• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

التجارة الرابحة في سبيل الله: تأملات في تفسير سورة الصف من كتاب إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف

التجارة الرابحة في سبيل الله: تأملات في تفسير سورة الصف من كتاب إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف م
أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/2/2025 ميلادي - 9/8/1446 هجري

الزيارات: 932

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التجارة الرابحة في سبيل الله: تأملات في تفسير سورة الصف من كتاب

(إتمام الرصف بذكر ما حَوَتْهُ سورة الصف من الأحكام والوصف)


الحمد لله الذي جعل الجهاد في سبيله تجارة رابحة، ووعد عباده المؤمنين بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فهذه آيات مباركات من سورة الصف، تناولها فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عبدالرحمن النقيب، أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية التربية، جامعة المنصورة، مصر، بتفسير ماتع وتحليل إيماني في كتابه: (إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف)، وفي هذا المقال، نستعرض فائدة مُستلَّة من هذا التفسير المبارك؛ حيث نسلط الضوء على معاني الآيات التي تتناول مفهوم التجارة الرابحة المتمثلة في الإيمان والجهاد في سبيل الله، وما أعده الله للمؤمنين من مغفرة وجنات وفتح قريب؛ لتكون هذه التأملات منارة للمسلمين في العمل واليقين.

 

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 10 - 13].


قال المصنف حفظه الله: يعود الخطاب الكريم مرة ثانية ليحُث المؤمنين إلى ما فيه خير لهم، ويزيد الخطاب في تحفيز المؤمنين وتشويقهم إلى تلقِّيه؛ وذلك بأن يأتي المنُادى به استفهامًا: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ ﴾ [الصف: 10] والدِّلالة (بفتح الدال وكسرها وضمها) بمعنى: السداد والهداية والإرشاد، يُقال: دَلَّه عليه... فاندَلَّ: سدده إليه وأرشده[1].

 

ثم أرشد الله تعالى - وهو نِعم المخاطِب - إلى هذه التجارة ووصَفها بأنها تُنَجِّى؛ أي: تخلِّص من عذاب أليم، يُقال: نجا منه؛ أي: خلص من أذاه، ونَجَّى فلانٌ فلانًا: خَلَّصه[2]، إذًا هذه الكلمة توحي بأن المنجَّى منه مما يُكره ويُهرب منه، وليس أكْرَه على النفس المسلمة من أن يتعرض لسخط الله وغضبه فيُعذب؛ ولذا قال تعالى: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185].

 

وقرأ ابن عامر وحده: ﴿ تُنَجِّيكُمْ ﴾ بالتشديد، وقرأ الباقون: ﴿ تُنْجِيكُمْ ﴾ بالتخفيف[3]، ويمكن الاجتهاد دلاليًّا في توجيه تينك القراءتين، والآية "وصية ودلالة وإرشاد من أرحم الراحمين لعباده المؤمنين، لأعظم تجارة، وأجَلِّ مطلوب، وأعلى مرغوب، يحصل بها النجاة من العذاب الأليم، والفوز بالنعيم المقيم، وأتى بأداة العرض - يقصد الشيخ: أداة الاستفهام (هل) - الدالة على أن هذا أمر يرغب فيه كل معتبِر، ويسمو إليه كل لبيب، فكأنه قيل: ما هذه التجارة التي هذا قدرها؟ فقال: ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الصف: 11][4].

 

وقوله تعالى: ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... ﴾ [الصف: 11] هذه الجملة الفعلية مع أنها في منزلة جواب الاستفهام، إلا أنها خبرية بمعنى الأمر، ومعناها: "آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله..."، ويَدُلُّ على هذا الوجه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية؛ حيث قرأها: (آمنوا... وجاهدوا...)[5] ، وجعْلُ الخبر بمنزلة الأمر باب معروف في اللغة، استعملته العرب، وجاء به القرآن؛ ومما جاء به القرآن قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]، فالمقصود بهذه الصيغة أمر الوالدات بإرضاع أولادهن، لا الإخبار بوقوع الإرضاع من الوالدات[6]، وإيراد الأمر في صورة الخبر؛ للإيذان بوجوب الامتثال وعدم التأخر[7]، والمقصود بالإيمان المطلوب امتثاله فورًا "التصديق الجازم بما أمر الله بالتصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح، التي من أجَلِّها الجهاد في سبيله؛ فلهذا قال: ﴿ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾ [الصف: 11] بأن تبذلوا نفوسكم ومُهَجكم لمصادمة أعداء الإسلام، والقصد: دين الله، وإعلان كلمته، وتُنفقون ما تيسَّر من أموالكم في ذلك المطلوب[8].

 

ونلحظ هنا أن الله الكريم "قدَّم ذكر الأموال على الأنفس؛ لأنها هي التي تبدأ بها في الإنفاق والتجهيز إلى القتال"[9].

 

ويجدر بنا – في هذا المقام – أن ننقل ما قيَّده الشيخ عطية سالم رحمة الله عليه في هذه الآيات؛ قال: "قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الصف: 10]، فُسِّرت التجارة بقوله تعالى: ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 11].


والتجارة: هي التصرف في رأس المال طلبًا للربح[10]؛ كما قال تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 282]، وقوله تعالى: ﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾ [التوبة: 24].

 

والتجارة هنا فُسِّرت بالإيمان بالله ورسوله، وبذل المال والنفس في سبيل الله، فما المعاوضة الموجودة في تلك التجارة الهامة؟ بيَّنها تعالى في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]، فهنا مبايعة، وهنا بشرى وهنا فوز عظيم؛ كذلك في هذه الآية: ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 12، 13].


وقد دلَّ القرآن على أنه من فاتته هذه الصفقة الرابحة، فهو ولا محالة خاسر؛ كما في قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16].

 

وحقيقة هذه التجارة أن رأس مال الإنسان حياته ومنتهاه مماته؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((كل الناس يغدو فبائعٌ نفسه، فمُعتقُها أو مُوبِقها))[11] ، والعرب تعرف هذا البيع في المبادلة كما في قول الشاعر:

فإن تزعميني كنت أجهل فيكم
فإني شرِبت الحِلم بعدكِ بالجهل

وقول الآخر:

 

بدلت بالجنة رأسًا أزعرًا
وبالثنايا الواضحات الدردرا

فأطلق الشراء على الاستبدال.

 

تنبيه: في هذا الآية الكريمة تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في قوله تعالى: ﴿ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾ [الصف: 11]، وفي آية إن الله اشترى من المؤمنين، قدَّم النفس على المال فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ﴾ [التوبة: 111]، وفي ذلك سرٌّ لطيف.

 

أما في آية الصف، فإن المقام مقامُ تفسير وبيان لمعنى التجارة الرابحة بالجهاد في سبيل الله، وحقيقة الجهاد: بذل الجهد والطاقة، والمال هو عصب الحرب، وهو مَدد الجيش، وهو أهم من الجهاد بالسلاح، فبالمال يُشترى السلاح، وقد تُستأجر الرجال كما في الجيوش الحديثة من الفِرق الأجنبية، وبالمال يُجهَّز الجيش؛ ولذا لما جاء الإذن بالجهاد أعذر الله المرضى والضعفاء، وأعذر معهم الفقراء الذين لا يستطيعون تجهيز أنفسهم، وأعذر معهم الرسولَ صلى الله عليه وسلم إذ لم يوجد عنده ما يُجهزهم به؛ كما في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى ﴾ [التوبة: 91] إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92].

 

وكذلك من جانب آخر، قد يجاهِد بالمال من لا يستطيع بالسلاح كالنساء والضعفاء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من جهز غازيًا فقد غزا))[12].

 

أما الآية الثانية، فهي في معرِض الاستبدال والعرض والطلب أو ما يسمى بالمساومة، فقدَّم النفس؛ لأنها أعز ما يملك الحيُّ، وجعل في مقابلها الجنة وهي أعزُّ ما يُوهب، وأحسن ما قيل في ذلك:

أثامن بالنفس النفيسة ربَّها
وليس لها في الخلق كلهم ثمنُ
بها تملك الأخرى فإن أنا بعتُها
بشيء من الدنيا فذاك هو الغبنُ
لئن ذهبت نفسي بدنيا أُصيبها
لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمنُ

 

فالتجارة هنا معاملة مع الله إيمان بالله وبرسوله، وجهاد بالمال والنفس، والعمل الصالح، كما قيل أيضًا:

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا
فإنما الربح والخسران في العملِ

وفي آية ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى ﴾ [التوبة: 111] تقديم بشرى خفيَّة لطيفة بالنصر لمن جاهد في سبيل الله وهي تقديم قوله: ﴿ فَيَقْتُلُونَ ﴾ بالبناء للفاعل أي: فيقتلون عدوهم ﴿ وَيُقْتَلُونَ ﴾ بالبناء للمجهول؛ لأن التقديم هنا يُشعر بأنهم يقتلون العدو قبل أن يقتلهم، ويصيبون منه قبل أن يصيب منهم، ومثل هذا يكون في موقف القوة والنصر، والعلم عند الله تعالى"[13].

 

وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 11]؛ أي الامتثال بالمبادرة إلى الإيمان والجهاد في سبيل الله أفضل لكم مطلقًا؛ إذ فيه الخير الدنيوي؛ من النصر على الأعداء، والعز المنافي للذل، والرزق الواسع، وسَعة الصدر وانشراحه، والخير الأُخروي؛ بالفوز بثواب الله، والنجاة من عقابه؛ ولهذا لا يقوم على الإيمان والجهاد إلا من عَلِم فضْلَ ذلك[14]، فأحبه وأخلص له ودافع عنه، فإن الجهاد لا يُقدم المرء عليه في سبيل الله إلا ومعنى الإيمان قد انغرس في قلبه، فازداد حبًّا لهذا الإيمان ونصرة له، فإنه من ثَمَّ يريد أن يسمع الكون كله صيحة الحق المدوِّية، ولا يهاب كافرًا يمنع دين الله من أن ينتشر، ولا يَفْرق من صَكٍّ لئيم يعادي الإسلام وأهله.

 

قوله تعالى: ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [الصف: 12]:

المغفرة هي ستر الذنب والمجاوزة عن فاعله، وأتى الخطاب الشريف بالذنب مجموعًا منكَّرًا؛ للدلالة على الذنب مطلقًا؛ ليشمل الصغير والكبير؛ ولذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشهيد يُغفر له من أول دفقة دمٍ تخرج منه في سبيل الله تعالى[15].

 

وأتى الفعل "يغفر" و"يدخلكم" مجزومين؛ لأنه جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر، والتقدير "آمنوا بالله ورسوله... يغفر... ويدخِلْكم..."، أو لأنه جواب للشرط، والتقدير: "إن تؤمنوا بالله... وتجاهدوا... يَغْفِر لكم... ويدخلكم..."، والوجهان محتملان، وهذا الجواب – على أي وجه – فوز، موصوف بأنه عظيم، فهذا الفوز لا فوز وراءه، والظَّفَر به لا ظفَرَ يماثله[16]، والفوز: لفظ لا يأتي إلا في سياقات النجاح والظفر والسعادة، يُقال: فاز فلانٌ بالخير يفوز فوزًا ومفازًا ومفازةً: ظفِر به؛ وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71][17].

 

يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "﴿ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [الصف: 12]؛ أي: من تحت مساكنها وقصورها، وغرفها، وأشجارها، أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفًّى ولهم فيها من كل الثمرات، ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ [الصف: 12]؛ أي: جمعت كل طيب: علوًّا، وارتفاعًا، وحُسنَ بناء وزخرفة، حتى إن أهل الغُرف من أهل عليين، يتراءاهم أهل الجنة، كما يتراءى الكوكب الدُّرِّي في الأفق الشرقي أو الغربي، وحتى إن بناء الجنة بعضه من لبِنٍ - أي ما يشبه الطين - ذهبٍ، وبعضه من لبن فضة، وخيامها من اللؤلؤ والمرجان، وبعض المنازل من الزُّمرد، والجواهر الملونة بأحسن الألوان، حتى إنها من صفائها يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، وفيها من الطِّيب والحُسن ما لا يأتي عليه وصف الواصفين، ولا خطر على قلب أحد من العالمين، لا يمكن أن يدركوه حتى يرَوه، ويتمتعوا بحُسنه وتقرَّ به أعينهم... وسُمِّيت جنة عدن؛ لأن أهلها مقيمون فيها، لا يخرجون منها أبدًا..."[18].

 

قوله تعالى: ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ﴾ [الصف: 13]؛ أي: ولكم إلى هذه النعم العظيمة نعمة أخرى عاجلة ترغبون فيها هي: ﴿ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ [الصف: 13]، فهذا النصر لكم على أعدائكم، والذي يحصل لكم به العز والتمكين والسعادة والفرح، إنما هو من الله، لا من الشرق ولا من الغرب، ونكتة ذلك ضرورة طاعة الله والاستعانة به، ورغبته ورغبة ما عنده، ونصرته ونصرة دينه، فهو سبحانه هو الذي يؤيِّد ويسدِّد، ويوفِّق ويُرشد ويُعين، فلا تلتفتوا - أيها المسلمون - عن طريق ربكم، ولا تُولُّوا وجوهكم إلى غيره؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، ويقول تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى... ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأنفال: 17، 18]...[19].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ [الصف: 13]؛ أي: تتسع به دائرة الإسلام[20]، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 13]، والبشارة إنما تكون عن سارٍّ مُفْرح[21]، والمعنى: وبَشِّر - يا محمد - بالنصر والفتح، أو بشِّرهم بالنصر في الدنيا والفتح، والجنة في الآخرة، أو بشِّرهم بالجنة في الآخرة[22].

 

والذي يظهر لي، أن الأمر بالتبشير إنما أتى بعد ما أعدَّ الله للمؤمنين المطيعين له، من النصر والتأييد في الدنيا، والجنة والرضوان في الآخرة، وليس بعد هذا من بشرى، فكل بشرى إنما تدور حول هذه المعاني، وإذا كان المؤمنون في الصدر الأول من تاريخ هذه الأمة الشريفة قد نالوا وعد الله، وذاقوا حلاوته في الدنيا وفي الآخرة – بإذن ربهم – ونالوا بشرى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الشأن شأن من يأتي بعدهم، فلا بد أن تخرج الألفاظ من حيز الزمانية الأولى لتشمل كل زمن وكل حال وكل مستقبل؛ ففي هذه الآية المباركة وَعْدُ الله القائم لكل من آمن به ونصَر دينه، أن يوفِّقه الله في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

 

هذا وقد بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم أُمته بأن المستقبل لهم، وأن فجر عزهم ومجدهم سيبزغ، وأن ليلَ ذُلهم وضعفهم يُوشك أن يزول، ولعل لفظ: ﴿ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ [الصف: 13]؛ للدلالة على عدم وقوعه حالًا، بل هو في الزمن المستقبل، ولكن الشأن أن هذا لن يتم إلا على يد الطائفة المؤمنة المتوضئة، طاهرة القلب والبدن والعقل، فهم قاطرة الأمة لحيازة هذا الوعد الرباني وهذه البشرى النبوية، والله أعلم.

 

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال، نجد أن التجارة الرابحة التي دعا الله عباده المؤمنين إليها في سورة الصف ليست تجارة مادية، بل هي تجارة إيمانية عظيمة، قِوامها الإيمان بالله والجهاد في سبيله بالنفس والمال، وما يترتب عليها من مغفرة الذنوب، ودخول الجنة، والنصر والفتح في الدنيا.

 

وقد أغنى فضيلة الشيخ الدكتور أحمد عبدالرحمن النقيب هذا الموضوع بتفسير ماتع في كتابه: (إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف)؛ مما يُعمِّق فهمنا لهذه الآيات، ويزيدنا يقينًا بوعد الله للمؤمنين.

 

فلنعمل على تحقيق هذا الوعد الرباني بالبذل والعطاء في سبيل الله، واثقين أن المستقبل لهذا الدين، وأن النصر حليف المؤمنين بإذن الله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 13].

 


[1] انظر في هذا الفيروزأبادى: القاموس المحيط (1/ 1000) والمعجم الوسيط: (1/ 294) وانظر: الضبط الثلاثي للدلالة عند ابن السيد البطليوسي (ت444هـ): المثلث (2/ 4)، تحقيق: الدكتور صلاح مهدي الفرطوسي، دار الرشيد للنشر، ط: 1981.

[2] انظر: المعجم الوسيط (2/ 905).

[3] انظر لابن مجاهد: أحمد بن موسى بن العباس التميمي (ت324هـ)، كتاب السبعة في القراءات (ص/ 635)، تحقيق: شوقي ضيف، دار المعارف - مصر، الثانية، 1400هـ، والشوكاني: فتح القدير (5/ 264).

[4] السعدي: تيسير الكريم (ص/ 860).

[5] انظر في هذا لأبي السعود: التفسير (8/ 245) والقرطبي: الجامع (18/ 87) والشوكاني: فتح القدير (5/ 264).

[6] عبدالكريم زيدان: الوجيز في أصول الفقه ص/ 292.

[7] انظر أبو السعود: التفسير (8/ 245) والشوكاني: فتح القدير (5/ 264).

[8] السعدي: تيسير الكريم (ص/ 860).

[9] الشوكاني: فتح القدير (5/ 264).

[10] وانظر هذا المعنى في المعجم الوسيط: (1/ 82).

[11] صحيح؛ أخرجه مسلم (223) كتاب الطهارة، والترمذي وابن ماجه، والدارمي وأحمد، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا به، ومعنى الحديث: أن كل إنسان يسعى بنفسه، فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيُعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعها فيُوبقها؛ أي: يُهلكها؛ [انظر (1/ 212) متن مسلم ط. دار الحديث].

[12] صحيح؛ أخرجه البخاري (2843) كتاب الجهاد، ومسلم (1895) كتاب الإمارة، وأبو داود والترمذي، والنسائي وأحمد، من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه مرفوعًا به، وتمامه: ((ومْن خلَّف غازيًا في سبيل الله بخير فقد غزا)).

[13] تتمة أضواء البيان: (8/ 113-114).

[14] انظر تفسير السعدي (ص/ 860)، وأبو السعود: (8/ 245)، والشوكاني (5/ 264).

[15] جزء من حديث صحيح، أخرجه الترمذي (1663) وابن ماجه (2799) وأحمد "المسند" (4/ 131)، من حديث المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[16] أبو السعود: التفسير (8/ 245)، والشوكاني: فتح القدير (5/ 264).

[17] انظر: المعجم الوسيط (2/ 705).

[18] السعدي: تفسير الكريم (ص/ 860).

[19] انظر في هذا: تفسير أبي السعود (8/ 245) وتفسير الشوكاني (5/ 264-265) وتفسير السعدي (ص/ 860).

[20] تفسير السعدي (ص/ 860).

[21] انظر المعجم الوسيط (1/ 57).

[22] الشوكاني: فتح القدير (5/ 265).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رمضان شهر التجارة الرابحة
  • ذكر الله تعالى: التجارة الرابحة
  • التجارة الرابحة لغرس الأشجار في الجنة
  • رمضان موسم التجارة الرابحة وقوله صلى الله عليه وسلم: أتاكم رمضان شهر مبارك
  • تلاوة القرآن: التجارة الرابحة
  • التجارة الرابحة 100 % (خطبة)
  • التناسق بين القول والعمل: قراءة تحليلية في ضوء سورة الصف - فائدة من كتاب: إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف
  • العزيز: معاني ودلالات في اللغة والشرع: من كتاب "إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف"
  • ملخص كتاب: إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف (1)

مختارات من الشبكة

  • التجارة مع الله أربح التجارات(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • التجارة مع الله أربح التجارات(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • التجارة للدين والتجارة بالدين: ترشيد لاستعمال المصطلحين (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخلاصة في أحكام زكاة عروض التجارة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم زكاة عروض التجارة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التجارة بين المدح والذم(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • رجال تجارتهم مع الله رابحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان موسم التجارة الرابحة وقوله صلى الله عليه وسلم: أتاكم رمضان شهر مبارك(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • رمضان موسم التجارة الرابحة وقوله صلى الله عليه وسلم: أتاكم رمضان شهر مبارك(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • من أسباب التوفيق والبركة في التجارة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب