• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
  •  
    الخواطر والأفكار والخيالات وآثارها في القلب
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    طائر طار فحدثنا... بين فوضى التلقي وأصول طلب
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    محبة القرآن من علامات الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (10)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    نبذة عن روايات ورواة صحيح البخاري
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم والذين جاؤوا من ...
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    الحج المبرور
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    مائدة التفسير: سورة المسد
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أفضل استثمار المسلم: ولد صالح يدعو له
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    السماحة في البيع والشراء وقضاء الديون
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: الحج ومقام التوحيد: بين دعوة إبراهيم ومحمد ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    موقف الشيعة من آيات الثناء على عموم الصحابة
    الدكتور سعد بن فلاح بن عبدالعزيز
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (7)

شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (7)
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/1/2020 ميلادي - 23/5/1441 هجري

الزيارات: 11459

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (7)

[الإيمان باليوم الآخر]

 

أما الركن الخامس فهو: «الإيمان باليوم الآخر»: واليوم الآخر هو يوم القيامة؛ وسمي يوم القيامة باليوم الآخر؛ لأنه لا يوم بعده.

 

فالإنسان له مراحل أربع: مرحلة في بطن أمه، ومرحلة في الدنيا، ومرحلة في البرزخ، ومرحلة يوم القيامة، وهي آخر المراحل؛ ولهذا سمي اليوم الآخر، يسكن فيه الناس، إما في الجنة نسأل الله أن يجعلنا منهم، وإما في النار - والعياذ بالله - فهذا هو المصير.

 

والإيمان باليوم الآخر يدخل فيه؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب «العقيدة الواسطيَّة» - وهو كتاب مختصر في عقيدة أهل السنة والجماعة، من أحسن ما كتبه شيخ الإسلام رحمه الله في جمعه ووضوحه وعدم الاستطرادات الكثيرة - يقول رحمه الله: «يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت».

 

فمن ذلك: فتنة القبر: إذا دُفن الميت أتاه ملكان يجلسانه ويسألانه ثلاثة أسئلة، يقولان: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟

فيثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت - أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم - فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيِّي محمد، فينادي مناد من السماء: أن صَدَق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، ويُفسح له في قبره مد البصر، ويأتيه من الجنة روحها، ويشاهد فيها ما يشاهد من النعيم.

 

وأما المنافق - والعياذ بالله - أو الكافر، فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته؛ لأن الإيمان لم يصل إلى قلبه، إنما هو بلسانه فقط فهو يسمع ولا يدري ما المعنى، ولا يُفتحُ عليه في قبره.

 

هذه فتنة عظيمة جدًّا؛ ولهذا أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نستعيذ بالله منها في كل صلاة؛ «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار».

 

ومن ذلك أيضًا أن نؤمن بنعيم القبر وعذاب القبر؛ نعيم القبر لمن يستحق النعيم من المؤمنين، وعذاب القبر لمن يستحق العذاب، وقد جاء ذلك في القرآن والسنة، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة.

 

ففي كتاب الله يقول تبارك وتعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32]؛ أي: عند الوفاة.

 

ويقول الله سبحانه وتعالى في آخر سورة الواقعة: ﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾ [الواقعة: 88، 89]؛ يقول هذا في حال ذكر المحتضر إذا جاءه الموت، إذا كان من المقربين فَلَهُ روحٌ ورَيحان وجنة نعيم في نفس اليوم.

 

أما عذاب القبر فاستمع إلى قول الله عز وجل: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ﴾؛ أي: سكرات الموت، ﴿ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ﴾؛ مادِّين أيديهم لهذا المحتضر من الكفار، ﴿ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ﴾؛ وكأنهم شحيحون بأنفسهم؛ لأنها تُبَشَّر - والعياذ بالله - بالعذاب، فتهرب في البدن، وتتفرَّق، ويشح بها الإنسان، فيقال: ﴿ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93]؛ أي: اليوم يوم موتهم عند احتضارهم.

 

وقال الله سبحانه في آل عمران: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾، فقال: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾؛ هذا قبل قيام الساعة، ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾.

 

ولكن يجب علينا أن نعلم أن هذا النعيم والعذاب أمر غيبي لا نطلع عليه؛ لأننا لو اطلعنا عليه ما دَفَنَّا أمواتنا؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يُقِّدم ميِّته لعذاب يسمعه، يفزع؛ لأن الكافر أو المنافق إذا عجز عن الإجابة يضرب بمرزبة - قطعة من الحديد مثل المطرقة - من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولو سمعها الإنسان لصُعِق».

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر».

ولكن من نعمة الله أننا لا نعلم به حسًّا، بل نؤمن به غيبًا ولا ندركه حسًّا.

كذلك لو كان عذاب القبر شهادة وحسًّا لكان فيه فضيحة! إذا مررت بقبر إنسان وسمعته يعذَّب ويصيح ففيه فضيحة له.

 

ثالثًا: ولو أنه شهادة يُحَسُّ لكان هذا قلقًا على أهله وذويه، فلا ينامون في الليل وهم يسمعون صاحبهم يصيح ليلًا ونهارًا من العذاب، لكن من رحمة الله سبحانه وتعالى أن الله جعله غيبًا لا يُعلمُ عنه، فلا يأتي شخص ويقول: إننا لو حفرنا القبر بعد يومين لم نجد أثرًا للعذاب! نقول: لأن هذا أمر غيبي، على أن الله تعالى قد يطلع على هذا الغيب من شاء من عباده، فربما يطلع عليه، فقد ثبت في «الصحيحين» من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين في المدينة، وقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبيرة، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، فأطلَعَ الله نبيه على هذين القبرين أنهما يعذبان.

 

فالحاصل أنه يجب علينا أن نؤمن بفتنة القبر، وهي سؤال الملكين عن ربه ودينه ونبيه، وأن نؤمن بنعيم القبر أوعذابه.

 

ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر: أن يؤمن الإنسان بما يكون في نفس اليوم الآخر؛ وذلك أنه إذا نُفخَ في الصور النفخة الثانية قام الناس في قبورهم لله رب العالمين حفاة ليس عليهم نعال، وعراة ليس عليهم ثياب، وغرلًا ليس مختونين، وبُهمًا ليس معهم مال، كل الناس حتى الأنبياء والرسل يُبعثون هكذا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ [الأنبياء: 104]، فكما أن الإنسان يخرج من بطن أمه هكذا عاريًا غير منتعل، غير مختون، ليس معه مال، فكذلك يخرج من بطن الأرض يوم القيامة على هذه الصفة، يقومون لرب العالمين الرجال والنساء، والصغار والكبار، والكفار والمؤمنون، كلهم على هذا الوصف حفاة غرلًا بُهمًا، ولا ينظر بعضهم إلى بعض؛ لأنه قد دهاهم من الأمر ما يشغلهم عن نظر بعضهم إلى بعض، فالأمر أعظم من أن ينظر بعض الناس إلى بعض، ربما تكون المرأة إلى جنب الرجل ولا ينظر إليها ولا تنظر إليه؛ كما قال اله عز وجل: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 33- 37].

 

ومن الإيمان باليوم الآخر: أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يبسط هذه الأرض ويمدها كما يمد الأديم أي الجلد؛ لأن أرضنا اليوم كرة مستديرة منبعجة بعض الشيء من الجنوب والشمال، لكنها مستديرة؛ كما يفيد قوله تعالى: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ﴾ [الانشقاق: 1- 3]؛ معناه أنها لا تمد إلا إذا انشقت السماء، وذلك يوم القيامة، فتُبسط الأرض كما يبسط الجلد المدبوغ، ليس فيها أودية ولا أشجار ولا بناء ولا جبال، يَذَرُها الرب عز وجل قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عِوَجًا ولا أَمْتًا، يُحشر الناس عليها على الوصف المذكور آنفًا، وتطوى السماوات، يطويها الرب عز وجل بيمينه، وتُدنى الشمس من الخلق حتى تكون فوق رؤوسهم بقدر ميل، إما مسافة وإما ميل المكحلة وأيًّا كان فهي قريبة من الرؤوس، لكننا نؤمن بأن من الناس من يَسْلَمُ من حرِّها، وهم الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، ومنهم السبعة الذين ذكرهم الرسول في نسق واحد، فقال عليه الصلاة والسلام: «سبعة يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه».

 

الإمام العادل: هو الذي عدل في رعيته، ولا عدل أقوم ولا أوجب من أن يحكِّم فيهم شريعة الله، هذا رأس العدل؛ لأن الله يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90].

 

فمن حكم شعبه بغير شريعة الله فإنه ما عدل، بل هو كافر والعياذ بالله؛ لأن الله قال: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

 

فإذا وضَعَ هذا الحاكم قوانين تخالف الشريعة وهو يعلم أنها تخالف الشريعة، ولكنَّه عدل عنها وقال: أنا لا أعدل عن القانون، فإنه كافر ولو صلَّى، ولو تصدَّق، ولو صام، ولو حجَّ، ولو ذكر الله تعالى، ولو شهد للرسول عليه الصلاة والسلام بالرسالة، فإنه كافر مخلد في جهنم يوم القيامة ولا يجوز أن يتولى على شعب مسلم إذا قدرَ الشعب على إزاحته عن الحكم.

 

فأهمُّ العدل في الإمام أن يحكم في الناس بشريعة الله.

 

ومن العدل أن يُسَوِّيَ بين الفقير والغني، وبين العدو والولي، وبين القريب والبعيد، حتى العدو يسوِّي بينه وبين الولي في مسألة الحكم؛ حتى إنَّ العلماء رحمهم الله قالوا: لو دخل على القاضي رجلان أحدهما كافر والثاني مسلم، حرم عليه أن يُمَيِّزَ المسلم بشيء، فيدخلان جميعًا ويجلسان جميعًا، فلا يتحدث لواحد دون الآخر، ولا يَبَشُّ في وجه المسلم ويُكَشِّرُ في وجه الكافر وهما في مقام الحكم، بل يجب أن يسوي بينهما، مع أن الكافر لا شك أنه ليس كالمسلم؛ ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [القلم: 35، 36]، لكن في باب الحكم الناس سواء.

 

ومن العدل: أن يقيم الحدود التي فرضها الله عز وجل على كل أحد، حتى على أولاده وذُرِّيته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعدل الأئمة، لما شُفع إليه في امرأة من بني مخزوم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فشفع إليه أسامة رضي الله عنه فيها، فقال له: «أتشفعُ في حدٍّ من حدود الله؟!»، أنكَرَ عليه، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد.. فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وايم الله - أي أحلف بالله - لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، صلى الله عليه وسلم، فاطمة بنت محمد أشرف النساء! سيدة نساء أهل الجنة، بنت أفضل البشر، لو سرقت لقطع يدها وهو أبوها.

 

وتأمل «لقَطَعْتُ يَدَها»، ولم يقل لأمرتُ بقطع يدها! فظاهره أنه هو الذي يباشر قطعها لو سرقت؛ هذا العدل، وبهذا قامت السماوات والأرض.

 

ومن عدل الإمام أن يُوِلِّي المناصب من هو أهل لها في دينه وفي قوَّته، فيكون أمينا وقويًّا، أهلًا للأمر الذي وُلِّي عليه.

 

وأركان الولاية اثنان: القوة، والأمانة، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، ﴿ قال عفريت من الجن ﴾ لسليمان: ﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ ﴾ أي: بعرش بلقيس ﴿ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل: 39]،

 

فمن العدل أن لا يوَلِّي أحدًا منصبًا إلا وهو أهل له في قوته وفي أمانته، فإن ولَّى من ليس أهلًا ويوجد مَن هو خير منه فليس بعادل.

 

فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإمام العادل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وجعله أول هؤلاء السبعة؛ لأن العدل في الرَّعيَّة صعب جدًّا، فإذا وفِّقَ المرء الذي يوليه الله على عباده للعدل نال في هذا خيرًا كثيرًا، وانتفعت الأمة في عصره ومن بعده أيضًا؛ لأنه يكون قدوة صالحة، فهذا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

 

ثانيًا: «شاب نشأ في طاعة الله»؛ الشاب ما بين الخامس عشرة سنة إلى الثلاثين، ولا شك أن يكون للشباب اتجاهات وأفكار، ولا يستقر على شيء؛ لأنه شابٌ غضٌ، كل شيء يجذبه، وكل شيء يختطفه؛ ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحرب أن تُقتلَ شيوخُ المقاتلين المشركين ويستبقى شبابهم؛ لأن الشباب إذا عُرض عليهم الإسلام ربما يسلمون.

 

فالشاب لما كان في سن الشباب يكون له أفكار وأهواء واتجاهات فكرية وخُلقيَّة وسلوكية، صار الذي يمنُّ الله عليه وينشأ في طاعته من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

 

وطاعة الله هي امتثال أمر الله واجتناب نهيه، ولا امتثال للأمر واجتناب للنهي إلا بمعرفة أن هذا أمر وهذا نهي؛ إذًا لا بد من سبق العلم، فيكون هذا الشاب طالبًا للعلم، ممتثلًا للأمر، مجتنبًا للنهي.

 

الثالث: «رجُلٌ قلبُهُ معلَّقٌ بالمساجد»؛ أي: يحب المساجد.

وهل المقصود أماكن السجود؟ أي أنه يحب كثرة الصلاة، أو المقصود المساجد المخصوصة؟ يحتمل هذا وهذا.

هذا رجل قلبه دائمًا معلق بالمساجد، وهو مشغول في أماكن الصلاة، وفي الصلاة، إذا انتهى من صلاة انتظر الأخرى، وهكذا.

 

وهنا فرق بين قول الإنسان: اللهم أرحني بالصلاة، واللهم أرحني من الصلاة. أرحني بالصلاة: هذا خير؛ أي اجعل الصلاة راحة لقلبي، وأرحني من الصلاة: أي فُكَّني عنها. أعوذ بالله!

 

فهذا الرجل قلبه معلَّق بالمساجد دائمًا، وهو مشغول بأماكن الصلاة وبالصلاة، إذا انتهى من صلاة انتظر الأخرى، وهكذا.

 

الرابع: «رجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه»؛ أي: أحب بعضهما بعضا لا لشيء سوى الله عز وجل، فليس بينهما قرابة ولا صلة مالية، وليس بينهما صداقة طبيعيَّة، إنما أحبه في الله عز وجل؛ لأنه رآه عابدًا لله مستقيمًا على شرعه فأحبَّه، وإذا كان قريبًا أو صديقًا وما أشبه ذلك فلا مانع أن يحبه من وجهين: من جهة القرابة والصداقة، ومن الجهة الإيمانية.

 

فهذان تحابَّا في الله وصارا كالأخوين؛ لما بينهما من الرَّابطة الشَّرعيَّة الدينيَّة، وهي عبادة الله سبحانه وتعالى. اجتمعا عليه في الدنيا وتفرَّقا عليه؛ أي: لم يفرِّق بينهما إلا الموت، يحبه إلى أن مات، هذان يظلهما الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ويكونان يوم القيامة على محبتهما وعلى خلتهما؛ كما قال الله تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، تبقى الصداقة بينهما في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك من فضلك.

 

الخامس: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله»؛ رجل قادر على الجماع، دعَتْه امرأة ليجامعها بالزنا - والعياذ بالله - ذات منصب وجمال؛ أي أنها من حمائل معروفة، ليست من سقط النساء بل من الحمائل المعروفة، وهي جميلة، دَعَتْهُ إلى نفسها في مكان خال لا يطلعُ عليهما أحد، وهو فيه شهوة، ويحب النساء، لكنه قال: إني أخاف الله! لم يمنعه من فعل هذا إلا خوف الله عز وجل! فانظر إلى هذا الرجل! المقتضى موجود؛ لأنه قادر على الجماع، والمرأة جميلة، وهي ذات منصب، والمكان خال، لكن مَنَعَهُ مانعٌ أقوى من هذا المقتضى، وهو خوف الله، قال: «إنِّي أخافُ الله»، ما قال: إني لا أشتهي النساء، وما قال: لست بجميلة، وما قال: أنت من أسافل النساء، وما قال: إن حولنا أحدًا، قال: «إني أخاف الله»؛ فهذا ممن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

 

وانظر إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام عشقته امرأة العزيز ملك مصر، وكانت امرأة ملك على حال من الجمال والدلال، غلقت الأبواب بينهما وبين الناس: ﴿ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾؛ يعني: تدعوه إلى نفسها، وكان رجلًا شابًّا، وبمقتضى الطبيعة البشرية همَّ بها وهمَّت به، ولكن رأى برهان ربه ووقع في قلبه خوفُ الله فامتنع، فهدَّدته بالسجن، فقال: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ [يوسف: 33- 35]، وسُجِنَ في ذات الله وامتنع عن الزنا مع قوة أسبابه، لكنه رأى برهان ربه فخاف الله.

 

السادس: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»؛ وهذا فيه كمال الإخلاص، يخلصُ لله، لا يريد من الناس أن يطَّلعوا على عمل من أعماله، بل يريد أن يكون بينه وبين ربه فقط، ولا يريد أن يظهر للناس بمظهر المنة على أحد؛ لأن الذي يعطي أمام الناس تكون له مِنَّةٌ على من أعطاه، فهو يخفي الصدقة حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ أي: من شدة إخفائه لو أمكن أن لا تعلم يده الشمال ما أنفقت يده اليمين لفعل.

 

فهذا مخلص غاية الإخلاص وهو بعيد عن المنِّ بالصدقة، يظله الله في ظله يوم لا ظل إلاظله.

 

ولكن لاحظ أن إخفاء الصدقة أفضل - بلا شك - إلا أنه ربما يعرض لهذا الأفضل ما يجعله مفضولًا؛ مثل أن يكون في إظهار الصدقة تشجيع للناس على الصدقة، فهنا قد يكون إظهار الصدقة أفضل؛ ولهذا امتدح الله سبحانه وتعالى الذين ينفقون سرًّا وعلانية على حسب ما تقتضيه المصلحة.

 

فالحال لا تخلوا من ثلاث مراتب: إما أن يكون السر أنفع، أو الإظهار أنفع، فإن تساوى الأمران فالسر أنفع.

 

السابع: «رجل ذكر الله خاليًا ففاضتْ عيناه»؛ ذكر الله بلسانه وبقلبه، ليس عنده أحد يرائيه بهذا الذكر، خاليًا من الدنيا كلها، قلبه معلَّق بالله عز وجل، فلما ذكر الله بلسانه وبقلبه، وتذكر عظمة الرب عز وجل اشتاق إلى الله ففاضت عيناه، فهذا أيضًا ممن يُظِلُّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

 

هذه الأعمال السبعة قد يوفَّق الإنسان فيحصل على واحد منها أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة، هذا ممكن، ولا يناقض بعضه بعضًا، فقد يوفَّق الإنسان فيأخذ من كل واحدة من هذه بنصيب، كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام: «أن للجنة أبوابًا، من كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان»؛ ذكر أربعة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من واحد من هذه الأبواب من ضرورة - أي: الذي يُدعى من باب واحد سهل - فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر ».

 

نسأل الله من فضله. وهذا يعني أن أبا بكر يُدعى من كل الأبواب؛ لأنه صاحب صلاة، وصدقة، وجهاد، وصيام، فكل مسائل الخير قد أخذ منها بنصيب رضي الله عنه وأرضاه، وألحقنا به في جنات النعيم.

 

وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها: وهي أن بعض الطلبة يظنون أن المراد بالظل «في ظل يوم لا ظل إلا ظله» أنه ظلُّ الرب عز وجل، وهذا ظن خاطئ جدًّا، لا يظنه إلا رجل جاهل، وذلك أن من المعلوم أن الناس في الأرض، وأن الظل هذا يكون عن الشمس، فلو قُدِّرَ أن المراد به ظل الرب سبحانه وتعالى لزم من هذا أن تكون الشمس فوق الله، ليكون حائلًا بينها وبين الناس، وهذا شيء مستحيل ولا يمكن؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد ثبت له العلو المطلق من جميع الجهات؛ ولكن المراد: ظلٌّ يخلقه الله في ذلك اليوم يظل من يستحقون أن يظلهم الله في ظله.

 

وإنما أضافه الله إلى نفسه؛ لأنه في ذلك اليوم لا يستطيع أحد أن يُظَلَّلُ بفعل مخلوق، فليس هناك بناء ولا شيء يوضع على الرؤوس، إنما يكون الظل ما خلقه الله لعباده في ذلك اليوم، فلهذا أضافه الله إلى نفسه؛ لاختصاصه به.

 

ومما يكون في ذلك اليوم: نشر الدواوين؛ أي: صحائف الأعمال التي كُتبت على المرء في حياته؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى وكَّلَ بِكُلِّ إنسان ملكين؛ أحدهما عن اليمين، والثاني عن الشمال؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 16- 18].

 

هذان الملكان الكريمان يكتبان كل ما يعمله المرء من قول أو فعل، أما ما يحدِّث به نفسه فإنه لا يكتب عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به».

 

لكن القول والفعل يكتب على الإنسان، كاتب الحسنات على اليمين وكاتب السيئات على الشمال، فيكتبان كل ما أُمرا بكتابته، فإذا كان يوم القيامة أُلزم كل إنسان هذا الكتاب في عنقه؛ كما قال الله تعالى ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ﴾ [الإسراء: 13]، ويُخرج له هذا الكتاب فيقال: ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 14]، فيقرأه له، ويتبيَّن كل ما عنده.

 

هذا الكتاب المنشور مِنَ الناس مَن يأخذه بيمينه، ومِنَ الناس مَن يأخذه بشماله من وراء ظهره؛ أما من يأخذه بيمينه - أسأل الله أن يجعلنا منهم - فإنه يقول للناس: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19]، يُريهم إيَّاه فرِحًا ومسرورًا بما أنعم الله به عليه، وأما من أُوتي كتابه بشماله فيقول حزنًا وغمًّا وهمًّا: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25].

 

ومما يجب الإيمان به في ذلك اليوم: أن تؤمن بالحساب، بأن الله تعالى يحاسب الخلائق؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، وقال الله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]؛ فيحاسب الله الخلائق، ولكن حساب المؤمن حساب يسير ليس فيه مناقشة، يخلو الله سبحانه وتعالى بعبده المؤمن ويضع عليه سِترَهُ، ويُقرِّرَهُ بذنوبه، يقول: أتذكرُ كذا، أتذكرُ كذا؟ حتى يقول: نعم، ويُقرُّ بذلك كلِّه، فيقول الله عز وجل له: «إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم».

 

وما أكثر الذنوب التي سترها الله علينا! فإذا كان الإنسان مؤمنًا قال الله له: «فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم». إلخ.

 

أما الكافر - والعياذ بالله - فإنه يُفضحُ ويُخزى، ويُنادى على رؤوس الأشهاد: ﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18].

 

ومما يجب الإيمان به مما يكون في يوم القيامة: الحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو حوض يُصَبُّ عليه ميزابان من الكوثر، وهو النهر الذي أُعْطِيَهُ النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1]، فيصب منه ميزابان على الحوض الذي يكون في عرصات يوم القيامة، وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بأن ماءه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك، وأن آنيته كنجوم السماء، وأن طوله شهر وعرضه شهر، وأن من شرب منه مرَّةً واحدة فإنه لا يظمأ بعدها أبدًا.

 

هذا الحوض يَرِدُهُ المؤمنون من أمة النبي صلى الله عليه وسلم - أسأل الله أن يُوردني وإياكم إياه - يَرِدهُ المؤمنون يشربون منه.

 

وأما من لم يؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام فإنه يُطرَدُ عنه ولا يشرب منه، نسأل الله العافية.

 

وهذا الحوض الذي جعله الله للنبي عليه الصلاة والسلام هو أعظم حِياض الأنبياء، ولكلِّ نبيٍّ حوضٌ يرده المؤمنون من أمَّته، لكنها لا تُنسبُ إلى حوض الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه الأمة يمثِّلون ثُلُثي أهل الجنة، فلا جرم أن يكون حوض النبي عليه الصلاة والسلام أعظم الحياض وأكبرها وأوسعها وأعظمها وأشملها.

 

ومما يجب الإيمان به أيضًا في ذلك اليوم: الإيمان بالصِّراط، والصراط جسر منصوب على جهنم، وهو أدقُّ من الشعر وأحدُّ من السيف، يَمُرُّ الناسُ عليه على قدر أعمالهم، من كان مسارعًا في الخيرات في الدنيا كان سريعًا في المشي على هذا الصراط، ومن كان متباطئًا كان متباطئًا، ومن كان قد خَلَطَ عملا صالحًا وآخر سيئًا ولم يعف الله عنه فإنه ربما يكردس في النار والعياذ بالله!

 

يختلف الناس في المشي عليه، فمنهم من يمر كلمح البَصَر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالرِّيح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يمشي، ومنهم من يزحف، ومنهم من يُلقى في جهنم.

 

وهذا الصراط لا يمر عليه إلا المؤمنون فقط، أما الكافرون فإنهم لا يمرُّون عليه؛ وذلك لأنهم يساقون في عرصات القيامة إلى النار مباشرة، نسأل الله العافية، فإذا عبروا على الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيُقتصُّ من بعضهم لبعض، وهذا القصاص غير القصاص الذي يكون في عرصات يوم القيامة، هذا القصاص - والله أعلم - يراد به أن تتخلَّى القلوب من الأضغان والأحقاد والغلِّ، حتى يدخلوا الجنة وهم على أكمل حال.

 

وذلك أن الإنسان وإن اقتُصَّ له ممن اعتدى عليه فلا بد أن يبقى في قلبه شيء من الغلِّ والحقد على الذي اعتدى عليه، ولكن أهل الجنة لا يدخلون الجنة حتى يُقْتَصُّ لهم اقتصاصًا كاملًا، فيدخلونها على أحسن وجه، فإذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِنَ لهم في دخول الجنة، ولكن لا يُفتح باب الجنة لأحد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا يشفعُ هو بنفسه لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، كما أنه شفع للخلائق أن يُقضى بينهم ويستريحوا من الهول والكرب والغم الذي أصابهم في عرصات القيامة.

 

وهاتان الشفاعتان خاصتان برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أعني الشفاعة في أهل الموقف حتى يُقضى بينهم، والشفاعة في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة؛ فيكون له صلى الله عليه وسلم شفاعتان: إحداهما في نجاة الناس من الكروب والهموم، والثانية في حصول مطلوبهم، وهو فتح باب الجنة، فيُفتح.

 

فأول من يدخل الجنة من الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل كل الناس، وأوَّل مَن يدخلها من الأمم أمة النبي صلى الله عليه وسلم، أما أهل النار - والعياذ بالله - فيساقون إلى النار زُمرًا، ويدخلونها أمة بعد أمة، ﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾، والعياذ بالله.

 

الثانية تلعنُ الأولى وهكذا، ويتبرَّأ بعضهم من بعض، نسأل الله العافية.

 

فإذا أتَوْا إلى النار وجدوا أبوابها مفتوحة، حتى يُبْغتوا بعذابها والعياذ بالله، فيدخونها ويخلَّدُ فيها الكفار أبد الآبدين، إلى أبد لا منتهى له؛ كما قال الله عز وجل في كتابه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 168، 169].

 

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 64- 68].

 

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجـن: 23]

فهذه ثلاث آيات من كتاب الله عز وجل كلها فيها التصريح بأن أهل النار خالدون فيها أبدًا.

 

ولا قول لأحد بعد كلام الله عز وجل.

كما أن أهل الجنة خالدون فيها أبدًا.

 

فإن قال قائل: إن الله تعالى قال في سورة هود: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود: 106- 108].

 

ففي أهل الجنة قال: ﴿ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾؛ يعني: غير مقطوع، بل هو دائم، وفي أهل النار قال: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾؛ فهل هذا يعني أن أهل النار ينقطع عنهم العذاب؟

فالجواب: نقول لا، ولكن لما كان أهل الجنة يتقلَّبون بنعمة الله بيَّن الله سبحانه وتعالى أن عطاءهم لا ينقطع، أما أهل النار فلما كانوا يتقلَّبون بعدل الله قال: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾؛ فلا معقِّب لحكمه، وقد أراد أن يكون أهل النار في النار، فهو يفعل ما يريد.

 

هذا هو الفرق بين أهل النار وأهل الجنة، فأهل الجنة عطاؤهم غير مجذوذ، وأما أهل النار فإنهم يتقلَّبون بعدل الله، والله سبحانه وتعالى فعَّالٌ لما يريد.

 

هذا الكلام فيما تيسَّر مما يتعلَّق بالإيمان باليوم الآخر.

 

المصدر: «شرح رياض الصالحين» (1 /453 - 473)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (1)
  • شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (2)
  • شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (3)
  • شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (4)
  • شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (5)
  • شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (6)
  • شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (8)
  • شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (9)

مختارات من الشبكة

  • العناية بشروح كتب الحديث والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح الحديث الخامس من أحاديث الأربعين النووية (حديث النهي عن البدع)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (2): حديث جبريل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح الحديث الثاني من الأربعين النووية: حديث مراتب الدين (الإحسان: معناه وأسباب تحقيقه)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • شرح الحديث التاسع من الأربعين النووية (حديث النهي عن كثرة السؤال والتشدد)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • السعي الجميل للأجر الجزيل في شرح حديث سؤال جبريل لنعمان الطرسوسي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة السعي الجميل للأجر الجزيل في شرح حديث سؤال جبريل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح حديث (الذي قال لأولاده أحرقوني..) وذلك بإرجاع متشابه الحديث إلى محكمات القرآن والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام الحديث - الحديث الصحيح (1) (شـرح المنظومـة البيقونية)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • أقسام الحديث - الحديث الصحيح (2) (شرح المنظومة البيقونية)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 0:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب