تحقيق تخريج مسألة ( صلى عمرو بن العاص بالناس )

تحقيق تخريج مسألة ( صلى عمرو بن العاص بالناس )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

511- وسئل أبو زرعة عن حديث رواه المُقريء، عن حيوة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبدالرحمن بن شماسة، قال: صلى عمرو بن العاص بالناس، فكان على تشهده فقام، فصاح به الناس: سبحان الله سبحان الله، فصلى كما هو حتى أتم صلاته، ثم سجد سجدتين، ثم قال: إن الذي صنعت هي السنة.

قال أبو زرعة: هذا خطأ، إنما هو عن عقبة بن عامر.

قلت أنا: الذي يروي هذا الحديث هو الليث بن سعد[1], روى عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبدالرحمن بن شِمَاسة، عن عقبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

رجال إلاسناد:

• المقريء: هو عبدالله بن يزيد المكي، أبو عبدالرحمن (ت213هـ).

روى عن حماد بن زيد، وابن سلمة، وشعبة، وحيوة بن شريح، وغيرهم.

روى عنه البخاري، وأحمد، وابن المديني، وابن نمير، وغيرهم.

ثقة متفق على توثيقه، أقرأ القرآن أكثر من سبعين سنة.

انظر تهذيب الكمال 16/320، التهذيب 6/83، التقريب (3715).

• حيوة بن شريح التجيبي، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة 506.

• يزيد بن أبي حبيب المصري، ثقة كان يرسل، تقدمت ترجمته في المسألة 506.

• عبدالرحمن بن شماسة بن ذؤيب، المَهْرِي، المصري (ت 101 تقريباً).

روى عن زيد بن ثابت، وعقبة بن عامر، وعمرو بن العاص، وغيرهم.

روى عنه يزيد بن أبي حبيب، وحرملة بن عمران، والحارث بن يعقوب، وغيرهم.

وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وعده يعقوب بن سفيان من ثقات التابعين.

وقال ابن سعد: كان صالح الحديث.

قال ابن حجر: ثقة.

انظر المعرفة والتاريخ 2/500، تهذيب التهذيب 6/195، التقريب (3895).

• عمرو بن العاص بن وائل السهمي، توفي بعد الخمسين تقريباً.

صحابي جليل، أسلم عام الحديبية، وفتح مصر، وولي إمرتها مرتين، وتوفي بها.

انظر الاستيعاب 8/222، أسد الغابة 4/115، الإصابة 7/122.

• الليث بن سعد بن عبدالرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري (ت175هـ).

ثقة ثبت فقيه إمام مشهور.

تهذيب الكمال 24/255، السير 8/136، التهذيب 8/459، التقريب (5684).

تخريج الحديث:

روى يزيد بن أبي حبيب هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه حيوة بن شريح، عن يزيد، عن عبدالرحمن بن شماسة، عن عمرو بن العاص.

2 - ورواه الليث، وبكر بن مضر، عن يزيد، عن ابن شماسة، عن عقبة بن عامر.

الوجه الأول:

أخرجه ابن أبي عمر في مسنده (المطالب العالية 1/273، رقم 683)، عن المُقريء، عن حيوة، عن يزيد، به.

وذكره المصنف في المسألة، من رواية المُقريء، به.

وقال البوصيري: رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر، ورجاله ثقات (مختصر إتحاف السادة المهرة 2/485، رقم 1673).

الوجه الثاني:

أخرجه ابن أبي أسامة في مسنده (بغية الباحث 1/294، رقم 187، والمطالب 1/274) وابن عبدالبر في التمهيد 10/200، من طريق يونس المؤدب.

والطبراني في الكبير 17/313، رقم 867، -ومن طريقه ابن قطلوبغا في مسند عقبة بن عامر (ق 44/أ)_، ورواه ابن عبدالحكم في فتوح مصر (199). من طريق عبدالله ابن صالح.

وابن أبي شيبة في مصنفه 2/35، عن شبابة.

وابن المنذر في الأوسط 3/288، رقم 1668، من طريق ابن أبي مريم.

و أبو الحسين الأزدي في حديث الليث بن سعد (ق 6/أ)، وأبو طاهر السلفي في مشيخة ابن الحطاب الرازي (227)، رقم 83، والأدفوي في الطالع السعيد (ص 95). من طريق عيسى بن حماد.

وابن عبدالحكم في فتوح مصر (199)، عن شعيب بن الليث.

كل هؤلاء عن الليث.

وأخرجه ابن حبان 5/267، رقم 1940، من طريق قتيبة بن سعيد.

والحاكم 1/325 –وعنه البيهقي في الكبرى 2/344،-. من طريق إدريس بن يحيى.

و الطبراني في الكبير 17/314، رقم868_. ومن طريقه ابن قطلوبغا في مسند عقبة بن عامر (ق 44/أ) – من طريق عمرو بن خالد الحراني.

وابن المنذر في الأوسط 3/288، رقم 1668، من طريق ابن أبي مريم.

وابن عبدالحكم في فتوح مصر (199)، عن أبيه: عبدالله بن عبد الحكم.

كلهم عن بكر بن مضر.

والليث بن سعد، وبكر بن مضر، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبدالرحمن بن شماسة أن عقبة بن عامر قام في صلاته وعليه جلوس، فقال الناس سبحان الله، سبحان الله، فعرف الذي يريدون، فلما أتم صلاته سجد سجدتين وهو جالس، وقال: إني سمعت قولكم، وهذه السنة.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وقال ابن التركماني في الجوهر النقي 1/335 بعد ذكر رواية ابن أبي شيبة السابقة، قال:

وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، خلا ابن شماسة فإن مسلماً انفرد به عن البخاري.

وقال أبو نصر السجزي – كما في مشيخة ابن الحطاب -: هذا الحديث صحيح عالٍ.

وقول الصحابي (هو السنة) مسند عند أهل النقل، وهذا الحديث لاحق برسم مسلم،

وبالله التوفيق.

قلت: والليث بن سعد تقدم أنه ثقة ثبت، وبكر بن مضر: ثقة ثبت (التقريب 751).

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على يزيد بن أبي حبيب في هذا الحديث:

1- فرواه حيوة بن شريح، عن يزيد، عن عبدالرحمن بن شماسة، عن عمرو بن العاص.

2 - ورواه الليث، وبكر بن مضر، عن يزيد، عن ابن شماسة، عن عقبة بن عامر.

ولعل الوجه الثاني أرجح؛ وإن كان راويه في الوجه الأول، وهو حيوة ثقة، إلا أن من خالفه أكثر وأوثق، وهما الليث وبكر، فكلاهما ثقة ثبت، كما تقدم، إضافة إلى أن أبا حاتم نص على أن الليث أقوى من حيوة:

قال ابن أبي حاتم في الجرح 3/307: سمعت أبي وسئل عن حيوة بن شريح، وسعيد بن أبي أيوب، ويحيى بن أيوب.

فقال: حيوة أعلى القوم، وهو ثقة، وأحب إلي من المفضل ابن فضالة. قلت: ومن الليث؟ قال الليث أحب إلي.

ومن هذا يتضح صحة ما ذهب إليه أبو زرعة من تخطئته لرواية حيوة على الوجه الأول، وترجيحه للوجه الثاني.

إلا أنه يفهم من كلام ابن أبي حاتم:... عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الأمر كان منه صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك، فالفعل والقول كانا من عقبة _رضي الله عنه_ كما تقدم في التخريج، وإن كان ذلك في حكم المرفوع.

والحديث من وجهه الراجح إسناده صحيح، كما تقدم في دراسة رجاله.

وله شاهد في الصحيحين عن عبدالله بن بحينة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام من اثنتين من الظهر فلم يجلس فيهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك.

وسيأتي تخريجه مفصلاً في المسألة رقم 516.