• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

خاتم النبيين (36) أحداث غزوة مؤتة

خاتم النبيين (36) أحداث غزوة مؤتة
الشيخ خالد بن علي الجريش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/2/2023 ميلادي - 23/7/1444 هجري

الزيارات: 5525

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خاتم النبيين (36): أحداث غزوة مؤتة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأُصلِّي وأُسلِّم على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:

فمرحبًا بكم أيها الكرام في برنامجكم خاتم النبيين، وقد أسلفنا أيها الأكارم في حلقتنا الماضية قصة إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد رضي الله عنهما، وهما مَن هما في الشجاعة والفطنة والذكاء والدهاء، وذكرنا كذلك الدروس المستفادة من إسلامهما.

 

وفي حلقتنا هذه نتعرَّض لأحداث غزوة مؤتة، ومؤتة هي قرية شرقي الأردن كما ذكر ذلك أهل العلم، وقد حدثت تلك الغزوة في السنة الثامنة من الهجرة، وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الحارث بن عمير الأزدي رضي الله عنه بكتاب إلى ملك بصرى، ولما كان في طريقه اعترض له شرحبيل بن عمرو الغساني، وكان أميرًا على البلقاء، فقال: أين تريد? فقال الحارث: نريد الشام، فعرف شرحبيل أن الحارث من رُسُل محمد، فأمر به فأوثقه وضرب عنقه ولم يقتل غيره من رُسُل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قتل السُّفراء والرُّسُل من أشنع الجرائم، فقد جرت العادة أن الرُّسُل والسُّفراء لا يُقتَلون ولا يُؤذَون، فكانت هذه الحادثة بمثابة إعلان الحرب على المسلمين، فلما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتدَّ عليه ذلك، وندب الناس لقتال العدوِّ، فتجهَّز الناس وتهيَّأوا للخروج، فكان قوام الجيش ثلاثة آلاف مقاتل بينما كان عدد العدوِّ مائتي ألف مقاتل؛ مئة ألف من الروم، ومئة ألف من النصارى، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم على جيش المسلمين ثلاثة من الأمراء، فقال: ))عليكم زيد بن حارثة، فإن أُصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة((؛ رواه البخاري في صحيحه.

 

وقد ودَّعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأوْصاهم بتقوى الله عز وجل، وأيضًا أوْصاهم ألَّا يقتلوا امرأةً ولا صغيرًا ولا كبيرًا فانيًا، وألَّا يقطعوا شجرًا ولا نخلًا، ولا يهدموا بيتًا، وعندما قرب المسلمون منهم وعلموا بعددهم الكبير والكثير تشاوروا؛ هل نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدد عدوِّنا فيمُدنا برجال أو يأمرنا بأمره؟ فقال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه: ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة؛ إنما نقاتلهم بهذا الدين، فانطلقوا فإنما هي الشهادة أو النصر، فمَضَوا بقوةٍ وعزيمةٍ، وهذه الغزوة شارك فيها سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وهي أول غزوة يُشارك فيها بعد إسلامه، فتحرَّك جيش المسلمين نحو العدوِّ فلقيهم عدوُّهم بعددهم الكبير في قرية يُقال لها مشارف، ثم قرب منهم العدوُّ، ثم انحاز المسلمون إلى قرية يُقال لها مؤتة فعسكروا فيها، فجعلوا يتجهَّزون للقتال، فجعل أميرهم زيد بن حارثة على الميمنة قطبة بن قتادة، وجعل على الميسرة عباية بن مالك، وخطَّطوا أمرهم، وتكامل توزيع مهامِّ الجيش، وهناك في مؤتة بدأ القتال المرير بين الجيشين ثلاثة آلاف مقاتل في مقابل مائتي ألف، فأخذ الراية زيد بن حارثة رضي الله عنه وقاتل هو والمسلمون بضراوة وبسالة وشجاعة حتى أدركته الرِّماح وتوالَتْ عليه الطعنات، فمات شهيدًا رضي الله عنه، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وقاتل قِتالًا شديدًا ليس له مثيل حتى إذا تزاحَمَ بالقتال نزل من فرسه، وبدأ يُقاتِل راجِلًا، وهو يقول:

يا حبَّذا الجنَّةُ واقترابُها
طَيِّبةً وباردًا شرابُها
والرومُ رومٌ قد دنا عذابُها
كافرةٌ بعيدةٌ أنسابُها
عليَّ إن لاقيتُها ضِرابُها

 

وكانت معه الراية بيمينه، فقُطِعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، فلمَّا قُطِعت شمالُه احتضن رضي الله عنه الراية بين عضديه حتى استشهد رضي الله عنه، فعوَّضه الله عز وجل بدلهما بجناحين في الجنة؛ ولذلك يُسمَّى جعفر الطيَّار.

 

وفي البخاري قال ابن عمر: وجدنا في جعفر بضعًا وتسعين ما بين طعنة ورمية، ثم أخذ الراية بعد زيد وجعفر عبدُالله بن رواحة رضي الله عنه، وتقدَّم على فرسه، ثم تردَّد لما رأى شدة المعركة وقوَّتها، ثم أخذ يقول:

يا نفس إلا تُقْتَلي تموتي
هذا حِمام المَوْت قد صَليتِ
وما تمنَّيتِ قد أُعْطِيتِ
إن تفعلي فِعْلهما هُدِيتِ

 

ثم دخل في زحمة القتال بفرسه، وقاتل قتالًا شديدًا ببسالة وضراوة حتى قُتِل رضي الله عنه، فلمَّا سقطت الراية تشاوَر المسلمون فيمن يأخُذُها، فاستقرَّ الأمر أن يأخذها خالد بن الوليد رضي الله عنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أخبر الصحابة رضي الله عنهم بقتل الأمراء الثلاثة في يومها، فقد نَعَاهم عليه الصلاة والسلام وعيناه تذرفان، ثم قال: ((أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله))، ثم قال قتادة بعد ذلك: فمن يومئذٍ كان لقب خالد بن الوليد سيف الله المسلول، ولما حمل خالد الراية قاتل بقية يومه، ثم في اليوم التالي أحدث تغييرًا في أعمال الجيش، فجعل المُقدِّمة في المُؤخِّرة، وجعل المُؤخِّرة في المُقدِّمة، وجعل الميمنة في الميسرة، وجعل الميسرة في الميمنة، فلمَّا التقوا بالعدوِّ في اليوم الثاني استنكر العدوُّ حالَهم التي عرَفوها بالأمس، فظنُّوا أنهم جاءهم مَدَدٌ، وأيضًا كان لهذا التغيير تأثير إيجابي على نفوس المقاتلين، ثم حملوا على عدوِّهم حملةً شديدةً ببسالةٍ وقوَّةٍ، فهزم الله تعالى العدوَّ أسوأ هزيمة، وقتل المسلمون من عدوِّهم أعدادًا كبيرة وكثيرة، ثم بعد ذلك انحاز خالد وسحب جيشه شيئًا فشيئًا ليسلم الجيش، وانصرف بهم إلى المدينة حيث أثخنوا القتل في عدوِّهم، وخلال ذلك الانسحاب لم يُصَبْ أحدٌ من المسلمين، أما خلال الغزوة كلها فقد استشهد من المسلمين اثنا عشر رجلًا، أمَّا العدوُّ فلم يُعرَف عدد قتلاهم من كثرتهم؛ ولكنهم كثير جدًّا، ويدلُّ على هذا أن خالد بن الوليد رضي الله عنه وحده استعمل في هذه الغزوة تسعة أسياف كُلُّها يقاتل بها المشركين؛ ولهذا يقول خالد رضي الله عنه: لقد اندقَّت في يدي يومئذٍ تسعة أسياف، فماذا يا ترى قتل خالد وحده بهذه الأسياف التسعة? وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خالد رضي الله عنه: ((اللهُمَّ هو سيف من سيوفِك فانْصُره))؛ رواه أحمد وابن حبان، وقال بعضهم بأن انحياز خالد للجيش شيئًا فشيئًا ظنَّ العدوُّ أن هذه خدعة من المسلمين تجاههم، فانحازوا هم أيضًا؛ فانحاز كل فريق إلى بلاده، فلم يقم العَدُوُّ بمطاردة المسلمين حتى وصلوا المدينة، وقال ابن إسحاق: لما دنا الجيش من المدينة تلقَّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وجعل بعض الناس يقول: يا فرار فررتم في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليسوا بالفُرَّار ولكنهم الكُرَّار إن شاء الله))، وقال بعض أهل السِّيَر: ليس هذا لكل الجيش، وإنما هو للذين فرُّوا فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه))؛ رواه البخاري.

 

وقد واسى النبي صلى الله عليه وسلم آل جعفر وأمر بأن يُصنَع لهم الطعام، فقال: ((اصنعوا لآل جعفر طعامًا؛ فقد أتاهم ما يشغلهم))؛ إسناده حسن.

 

هذه هي الغزوة بإجمال واختصار، ونختم حلقتنا هذه ببعض الدروس والعِبَر من تلك الغزوة:

الدرس الأول: يتَّضح من خلال وصية النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في مؤتة رحمة الإسلام وعدله حتى مع غير المسلمين، فقد نهاهم أن يقتلوا امرأةً ولا صغيرًا ولا كبيرًا فانيًا ونحوهم، وهذا مظهر حسن من محاسن الإسلام، قد يكون سببًا في إسلام غير المسلمين مع أن هؤلاء المستثنين ليسوا بمسلمين، ومع ذلك نهى عن قتلهم، وهذا غاية في العدل والرحمة والشفقة وبُعْد النظر، ولنعلم أيها الأفاضل أن ذكر محاسن الإسلام لغير المسلمين هو سبب كبير في إسلامهم، وهذا واقع وكثير بحمد الله؛ سواء كان في الأخلاق والمعاملات أو في التشريعات والأحكام، فلنعمل على توعيتهم ودعوتهم؛ حيث إنهم بيننا من خدم وعمالة وشخصيات إدارية وطبية ومهندسين وغيرهم، فيا بشراك أخي الكريم عندما تكون مِفْتاحًا لشخص أسلم عن طريقك، فاعمل على تحصيل ذلك ولا تملَّ.

 

الدرس الثاني: إن الجيش الإسلامي في مؤتة في يومهم الثاني أخذوا باستراتيجية الاستشارة، وعقدوا مجلسًا يستشيرُ فيه بعضُهم بعضًا، وهذه الاستشارة هي مربح عظيم على مستوى الأشخاص، وكذلك أيضًا على مستوى الهيئات والمنظَّمات، فإن الاستنارة بعقول الآخرين واستثمارها مربح عظيم وكبير، وربَّما انتظمت مصالح عديدة من خلال الاستشارة، فإنَّ الجيش في مؤتة رأوا إحداث التغييرات في ترتيب الأماكن للمقاتلين، واستحداث بعض الاستراتيجيات؛ مما حدا بجيش الروم أن يضع الاستفهام حيال ذلك، وكانت نتيجته أن الروم انحازوا وظنُّوا أن مددًا جاء إلى جيش المسلمين، وكان ذلك سببًا كبيرًا في نصر المسلمين بعد توفيق الله تعالى، فيا أخي الكريم، إن الاستشارة للآخرين كل في مجاله هي غاية في الأهمية، وإنَّ من المتفق عليه أنك عندما تعمل بخلاصة آراء وعقول أوْلَى وأحْرَى في النجاح من كونك تعمل بعقلك فقط، علمًا بأن استشارة الآخرين ليس فيها جهد كبير ولا مال مدفوع، فإذا عزمت على أمر ما فلا تستقل برأيك؛ فلربَّما حضر في ذهنك شيء وغابت عنك أشياء كثيرة، وحتى على مستوى العوائل والأُسَر في رحلاتهم أو أسفارهم العائلية أو نحوها من الجميل مناقشة ذلك معهم تدريبًا لهم واستفادة منهم، وإن وسائل التواصُل تُسهِّل استراتيجية الاستشارة فخلال وقت محدود تستطيع أن تستخلص آراء الآخرين، فكم من شخص عمل برأيه فقط فندم؛ سواء في البناء أو السفر أو العلاج أو الأثاث أو المركوب أو غيرها، فكن مستشيرًا بارعًا.

 

الدرس الثالث: في غزوة مؤتة حصلت معجزة عظيمة للنبي عليه الصلاة والسلام؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة في المدينة عن واقع الأمراء الثلاثة وهم في مؤتة، فأخبرهم باستشهادهم في اليوم نفسه، إن هذه المعجزات للنبي عليه الصلاة والسلام هي علم عظيم يكون سببًا في تقوية الإيمان والثبات على الحق؛ لأنها خوارق للعادة، فيحسُن بنا جميعًا الاطِّلاع والتعرُّف على تلك المعجزات تقوية لإيماننا وتثبيتًا لنا، وكم هو جميل أن تجتمع الأسرة على دراسة ذلك بالأسلوب المناسب حتى تتصحح المفاهيم والتصوُّرات، ونحن في زمن أحوج ما نكون لذلك، فاعقد العزم على استحداث ذلك لك ولأسرتك مع ما في ذلك من الآداب والأحكام المصاحبة لتلك المعجزة، فيستفيد الجميع ويتربون على مائدة النبوَّة والحكمة.

 

الدرس الرابع: ظهرت في الغزوة شجاعة خالد بن الوليد وحكمته وحنكته؛ فهو لما استلم الراية عمل على التجديد الإيجابي في الخطة المتبعة بعد استشارة الصحابة رضي الله عنهم، فإنَّ انحيازه بالمسلمين بعد أن أثخنوا القتل في جيش الروم هو نوع من النصر؛ إذ إن القوة ليست متكافئة كما ذكر ذلك ابن إسحاق، وهذا يحكي تاريخًا عاشه خالد بن الوليد رضي الله عنه مع الحروب ودروب القتال، ومما يدلُّ على شجاعته رضي الله عنه أنه قال: لقد اندقَّت في يدي يومئذٍ تسعة أسياف، فيا ترى ماذا وكم قتل بهذه الأسياف التسعة من جيش الروم؟ ويقول علماء السير: فأخذ خالد اللواء ثم حمل على القوم فهزموهم أسوأ هزيمة؛ حيث وضع المسلمون أسيافهم حيث شاؤوا، وتُؤكِّد رواية في صحيح مسلم أن المسلمين غنموا من الروم شيئًا كثيرًا بعد ولاية خالد حتى إن خالدًا أحيانًا يستكثر سلب القاتل كما حدث ذلك لعوف بن مالك رضي الله عنهما جميعًا، وفي رواية البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله حتى فتح الله عليه))؛ رواه البخاري، وهذا شاهدٌ كبيرٌ على انتصار المسلمين في مؤتة مع عدم المقارنة في العدد والعتاد بين الجيشين.

 

الدرس الخامس: في تلك الغزوة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع لآل جعفر طعام؛ حيث إنهم جاءهم ما يشغلهم، وفي مسألة صنع الطعام لأهل الميت ينبغي للمسلم أن يعرف فقهها، وألَّا يتجاوز حدَّها، فصنع الطعام لأهل الميت مشروع، أمَّا صنع أهل الميت الطعام للناس من أجل الميت فهذا من عمل الجاهلية، وعلى مَن صنع الطعام الاحتساب في ذلك وليس المباهاة والإسراف، ولربَّما إذا كان فيه مزيد من الولائم فإن أهل الميت قد ينشغلون بأشياء فوق مصيبتهم، فإن هذا الطعام هو لأهل الميت ولمن نزل عليهم من ضيوف مقربين، وعلى المعزِّين أن يكونوا خفيفين في تعزيتهم؛ ليُخفِّفوا على أهل الميت، وهذا الطعام هو وقت انشغال أهل الميت بمصيبتهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((فقد أتاهم ما يشغلهم))، أما إذا ذهب انشغالهم فليرجع الأمر إلى طبيعته، ولا ينبغي أن يكون بيت العزاء موردًا ومصدرًا للولائم.

 

الدرس السادس: إن من ينظر إلى المقارنة بين عدد كل من جيش المسلمين والروم، فإنه يعلم بيقين كيف ينصر الله تعالى أولياءه على أعدائه، فإن ثلاثة آلاف وهو عدد المسلمين لا يُقارن بمئتي ألف وهو عدد الروم، فإن قسمة هذا على هذا تعني أن مقابل رجل من المسلمين هو ستة وستون رجلًا من الروم؛ ولكن لنعلم جميعًا أن القضية سماويَّة وليست أرضيةً، وأن هؤلاء المسلمين على الفطرة، وأن الله عز وجل مع المؤمنين يؤيدهم وينصرهم وإن كان هذا في الحرب، فإن الله عز وجل يوفق عباده المؤمنين في السلم؛ فيبارك في أعمالهم ويسددهم ويعينهم، ومما يزيد المسلم سدادًا وإعانةً ومعيةً وتوفيقًا أن يكون ذاكرًا لله تعالى ومُكْثرًا من ذلك؛ لأنه ورد في الحديث القدسي كما رواه البخاري: ((وأنا معه إذا ذكرني))، ففي أشغالك أخي الكريم وظروفك وحاجاتك وذهابك وإيابك، لا تنس الإكثار من ذكر الله عز وجل من خلالها، فأبشر حينها أن الله عز وجل معك معينًا ومسددًا، واستشعر هذا وتذكَّره لتعلم حقيقته عن قرب، فإن بعض الناس قد تتوقَّف حاجاته مدة من الزمن وقد تصعب عليه بعض أموره، فعليه مع القيام بهذه الظروف والأشغال عليه أن يكون مكثرًا من ذكر الله عز وجل من التسبيح أو التهليل أو التحميد أو التكبير، أو أن يكون مكثرًا من الحوقلة، أو من كتاب الله تبارك وتعالى، فإن ما ورد في البخاري هو صحيح وواقعي على من جرَّبَه؛ حيث يقول في الحديث القدسي: ((وأنا معه إذا ذَكَرني)).

 

الدرس السابع: في هذه الغزوة نموذج عظيم للصبر، فإن هؤلاء الصحابة سواء القادة أو غيرهم صبروا وصابروا، وبإذن الله عز وجل أثخنوا القتل في أدائهم، فإن النتائج الطيبة والمخرجات الحسنة لا تحصل إلا بالصبر، وهذا في شؤون الدنيا وأعمال الآخرة، فإن الصبر مُرُّ المذاق؛ ولكن عاقبته أحلى من العسل، فاصبر على شؤونك الدينية والدنيوية؛ ليحصل لك ما تريد، وتُحقِّق ما تصبو إليه، وتذكَّر دائمًا تلك القاعدة التي تقول: "فكِّرْ في المكاسب قبل أن تُفكِّر في المتاعب"؛ إذ إن هذه القاعدة هي صالحة أن تكون سلوكًا لك في أمور دينك ودنياك، فإذا ما فكَّرت في المكاسب أولًا، فإنك تقدم على هذا العمل سواء كان من عمل الدنيا أو من أعمال الآخرة، وأمَّا إذا فكَّرت في المتاعب أولًا فالغالب أنك لا تُقدِم على هذا العمل، ففكِّر في المكاسب قبل أن تُفكِّر في المتاعب، وجرِّب هذه القاعدة واجعلها سجيةً وسلوكًا لك، فستجد بإذن الله تعالى من خلالها خيرًا كثيرًا، واعلم أيضًا أن المشقة تزول ويبقى الأثر "وعند الصباح يحمد القوم السرى" أمَّا من لم يصبر فستجد أمره ذهب فرطًا؛ ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

 

أيها الكرام، ما أجمل أن نجلس مع أنفسنا، وأن نجعل لنا مع أولادنا برنامجًا في قراءة هذه السيرة النبوية العطرة! فكم ستستفيد فيها من الأحكام وتستفيد فيها من الحكم، وكم ستصحح فيها من السلوك، وكم ستعرف فيها من الآراء التي لربما كانت عندنا خاطئة، فتصححت من خلال قراءة السيرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام، فأقترح أخي الكريم أن تستحدث مجلسًا في بيتك لك ولأولادك، وأيضًا كذلك مجلسًا مع زملائك في رحلاتكم وذهابكم وإيابكم حتى تستخلصوا ما كتبه أهل العلم وأهل السير عن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وتتعرَّف عليها عن قرب، وتعيش الأحداث وتُصحِّح المفاهيم والتصوُّرات؛ ومن ثم يجتمع العقل ويتصحَّح الفكر ويعمق التفكير، وهذه نتائج عظيمة وكبيرة.

 

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده المُفْلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهُمَّ إنَّا نسألك الهدى والتُّقى والسداد والرشاد والعفو والعافية لنا ولجميع المسلمين، وصلَّى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خاتم النبيين (31): كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والزعماء
  • خاتم النبيين (32) أحداث السنة السابعة من الهجرة
  • خاتم النبيين (33)
  • خاتم النبيين (34) أحداث وقعت بعد غزوة خيبر
  • خاتم النبيين (35) أحداث السنة الثامنة من الهجرة
  • خاتم النبيين (37)
  • خاتم النبيين (38)
  • خاتم النبيين (39)
  • خاتم النبيين (40)
  • خاتم النبيين (41)
  • غزوة ذات الرقاع
  • غزوة ذي قرد
  • غزوة مؤتة
  • غزوة مؤتة
  • خطبة فتح مكة

مختارات من الشبكة

  • خاتم النبيين (19) تكميل لأحداث غزوة أحد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (26) غزوة بني قريظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (25) مواقف ودروس من غزوة الخندق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (24) غزوة الخندق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (18) غزوة أحد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (16) شيء من تفاصيل غزوة بدر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خاتم النبيين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقتطفات من سيرة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المرسلين (2)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • مقتطفات من سيرة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المرسلين (1)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • خاتم النبيين (لا نبي بين محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب