• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

أقوال الفقهاء حول تفضيل إعانة الفقراء والمحتاجين على تكرار نافلة الحج والعمرة

أقوال الفقهاء حول تفضيل إعانة الفقراء والمحتاجين على تكرار نافلة الحج والعمرة
أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف حجاب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/7/2024 ميلادي - 11/1/1446 هجري

الزيارات: 5143

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أقوال الفقهاء حول تفضيل إعانة الفقراء والمحتاجين

على تكرار نافلة الحج والعمرة


الإنفاق على الفقراء والمحتاجين أفضل من عمرة التطوع، وقواعد الشريعة وحكمة الله تعالى واضحة في توجيه العباد إلى فعل الخير على أساس تقديم الأهم والأصلح، وذلك يقتضي أن يُقَدِّمَ السائلُ مصالحَ وحاجاتِ إخوانه من الفقراء والمحتاجين الذين هم في مسيس الحاجة إلى ما يؤويهم، وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية.

 

♦ إن المفاضلة بين العبادات من أدق أبواب العلم؛ لأنها مفاضلة في درجات ما يحبه الله عز وجل، والمفاضلة بين مصارف الصدقات تختلف الحال فيها باختلاف المتصدق عليه، من حيث حاجته وقربه من المُتصدِّق، وغير ذلك.

 

يقول ابن القيم رحمه الله: أفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدَّق عليه، وكانت دائمة مستمرة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة سقيُ الماء))؛ رواه أبو داود بإسناد حسن، وهذا في موضع يقل فيه الماء ويكثر فيه العطش، وإلا فسقي الماء على الأنهار والقنى لا يكون أفضل من إطعام الطعام عند الحاجة؛ انتهى.

 

فبهذا يعلم أن الصدقة تختلف بحسب الحال، ولا يمكن أن تجعل لها قاعدة واحدة مطردة.

 

♦ إنه من المعلوم أن الحج فرضٌ على المستطيع مرةً واحدةً في العمر؛ وذلك لحديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا))، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم)). وفي رواية أحمد، وأبي داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن السائل هو: الأقرع بن حابس، وأن الرسول رد عليه بقوله: ((الحج مرة، فمن زاد فهو تطوُّع))، فيعلم من هذا أن تكرار الحج ليس واجبًا، وإنما هو تطوع، والتطوع في كل شيءٍ ينبغي أن يُراعى فيه تقديم الأهم على المهم، وقد تكون هناك حالات في أشد الحاجة إلى المعونة لإنقاذ الحياة، أو تخفيف الويلات، وهنا يكون الإنفاق فيها أولى. وإذا لم يكن هناك نصٌّ في هذه المسألة، فإن التشريع بروحه وأهدافه لا يقر أن تُوجَّه أموالٌ طائلةٌ في مندوبٍ من المندوبات في الوقت الذي فيه واجبات تحتاج إلى هذه الأموال[1].

 

♦ إذا كانت نفقات الحج والعمرة النافلة باهظة التكاليف بحيث لو أُنفِقَت على الفقراء لقامت بكفايتهم وأصلحت أحوالهم، فإن أحب النفقة إلى الله تعالى حينئذٍ هو ما كان أنفع للناس وأجدى في صلاح أحوالهم وإنعاش اقتصادهم[2].

 

♦ إن كفاية الفقراء والمحتاجين وعلاج المرضى وسد ديون الغارمين وغيرها من وجوه تفريج كرب الناس وسد حاجاتهم مقدَّمة على نافلة الحج والعمرة بلا خلاف، وأكثر ثوابًا منها، وأقرب قبولًا عند الله تعالى، وهذا هو الذي دلَّت عليه نصوص الوحيَيْن، واتفق عليه علماء الأمة ومذاهبها المتبوعة[3].

 

♦ إن في تكرار الحج زيادة أجر، ولكن هذه المصلحة إذا قوبلت بما يترتب على ذلك من المفاسد يكون درء المفاسد مقدمًا على جلب المصالح، كما أن تكرار الحج مستحب وإيذاء المسلمين محرم بسبب الزحام، فكيف يسعى الحاجُّ إلى تحصيل مستحب ويقع في الحرام بسببه ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ما خُيِّر بين أمرين الا اختار أيسرهما؟! ولا شك أن عدم تكرار الحج مع ما فيه من مصلحة التوسعة على الحجاج أيسر وأعظم أجرًا، فمن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه. لا سيما وأن المصلحة تكمن في الحد من تلك الأعداد الهائلة التي تفِد إلى الأماكن المقدسة كل عام من الداخل والخارج[4].

 

♦ إنه يجب على أغنياء المسلمين القيام بفرض كفاية دفع الفاقات عن أصحاب الحاجات، والاشتغال بذلك مقدَّم قطعًا على الاشتغال بنافلة الحج والعمرة، والقائم بفرض الكفاية أكثر ثوابًا من القائم بفرض العين؛ لأنه ساعٍ في رفع الإثم عن جميع الأمة، بل نصَّ جماعة من الفقهاء على أنه إذا تعيَّنت المواساةُ في حالة المجاعة وازدياد الحاجة على مريد حج الفريضة فإنه يجب عليه تقديمها على الحج؛ للاتفاق على وجوب المواساة حينئذٍ على الفور، بخلاف الحج الذي اختلف في كونه واجبًا على الفور أو التراخي[5].

 

♦ الأصل أن الحج النافلة أفضل من الصدقة بالمال الذي سينفقه في الحج، لكن قد يعرض من الأسباب ما يجعل الصدقة بالمال أفضل من حج النافلة؛ كما لو كانت الصدقة في الجهاد في سبيل الله، أو في الدعوة إلى الله، أو على قوم مضطرين لا سيما إذا كانوا من أقاربه.

 

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عما إذا كان التصدق بتكاليف العمرة أفضل من أدائها، فأجاب بأن الصواب أن الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما لمن أخلص لله القصد، وأتى بهذا النسك على الوجه المشروع؛ اهـ.

 

قال الإمام النووي في منهاج الطالبين:"صدقة التطوع سنة، وتحل لغني وكافر، ودفعها سرًّا، وفي رمضان، ولقريب، وجار أفضل، قال الشربيني في مغني المحتاج شارحًا ذلك: (وَ) دَفْعُهَا (لِجَارٍ) أَقْرَبَ فَأَقْرَب (أَفْضَلُ) مِنْ دَفْعِهَا لِغَيْرِ الْجَارِ غَيْر مَنْ تَقَدَّمَ؛ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: «إنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ فَقَالَ: إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا»؛ انتهى.

 

إذا كانت صدقة التطوع، فالأصل أن الحج والعمرة أفضل منها؛ لأن الحج والعمرة يشتملان على إنفاق المال وأعمال أخرى، من الطواف والسعي، والذكر، والصلاة، والتلبية.

 

ولكن إذا كان هناك قوم مضطرون لنفقته، أو كان له أقارب محاويج، وتعذر الجمع بين الإنفاق والحج والعمرة، فإن الإنفاق والحالة هذه أفضل.

 

بيان فضل العُمْرة:

العمرةُ مِن أفضل العباداتِ التي يتقرب بها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى؛ لِمَا فيها من تكفيرِ الذنوب وإجابة الدعوات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّة»؛ متفق عليه.

 

بيان حكم العُمْرة:

اختلف الفقهاء في حكم العمرة على قولين:

القول الأول: العمرة سُنَّةٌ مؤكدةٌ في العُمْرِ مرة واحدة، وما زاد عن ذلك فهو مستحب، وهو ما ذهب إليه الحنفية في الصحيح من مذهبهم والمالكية، والشافعية في قولٍ، والحنابلة في روايةٍ، وهو المختار للفتوى[6].

 

اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا:

ظاهِرُ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، قالُوا: وَجْهُ الدَّلالَةِ في الْآيَةِ واضِحٌ؛ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجِّ وَلَمْ يَذْكُرِ الْعُمْرَةَ.

 

حَديثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «‌بُنِيَ ‌الْإِسْلَامُ ‌عَلَى ‌خَمْسٍ» وفيه «وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيْلًا»، وَوَجْهُ الدَّلالَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَمْ يَذْكُرِ الْعُمْرَةَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ واجِبَةً.

 

وَاسْتَدَلُّوا بِحَديثِ عُمَرَ الْمَشْهورِ، وَبِحَديثِ ضِمامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ.

 

حَديثُ جابِرٍ رضي الله عنه قال: «أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ‌أَخْبِرْنِي ‌عَنِ ‌الْعُمْرَةِ: ‌أَوَاجِبَةٌ ‌هِيَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ». وَالْحَديثُ ضَعيفٌ؛ لِأَنَّ مَدارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَة وَهُوَ ضَعيفٌ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقْفَهُ.

 

حَديث طَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ: «الْحَجُّ جِهادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ».

 

وَمِنْ أَقْوَى مَا تَمَسَّكُوا بِهِ: الْبَراءَةُ الْأَصْلِيَّةُ، قالُوا: وَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهَا إِلَّا بِدَليلٍ يَثْبُتُ بِهِ التَّكْليفُ، وَلَا دَليلَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، لَا سِيَّمَا مَعَ اعْتِضادِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النُّصوصِ الْقاضِيَةِ بِعَدَمِ الْوُجوبِ، كَمَا أَشارَ إِلَى هَذَا الشَّوْكانِيُّ رحمه الله.

 

وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ شَيْخِ الْإِسْلام: أَنَّ الْعُمْرَةَ واجِبَةٌ عَلَى الْأَفَقِيِّ دونَ الْمَكِيِّ، وَوَجْهُ التَّفْريقِ أَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الزِّيارَةُ، وَالزِّيارَةُ إِنَّمَا تُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يَقْدُمُ عَلَى الْمَزورِ، لَكِنْ مِثْلُ هَذَا لَا يُخَصِّصُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «‌حُجَّ ‌عَنْ ‌أَبِيكَ ‌وَاعْتَمِرْ».

 

القول الثاني: أن العمرة واجبة كالحج، وإلى ذلك ذهب الشافعية في الأظهر، والحنابلة في الصحيح من المذهب وَبَعْضُ الْمالِكِيَّةِ[7].

 

وَقَد اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا:

قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، وَوَجْهُ الدَّلالَةِ أَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قَرَنَ الْعُمْرَةَ بِالْحَجِّ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا واحِدٌ. وَهَذِهِ الدَّلالَةُ تُسَمَّى عِنْدَ الْعُلَماءِ دَلالَةَ الاِقْتِرانِ، وَهِيَ دَلالَةٌ ضَعيفَةٌ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَلالَةَ الاِقْتِرانِ دَلالَةٌ ضَعيفَةٌ قَوْلُهُ تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]؛ فَاللهُ سبحانه وتعالى قَرَنَ الْأَكْلَ بِأَداءِ الزَكاةِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقْرَنُ الْواجِبُ بِغَيْرِ الْواجِبِ.

 

حَديثُ أَبِي رَزينٍ الْعُقَيْلِيِّ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: ‌حُجَّ ‌عَنْ ‌أَبِيكَ ‌وَاعْتَمِرْ»، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ عَنِ الْإِمامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قالَ: "لَا أَعْلَمُ في إِيجابِ الْعُمْرَةِ حَديثًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا، وَلَا أَصَحَّ".

 

وُرودُ رِوايَةِ الْعُمْرَةِ في حَديثِ عُمَرَ رضي الله عنه حينَ أَتَى جِبْريلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنْ أَرْكانِ الْإِسْلامِ وَذَكَرَ مِنْهَا: «‌وَتَحُجَّ ‌الْبَيْتَ ‌وَتَعْتَمِرَ»، وَهَذِهِ الزِّيادَةُ: «وَتَعْتَمِرَ»، قَدْ صَحَّحَهَا الْبَعْضُ، وَحَكَمَ عَلَيْهَا الْبَعْضُ بِالشُّذوذِ؛ لِأَنَّ الْحَديثَ مُخَرَّجٌ في الصَّحيحَيْنِ وَلَيْسَ فيهِ: «وَتَعْتَمِرَ».

 

مَا أَخْرَجَهُ الْإِمامُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ».

 

القول الراجح:

الْأَظْهَر وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ: وُجوبُ الْعُمْرَةِ، وَلَا يَعْنِي كَوْن الْعُمْرَةِ واجِبَة: أَنَّ وُجوبَهَا مِثْلُ وُجوبِ الْحَجِّ، نَعَمْ، يَأْثَمُ تارِكُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، لَكِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ رُكْنًا مِنْ أَرْكانِ الْإِسْلامِ؛ كَالْحَجِّ.

 

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ في الْآيَةِ، وَلَا في حَديثِ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَضِمامٍ، فَالْجَوابُ عَنْهُ: أَنَّ الْحَجَّ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: حَجٌّ أَكْبَرُ، وَالثَّانِي: حَجٌّ أَصْغَرُ.

 

وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ؛ كَمَا في قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: 3]؛ فَهُناكَ حَجٌّ أَكْبَرُ، وَهُوَ: الْحَجُّ الْمَعْروفُ، وَهُناكَ حَجٌّ أَصْغَرُ، وَهُوَ: الْعُمْرَةُ، فَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: 97] يَشْمَلُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ[8].

 

بيان حكم تكرار العُمرة:

اختلف الفقهاء في حكم تكرار العمرة على قولين:

القول الأول: استحباب تكرار العمرة والموالاة بينها، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.

 

وهو مذهب جماهير علماء المسلمين سلفًا وخلفًا، وهو قول الحنفية والشافعية، وقول جماعةٍ مِن المالكية؛ كالإمام مطرف وابن المواز، وقول إسحاق بن راهويه ورواية عن الإمام أحمد، ومِمَّن حكاه عن الجمهور: الماورديُّ والسرخسيُّ والعبدريُّ والنوويُّ، وحكاه الإمام أبو بكر بنُ المنذر عن عليِّ بن أبي طالب وابنِ عُمر وابنِ عباس وأنس وعائشة وعطاء وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.

 

ومذهب جماهير أهل العلم مشروعية تكرارها في السنة أكثر من مرة[9].

 

وإلى أنها متأكدة في حق كل من يقدم على مكة سواء كان من أهلها أو من غيرهم.

 

قال ابن قدامة في المغني: وَلا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لأَنَّ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا»؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

فقد اعتمرت عائشة رضي الله عنها في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع عمرتين في أقل من عشرين يومًا.

 

قال ابن قدامة في "المغني": "وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً. وَكَانَ أَنَسٌ إذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ؛ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ شَعْرِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ. وقَالَ أَحْمَدُ: إذَا اعْتَمَرَ فَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ"؛ اهـ.

 

وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (26/ 45): والذي نص عليه أَحْمَد أَنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِن الْعُمْرَةِ لا مِنْ مَكَّةَ وَلا غَيْرِهَا، بَلْ يَجْعَلُ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مُدَّةً وَلَوْ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يَنْبُتُ فِيهِ شَعْرُهُ وَيُمْكِنُهُ الْحِلاقُ (يعني الحلق)؛ اهـ.

 

قال النووي في المجموع: ولا يُكره عمرتان وثلاث وأكثر في السنة الواحدة، ولا في اليوم الواحد، بل يستحب الإكثار منها بلا خلاف عندنا؛ اهـ.

 

وقال الصنعاني في سبل السلم معلقًا على حديث: «العمرة إلى العمرة» دليل على تكرار العمرة، وأنه لا كراهة في ذلك، ولا تحديد بوقت؛ اهـ.

 

ونقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: في كل شهر مرة.

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه كان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر.

 

وعلى هذا، فيجوز، بل يستحب لمن أدى عمرة أن يؤدي عمرة أخرى بأن يحرم من التنعيم أو من أدنى الحل؛ سواء كان من المقيمين في مكة أو من غيرهم.

 

والقول الثاني: كراهة تكرار العمرة والموالاة بينها، وهو قول المالكية الذين نصوا على كراهة ذلك في المشهور عندهم، والجواز في غير المشهور.

 

(كره طائفة من أهل العلم تكرار العمرة في السنة الواحدة منهم جمهور المالكية، وروي ذلك عن الحسن وابن سيرين والنخعي).

 

واستدلوا على ذلك:

بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه اعتمر مرتين في سنة واحدة مع قدرته على ذلك.

 

ومحل الكراهة في العام الواحد إذا لم يتكرر دخوله مكة قادمًا من موضع عليه فيه إحرام، كأن يخرج إلى المدينة مثلًا ثم يعود إلى مكة، ففي هذه الحالة عليه أن يحرم بعمرة إذا لم يكن زمن إحرام بحج؛ لأن داخل مكة لا بد أن يكون محرمًا بأحد النسكين.

 

وليعلم أن من قال بكراهة تكرار العمرة في السنة الواحدة، تنتفي الكراهة عنده إذا تكرر دخوله مكة قادمًا من موضع عليه فيه إحرام؛ كأن يخرج من مكة إلى المدينة مثلًا ثم يعود إلى مكة، فإنه يحرم من ميقات أهل المدينة، أو كما ترجعون من مكة إلى أبها، ثم تعودون إلى مكة للعمرة، وتمرون بأحد المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحرمون منه.

 

القول الراجح: هو قول جمهور الفقهاء.

 

ولكن هل يشرع تكرار العمرة في السفرة الواحدة؟

يحرص بعض الزائرين إلى مكة على تكرار العمرة عن أنفسهم أو بعض أقاربهم، وذلك لخوفهم من عدم القدرة على زيارة مكة مرة أخرى، فما حكم ذلك الفعل؟[10]

 

ولتوضيح ذلك يقال:

لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يمنع من ذلك، بل ورد ما يدل على جواز ذلك بإذنه لعائشة رضي الله عنها بأداء العمرة بعد الحج تطييبًا لخاطرها.

 

قالت عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله، يرجع الناس بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة، قال: «وما طفت ليالي قدمنا مكة؟» قلت: لا، قال: «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم، فأهِلِّي بعمرة، ثم موعدك كذا وكذا»[11].

 

وورد عن عدد من السلف جواز ذلك:

• قال الشافعي: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال: كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر[12].

 

• قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل عن العمرة بعد الحج أيام التشريق، فلم ير بها بأسًا، وقال: ليس فيها هدي[13].

 

وليس في أقوال المذاهب ما يمنع تكرار العمرة في السفرة الواحدة، أو يمنع من العمرة بعد الحج إلا:

• ما يفهم من لازم القول المشهور عند المالكية بكراهة العمرة أكثر من مرة في السنة؛ لأنه يكون في سفرة واحدة غالبًا[14].

 

• وبعض من حد تكرار العمرة بإمكانية الحلق وليس بالخروج من مكة، كما قال الإمام أحمد: "إذا اعتمر فلا بد من أن يحلق أو يقصر، وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس"[15].

 

وعلى كلٍّ فقد حكى غير واحد الاتفاق على أن من كان بمكة فميقاته للعمرة الحل.

 

قال ابن عبدالبر: "ولا تصح العمرة عند الجميع إلا من الحل المكي وغير المكي، فإن بعدَ كان أكثر عملًا وأفضل، ويجزئ أقل الحل وهو التنعيم، وذلك أن يحرم بها من الحل فأقصاه المواقيت وأدناه التنعيم"[16].

 

قول ابن تيمية رحمه الله: أشهر من نقل عنه عدم مشروعية تكرار العمرة في سفرة واحدة من مكة بالإحرام من الحل هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل صرح ببدعيته في موضع، وقال أيضًا بعدم مشروعية العمرة للمكي، وتتابع نقل كثير من أهل العلم عنه.

 

قال رحمه الله: "وهذا الذي ذكرناه مما يدل على أن الطواف أفضل، فهو يدلُّ على أن الاعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب، بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار، بل الاعتمار حينئذٍ هو بدعة لم يفعله السلف، ولم يؤمر بها في الكتاب والسنة، ولا قام دليل شرعي على استحبابها، وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة باتفاق العلماء"[17].

 

والراجح هو قول جمهور أهل العلم القائل بجواز تكرار العمرة في سفرة واحدة، ولا دليل يمنع من ذلك، وإن كان الإكثار من الطواف أولى من تكرار العمرة.

 

قال اللخمي: "لا أرى أن يُمنع أحد من أن يتقرب إلى الله بشيء من الطاعات، ولا من الازدياد من الخير في موضع لم يأتِ بالمنع منه نص"[18].

 

ومما يدل على ذلك:

1- حث النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث على العمرة، والندب يراد به الاستكثار من المندوب إليه.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»[19].

 

قال أبو عمر ابن عبدالبر: "لا أعلم لمن كره العمرة في السنة مرارًا حجة من كتاب ولا سنة يجب التسليم لمثلها، والعمرة فعل خير، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77]، فواجب استعمال عموم ذلك، والندب إليه حتى يمنع منه ما يجب التسليم به"[20].

 

2- ثبوت النص الصريح في إذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وتوجيهه لها أن تعتمر من التنعيم يدل دلالة صريحة على جواز تكرار العمرة في سفرة واحدة.

 

ولا يستقيم الاحتجاج:

1- بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله مع القدرة عليه، فلا يصلح دليلًا لعدم المشروعية والجواز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على الإكثار من العمرة وهي سنة قولية، فتكون أقوى من عدم الفعل، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض العبادات مع إجماعهم على استحبابها؛ كإجماعهم على استحباب العمرة في رمضان مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها.

 

2- القول بأنه لم يثبت عن السلف ينقضه ما ثبت عن السلف في ذلك.

 

ومن تلك الآثار:

• قال الشافعي: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال: كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر[21].

 

• قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل عن العمرة بعد الحج أيام التشريق فلم ير بها بأسًا، وقال: ليس فيها هدي؛ (المصنف 13017).

 

• عن حصين قال: سألت سعيد بن جبير عن العمرة بعد الحج بستة أيام فقال: "اعتمر إن شئت"[22].

 

• عن ليث عن طاووس أنه سئل عن العمرة فقال: "إذا مضت أيام التشريق فاعتمر متى شئت إلى قابل"[23].

 

• عن قتادة عن عكرمة قال: "اعتمر ما أمكنك"؛ (ابن أبي شيبة 12726).

 

فقد ثبت عن بعض من ينهى عن العمرة من مكة أنه جوَّز ذلك، مما يدل على أن النهي كان على شيء آخر؛ ولهذا قال طاوس: الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري يؤجرون عليها أو يعذبون؟ قيل له: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء[24].

 

♦♦♦♦♦

الأفضلية بين عمرة التطوع والإنفاق على الفقراء والمحتاجين

أيهما أفضل عمرة التطوع أو الإنفاق على الفقراء والمحتاجين؟

أحبُّ النفقة إلى الله تعالى ما كانت أنفعَ للناس وأجدى في إصلاح أحوالهم.

 

وذلك لما ثبت عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أفضل الأعمال إلى الله تعالى، فقال: «مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُورًا؛ إِمَّا أن أَطْعَمَهُ مِنْ جُوعٍ، وَإِمَّا قَضَى عَنْهُ دَيْنًا، وَإِمَّا يُنَفِّسُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرَبَ الْآخِرَةِ، وَمَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا أَوْ تَجَاوَزَ عَنْ مُعْسِرٍ؛ أظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ في نَاحِيَةِ الْقَرْيَةِ لِتَثَبُّتِ حَاجَتِهِ ثَبَّتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ، وَلَأَنْ يَمْشِي أَحَدُكُمْ مَعَ أَخِيهِ في قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ أن يَعْتَكِفَ في مَسْجِدِي هَذَا شَهْرَيْنِ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ»؛ أخرجه الحاكم في "المستدرك".

 

ولما ثبت عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ في المالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكاةِ»، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]؛ أخرجه الترمذي في "السنن".

 

قال الإمام أبو بكر الجَصَّاص الحنفي في "أحكام القرآن": "المفروض إخراجه هو الزكاة، إلَّا أن تحدث أمورٌ توجب المواساةَ والإعطاءَ؛ نحو: الجائع المضطر، والعاري المضطر، أو ميتٌ ليس له مَن يُكفِّنه أو يُواريه"؛ ا هـ.

 

ومن المقرر فقهًا أن العبادة المُتَعَدِّيَةَ أفضل من القَاصِرَةِ غالبًا كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي، وهذا ما فهمه جماعةٌ من السلف الصالح حين نصُّوا على أن الصدقة أفضل من التطوع بالحج، ومثله العمرة؛ لأن الصدقة عبادةٌ متعدية، أما الحج والعمرة تطوعًا؛ فعبادتان قاصرتان على صاحبهما.

 

لما روى أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: "لَأَنْ أَقُوتَ أَهْلَ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ صَاعًا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ كُلَّ يَوْمٍ صَاعَيْنِ شَهْرًا، أَحَبُّ إليَّ مِنْ حَجَّةٍ في إِثْرِ حَجَّةٍ".

 

نصوص الفقهاء في أن الإنفاق على الفقراء والمحتاجين أفضل من عمرة التطوُّع:

• نصوص فقهاء المذاهب الأربعة في أن الصدقة أفضل من التطوع بالحج، ومثله العمرة؛ لأن الصدقة عبادةٌ متعدية؛ وهذا ما تواردت عليه عبارات الفقهاء في المذاهب الأربعة، فإنهم وإن تكلموا عن التطوُّع بالحج؛ إلا أنه يشمل التطوع بالعمرة أيضًا بطريق الأولى.

 

• عند الحنفية أن تقديم الصدقة أيام الغلاء وشدة احتياج الفقراء؛ أفضل من التطوع بالحج.

وفي "كنز الدقائق": قال الحنفية حج النفل أفضل من الصدقة؛ اهـ.

 

قال ابن نُجَيْم في "البحر الرائق": "قلت: قد يقال: إن صدقة التطوع في زماننا أفضل... ولا سيما في أيام الغلاء وضيق الأوقات، وبتعدي النفع تتضاعف الحسنات"؛ اهـ.

 

وقال العلامة ابن عابدين الحنفي معلقًا عليه في حاشيته "رد المحتار": "(قوله: ورجح في "البزازية" أفضلية الحج) حيث قال: الصدقة أفضل من الحج تطوعًا، كذا روي عن الإمام، لكنه لَمَّا حج وعرف المشقة أفتى بأن الحج أفضل، ومراده: أنه لو حج نفلًا وأنفق ألفًا، فلو تصدق بهذه الألف على المحاويج فهو أفضل، لا أن يكون صدقة؛ فليس أفضل من إنفاق ألف في سبيل الله تعالى، والمشقة في الحج لَمَّا كانت عائدة إلى المال والبدن جميعًا فُضِّل في المختار على الصدقة"؛ اهـ.

 

• وعند المالكية: تقديم الصدقة على حج التطوع أفضل في سَنة المجاعة؛ بناءً على أن التوَقِّي من إثم تضييع الفقراء مقدمٌ على تحصيل أجرِ حج النافلة، كما نصَّ عليه الإمام مالك.

 

وفي "مواهب الجليل": سئل مالك عن الحج والصدقة أيهما أحب إليك؟ فقال: الحج، إلا أن تكون سنة مجاعة؛ اهـ.

 

قال العلامة ابن رشد الجد المالكي [المتوفى 520 هـ] في "البيان والتحصيل": "وإنما قال: إن الحج أحب إليه من الصدقة، إلا أن تكون سَنة مجاعة؛ لأنه إذا كانت سَنة مجاعة، كانت عليه المواساة، فالصدقة واجبة، فإذا لم يُواسِ الرجلُ في سَنة المجاعة مِن ماله بالقدر الذي يجب عليه المواساةُ في الجملة؛ فقد أثم، وقدرُ ذلك لا يعلمه حقيقةً؛ فالتوَقِّي من الإثم بالإكثار من الصدقة؛ أولى من التطوع بالحج الذي لا يأثم بتركه"؛ اهـ.

 

 

بل فرَّع المالكية على القول بوجوب الحج على التراخي؛تقديم الصدقة على حج الفريضة، ونصوا على أنه إذا تعينت المواساةُ على مُريد حج الفريضة: فإنه يجب عليه تقديمها على الحج؛ للاتفاق على وجوب المواساة على الفور، بخلاف الحج الذي اختلف في كونه واجبًا على الفور أو التراخي.

 

• وعند الشافعية: أن الأصح تقديم سائر الوصايا -ومنها الوصية بالصدقة على الفقراء- على الوصية بحج التطوع؛ نظرًا إلى أن الحج من حقوق الله تعالى، والصدقة من حقوق الآدميين، وحقوق الله مبنية على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاحة، حتى جزموا بأنه لا وجه لتقديم الحج إلا إذا نص الموصي على تقديمه.

 

قال الإمام الرافعي في "الشرح الكبير": "وهل يقدم حجُّ التطوُّع في الثلث على سائر الوصايا؟ عن القفَّال: أنه على القولين في تقديم العتق على سائر الوصايا؛ لأن الحج قربةٌ كالعتق، قال الشيخ أبو علي رحمه الله: ولم أرَ هذا لأحد من أصحابنا، وجعلوا الوصية به مع سائر الوصايا على الخلاف فيما إذا اجتمع حق الله تعالى وحقوق الآدميين"؛ اهـ.

 

وقال الإمام الزركشي الشافعيفي "البحر المحيط: "قال العبادي في "فتاويه": الصدقة أفضل من حج التطوع في قول أبي حنيفة، وهي تُحتَمَل في هذا الزمان"؛ اهـ.

 

• وعند الحنابلة:نصَّ الإمام أحمد على أن إطعام الجائعين وإعطاء المحتاجين أفضل من حج التطوع، وعلى أن الصدقة عند الحاجة لا يَعدلها شيء؛ لأن نفعها عامٌّ ومتعدٍّ.

 

كما نصَّ الحنابلة على أن الوصية بالصدقة أفضل من الوصية بحج التطوع.

 

قال العلامة المرداوي الحنبلي في "تصحيح الفروع":مسألة: قوله: وهل حج التطوع أفضل من الصدقة مطلقًا؟ أم الصدقة مع الحاجة؟ أم مع الحاجة على القريب؟ أم على القريب مطلقًا؟ روايات أربع.

 

وفي "المستوعب": وصيته بالصدقة أفضل من وصيته بحج التطوع، فيؤخذ منه أن الصدقة أفضل بلا حاجة.

 

قال الشيخ تقي الدين:الحج أفضل من الصدقة، وإنه مذهب أحمد.

 

وقال ابن الجوزي في كتاب "الصفوة":الصدقة أفضل من الحج ومن الجهاد؛ انتهى.

 

• قلت: الصواب أن الصدقة زمن المجاعة على المحاويج أفضل، لا سيما الجار، خصوصًا صاحب العائلة، وأخص من ذلك القرابة، فهذا فيما يظهر لا يَعْدِلُه الحجُّ التطوع، بل النفس تقطع بهذا، وهذا نفع عام، وهو متعدٍّ، وهو قاصر، وهو ظاهر كلام المجد في "شرحه" وغيره.

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الاختيارات": وأما إذا كان له أقارب محاويج، فالصدقة عليهم أفضل، وكذا إذا كان هناك قوم مضطرون إلى نفقته، فأما إذا كان كلاهما تطوعًا، فالحج أفضل؛ لأنه عبادة بدنية مالية، وكذا الأضحية والعقيقة أفضل من الصدقة بقيمة ذلك؛ اهـ.

 

وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" في شرح حديث:«أي الأعمال أفضل؟ فذكر الإيمان، ثم الجهاد، ثم الحج»؛ رواه البخاري ومسلم. قال الشوكاني: هو حجة لمن فضل حج النفل على الصدقة؛ اهـ.

 

والناظر في أحوال الأمة اليوم يرى أن المضطرين إلى النفقة كثر، فكم من المسلمين في مشرق الأرض ومغربها لا يجدون المأكل والمشرب والمسكن، فيكون التصدق على مثل هؤلاء أولى من إنفاق المال في الحج والعمرة.

 

فلا يجوز للواجدين إهمالُ المعوزين تحت مبرر الإكثار من النوافل والطاعات؛ فإنه لا يجوز ترك الواجبات لتحصيل المستحبات، ولا يسوغ التشاغل بالعبادات القاصرة ذات النفع الخاص، وبذل الأوقات والأموال فيها، على حساب القيام بالعبادات المتعدية ذات المصلحة العامة، وعلى مريد التطوع بالحج والعمرة السعيُ في بذل ماله في كفاية الفقراء، وسد حاجات المساكين، وقضاء ديون الغارمين، قبل بذله في تطوع العبادات، كما أن تقديم سد حاجات المحتاجين وإعطاء المعوزين على التطوع بالحج أو العمرة ينيل فاعلها ثواب الأمرين معًا[25].

 

• إن ضرورة حفظ نفس المسلم تقدم على حاجيات حفظ الدين على أهميتها: فتقدم حاجيات حفظ النفس على تحسينيات حفظ الدين؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ- يَعْنِي المَسْجِدَ النبوي- شَهْرًا»[26].

 

• وقد ورد عن فقهاء الأمة أنهم "كانوا يرون أنه إذا حج مرارًا أن الصدقة أفضل".

 

• ولما ثبت أن عبدالله بن المبارك رحمه الله خرج للحج سنة، فلقي فتاة تقول له: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام. فدفع إليها نفقة الحج، وقال: هذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع؛ "البداية والنهاية" (10/ 191).

 

• قال الفقيه الثقة جابر بن زيد رحمه الله وهو من كبار علماء التابعين: «لأنْ أتصدَّق بدرهم على يتيم أو مسكين، أحبُّ إليَّ من حجة بعد حجة الإسلام».

 

• عن سفيان الثوري، أنه سأله رجل فقال: الحج أفضل بعد الفريضة أم الصدقة؟ فقال: أخبرني أبو مسكين، عن إبراهيم النخعي أنه قال: "إذا حجَّ حِجَجًا، فالصَّدَقَةُ". وكان الحسن يقول: "إذا حج حجَّةً".

 

• عن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: "يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَحُجُّ أَحُجُّ، قَدْ حَجَجْتَ، صِلْ رَحِمًا، نَفِّسْ عَنْ مَغْمُومٍ، أَحْسِنْ إِلَى جَارٍ".

 

• عن الشعبي قال: جَاءَ أَمْضَى حَرَّانَةَ فقال: إني قد تهيأتُ للخروج، ولي جيران محتاجون متعففون، فما ترى إلى جعل كراي وجهازي فيهم، أو أمضي لوجهي للحج؟ فقال: "والله إن الصدقة يعظم أجرها، وما تعدل عندي موقفًا من المواقف، أو شيئًا من الأشياء"[27].

 

• عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: "مَا عَلَى النَّاسِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِطْعَامِ مِسْكِينٍ"[28].

 

• قال الإمام أحمد رحمه الله: "يضعها في أكباد جائعة أحبُّ إليَّ يعني من حج النافلة".

 

• كان سفيان الثوري رحمه الله يعظِّم المساكين، ويجفُو أهل الدنيا، فكان الفقراء في مجلسه هم الأغنياء، والأغنياء هم الفقراء.

 

• وعن المرُّوذي، قال: «لم أر الفقيرَ في مجلسٍ أعزَّ منه في مجلس أحمد بن حنبل رحمه الله، كان مائلًا إليهم، مُقصِّرًا عن أهل الدنيا».

 

• كان السلف يرون الصدقةَ عليهم من أعظم الأعمال، وأحسنِ الخصال. وكانوا يحبون الفقراء محبةً عظيمةً، ويجدون لذَّةً وسرورًا عند لقائهم.

 

فهذا علي بن الحسين رحمه الله إذا ناول السائل الصدقة، قبله ثم ناوله.

 

فهكذا يُقدِّر الصالحون والعلماء المساكين والفقراء، ولا يحتقرونهم لأجل فقرهم، ولا يترفَّعون عنهم لأجل وَضاعةِ قدْرهم.

 

• إن الناظر في أحوال المسلمين يرى أن أغلبهم إن لم نقل كلّهم من المضطرين إلى النفقة والمحتاجين إلى الصدقة، ليستعينوا بها على قضاء حوائجهم الضرورية، فهم لا يجدون المأكل والمشرب والمأوى والعلاج والوقود، فيكون الإنفاق والتصدُّق عليهم أوْلَى من إنفاق المال في نافلة الحج والعمرة أو ادخاره، فهذا خير وقت للإنفاق وإخراج الصدقات.

 

• إنَّ أفضل العبادات ما كانت في وقتها، فإذا كان الناس في حاجة إلى الصدقة فالصدقة أفضل، وإذا كان هناك قوم مضطرون للنفقة، فإن الإنفاق عليهم في هذه الحال أفضل من حج النافلة وعمرة التطوع، ومن المقرر عند وجود مجاعات وفقر شديد، فإنَّ الصدقة أفضل من تكرار الحج والعمرة.

 

• إن التزاحم في أداء النوافل تحكمه القاعدة الفقهية: "إن فعل القربات المندوبة ينبغي فيه مراعاة ما يحبه المعبود لا ما يشتهيه العبد"، كما في الحديث القدسي: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه»؛ رواه البخاري، وفي ظل الظروف العصيبة التي يمر بها المسلمون، وقيام الحاجة الشديدة إلى إمدادهم بالغذاء والدواء والوقود وبقية مستلزمات الحياة الإنسانية الكريمة، نرى أن الإنفاق على فقراء المسلمين والمحتاجين منهم في الدول المنكوبة بسبب الحروب والكوارث الطبيعية وغيرها هو من أفضل القربات وأعظم الطاعات، وهو أولى من حج النافلة وعمرة التطوع، مع ما فيهما من الخير والفضل، وهذا ينسجم مع مقاصد الشريعة وأسرار التشريع والقواعد الكلية[29].

 

• إن الصدقة وإغاثة الملهوف وإنقاذ المضطر في زمان الفاقة والحاجة وشدة الجوع أوْلَى وأفضل من نافلة الحج والعمرة؛ لأنَّ نفع الحج والعمرة قاصر على صاحبه، والصدقة على الجياع يتعدَّى نفعها إلى غيره، وما كان نفعه متعدِّيًا أفضل مما كان نفعه قاصرًا، وهذا الأمر عام في فقراء المسلمين.

 

• إن الإنفاق على الفقراء والمحتاجين أفضل من عمرة التطوع، وقواعد الشريعة وحكمة الله تعالى واضحة في توجيه العباد إلى فعل الخير على أساس تقديم الأهم والأصلح، وذلك يقتضي بأن يُقَدِّمَ السائلُ مصالحَ وحاجاتِ إخوانه من الفقراء والمحتاجين الذين هم في مسيس الحاجة إلى ما يؤويهم، وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية.

 

• إن الله لا يقبل النافلة إذا كانت تؤدي إلى فعل محرم؛ لأن السلامة من إثم الحرام مقدمة على اكتساب مثوبة النافلة، فإذا كان يترتب على كثرة الحجاج والمعتمرين المتطوعين إيذاء لكثير من المسلمين، من شدة الزحام مما يسبب غلبة المشقة، وانتشار الأمراض، وسقوط بعض الناس هلكى، حتى تدوسهم أقدام الحجيج وهم لا يشعرون، أو يشعرون ولا يستطيعون أن يقدموا أو يؤخروا - كان الواجب هو تقليل الزحام ما وُجِد إلى ذلك سبيل- وأولى الخطوات في ذلك أن يمتنع الذين حجوا عدة مرات عن الحج ليفسحوا المجال لغيرهم، ممن لم يحج حجة الفريضة[30].

 

• إن درء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح، وخصوصًا إذا كانت المفاسد عامة، والمصالح خاصة، فإذا كانت مصلحة بعض الأفراد أن يتـنـفل بالحج مرات ومرات، وكان من وراء ذلك مفسدة عامة للألوف ومئات الألوف من الحجيج مما يلحقهم من الأذى والضرر في أنفسهم وأبدانهم حتى هؤلاء المتنفلون أيضًا يتأذون من ذلك - كان الواجب منع هذه المفسدة بمنع ما يؤدي إليها وهو كثرة الزحام.

 

• إن أبواب التطوع بالخيرات واسعة وكثيرة، ولم يضيق الله على عباده فيها، والمؤمن البصير هو الذي يتخير منها ما يراه أليق بحاله، وأوفق بزمانه وبيئته، فإذا كان في التطوع بالحج أذى أو ضرر يلحق بعض المسلمين؛ فقد فسح الله للمسلم مجالات أُخَر، يتقرب بها إلى ربه دون أن يؤذي أحدًا، فهناك الصدقة على ذوي الحاجة والمسكنة، ولا سيما على الأقارب وذوي الأرحام، فقد جاء في الحديث: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة، وصلة»[31].

 

وقد تكون نفقتهم عليه واجبة، إذا كان من أهل اليسار وهم من أهل الإعسار، وكذلك على الفقراء من الجيران، لما لهم من حق الجوار بعد حق الإسلام، وقد ترتفع المساعدة المطلوبة لهم إلى درجة الوجوب، الذي يأثم من يفرط فيه؛ ولهذا جاء في الحديث: «ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع»؛ (رواه الطبراني وأبو يعلى عن ابن عباس، ورواه الحاكم عن عائشة والطبراني والبزار عن أنس مع اختلاف في اللفظ)[32].

 

• إن من المسلمين من يحرص على أداء فريضة الحج كل عام، وربما يحرص مع ذلك على أن يعتمر في كل رمضان، مع ما في الحج من زحام شديد، وما يتكبده الحجيج من نفقات باهظة يحتاج إليها الفقراء والمساكين في بلدانهم أو في بلاد تعاني ظروفًا غاية في القسوة، فلو تركوا فعل ذلك لتوسيع مكان لغيرهم من المسلمين الوافدين من أقطار الأرض، ممن لم يحج حجة الإسلام المفروضة عليه؛ فهذا أولى بالتوسعة والتيسير منهم بلا ريب، وترك التطوع بالحج بنية التوسعة لهؤلاء، وتخفيف الزحام عن الحجاج بصفة عامة، لا يشك فقيهٌ أنه قربة إلى الله تعالى، لها مثوبتها وأجرها "وإنما لكل امرئ ما نوى"[33].

 

• إن الشرع الشريف يراعي ترتيب الأولويات؛ فأمر عند التعارض بتقديم المصلحة المتعدية على القاصرة، والعامة على الخاصة، والناجزة على المتوقعة، والمتيقنة على الموهومة.

 

وصية لمن يريد تكرار الحج والعمرة:

ننصح المخلصين الحريصين على تكرار شعيرتَي الحج والعمرة أن يكتفوا بما سبق لهم من ذلك، وإن كان ولا بد من التكرار، فليكن كل خمس سنوات، وبذلك يستفيدون فائدتين كبيرتين لهم أجرهما:

الأولى: توجيه الأموال الموفرة من ذلك لأعمال الخير والدعوة إلى الإسلام، ومعاونة المسلمين المحتاجين في كل مكان.

 

الثانية: توسيع مكان لغيرهم من المسلمين القادمين من أقطار الأرض، ممن لم يحج حجة الإسلام المفروضة عليه. فهذا أولى بالتوسعة والتيسير منهم بلا ريب[34].

 

مسألة: هل يحج حج التطوع أم يزوِّج ابنه بهذا المال؟

يلزم الرجل أن يزوج ولده إذا كان الولد محتاجًا إلى الزواج، وعاجزًا عن تكاليفه، في أصح قولي العلماء؛ لأن الحاجة إلى النكاح قد لا تقل عن الحاجة إلى الأكل والشرب، فتدخل في النفقة الواجبة.

 

قال المرداوي في "الإنصاف" (9/ 204): "يجب على الرجل إعفاف من وجبت نفقته عليه من الآباء والأجداد والأبناء وأبنائهم وغيرهم، ممن تجب عليه نفقتهم. وهذا الصحيح من المذهب يعني مذهب الإمام أحمد"؛ انتهى.

 

وإذا تعارض حج الوالد مع زواج الابن، لكون المال الذي يملكه الأب لا يكفي إلا لأحدهما، فإنه ينظر في نكاح الابن هل يجب الآن أم يمكن تأخيره؟ فإن كان الابن محتاجًا إلى النكاح ويخشى على نفسه الوقوع في الحرام، فإن زواجه مقدم على حجه هو لنفسه، ومقدم على حج أبيه كذلك لأمرين:

الأول: أن إعفافه وصيانته عن الوقوع في الحرام أمر واجب لا يحتمل التأخير، أما الحج فيمكن تأخيره إلى أن ييسر الله له.

 

والثاني: أن الحج لا يجب على الأب إلا إذا ملك مالًا فائضًا عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته، وقد لزمه هنا تزويج ابنه حتى لا يقع في الحرام.

 

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/ 12):"وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ، وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي: المشقة)، قَدَّمَ التَّزْوِيجَ يعني: على الحج؛ لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلا غِنى بِهِ عَنْهُ، فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَخَفْ، قَدَّمَ الْحَجَّ؛ لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ، فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ الْوَاجِبِ"؛ انتهى.

 

أما إن كان الولد لا يحتاج إلى النكاح أو لا يخاف على نفسه الوقوع في الحرام لو أخَّر النكاح، فإنه لا يلزم تزويجه الآن، وعليه فيكون الحج واجبًا على الأب؛ لأنه ملك مالًا فائضًا عن نفقته ونفقة من يعول، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97][35].



[1] يُنظر: فتوى الشيخ عطية صقر رحمه الله، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر.

[2] يُنظر: أيهما أقرب لله حج النافلة أم إعانة الفقراء والمرضى.

[3] يُنظر: حكم الإنفاق على الفقراء بدلًا من الحج والعمرة في أيام الوباء، فتوى مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام.

[4] يُنظر: تكرار حج التطوع بين المصلحة الخاصة والمفسدة العامة.

[5] يُنظر: فتوى الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية في حكم الإنفاق على الفقراء بدلًا من الحج والعمرة في أيام الوباء.

[6] يُنظر: الإنصاف للمرداوي (3/ 387)، والتجريد للقدوري (4/ 1692)، والرسالة للقيرواني (ص: 78)، والأم للشافعي (2/ 144).

[7] يُنظر: الإنصاف للمرداوي (3/ 387)، والأم للشافعي (2/ 144)، والنوادر والزيادات (2/ 362)

[8] يُنظر: حكم الحج والعمرة، يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف.

[9](رد المحتار 2/ 472، المجموع 7/ 149، كشاف القناع 2/ 520).

[10]يُنظر: تكرار العمرة في السفرة الواحدة، الدليل الفقهي.

[11](رواه البخاري 1561، ومسلم 1211).

[12](مسند الشافعي 778، وعن طريقه البيهقي 8730).

[13] (المصنف 13017).

[14] (مواهب الجليل 2/ 464-465).

[15] (المغني 3/ 220)

[16](الاستذكار 4/ 115، وانظر: أضواء البيان 4/ 488).

[17](مجموع الفتاوى 26/ 264).

[18](انظر: مواهب الجليل 2/ 467).

[19](رواه البخاري 1773، ومسلم 1349).

[20] (التمهيد 20/ 21)

[21](مسند الشافعي 778، وعنه البيهقي 8730).

[22] (ابن أبي شيبة 13020).

[23] (ابن أبي شيبة 12724)

[24] (المغني 3/ 220-221).

[25]ينظر: مساعدة الفقراء أم نافلة الحج والعمرة؟ فتاوى دار الإفتاء المصرية.

[26]رواه الطبراني في المعجم الكبير.

[27] المصنف ابن أبي شيبة في كتاب الحج، باب الصدقة والعتق والحج، الجزء رقم4.

[28] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الحج، باب الصدقة والعتق والحج، الجزء رقم 4.

[29] ينظر: أيهما أفضل أداء نافلة الحج والعمرة أم التبرع لأهل غزة؟ المفتي الدكتور طه أحمد الزيدي عضو الهيئة العليا ولجنة الفتوى في المجمع الفقهي العراقي.

[30] يُنظر: الضوابط الشرعية لمن يريد حج النافلة.

[31](رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم عن سلمان بن عامر الصيفي بإسناد صحيح).

[32] يُنظر: الحج أكثر من مرة أم مساعدة الفقراء والمساكين؟ فتوى الدكتور يوسف بن عبدالله.

[33] يُنظر: فتوى التبرع للفلسطينيين أولى من تكرار الحج والعمرة.

[34] ينظر: فتوى أيهما أفضل تكرار الحج والعمرة أم الإنفاق في سبيل الله.

[35] انظر: "المجموع" (7/ 71) للنووي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القول فيمن مات وقد لزمه الحج والعمرة
  • أسئلة وأجوبة في الحج والعمرة
  • بيان كيفية الحج والعمرة
  • خطبة فقهية عن الحج والعمرة
  • محظورات الإحرام بالحج والعمرة

مختارات من الشبكة

  • عندما تتكافأ أقوال الفقهاء في مسألة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوجيز في أقوال الفقهاء فيما يلزم المرأة إذا جومعت في نهار رمضان طائعة أو مكرهة(مقالة - ملفات خاصة)
  • خلاصة أقوال الفقهاء في حكم الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد الأضحية(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • أقوال الفقهاء في التفريق بين الزوجين بسبب العيوب(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • أقوال الفقهاء في عورة المسلمة أمام المسلمة(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • أقوال وحوارات حول الثقة بالله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف عن عالم القبور وأحوال أهلها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في الموت وأحوالهم عند الاحتضار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقوال وأحوال(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من أقوال السلف في الحج(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب