وينتظرون بعد ذلك أن يحدث لهم ما يريدون، لا! فمن الناس من يريد الرزق فيأخذ بالأسباب فيتوكل على الله، ومن الناس من يريد الصحة والعافية فيأخذ بالأسباب ويتخذ الأدويةَ المناسبة ويتوكل على الله، ومن الناس من يريد العلم فيذهب ويتعلّم ويتوكل على الله أن يبارك له في علمه، ومن الناس من يريد النصر من الله سبحانه وتعالى فلا ينام، بل يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله سبحانه وتعالى، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: [كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ]، - يحجون ولا يأخذون معهم الزاد من الطعام والشراب - وَيَقُولُونَ: [نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ]، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ - احتاجوا إلى الطعام والشراب، ولا يوجد ذلك معهم - سَأَلُوا النَّاسَ، - أطعمونا اسقونا، - فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى - قوله -: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]، [خ] [1451]، [د] [1730].

 

و [الزاد: هو الطعام الذي يتخذه المسافر.. فخُذُوا زَادَكُمْ مِنْ الطَّعَام، وَاتَّقُوا الِاسْتِطْعَام، وَالتَّثْقِيل عَلَى الْأَنَام.... تَزَوَّدُوا، وَاتَّقُوا أَذَى النَّاسِ بِسُؤَالِكُمْ إِيَّاهُمْ، وَالْإِثْمَ فِي ذَلِكَ.

 

• فالآية تبين هذا الأمر، ليس التوكل كما يعتقد بعض الناس يترك الأمور ويترك الأسباب، لا والله - وَفِي هذه الْآيَة وَالْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اِرْتِكَابَ الْأَسْبَابِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّل -على الله-؛ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ]. عون المعبود.

 

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: [يَا رَسُولَ اللهِ، أُطْلِقُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ؟] -يعني أريد أن أصليَ في المسجد، هل أترك الناقة في الخارج وأطلقها وأتوكل؟- [أَوْ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟] -أربطها وأربط رجلها، أو أربطها في شجرة وأتوكّل، فماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهذا الحديث الذي نحفظه وتحفظونه- قَالَ: "اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ"، [ت] [2517]، [حب] [731]، صَحِيح الْجَامِع [1068]، [أَيْ: -خذ بالأسباب و- اِعْتَمِدْ عَلَى اللهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْلَهَا لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ. تحفة [6/ 309]]، فربْطُ هذه الدابة لا ينافي التوكل.

 

فـالمتوكلون على الله تجتنبهم الشياطين، ولا تؤثر عليهم بأمر الله، فتوكَّلْ على الله يا من آذتك الشياطين بالسحر، أو آذتك بالوسوسة، أو آذتك بشتى الأمور التي فيها الشرُّ لعباد الرحمن، توكَّل على الله، يا عبد الله لن تؤذيَك إن شاء الله.

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، - رضي الله تعالى عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ["إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، يُقَالُ لَهُ: حَسْبُكَ، قَدْ كُفِيتَ وَهُدِيتَ وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ، فَيَلْقَى الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا آخَرَ فَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ كُفِيَ وَهُدِيَ وَوُقِيَ؟!"]. [د] 5095 [ت] 3426، [حب] 822، صَحِيح الْجَامِع: 499، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1605.


["إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، يُقَالُ لَهُ: حَسْبُكَ]، -يعني هذه الكلمات تكفيك- [قَدْ كُفِيتَ] -يعني ما هَمَّك-، [وَهُدِيتَ] -أي إلَى طَرِيقِ الْحَقّ-، [وَوُقِيتَ] -أي حُفِظْتَ من الشياطين- [وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ] -أي يَتَبَعَّد-، [فَيَلْقَى الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا آخَرَ] -ينظرون إلى الرجل الذي خرج من بيته، وقال هذه الكلمات، ويلقى الشيطان شيطانا آخر- [فَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ] -أي كيف لك- [بِإِضْلَالِ رَجُل قَدْ كُفِيَ وَهُدِيَ وَوُقِيَ؟"] -لا تستطيع الشياطين أن تتعرض له إن شاء الله.

 

المتوكلون على الله محفوظون من الشياطين كما قَالَ الله سبحانه وتَعَالَى: ﴿ فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 98- 100].

 

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله - تعالى - عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -مبينا عليه الصلاة والسلام كيف تقي نفسَك شرَّ الشيطان إذا دخلت بيت الرحمن؛ المسجد، تذكر الله على بابه، فتدخل وقد وقيت شرَّ الشيطان الرجيم، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ قَالَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ: أَعُوذُ بِاللهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ". [د] 466، وصححه الألباني في المشكاة: 749، والثمر المستطاب ج1 ص603، ليس في تلك اللحظة، بل في سائر اليوم.

 

المتوكلون؛ هم المتوكلون حقا على الله سبحانه وتعالى في أرزاقهم:

عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله تعالى عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .. [ت] 2344، والطير لا تدَّخر، بل تأكلُ على قدرها، وقدر قوتها يوما بيوم، وساعة بساعة، والإنسان المسلم، والإنسان عموما يدخر لا مانع من ذلك، لكنّ إدخارَك للأرزاق لا تؤثر على توكُّلِك على الله عز وجل، فلذلك نجد بعضَ الناسِ عندهم التمر أو الحب أو الدقيق، أو العسل أو الزيت أو السمن أو ما شابه ذلك من الأطعمة، توكلهم على الله يبارك لهم فيها، وإن نقص التوكل سُحبت البركة، وانتهت مبكرا كما ستعلمون من الروايات التالية.

 

فـتفقد النعم؛ بقية الكيس، أو بقية الإناء الذي فيه السمن والعسل أو الزيت، إذا نظرت فيه فوزنته أو كِلته ذهبت البركة منه، طرأ عندك شيء من عدم التوكل على الله، إذا تركته ربما تأخذ منه إلى يوم القيامة، وهو لا ينقص، فإن صار شكٌّ في قلبك أنه نقص، ومتى سينتهي؟ فعلا سينتهي عن قريب، فلا تتفقد هذه النعم بالوزن والكيل، وبعض الناس يتفقدها فينفض الكيس، حتى لا يبقي شيئا من البركة فيه، تذهب البركة يا عبد الله! وهذا ينافي كمال التوكل وينقص منهما.

 

فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله - تعالى - عنهما قَالَ: كَانَتْ أُمُّ مَالِكٍ رضي الله - تعالى - عنها تُهْدِي لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا، - العُكَّة: وعاء مستدير من الجلد، يُحفظ فيه السمن والعسل، فعندما تأتي بهذه العكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيأخذ ما فيها من سمن ويردّها، ويرجع الإناء وليس عندها سمن، قال:- فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ - [الإِدَامُ]: مَا يُؤْكَلُ بِهِ الْخُبْزُ. - وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم - تنظر لعلَّ فيه شيئا باقيا في العُكة - فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا، فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا - لا تحتاج لأدم جديد، وبقيت كذلك - حَتَّى عَصَرَتْهُ - أخذت هذه العكة وعصرتها ولم تبقِ فيها شيئا- فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "عَصَرْتِيهَا؟"، قَالَتْ: [نَعَمْ]، قَالَ: "لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا" [م] 2280، [حم] 14705.

 

لو تركتيها بدون عصر، وإخراجِ ما فيها تبقى تدرُّ لكم البركات، فالإدرار يكون من الأخذ لا من النظر والكيل، ثم الانتهاء من هذا الشيء.

 

ومعنى: [لو تركتيها ما زال قائما] [أَيْ: مَوْجُودًا حَاضِرًا، قَالَ الْعُلَمَاء: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ] - أن الإنسان لا يعصر الذي يحتاج إلى عصر، وسكبَ شيء يحتاج إلى سكب، الحكمة في ذلك- [أَنَّ عَصْرَهَا وَكَيْلَهُ] - أن يكيل الطعام الباقي - [مُضَادَّةٌ لِلتَّسْلِيمِ وَالتَّوَكُّل عَلَى] - الله، وعلى - [رِزْق الله تَعَالَى، وَيَتَضَمَّنُ التَّدْبِير، وَالْأَخْذَ بِالْحَوْلِ وَالْقُوَّة]، -يصبح يعتمد على نفسه - [وَتَكَلُّفِ الْإِحَاطَةِ] - يحيط بأسرار الله عز وجل - [بِأَسْرَارِ حُكْمِ اللهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ، فَعُوقِبَ فَاعِلُهُ بِزَوَالِهِ]. شرح النووي [7/ 478].

 

يعاقب بزواله، فيا صاحب الراتب! إذا ذهبت بالراتب على بيتك لا تعدّه، عدَّه عند الذي يسلمك في البنك، لكن في البيت ضعه واسحب منه، وراجعني بعد كم مدة يبقى وكأنه آلاف مؤلفة من الملايين، وما شابه ذلك، فتوكل على الله يا عبد الله.

 

واعلموا أن الدعاءَ دعاءَ الله عز وجل؛ أن يرزقك، أن يشفيك، أن يقدم لك ما تتمنى، لا ينافي التوكل، بل هو عبادة تضيف أمرا طيبا إلى التوكل، فمن توكل على الله ودعاه نال ما تمناه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله - تعالى - [عنه قَالَ: أَصَابَ رَجُلًا حَاجَةٌ] - أَيْ: فقر وفاقة - [فَخَرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ]، - إلى الصحراء، إلى مكان خال يبحث عن الرزق، ما وجد شيئا رجع، فكان في غيبته أن توكلت زوجته على ربها سبحانه وتعالى حق التوكل - [فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَا نَعْتَجِنُ وَنَخْتَبِزُ]، - ما عندهم لا عجين ولا خبيز، سألت الله عز وجل - [فَجَاءَ الرَّجُلُ وَالْجَفْنَةُ مَلْآى عَجِينًا،] -الجَفْنة: وعاء يؤكل ويُثْرَدُ فيه، وكان يُتخذ من الخشب غالبا- [وَفِي التَّنُّورِ] - التنور: المَوْقِدُ فيه - [جُنُوبُ الشِّوَاءٍ] - الشِّوَاء: المشوي، جُنوبَ شِواءٍ: هي جمع جَنْبٍ، يريد جَنْبَ الشاةِ، أي موجود لحوم كثيرة، فمن أين جاءت؟ أَي أنه كان في التَّنُّور جُنوبٌ كثيرة، لَا جَنْبٌ واحد.

 

• يتعجب الرجل ويسأل - [وَالرَّحَى تَطْحَنُ] -إذن يوجد طحين، ويوجد عجين، ويوجد لحم، وكل في موضعه- [فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟، قَالَتْ: مِنْ رِزْقِ اللهِ عز وجل] -ففرحوا لكنهم أذهبوا هذه البركة- [فَكَنَسَ مَا حَوْلَ الرَّحَى]، -لم يبقِ شيئا من الدقيق، نظفها تماما- [فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَرَكَهَا"] -أي الرحى- ["لَدَارَتْ، أَوْ لَطَحَنَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"]. [طس] 5588، [حم] 10667، الصَّحِيحَة: 2937، وهداية الرواة: 5341، لو تركها وما أوقفها، هو أوقفها وأخذ منها وكنس ما حولها، لو تركها؛ لدرات أو لطحنت إلى يوم القيامة، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فيا عبد الله! لا تكنس من النعيم الذي عندك، لا تكنس النعم، ولا تكنس بقاياها، وابقها ولا تبحث عنها، تجد الخير الكثير من الشيء القليل يطول، ويطول بأمر الله سبحانه وتعالى.

 

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله - تعالى - عنهما قَالَ: [جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَطْعِمُهُ]، -يعني يريد حاجة لله يأكلها هو وأهله - [فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ]، - يعني نصف وسق، حوالي ثلاثين صاعا، أكثر من ستين كيلو جرام أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم- [فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ] - أَيْ: وَزَنَه، فالأصل أنه انتهى، لكنه لم ينتهِ فكاله، كم صاع هو الباقي؟ فذهبت البركة ونفد-. [فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ لَمْ تَكِلْهُ، لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ، وَلَقَامَ لَكُمْ" [م] 2281، لو لم تكله لأكلتم منه، تأكلون دائما، ولقام لكم وبقي كما هو، فالكيل يذهب البركة يا عباد الله.

 

و[قَالَ الْقُرْطُبِيّ - رحمه الله -: سَبَب رَفْعِ النَّمَاءِ مِنْ ذَلِكَ عِنْد الْعَصْر وَالْكَيْل -وَالله أَعْلَم- الِالْتِفَاتُ بِعَيْنِ الْحِرْصِ، مَعَ مُعَايَنَة إِدْرَار نِعَمِ اللهِ] -أنت ترى نِعمَ الله آتية إليك، لماذا تريد أن تنهيها؟ أتذكر قصة كنا نسمعها قديما تدل على أن من استبطأ نفاد النعم عنه ستنفد وتنتهي، كما يقال في القصة، لكنا نريد أن نأخذ الشاهد منها: رجل عنده دجاجة تبيض له كلَّ يوم جوهرة، -إن صحت هذه القصة-، فعندما طالت عليه الجواهر، قال: أريد أن أذبحها، وأرى ما فيها من جواهر، فذبحها فذهبت الجواهر، اترك الأمر لله يا عبد الله! لا تستكثر ولا تستعجل رزق الله سبحانه وتعالى، فتعاين نعمه الله يتركها، ويترك- [وَمَوَاهِب كَرَامَاتِهِ وَكَثْرَةِ بَرَكَاتِه]، - ينشغل بذلك فيغفل عن شكر الله تعالى بالغفلة عنها - [وَالْغَفْلَةِ عَنْ الشُّكْرِ عَلَيْهَا، وَالثِّقَةِ بِالَّذِي وَهَبَهَا]، - سبحانه - [وَالْمَيْلِ إِلَى الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ عِنْد مُشَاهَدَةِ خَرْقِ الْعَادَة]. فتح الباري، - يريد أن يأخذ سببا معتادا، والله أعطاه سببا غير معتاد عند مشاهدة خرق العادة!!

 

واعلموا عباد الله! ويا من ابتليتم بالآلام والجراح؛ أن التداوي بالمباح، لا ينافي التوكل على الله، من طلب التداوي بالمباح والجائز، والرقية وما شابه ذلك كلُّه مباح، ولا ينافي التوكل [جة]، عَنْ أَبِي خِزَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: [سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ] - أَيْ: أَخْبِرْنِي فنحن نتَّخذ - [أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا، وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا وَتُقًى نَتَّقِيهَا] - أَيْ: نَلْتَجِئُ بِهَا، أَوْ نَحْذَرُ بِسَبَبِهَا، وَهِيَ اِسْمُ مَا يَلْتَجِئُ بِهِ النَّاسُ مِنْ خَوْفِ الْأَعْدَاءِ، كَالتُّرْسِ. تحفة الأحوذي [5/ 437].

 

[هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا؟، قَالَ: "هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ". [جة] 3437، [ت] 2148، يعني فلا تنافي التوكل على الله.

 

أدوية يتداوون بها، وكلمات يقرؤونها من كتاب الله، أو بأسمائه وصفاته، وتقًى نتقيها يعني من باب الحمية نلتجأ ونحتمي بها، هذه ما حكمها؟ قال: هذه من قدر الله.

 

[أَيْ: كَمَا أَنَّ اللهَ قَدَّرَ الدَّاءَ، قَدَّرَ زَوَالَهُ بِالدَّوَاءِ، فَمَنْ اِسْتَعْمَلَهُ وَلَمْ يَنْفَعْهُ]، -فلو واحد استخدم دواء ولم ينفعه ولم يشفه- [فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَا قَدَّرَهُ]، ربما شُفي أحدهم بهذا الدواء من هذا المرض، ولم يشفَ غيره بنفس المرض بنفس الدواء، الله ما قدر هذا الشفاء بهذا الدواء من هذا المرض.

 

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه - عنهما - [قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَنْفَعُ الدَّوَاءُ مِنَ الْقَدَرِ؟] -إنسان مريض الله قدَّر عليه هذا المرض، فلو أخذ دواءً يدفع من هذا المرض الذي هو مقدَّر على هذا العبد، فماذا أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم؟- [قَالَ: "الدَّوَاءُ مِنَ الْقَدَرِ، وَقَدْ يَنْفَعُ بِإِذْنِ اللهِ"] [طب] 12784، انظر صَحِيح الْجَامِع: 3415، 3416، المرض قدرٌ والدواء قدر، فلا تقصِّر في أحدهما يا عبد الله.

 

ومن الأخذ بالأسباب - مما لا ينافي التوكل على الله - سَتْرُ مَحَاسِنِ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ الْعَيْن والحسد؛ من أبناء وأموال أو ما شابه ذلك يسترها عن العين، وهذا لا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى، مع التوكل على الله بالاستعانة به، وقاية من الحسد والعين، ونذكركم بما قَالَ سبحانه وتَعَالَى، عندما خشي على أبنائه العشَرة، عشَرَة أبناء واثنان في مصر لرجل واحد، هذا يثير العين، فماذا قال يعقوب عليه السلام؟ ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ - يعني المسألة مسألة أسباب - ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67].

 

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنها قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَعِينُوا عَلَى إنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ"، [طس] 2455، [مسند الشهاب] 708، صَحِيح الْجَامِع: 943، الصَّحِيحَة: 1453.

 

استعينوا على إنجاح الحوائج؛ كل إنسان عنده حاجة، فليستعن عليها بالحاجة، لماذا؟ لأن هذه النعم على بعض الناس يحسده الآخرون، فإن كل ذي نعمة محسود.

 

والتوكل على الله؛ يا عباد الله! يُذهِبُ أيَّ نوع من الشرك بالله، إذا توكلت على الله يَذهب الشرك، ومنها الطيرة والتشاؤم الطارئ على القلب من الطيرة ونحوها:

 

فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ"]، -أن تتشاءم من صوت، أو تتشاءم من منظر وصورة أو من فعل أو ما شابه ذلك، التشاؤم هذا من الشرك؛ لأنك ظننت في قلبك أن هذا الصوت، أو تلك الصورة، أو ذاك الفعل قد سبب أمرا معينا يزعجك من دون الله سبحانه وتعالى، رُدَّ الأمر إلى الله فتوكل على الله، [قال ابْنُ مَسْعُودٍ: وَمَا مِنَّا] -يطرأ على الإنسان هذا التطير- [إِلَّا وَلَكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ]. [د] 3910، [ت] 1614.

 

[الطِّيَرَةُ شِرْكٌ] أَيْ: لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الطِّيَرَةَ تَجْلِبُ لَهُمْ نَفْعًا أَوْ تَدْفَعُ عَنْهُمْ ضُرًّا، فَإِذَا عَمِلُوا بِمُوجِبِهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاللهِ فِي ذَلِكَ، وَيُسَمَّى: شِرْكًا خَفِيًّا، وَمَنْ اِعْتَقَدَ أَنَّ شَيْئًا سِوَى اللهِ يَنْفَعُ أَوْ يَضُرُّ بِالِاسْتِقْلَالِ، فَقَدْ أَشْرَكَ شِرْكًا جَلِيًّا.

 

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ"، -خرج من بيته فرأى شيئا جلب له التشاؤم، والله ما رأينا هذا وما رأينا خير، فيرجع، فإذا رجع أشرك بالله؛ لأن جعل هذا الأمر بيده من الشر، فليمضِ يا عبد الله، لكن ما الذي يذهب هذا الأمر من القلب؟- [فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟] -ما دام الإنسان أشرك إذا وقع في قلبه شيء، كيف نكفرها هذه الفعلة، أو هذا الخاطر على القلب، وكيف نمحوه؟- [قَالَ: "أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ". [حم] 7045، صَحِيح الْجَامِع: 6264، الصَّحِيحَة: 1065.

 

لذلك تقول هذا الكلام وتمضي.

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَسَدْتُمْ فلَا تَبْغُوُا وَإِذَا ظَنَنْتُمْ فلَا تُحَقِّقُوا، وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا، وَعَلَى اللهِ تَوَكَّلُوا". الكامل لابن عدي [ج4/ ص315]، انظر الصَّحِيحَة: 3942.

 

وعلى الله فتوكلوا يا عباد الله، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، أما بعد:

المتوكلون على الله لا سلطان للدجاجلة عليهم، ولو كان الدجال الكذاب الأعور المضل في آخر الزمان، فيعصم الله سبحانه وتعالى المتوكلين على الله؛ لأنهم صادقين في توكلهم ومحققين له، فيعصمهم من فتنة الدجال، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فـعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ["إِنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ الْكَذَّابَ الْمُضِلَّ، وَإِنَّهُ سَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَمَنْ قَالَ"]: -أي من الناس الذين يضلهم الدجال، ويريد أن ينجو من ذلك، فمن قال:- ["لَسْتَ رَبَّنَا، لَكِنَّ رَبَّنَا اللهُ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْهِ أَنَبْنَا، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ"]، [حم] 23207، انظر الصَّحِيحَة: 2808، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.

 

الله ربنا، عليه توكلنا وإليه أنبنا، نعوذ بالله من شرك، إذا قلتها كشف أمامك، وبين لك عوره، ورأيت عرجَه، ورأيت خلقتَه الممسوخة، فهو المسيخ الدجال.

 

ألا واعلموا عباد الله! أن من استرقى أو استوى فقد برئ من التوكل، أي التوكل العام، التوكل الكامل، فالتوكل الحقيقي ينقص بمثل هذه الأمور؛ لأن اتجاهك للكي أو الاسترقاء فيه نوع من ميل القلب لغير الله سبحانه وتعالى، والنظر في القلب إلى الأسباب الدنيوية، فـعَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّلِ"، [ت] 2055، [جة] 3489، [حم] 18246، صحيح الجامع: 6081، الصَّحِيحَة: 244.

 

[قال الألباني - رحمه الله - في صحيح موارد الظمآن 1183: أي: برئ من التوكل الكامل الذي يؤهل صاحبه أن يدخل الجنة بغير حساب، كما في حديث عكاشة. أ. هـ].

 

إن المتوكلين على الله يوم القيامة وهم الكاملو التوكل، والكاملو تحقيق التوكل، سيدخلون الجنة بغير حساب، وهذا حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: [خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ"]، - يعني من أمته ما معه إلا رجل واحد - ["وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ"]، - عشرة أو أكثر - ["وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا"]، - شرقا وغربا - ["فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ"] - لي -: ["هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ] - رسول الله صلى الله عليه وسلم - [لَهُمْ، فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]؛ -من هم السبعون ألفا الذين سيدخلون الجنة بلا حساب - [فَقَالُوا]: - أي الصحابة يقولون عن أنفسهم: - [أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ] - أي السبعون ألفا - [هُمْ أَبْنَاؤُنَا]، - وقال غيرهم: هم الذين ولدوا في الإسلام أصلا - [فَبَلَغَ] - ذلك - [النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"]، [خ] [5752].

 

هم الذين لا يتطيرون؛ فلا يتشاءمون، أصلا التشاؤم لا يأتيهم فإن جاءهم طردوه بكلمة التوحيد، [اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك]، فيطرودونه.

 

وكذلك لا يسترقون؛ ليس دائما بل هو يرقي نفسه، لا يحتاج إلى غيره إن شاء الله.

 

ولا يكتوون؛ أي لا يستخدمون الكي، وإن كان الكي مباحا وجائزا، فيتركونه صبرا على الألم، والأذى لله حتى يكونوا من السبعين.

 

كذلك يكمَّل لهم بهذا الأمر وغيره؛ التوكل على الله عز وجل.


اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعثمان وعليّ، وسائر الصحابة يا رب العالمين، وارض اللهم عنا معهم بمنك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

 

اللهم وحِّد صفوفَنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغلَّ والحقد، والحسدَ والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

وأقم الصلاة فإِنَّ ﴿ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

 

خطبها وألقاها بمسجد الزعفران بالمغازي وجمعها من مظانها فضيلة والدنا الشيخ/ فؤاد بن يوسف أبو سعيد جعله الله وعباده أجمعين من المتوكلين على الله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التوكل على الله تعالى
  • التوكل على الله (1/2)
  • التوكل على الله (2/ 2)
  • مواجهة المحن والفتن بالتوكل
  • التوكل على الله تعالى

مختارات من الشبكة

  • كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (11) (التوكل والخلوة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • توحيد الله تعالى في عبادة التوكل: مسائل عقدية وأحكام في عبادة التوكل (كتاب تفاعلي)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح حديث أبي هريرة: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فهم واقع الحياة في قصة صاحب الجنتين: تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن في قصة صاحب الجنتين(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن: التفكير الكلي والتفكير الجزئي(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • حديث: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في اسمه تعالى الوكيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوكل على الله(مقالة - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)
  • الاقتداء بالرسل عليهم الصلاة والسلام في خلق التوكل على الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوكل والأسباب(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب