• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{والذين إذا فعلوا فاحشة}

{والذين إذا فعلوا فاحشة}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/2/2025 ميلادي - 13/8/1446 هجري

الزيارات: 897

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾ [آل عمران: 135]

 

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136].

 

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾ هذا هو الوصف الخامس من أوصاف المتقين الذين أُعدت لهم الجنان، التي عرضُها كعرض السماوات والأرض.

 

والواو هذه حرف عطف، والأصل في المعطوف أن يكون مغايرًا للمعطوف عليه، وليس المراد إذا قلنا: إن العطف يقتضي المغايرة، أن تكون المغايرة في الذات فقط، بل قد يكون التغاير في «الذات» وفي «اللفظ»، وفي «الصفة» وفي «المعنى».

 

فإذا قلنا: قدِم زيد وعمرو، فهنا عطف يقتضي المغايرة في الذات؛ لأن هذا غير هذا بلا شك.

 

والتغاير في اللفظ مثل قول الشاعر:

فألْفَى قولَها كذبًا ومَينا


فالْمَين هو الكذب، ولكنه عطف عليه من باب عطف المترادفين؛ ولهذا لا يأتي في اللغة العربية: كذبًا وكذبًا، إنما يأتي: كذبًا ومينًا، فلا بد من التغاير في اللفظ.

 

وفي هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾ المغايرة في الصفة؛ فهي كقوله: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴾ [الأعلى:١ - ٤]، فالذي قدَّر فهدى، والذي أخرج المرعى هو الله سبحانه، لكن هذا عطف صفة على صفة.

 

والتغاير في المعنى قريب من التغاير في الصفة.

 

وأصل الفُحْش: القُبْح الخارج عن الحد شرعًا أو عُرفًا؛ أي: الفعلة القبيحة الشديدة القبح.

 

وكثُر استعمال الفاحشة في الزنا؛ ولذلك قال جابر حين سمع الآية: "زنوا ورب الكعبة"؛ وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ﴾ [النساء: 15]، وقوله: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].

 

فالزنا فاحشة شرعية وفاحشة عُرفية، كذلك اللواط فاحشة شرعية وعرفية؛ قال لوط لقومه: ﴿ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ﴾ [الأعراف: ٨٠]، كذلك نكاح ما نكح الآباء هو أيضًا فاحشة: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 22].

 

﴿ أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ المراد به: ما دون الفاحشة.

 

قال الزمخشري: "الفاحشة: ما كان فعله كاملًا في القُبْح، وظُلْمُ النفس هو أي ذَنْب كان، مما يؤاخَذُ الإنسانُ به".

 

وقال النخعي: "الفاحشة القبائح، وظلم النفس من الفاحشة؛ وهو لزيادة البيان".

 

وقيل: جميع المعاصي، وظلم النفس العمل بغير علم ولا حُجة.

 

وقيل: الفاحشة ما تُظُوهر به من المعاصي، وظلم النفس ما أُخفِيَ منها.

 

وقيل: الفاحشة الذنب الذي فيه تبعة للمخلوقين، وظلم النفس ما بين العبد وبين ربه.

 

وقال الباقر: الفاحشة النظر إلى الأفعال، وظلم النفس رؤية النجاة بالأعمال.

 

فكلُّ من خالف أمر الله بفعل محرَّم أو ترك واجبٍ، فقد ظلم نفسه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1]؛ لأن النفس عندك أمانة تجب عليك رعايتها، وقد أوصاك الله بها فقال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: ٢٩]، وقال: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]، فنهى عن قتل النفس وعن ظلم النفس؛ لأنها أمانة عندك.

 

والتعبير بصيغة الشرط: ﴿ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ﴾ يفيد اقتران الجواب بالشرط؛ أي: إنَّ ذِكْرَ الله يكون عند الارتكاب، ولا يكون بينهما تراخٍ يجعل الشر يفرخ في النفس، فالتوبة إلى الله تكون فور الارتكاب، لا تراخي بينهما، ولا يستمر في المعصية حتى تُحيط به خطيئته.

 

﴿ ذَكَرُوا اللَّهَ ﴾ هو ذكر القلب وهو ذكر ما يجب لله على عبده، وما أصابه، وهو الذي يتفرع عنه طلب المغفرة، وأما ذكر اللسان فلا يترتب عليه ذلك.

 

ولذكر الله تعالى مرتبتان:

إحداهما: ذكر أوامره ونواهيه، وما أعدَّه للمذنبين، وما أعده للمتقين.

 

والثانية؛ وهي العليا: ذكر جلاله وعظمته وعلمه بما تخفي الصدور، وهذه لا ينالها إلا الأبرار المقرَّبون.

 

فذِكْرُ الأول من باب «الهرب» وذكر الثاني من باب «الطلب»، والعابد بمقتضى الطلب أعلى حالًا من العابد بمقتضى الهرب، قالوا: لأن الطالب ناصح في غيبة المطلوب وفي حضوره، والهارب ناصح في حضور المخوف، لكن في غير حضوره لا يهتم.

 

﴿ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ والاستغفار: طلب المغفرة؛ أي: الستر للذنوب، وهو مجاز في عدم المؤاخذة على الذنب؛ ولذلك صار يُعدَّى إلى الذنب باللام الدالة على التعليل كما هنا، وقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [غافر: 55].

 

ولما كان طلب الصفح عن المؤاخذة بالذنب لا يصدر إلا عن ندامة، ونية إقلاع عن الذنب، وعدم العودة إليه، كان الاستغفار في لسان الشارع بمعنى «التوبة»؛ إذ كيف يطلب العفو عن الذنب مَن هو مستمر عليه، أو عازم على معاودته، ولو طلب ذلك في تلك الحالة، لكان أكثر إساءة من الذنب؛ فلذلك عُدَّ الاستغفار هنا رتبة من مراتب التقوى، وليس الاستغفار مجرد قول: أستغفر الله باللسان، والقائل ملتبِّس بالذنوب.

 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بلغني أن إبليس حين نزلت: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 135]؛ الآية، بَكَى".

 

﴿ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ جملة اعتراض بين المتعاطفين، فيها بيان إجابة الاستغفار، وفيها بيان أنه لا مفزع من الله إلا إليه، وفيها ترفيق للنفس، وداعية إلى رجاء الله وسَعَة عفوه، واختصاصه بغفران الذنب؛ لأنه استثناء مفرَّغ وهو الذي لم يُذكر فيه المستثنى منه، وسُبق بنفي أو نهي أو استفهام، فإذا قلت: ما قام إلا زيد، فهنا الاستثناء مفرغ لم يُذكر فيه المستثنى منه، وإذا قلت: ما قام أحد إلا زيد، فهذا غير مفرغ؛ لأنه ذُكر المستثنى منه.

 

قال البقاعي: "ولما كان هذا مُفهمًا أنه يغفر لهم لأنه غفار لمن تاب، أتبعه بتحقيق ذلك، ونفى القدرة عليه عن غيره، مرغبًا في الإقبال عليه بالاعتراض بين المتعاطفين".

 

قال الزمخشري: "وصف ذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة، وأنَّ التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له، وأنَّه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه، وفيه تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة وبعث عليها، وردع عن اليأس والقنوط، وأنَّ الذنوب وإن جلَّت فإنَّ عفوه أجلُّ، وكرمه أعظم، والمعنى: أنه وحده معه مصححات المغفرة".

 

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن عبدًا أصاب ذنبًا فقال: ربِّ أذنبت، فاغفر لي، فقال ربه: أعلِم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا، فقال: رب أذنبت، فاغفره، فقال: أعلِم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا، قال: ربِّ أصبتُ آخرَ، فاغفره لي، فقال: أعلِم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثًا، فليعمل ما شاء)).

 

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: ((قلنا: يا رسول الله، إنا إذا رأيناك رقَّت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا، وشممنا النساء والأولاد، قال: لو تكونون - أو قال: لو أنكم تكونون - على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة بأكفِّهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا، لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم، قال: قلنا: يا رسول الله، حدِّثنا عن الجنة، ما بناؤها؟ قال: لبنة ذهب ولبنة فضة، ومِلاطها المسكُ الأذْفَرُ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعَم ولا يبأس، ويخلُد ولا يموت، لا تبلَى ثيابه ولا يفنى شبابه، ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يُفطر، ودعوة المظلوم تُحمل على الغمام، وتُفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين))؛ [حديث صحيح بطرقه وشواهده].

 

وروى أحمد بسند صحيح عن عليٍّ رضي الله عنه قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيري استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني - وصدق أبو بكر - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من رجل يُذنب ذنبًا فيتوضأ فيُحسن الوضوء، قال مسعر: ويصلي، وقال سفيان: ثم يصلي ركعتين، فيستغفر الله عز وجل، إلا غفر له)).

 

وروى أحمد بسند حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن إبليس قال لربه عز وجل: وعزتك وجلالك لا أبرح أُغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فقال له ربه عز وجل: فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني)).

 

وقيل للحسن: ألَا يستحي أحدنا من ربه، يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: "ود الشيطان لو ظفِر منكم بهذا؛ فلا تَمَلُّوا من الاستغفار".

 

ورُوِيَ عنه أنه قال: "ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين"؛ يعني: أن المؤمن كلما أذنب تاب.

 

﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا ﴾؛ أي: ولم يقيموا على قبيح فعلهم؛ قال قتادة: "الإصرار المضي في الذنب قُدُمًا".

 

وأصل الإصرار: الثبات على الشيء، أو هو الشد على الشيء والربط عليه مأخوذ من الصر، والصرة معروفة.

 

وقوله: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا ﴾ إتمام لركني التوبة؛ لأن قوله: ﴿ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ يشير إلى الندم، وقوله: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا ﴾ تصريح بنفي الإصرار، وهذان ركنا التوبة؛ وفي الحديث: ((النَّدَمُ تَوْبَةٌ))؛ [أحمد: حسن].

 

﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]؛ أي: يعلمون سوء فعلهم، وعظم غضب الرب، ووجوب التوبة إليه، وأنه تفضَّل بقبول التوبة، فمحا بها الذنوب الواقعة.

 

والمعنى: وليسوا ممن يصرُّ على الذنوب وهم عالمون بقبحها، وبالنهي عنها، والوعيد عليها؛ لأنه قد يُعذر من لم يعلم قبح القبيح.

 

وقال مجاهد وأبو عمارة: يعلمون أن الله يتوب على من تاب؛ وهذا كقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ [التوبة: 104].

 

وقيل: يذكرون ذنوبهم فيتوبون منها، أطلق اسم العلم على الذكر؛ لأنه من ثمرته.

 

وهذه الجملة معطوفة على ﴿ فَاسْتَغْفَرُوا ﴾، فهي من بعض أجزاء الجزاء المترتب على الشرط.

 

وروى أحمد بسند حسن عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ((ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ، وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)).

 

وقد انتظم من قوله: ﴿ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا ﴾، وقوله: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا ﴾، وقوله: ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ الأركان الثلاثة التي ينتظم منها معنى التوبة في كلام أبي حامد الغزالي في كتاب التوبة من «إحياء علوم الدين» إذ قال: "وهي علم، وحال، وفعل؛ فالعلم هو معرفة ضر الذنوب، وكونها حجابًا بين العبد وبين ربه، فإذا علِم ذلك بيقين ثار من هذه المعرفة تألم للقلب؛ بسبب فوات ما يحبه من القرب من ربه، ورضاه عنه، وذلك الألم يسمى ندمًا، فإذا غلب هذا الألم على القلب، انبعث منه في القلب حالة تسمى إرادة وقصدًا إلى فعلٍ، له تعلق بالحال والماضي والمستقبل؛ فتعلقه بالحال هو ترك الذنب بالإقلاع، وتعلقه بالمستقبل هو العزم على ترك الذنب في المستقبل، وتعلقه بالماضي بتلافي ما فات".

 

﴿ أُولَئِكَ ﴾ إشارة إلى الصنفين، وجيء باسم الإشارة لإفادة أن المشار إليهم صاروا أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة؛ لأجل تلك الأوصاف التي استوجبوا الإشارة لأجلها.

 

﴿ جَزَاؤُهُمْ ﴾ على هذه الصفات.

 

﴿ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾، فاستحقوا برحمة الله تعالى جزاءهم؛ وهو ثلاثة: أعلاها مغفرة من ربهم الذي خلقهم، وهذه المغفرة دليل رضاه، وهو أعلى جزاء، والثاني الجنات التي تتوافر فيها أنواع النعيم، وثالثها الخلود، فهو نعيم ليس على مظنة الانتهاء؛ إذ إن توقع الزوال ينقص من قدره.

 

وفيه أن مغفرة الله عز وجل للمرء من أعظم الثواب، فلا تغفُل أن تُكثر من سؤال المغفرة؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزلت عليه سورة النصر يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)).

 

﴿ وَنِعْمَ ﴾ فيه إشارة إلى عظم هذا الأجر؛ لأن العظيم إذا أثنى على شيء دلَّ على عِظمه، والله سبحانه وتعالى هو العظيم جل وعلا، وقد أثنى على هذا النعيم.

 

﴿ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 136]؛ أي: ثوابهم، وجعله ذو الفضل والإحسان أجرًا ليكون الإنسان مطمئنًّا على الحصول عليه إذا قدم العوض، وإلا فالمنة لله عز وجل أولًا وآخرًا، لكن يمن علينا والحمد الله بالعمل، ثم يمن علينا ثانيًا بالجزاء؛ ويقول: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: ٦٠]، كأننا نحن محسنون استقلالًا وابتداء، فإذا أحسنَّا فجزاؤنا أن يُحسِن إلينا، مع أنه سبحانه وتعالى هو الذي أحسن إلينا أولًا وآخرًا؛ كذلك يقول جل وعلا: ﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإنسان: 22]، سبحان الله! يمن علينا بالسعي ويوفقنا له، ويُعيننا عليه ثم يشكرنا عليه، هذا والله هو غاية الفضل والإحسان، فله الحمد والشكر.

 

والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: ونعم أجر العاملين ذلك؛ أي: المغفرة والجنة.

 

والمعنى: أن المطلوب بالتوبة أمران:

الأول: الأمن من العقاب، وإليه الإشارة بقوله: ﴿ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾.

 

والثاني: إيصال الثواب إليه، وهو المراد بقوله: ﴿ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ [آل عمران: 136].

 

قال ابن عطية: أوجب على نفسه بهذا الخبر الصادق قبول توبة التائب، وليس يجب عليه تعالى من جهة العقل شيء، بل هو بحكم الملك لا معقِّب لأمره.

 

ورُوِيَ أن الله عز وجل أوحى إلى موسى عليه السلام: "ما أقلَّ حياءَ مَن يطمعُ في جنتي بغير عمل، كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي؟".

 

وعن شهر بن حوشب: "طلب الجنة بلا عمل ذنبٌ من الذنوب، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوعٌ من الغرور، وارتجاء الرحمة ممن لا يُطاع حمق وجهالة".

 

وعن الحسن يقول الله يوم القيامة: "جُوزوا الصراط بعفوي، وادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • والذين إذا فعلوا فاحشة
  • تفسير آية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ...)
  • {قاتل معه ربيون..}

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علامات الفعل والحرف(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الكلام على قوله تعالى ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا ) من سورة الأعراف(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه }(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • تفسير: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب