اختلاف ألفاظ قاعدة يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع

اختلاف ألفاظ قاعدة يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع

معنى القاعدة:

تمثل هذه القاعدة مظهرًا من مظاهر التيسير على العباد، من حيث إن الشارع قد تسامح في حكم التحريم في التابع، على نقيض المتبوع الذي لا يمكن التسامح معه؛ لكونه هو الأصل في المسألة، وهذا يعني أن بعض الأفعال لا يجوز فعلها ابتداءً، لكنها لو كانت تابعة فقد يجوز فعلها؛ لأنها صارت تابعةً لشيء مباح، وقد يتساهل أيضًا في بعض الشروط المطلوبة، فلا يشترط فيما يثبت ضمن غيره ما يشترط في المقصود الأصلي، مثل: لو حلف شخص ألا يشتري صوفًا، فاشترى شاةً على ظهرها صوف فإنه لا يحنث؛ لأن الصوف تابعٌ والشاة متبوع[1].

أدلة القاعدة:

من السنة النبوية:

1- عن أبي سعيد الخُدْري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمِّه))[2].

وجه الدلالة: يفيد الحديث أن إناث الحيوانات إذا كانت حاملًا وذكيت، ثم خرج الجنين ميتًا، فإن ذكاته من ذكاة أُمِّه؛ فيكون بذلك حلال أكله[3].

2- عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن باع نخلًا قد أبرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع))[4].

وجه الدلالة: يدل الحديث على جواز أن يكون ثمر النخيل تابعًا للنخلة في البيع؛ إذا اشترطها المشتري، مع أن بيع الثمر قبل صلاحه لا يجوز؛ لأنه يدخل في الغرر.

ألفاظ القاعدة وتسلسلها:

التابع والمتبوع في اللغة: كلاهما من (ت ب ع)، والتبع هو إلحاق شيء بشيء آخر، فالتابع هنا فاعل، والمتبوع مفعول به[5].

التابع في الاصطلاح: "ما اشتمل عليه غيره، سواء كان من حقوق المتبوع المشتمل أو لوازمه أو عقدًا أو فسخًا متضمّنًا له أو من حقوق عقد متعلق به"[6].

المتبوع في الاصطلاح: وهو الأصل والمقصود في المسألة الذي لحقه التابع.

ذكرت القاعدة بعدة ألفاظ، أشهرها:

• يُغتفَر في التابع ما لا يُغتفَر في المتبوع.

• الأصل أنه قد يثبت الشيء تبعًا وحكمًا وإن كان قد يبطل قصدًا.

• قد يسوغ في الشيء تابعًا ما يمتنع فيه مستقلًّا.

جاءت القاعدة بالعديد من الألفاظ التي تفاوَت العلماء في صياغتها وذكرها، حتى إنها خرجت من الإطار الشرعي إلى أهل اللغة في مجال النحو والصرف، فقد استدلوا بها وذكروها في عدة مواضع[7]، وأصل القاعدة ومنشؤها هو من علم أصول الفقه وجاءت لأول مرة بلفظة: (الأصل أنه قد يثبت الشيء تبعًا وحكمًا وإن كان قد يبطل قصدًا)[8].

وهذا الأصل المعنى فيه أن الحكم قد يثبت في الشيء إذا كان تابعًا حتى وإن كان باطلًا إذا انفرد بالحكم، وهذا المعنى موافق لما جاء في المعنى الإجمالي الموضح في القاعدة.

وقد وردت الصيغة المعمول بها في هذه القاعدة في مؤلفات الفقه الشافعي، بلفظة: (يُغتفَر في التابع ما لا يُغتفَر في المتبوع)[9]، وقد استدل بها في باب عقد الذمة وضرب الجزية، في مسألة استحقاق أهل الذمة للضيافة عند الطروق، فجعل الضيافة عند أخذ الجزية من الكُفَّار تابعة لأخذ المال منهم؛ لأنها غير جائزة بذاتها[10].

ثم وردت القاعدة لأول مرة في مؤلفات القواعد الفقهية، بلفظة: (قد يسوغ في الشيء تابعًا ما يمتنع في مستقلًّا)[11]، ثم علَّل هذه القاعدة؛ لأن حكم التابع أصبح جائزًا في هذه الحالة؛ تغليبًا لحكم المتبوع الذي هو الأصل في المسألة.

حكم اختلاف الألفاظ:

بعد النظر إلى الاختلاف بين الألفاظ، ومناسبة ذكرها، ومدى موافقتها لمفهوم القاعدة الإجمالي ومعناه، اتضح لي عدم وجود أثر على هذا الاختلاف، وهذا يعود إلى أن العلماء في هذه الألفاظ يذكرون القاعدة بألفاظ متشابهة لبعضها، وحتى في الألفاظ الأخرى التي لم أذكرها هنا متفقة فيما بينها، وعليه فلا يكون هناك أثر للاختلاف هنا.