• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

المنفعة في الإسلام: حيث وجد شرع الله ودينه فثمة المنفعة

المنفعة في الإسلام: حيث وجد شرع الله ودينه فثمة المنفعة
د. حسناء عبدالله أحمد باعبود

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/10/2022 ميلادي - 5/4/1444 هجري

الزيارات: 11589

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المنفعة في الإسلام: حيث وُجِد شرع الله ودينه فثمة المنفعة

 

الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

لا شك أن كل إنسان يفعل أو يترك رغبة في منفعة أو رهبة من مضرة، حتى الأنبياء عليهم السلام كانوا يدعون الله رغبًا ورهبًا، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، ولا ضير في شيء من ذلك ما دام الإنسان بطبعه وكيانه مطبوعًا على الدفاع عن نفسه، والعمل على مصلحتها، ودرء الضرر عنها، وعلى هذا الأساس تقوم الشرائع والمبادئ السماوية والإنسانية.

 

فالإسلام لا ينكر مبدأ السعي لتحصيل المنفعة أو المصلحة، ودفع ما يناقضها من الضرر؛ بل هو يجعل ذلك المبدأ الأساسي الذي تُبنى عليه تصوُّراته وأحكامه، قال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ ﴾ [الفرقان: 55]، وقال تعالى: ﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ [البقرة: 102]، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، وقال: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [المائدة: 6]، وقال: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقال: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ [هود: 88]، وغيرها من الآيات، إذ بلغ ذكر مصطلح المنافع ومشتقات (نفع) في القرآن الكريم ما يقارب خمسين آية.

 

إن المنفعة هي أحد أهم أسس البناء الفقهي في التشريع الإسلامي؛ إذ تُشكل مُقومًا رئيسًا لكافة الأنظمة التشريعية الحاكمة لحياة الإنسان بمختلف أنواعها ومجالاتها، بدءًا من النظام المؤسس للأسرة، مرورًا بالنظام المالي، وانتهاءً بالأنظمة الحاكمة للمجتمع والدولة؛ بل لا يكاد يخلو مجال من مجالات الحياة المتعددة، إلَّا كانت المنفعة- سواء دنيوية أو أخروية- الأساس الذي انطلق منه الإنسان للتفاعل مع هذا النظام التشريعي، والتعامل به، والغاية التي يسعى إليها، فاعتبار المنفعة في التشريع الإسلامي أصل كليٌّ (المنفعة وخصائصها الذاتية في التشريع الإسلامي: دراسة فقهية تحليلية، رائد نصري أبو مؤنس، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية، الأردن، المجلد 23، العدد الأول، يناير 2015م، ص: 107 - 108)، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى (000- 790 هـ / 000 - 1388 م): "إنَّ وَضْعَ الشَّرَائِعِ إِنَّمَا هُوَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ مَعًا"؛(الموافقات: الشاطبي، ج2، ص9). ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى (691هـ /751هـ): "إِنَّ الله سبحانه وتَعالى أرسلَ رُسَلَه وأنزلَ كُتَبه ليقومَ النَّاسُ بالقِسط، وهو العَدْل الذي قامَتْ به الأرضُ والسَّموات، فإذا ظهَرت أماراتُ العَدْلِ وأسفَر وجهُه بأيِّ طريقٍ كان فثم شرع الله ودينه"؛ (الطرق الحكمية: ابن قيم الجوزية، ص13)، وفي عبارة أخرى لابن القيم عن الشريعة الإسلامية يقول: "إِن الشَّرِيعَة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح الْعباد، فِي المعاش والمعاد، وَهِي عدل كلهَا، وَرَحْمَة كلهَا، ومصالح كلهَا، وَحِكْمَة كلهَا، فَكل مَسْأَلَة خرجت عَن الْعدْل إِلَى الْجور، وَعَن الرَّحْمَة إِلَى ضدها، وَعَن الْمصلحَة إِلَى الْمفْسدَة، وَعَن الْحِكْمَة إِلَى الْعَبَث فليستْ من الشَّرِيعَة، وإنْ أُدخلتْ فِيهَا بالتأويل، فالشريعة عدل الله بَين عباده، وَرَحمته بَين خلقه، وظله فِي أرضه، وحكمته الدَّالَّة عَلَيْهِ وعَلى صدق رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتم دلَالَة وَأصْدقهَا"؛ (إعلام الموقعين عن رب العالمين: ابن قيم الجوزية، ج3، ص11)، وقال العز بن عبدالسلام رحمه الله تعالى (577/660هـ): "إن الشريعة كلها مصالح: إما درء مفاسد أو جلب مصالح" (القواعد: العز بن عبدالسلام، ج1، ص9)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (661/728هـ): "إن الشريعة جَاءَت بتحصيل الْمصَالح وتكميلها، وتعطيل الْمَفَاسِد وتقليلها، وإنها ترجح خيرَ الخيرين، وتدفع شرَّ الشرين، وتحصِّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وقد أمر الله تعالى عباده بأن يبذلوا غاية وسعهم في التزام الأصلح فالأصلح، واجتناب الأفسد فالأفسد، وهذا هو الأساس الأكبر في التشريع الإسلامي"؛(الحسبة: ابن تيمية، ص3).

 

وقرر علماء الأصول أن الأحكام التكليفية في الشريعة ترتبط بالمصلحة ارتباطًا وثيقًا، ومراتب التكليف نفسها تختلف باختلاف ما فيها من مصالح، فالأمر الذي تتيقن المصلحة فيه يكون طلبه حتميًّا، ثم يتفاوت الطلب وجوبًا وندبًا وإباحة تبعًا لتفاوت المصلحة فيه، كذلك ما يكون الضرر فيه مؤكدًا يكون محرمًا، ثم يختلف التحريم قوةً وضعفًا باختلاف قوة الضرر؛ ومن ثم كان المحرم والمكروه متفاوتًا أيضًا فالمكروه تحريمًا والمكروه تنزيهًا، وهكذا.

 

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في المستصفى: "إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم؛ لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة...، وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح"؛ (المستصفى: أبو حامد الغزالي، ص 174).

 

وبهذا فإن التصورات والممارسات في الإسلام ينبغي أن تكون مرهونة بمدى ثبات نفعها فقد شرع الإسلام لجميع الناس تحصيل منافعهم، إلا أن هناك من يعمل لمصلحته وهو مؤمن بالتعاون والإخاء، والمشاركة، والمساواة؛ بل بالتضحية بحياته لغاية من الغايات النبيلة، ويتصرف ضمن هذا النطاق ولا يتجاوزه بحال، وهناك من يعمل لمصلحته بلا حدود وقيود، ولا يفهم إلَّا لغة (خذ كل شيء إن استطعت ولا تعطِ أي شيء)؛ (مذاهب فلسفية وقاموس مصطلحات: محمد جواد مغنية، ص: 139).

 

إن النجاح في الإسلام مطلوب، والسعي والتنافس على فعل الخيرات مرغوب، قال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، فإنَّ المؤمن القوي أحَبُّ إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، ولكن ينبغي أن يظل السعي هدفًا وطريقًا بأوامر الشرع والالتزام بآدابه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كان كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ))؛ (أخرجه مسلم في صحيحه، ح 2664).

 

إن مفهوم الإسلام للمنفعة مفهوم شامل أفقيًّا ورأسيًّا، داخل الفرد وخارجه، أو بمعنى آخر على مستواه المادي وغير المادي، وكذلك على امتداده الوجودي في الزمان والمكان، فليس بالضرورة انحصارها في منفعة الفرد نفسه بل قد تكون منفعة المجموع، وليس بالضرورة انحصارها في المنفعة المادية أو الجزئية أو العاجلة، بل تشمل كذلك النتائج الصالحة أو النافعة غير المادية، والآجلة، والكلية، وتفصيل ذلك كالتالي:

أولًا: المنفعة الآجلة والعاجلة:

ربط الإسلام بين العمل الدنيوي والثواب الأخروي؛ ومِن ثمَّ لا تقتصر المنفعة فيه على المنفعة الآنية (العاجلة) فقط التي تنظر إلى شهوات الجسد بعيدًا عن حاجات الإنسان الأخرى، فلم يجعلها معيارًا لقبول القيم أو ردها؛ بل وضع أساسًا لمنافع آجلة متمثلة فيما يجنيه الإنسان من ثمر أعماله في الدنيا، فإذا ثبت للمرء بأدلة نقلية أو عقلية أو تجريبية أو أدلة ناتجة عنهما وجود منفعة آجلة مثل الفوز بالجنة في الآخرة فإنَّ العقل يقضي باعتبارها والسعي لتحصليها؛ بل قد يرجحها لعظمها أو دوامها على منفعة جزئية أو منقطعة.

 

ولقد جاءت آيات القرآن الكريم التي ورد فيها مشتقات نفع مُعبرة عن المنفعتين (الآجلة والعاجلة):

أ‌- المنفعة التي تتصل بمنافع الآخرة واختيار طريق الهداية مثل قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 123]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [المائدة: 76]، وقوله تعالى: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119]، وقوله تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [سبأ: 42]، إلى غير ذلك من الآيات التي استعمل فيها مصطلح (النفع) في سياق البعد الديني؛ أي: النفع الآجل، وغيرها من الآيات.

 

ب‌- المنفعة التي تتصل بمنافع الدنيا، مثل قوله تعالى: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [النحل: 5]، وقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219]، وقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164]، وغيرها من الآيات.

 

ت‌- آيات جمعت بين المنفعتين الدنيوية والأخروية؛ فمنها قوله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]، وقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، وغيرها من الآيات.

 

وقد لا تكون المنفعة الآجلة مقصورة على النفع الأخروي فقط؛ بل قد تكون دنيوية أيضًا، فقد يبدو للإنسان أن في بعض الأمور خيرًا له في ظاهرها، أو في وقتها الحالي، إلَّا أنَّها قد تكون شرًّا له إما في الحال أو في المآل، ومثال على ذلك حبه القعود عن القتال، فقد يعقبه استيلاء على البلاد واحتلال وقتل وسلب (تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج1، ص573)، قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وهذا عام في الأمور كلها، فقد يحب المرء شيئًا، وليس له فيه خير ولا مصلحة،، ثم قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]؛ أي: هو أعلم بعواقب الأمور منكم، وأخبر بما فيه صلاحكم في دينكم ودنياكم وأخراكم فاستجيبوا له، وانقادوا لأمره، لعلكم ترشدون؛ (تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج1، ص 573).

 

ولقد اتضح هذا المعنى في آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 61]، وقوله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴾ [القيامة: 20، 21]، وقوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 18 - 20]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 21]، وقوله تعالى: ﴿ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ [هود: 38]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 77]، وغيرها من الآيات التي يتعلم منها المسلم ابتغاء ما عند الله بعيدًا عن سياسة تبادل المنافع.

 

ثانيًا: المنفعة الفردية والجماعية:

إن المصلحة أو المنفعة في مفهوم الإسلام لا تقتصر على المنفعة الفردية، فلم يجعلها الإسلام مصدرًا ومعيارًا تحاكم إليه الحقائق والقيم كما يحصل هذا في كثير من المجتمعات التي قامت بإطلاق طاقة الفرد ولو على حساب أمور أخرى، فإذا ثبت في الإسلام بالدليل النقلي أو العقلي أو التجريبي وجود منفعة تعود على المجموع فالعقل يقضي بترجيحها على منفعة تعود على الفرد وحده أو يتضرر منها المجموع؛ بل إن مصلحة المجتمع تُقدَّم على الفرد في كثير من النواحي، وذلك أخذًا بمفهوم أشمل وأجدى للنفع البشرى، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، وكما في قوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179]، وقوله تعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32]، وقوله تعالى:﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9]، وقوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 193]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، وقوله تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، وقوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، وغيرها من الآيات.

 

وجاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ))؛ (أخرجه البخاري في صحيحه، ح2442)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ))؛ (أخرجه مسلم في صحيحه، ح2699)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ))؛ (أخرجه البخاري في صحيحه، ح2989).

 

وعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ))، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: ((يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ))، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: ((يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ))، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: ((فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ))؛ (أخرجه البخاري في صحيحه، ح1445).

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كان ما أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، ومَا سُرِقَ له مِنْهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ))؛ (أخرجه مسلم في صحيحه، ح1552).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَهو يَعْلَمُ بِهِ))؛ (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ح751)، وقال مادحًا: ((إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ))؛ (أخرجه البخاري في صحيحه: ح2486).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْر،ٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ))؛(أخرجه مسلم في صحيحه، ح1728)، وقال: ((لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلَقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ))؛(أخرجه مسلم في صحيحه، ح2626)، ولا يقتصر أجر المعروف على الإنسان فقط بل يدخل فيه الحيوان أيضًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ: ((نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ))؛(أخرجه البخاري في صحيحه، ح 6009)، وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي حثَّ فيها الإسلامُ على أهمية بذل النفع للناس كافة، حيث يترتب عليه من الفوائد ما يعود على الفرد والمجتمع، سواء أكانت هذه الفوائد دنيوية أو أخروية، فنفع الناس يعود على الناس، ويعود على صاحبه بالنفع في الدنيا والآخرة بالتوفيق والبركة والنماء، وفي الآخرة بالأجر الجزيل والنعيم المقيم. قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272].

 

إن الإسلام جاء بما يكفل الخير والصلاح لكل الناس، وجميع المصالح والمنافع في الإسلام يسودها التعاون والإيثار، والمحبة وطهارة الوسيلة والغاية، وابتغاء الأجر والمثوبة من الله تعالى.

 

ثالثًا: المنفعة المادية والمعنوية:

تندرج حاجات الإنسان في مجموعتين أساسيتين: مجموعة من الحاجات العضوية المتصلة بجانب الجسم (المادية)- وإن كان لها بعض الغايات الوجدانية- ومجموعة من الحاجات الشعورية والانفعالية المتصلة بجانب الوجدان والضمير (المعنوية) التي ترمي إلى حفظ الحياة والعمل على استمرارها. وهذان النوعان من الحاجات ضروريان لقوة النفس وأمنها واستقرارها، قال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]، فالحرمان منهما لون من ألوان العقاب والفزع للنفس الإنسانية، قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

 

إن إشباع الحاجات العضوية- كالحاجة للطعام والشراب والإخراج والجنس والراحة- أمر ضروري لا يمكن الاستغناء عنه، إلا أن الإسلام لا يعتبر إشباع هذه الحاجات غاية في ذاتها؛ بل لإمداد الإنسان بالمتعة والقوة اللتين تحققان له التوازن وتعينانه على عبادة الله، عن طريق أدائه لوظيفة الخلافة في الأرض أحسن الأداء(مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها، علي أحمد مدكور، ص92) ولذا قدم الإسلام الحاجات الوجدانية وما يترتب عليها من منافع معنوية، فاعتبرها الأصل الذي تستند عليه الحاجات العضوية وما يترتب عليها من منافع مادية، فإذا ثبت للمرء بالدليل النقلي أو العقلي أو التجريبي أو أدلة ناتجة عنها وجود منفعة تشمل جوانب غير مادية من حياة الإنسان مثل: الأمن، والاستقرار، والطمأنينة، والرضا، والسعادة، والانسجام، والتسالم، واليقين ونحو ذلك فتلك كلها منافع يقضي العقل بالسعي نحو تحصيلها، بل قد يرجحها على منافع مادية صرفة مناقضة لتلك المعاني، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ [طه: 25]، وقال: ﴿ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 113]، وقال: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقال: ﴿ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ [الفجر: 27، 28]، وقال: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 143]، وقال تعالى: ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119]، وقال: ﴿ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 156]، وقال: ﴿ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [التوبة: 110]، وقال: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 23]، وقوله تعالى: ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 153]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92]، وقوله تعالى: ﴿ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ [طه: 40]، وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]، وقوله: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 4]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، وغيرها من الآيات التي توضِّح الجانب الآخر للمنافع وهو الجانب المعنوي، بالإضافة إلى الكثير من الأحاديث التي توضح ذلك، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))؛ (أخرجه البخاري في صحيحه، ح16)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي)) ( أخرجه مسلم في صحيحه، ح2566).

 

ولقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة على أن يقيم مجتمعًا على أساس المحبة والإخاء، فكان أول شيء فعله هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ (السيرة النبوية، ابن هشام، ج1، ص504-505. والروض الأنف: السهيلي، ج4، ص177-178)، فكان ذلك الحب في الله الذي لم يشهد له التاريخ مثيلًا، وقد كانت النتيجة هي العزة والقوة والمنعة والنصر، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63].

 

وأما فيما يخص النفع المادي فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ))؛ (أخرجه ابن ماجه في سننه، ت الأرناؤوط: ح93)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدَّوَاءُ مِنَ الْقَدَرِ , وَقَدْ يَنْفَعُ بِإِذْنِ اللهِ))؛ (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ح12784)، ففي الحديثين السابقين ذكر لأمرين ماديين يترتب عليهما منافع الإنسان وهما المال والدواء وغيرها من الأمور المادية التي يبذلها الإنسان لأخيه الإنسان والتي تمثل النفع المادي.

 

فخلاصة الأمر: إن من الصعب إقناع النفوس بأعمال الخير- التي لا تعود على الإنسان بنفع مادي - إلَّا بِناءً على عقيدة إيمانية راسخة، تسعى لابتغاء مثوبة الله تعالى وجنته، وكم في الإسلام من أعمال خيرة يحض عليها، ويحث على فعلها لتحقيق أفضل حياة إنسانية ممكنة على ظهر هذه الأرض (الفِكر الإسلامي في مواجهة الغزو الثقافي: مصطفى حلمي، ص: 214)، مع أنها في الظاهر تدل على عدم وجود المنفعة الظاهرة العاجلة من وِجهة النظر القاصرة.

 

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بين الإفراط في العاطفة والتمحور حول المنفعة غابت المودة والرحمة
  • المنفعة العامة .. كأحد المذاهب الأخلاقية في الفلسفة الحديثة
  • رسالة لطيفة في حكم الوقف المتعطل المنفعة

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تعجيل المنفعة بجمع صحيح السنن الأربعة - كتاب الطهارة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرع الله رحمة وشرع البشر عذاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بلجيكا: الحزب العنصري يفقد قوته(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بيع أو استبدال الوقف غير المنقول إذا تعطلت منافعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشك في ترك ركن(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • مواقف الكرام في نصرة شرع الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان شهر الصيام.. لكن لماذا شرع الله الصيام؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب