ملخص كتاب: إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف (1)

ملخص كتاب:

إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصفِّ من الأحكام والوصف ( 1 )

الحمد لله. في زمن تزايدت فيه التحديات التي تهدد كيان الأمة الإسلامية من الداخل والخارج، تأتي هذه الدراسة لتعيد النظر في معاني سورة الصف المباركة ودورها التوجيهي في صياغة نهج حياة المسلمين. تمثل السورة خارطة طريق تنير السبيل نحو النجاة في الدنيا، والفلاح في الآخرة، بما تقدمه من رؤية شمولية تجمع بين الجهاد، والعمل الصادق، والالتزام بتنزيه الله تعالى.

هذا الكتاب هو أحد أعمال فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عبدالرحمن النقيب، أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية التربية، جامعة المنصورة، مصر. ولد الشيخ في السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وتميز بنبوغه المبكر؛ حيث أتمَّ حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه العاشرة. نال الشيخ النقيب درجاته العلمية في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، متوِّجًا مسيرته الأكاديمية بالدكتوراه من جامعة القاهرة. له العديد من المؤلفات التي تنوعت بين الفقه والتفسير والعقيدة؛ مما يعكس عمق علمه وحرصه على تقديم الإسلام برؤية متجددة تتوافق مع متطلبات العصر.

هذا العمل الصادر عن دار طابة للنشر، المنصورة، مصر، في طبعته الأولى عام 2015، يتكون من 124 صفحة من القطع المتوسط. يمثل الكتاب محاولة جادة لإعادة تعريف علاقة المسلمين بسورة الصف، من خلال استنباط معانيها وتطبيقاتها العملية، بما يعين الأمة على استرداد عافيتها وقوتها.

إن سورة الصف، بما تحتويه من توجيهات ووعود إلهية، تجسد رؤية قرآنية متكاملة لإقامة العدل وإحياء العزة الإسلامية؛ حيث ترتبط المبادئ العقدية بالممارسات العملية، فتشكل منظومة حياة متوازنة وقادرة على مواجهة التحديات المعاصرة.

يقدم هذا الكتاب دراسة تحليلية موسعة لسورة الصفِّ، مسلطًا الضوء على عمق معانيها ودورها التوجيهي في حياة الأمة الإسلامية. تنطلق الدراسة من استعراض شامل لأسباب نزول السورة، متعمقةً في السياقات التاريخية والاجتماعية التي شكلت خلفية النص، مع توضيح الأبعاد العقدية والأخلاقية التي تحتضنها. يتناول الكتاب مفهوم الجهاد بكافة صوره بوصفه ضرورة شرعية، حيث يطرح بُعْده النفسي والاجتماعي كوسيلة لتحقيق التمكين والارتقاء بالأمة نحو العزة المنشودة.

يمتاز هذا البحث بمعالجة متأنية لمفهوم الصدق في الأقوال والأفعال، مستمدًّا ذلك من قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2]، ويبيِّن كيف يسهم الصدق في تعزيز وحدة المجتمع الإسلامي وتقوية بنيانه الأخلاقي. كما يتناول الكتاب التسبيح بمفهومه الشامل، الذي يتجاوز الأقوال ليصبح منهجًا عمليًّا يعبر عن تنزيه الله تعالى في جميع الممارسات والأفكار، بما يعكس جوهر التوحيد وعمق الإيمان.

يتسم التحليل اللُّغوي والبلاغي للسورة بقدرته على إبراز العلاقة بين التركيب النحوي والمعاني العقدية التي تهدف السورة إلى ترسيخها. ومن خلال منهج متوازن يدمج بين الدين والدنيا، يعرض الكتاب رؤية متكاملة لاستعادة الأمة الإسلامية لمكانتها القيادية في العالم. بهذا، تصبح سورة الصف نموذجًا حيًّا يمكن من خلاله فهم معاني النصر والتمكين بوصفها وعودًا إلهية تتحقق عبر الالتزام بأوامر الله تعالى والعمل الصادق لتحقيق غاياته.

مقدمة المصنف:

قال الشيخ د. أحمد النقيب حفظه الله في مقدمته لهذا الكتاب: في الوقت الذي أحاط به أهل الكفر بأهل الإسلام في ديار الإسلام، يغيرون عليهم، ويسلبونهم أرضهم وحريتهم، ويستولون على أموالهم، ويخربون عقول الناشئة منهم، ويشككون في دينهم، ويشرعون رماح التشويه في سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويفوِّقون سهام التشويه في أئمتهم وعلمائهم، في الوقت الذي دانت الأرض للغرب الكافر، وأصبحت دولةٌ هي محورَ العالم والمهيمنة عليه، في الوقت الذي استدار فيه عبدة الصليب ليثأروا منا لمن قتله آباؤنا المجاهدون المسلمون على أرضنا الطيبة منذ قرون، في الوقت الذي خفتت فيه أصوات المسلمين، وضاعت فيه صيحاتهم، ووهنت فيه قواهم، حتى أيس كثير من الناس ورضوا بهوان أهل الكفر، فاستسلموا لهذه الإرادات الأممية العالمية وصاروا أسراها بل- أحيانًا- وجندًا من جنودها. وصارت طائفة أخرى- هي الأقل- تنادى يا غوثاه! كيف السبيل؟ وما النجاة؟ وما هو المخرج مما نحن فيه الآن؟ كيف نسترد ملكنا السليب؟ وكيف نملك مجدنا التليد؟ بل كيف نعيش حياة السعادة؟ ما النجاة؟! ما النجاة؟!

في هذا الوقت العصيب، وفي هذه الفتنة الصلعاء، وفي هاكم الظلمة المسدلة، تأتي سورة "الصف" لتزن الأقوال والأعمال، ولترسم منهاج الحياة للمسلم وسبيل النجاة له، تأتي لتقيم له التوازن المفقود بين الدين والدنيا والحياة والآخرة، تجسد هذه السورة التصورات والأفكار والأطروحات الإسلامية التي كان عليها سلفنا الأول زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن صحابته والتابعين الكرام.

ما أحوجنا إلى هذه السورة المباركة: فهمًا وتدبرًا، درسًا وتطبيقًا، لنرقى بعدئذٍ في درجات العز الدنيوي، والمجد الأخروي الأبدي، والرضا الدائم الرباني، وهذا كله بعد النصر والتمكين، كما وعد الله الكريم عباده المؤمنين.

هذا وقد طبعت هذه الرسالة منذ أكثر من تسع سنين، فرأى بعض من أُحب أهمية إعادة طبع هذه الرسالة، لمناسبتها ظروف الأمة هذه الآونة، فأجلت عيني فيها، لأقيم بعض ما التوى، وأهذب بعض ما انتفش، فأتت هذه الرسالة في صورتها التي بين يديك- أيها القارئ الحبيب- فالله أسأل أن يوفقنا جميعًا، وأن يلهمنا الحق والصواب، وأن يتقبل منا إنه هو السميع العليم، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الحبيب محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

ختامًا:

قلت: يكشف هذا الكتاب عن ثراء سورة الصف ودورها المحوري في بناء الفرد والمجتمع وفق المنهج الإسلامي القويم. تعكس السورة من خلال آياتها ضرورة توحيد الجهود بين المسلمين وتعزيز الالتزام بالعمل الصادق بوصفه جوهر الإيمان وسر النجاح في الدنيا والآخرة. إنها دعوة صريحة للتفكر في وعود الله بالنصر والتمكين، وكيفية تحقيقها عبر الجهاد المشروع والعمل من أجل رضاه.

يوضح الكتاب أن العزة الحقيقية للمسلمين تكمن في اتِّباع نهج الله، مستعرضًا العلاقة الوطيدة بين الجهاد والتوحيد، والدور التكاملي بين الإيمان والعمل الصالح. كما يبرز أن التسبيح الشامل ليس مجرد عبادة لفظية، بل هو أسلوب حياة يعبر عن عمق الإيمان وتنزيه الله في كل الشؤون.

إن هذا الكتاب ليس فقط دعوة لفهم أعمق لسورة الصف، ولكنه أيضًا تحفيز لكل مسلم ليعيش معانيها ويطبقها في حياته اليومية. وبهذا، فإن العودة إلى تعاليم هذه السورة تمثل استعادة للقوة والعزة التي وعد الله بها عباده المؤمنين. نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لتدبر كتابه والعمل به، وأن يكون هذا الجهد العلمي مصدرًا للإلهام والنهضة لكل قارئ ومهتم بشؤون الأمة الإسلامية.

وبإذن الله، سنسعى في مقالات قادمة إلى نشر بعض الفوائد المستخلصة من هذه السورة المباركة، مستندين إلى هذا الكتاب القيم، لتعم الفائدة وتتحقق الغاية من هذا العمل المبارك.