• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{اتقوا الله حق تقاته}

{اتقوا الله حق تقاته}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/9/2024 ميلادي - 18/3/1446 هجري

الزيارات: 1699

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾

 

قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 102، 103].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ صدر سبحانه الكلام بهذا الموصول الذي كانت الصلة فيه الإيمان؛ للإشارة إلى أن المطلوب من مقتضيات الإيمان ومن نتائجه، وهو غاية الغايات فيه، والثمرة الدانية له.

 

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ وما أكثر ما أمر الله تعالى بالتقوى في كتابه في آيات كثيرة! بل جعلها الله وصية لجميع الخلق: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

والوقاية اتخاذ الإنسان ما يقيه الذي يضره؛ ولهذا أجمع تفسير للتقوى أن يُقال: التقوى اتِّخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.

 

قال ابن عاشور: وهذه الآية أصلٌ عظيمٌ من أصول الأخلاق الإسلامية، وحاصل التقوى امتثال الأمر، واجتناب المنهي عنه، في الأعمال الظاهرة، والنوايا الباطنة. وحق التقوى هو ألَّا يكون فيها تقصير وتظاهر بما ليس من عمله.

 

﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ اتقوا الله تعالى «واجب تقواه»؛ أي: اتقوا الله تعالى بالقدر الذي يجب أن يُتَّقى به، وهو الحق الثابت المستقر الذي ينبغي أن يستمر ولا ينقطع.

 

أو اتقوا الله بقدر ما تستطيعون، وابذلوا كل الجهد في تحقيق ذلك.

 

ومثل هذا قولنا -ولكلام الله المثل الأعلى-: أكرم فلانًا حَقَّ الإكرام، أو أدِّب ولدك حقَّ التأديب.

 

وإضافة تقاة إلى الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ تفيد علوَّ الواجب المطلوب له سبحانه وتعالى من التقوى، فالمطلوب هو التقوى الواجبة التي تليق بذي الجلال والإكرام الواحد القَهَّار، والمالك لكل شيء، القاهر فوق عباده، الغالب على كلِّ أمر.. وهو استفراغُ الوُسعِ في القيام بالواجبات واجتنابِ المُحرَّمات.

 

عن عبدالله بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "أن يُطاع فلا يُعْصَى، وأن يُذْكَر فلا يُنْسَى، وأن يُشْكَر فلا يُكْفَر".

 

وروي عن أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه قال: "لا يتقي العبد الله حقَّ تقاته حتى يخزن من لسانه".

 

وقد ذهب سعيد بن جُبَير، وأبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حَيَّان، وزيد بن أسلم، والسُّدِّي وغيرهم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن:16]؛ لأن حقَّ تقاته أن يُطَاعَ فلا يُعْصَى طرفة عين، وأن يُشْكَر فلا يُكفر، وأن يذكر فلا ينسى، والعباد لا طاقة لهم بذلك. فنسخت أول هذه الآيةِ، ولم ينسخ آخرها، وهو قوله: ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾.

 

وقال علي بن أبي طَلْحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ قال: "لم تُنْسخ، ولكن ﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده، ولا تأخذهم في الله لَوْمَة لائم، ويقوموا بالقِسْط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم".

 

والمقصود بقدر الطاقة والوسع. وإذا كان كذلك صار معنى هذه الآية ومعنى قوله: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ واحدًا؛ لأن من اتقى الله ما استطاع فقد اتَّقاه حق تقاته؛ ولأن حق تقاته ما استطاع من التقوى؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، والوسع دون الطاقة، ونظير هذه الآية قوله: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78].

 

فالحق أن قوله: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ بيان لا نسخ، كما حقَّقه المحققون، ولكن شاع عند المتقدمين إطلاق النسخ على ما يشمل البيان.

 

فإن قيل: أليس قد قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الأنعام:91]؟

 

فالجواب: أن هذه الآية وردت في ثلاثة مواضع في القرآن، وكلها في صفة الكفار، لا في صفة المسلمين.

 

وأما الذين قالوا: إن المراد هو "أن يُطاع فلا يُعصى" فهذا صحيح، والذي يصدر عن الإنسان كان سَهْوًا، أو نِسْيَانًا فغير قادح فيه؛ لأن التكليف مرفوع عنه في هذه الأحوال، وكذلك قوله: "أن يشكر فلا يكفر"؛ لأن ذلك واجب عليه عند حضور نِعَم الله بالبال، فأما عند السهو فلا يجب، وكذلك قوله: "أن يذكر فلا يُنْسَى"، فإن ذلك واجب عند الدعاء والعبادة، وكل ذلك مما يطاق، فلا وَجْهَ للقول بالنَّسْخ.

 

ولدينا قاعدة مهمة جدًّا توجب ألَّا يتسرَّع الإنسان في دعوى النسخ؛ لأن دعوى النسخ ليست دعوى بسيطة، فإن النسخ يتضمن «إبطال حكم من الأحكام الشرعية»، وإبطال الحكم من الأحكام الشرعية ليس بالأمر السهل وإن كان بعض الناس وبعض العلماء يتساهل، وإذا عجز أن يوفق بين النصوص، أو يُرجِّح ادَّعى النسخ. وهذا غلط.

 

فما دام النص من القرآن أو السنة يمكن أن يحمل على وجه صحيح لا يعارض النصوص الأخرى، فهذا هو الواجب؛ لأننا إذا سلكنا هذا المسلك عملنا بكل النصوص. أما إذا قلنا: إن أحدهما منسوخ فإننا نلغي نصًّا جاء به الوحي، وهذا ليس بالأمر الهيِّن.

 

﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ النهي ليس منصبًّا على الموت، وإنه بضم النهي إلى الاستثناء يكون المطلوب أمرًا إيجابيًّا، وهو ما بعد أداة الاستثناء، فيكون المعنى الإجمالي: كونوا على حال الإسلام المستمرة إلى الموت.

 

إنه نَهْي في الصورة عن موتهم إلا على هذه الحالة، والمراد: دوامهم على الإسلام؛ وذلك أن الموت لا بُدَّ منه، فكأنه قال: «دوموا على الإسلام حتى الموت»، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعِث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك.

 

والنهي عن الموت على غير الإسلام يستلزم النهي عن مفارقة الإسلام في سائر أحيان الحياة، ولو كان المراد به معناه الأصلي لكان ترخيصًا في مفارقة الإسلام إلا عند حضور الموت، وهو معنى فاسد.

 

وتوجيهُ النهي إلى الموت للمبالغة في النهي، فإن قولَك: "لا تُصلِّ إلا وأنت خاشعٌ" يفيد المبالغة في إيجاب الخشوعِ في الصلاة ما لا يفيده قولُك: "لا تترُكِ الخشوعِ في الصلاة"، ومفيدٌ لكون الخشوعِ هو العمدةَ في الصلاة، وأن الصلاةَ بدونه حقُّها ألَّا تُفعل، وفيه نوعُ تحذيرٍ عما وراءَ الموتِ.

 

عن مجاهد أنَّ الناس كانوا يطوفون بالبيت، وابنُ عباس جالس معه مِحْجَن، فقال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ وَلَوْ أنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ لأمَرَّتْ عَلَى أهْلِ الأرْضِ عِيشَتَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ إلا الزَّقُّومُ)؛ [أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح].

 

وروى أحمد عن عبدالله بن عَمْرو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَنْ أَحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّار وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، ويَأْتِي إلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أنْ يُؤتَى إلَيْهِ))؛ [إسناده صحيح على شرط مسلم].

 

وروى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: ((لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).

 

وروى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: ((إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ))؛ [حديث صحيح].

 

وروى الترمذي عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ، فَقَالَ: ((كَيْفَ تَجِدُكَ؟))، قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ))؛ [حسَّنَه الألباني].

 

ومعنى الإسلام هو الإخلاص لله سبحانه وتعالى وحده، والإذعان له تبارك وتعالى، وألا يستمعوا إلا إليه، وأن يصموا آذانهم عن كل دعوة تخالف ما يأمر به وما ينهى عنه؛ فذلك هو الإسلام المطلوب ممن تشرفوا بذلك النعت الكريمِ.

 

وفي آيات كثيرة الدعاء بأن يموت الإنسان مسلمًا: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ [الأعراف:126]، ﴿ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف:101].

 

لكن جاء في السنة أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول في الدعاء للميت: ((اللهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ))؛ [أحمد والترمذي]، ففرق بين حال الحياة وحال الموت.

 

والجواب: إنما غاير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما؛ لأن صلاح الأمة على سبيل العموم بالإسلام؛ إذا حيت الأمة مسلمة انتظم أمرها؛ لأن الإسلام معناه الاستسلام، ولم يكن فيها ما يوجب العناد والاستكبار. ولما قال: ((أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ))، قال: ((وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ))؛ لأن المدار عند الموت على ما في القلب، لكن في هذه الآية وكذلك في الآيات الأخرى التي أشرنا إليها لم يذكر الإيمان معها فيكون الإسلام هنا شاملًا للإيمان.


﴿ وَاعْتَصِمُوا ﴾ العصمة: المنعة، ومعنى اعتصموا: اجعلوا أنفسكم في عصمة ومنعة عن الزلل ﴿ بِحَبْلِ اللَّهِ ﴾ الحبل " في أصل معناه اللغوي «السبب» الذي يوصل إلى الغاية، وله بعد هذا المعنى الأصلي اللُّغوي معانٍ أخرى مشتركة، فيطلق على الرسن [الحبل، ورسن الفرس، إذا شدَّه]، والحبل وهو ما يشد به للارتقاء، أو التدلي، أو للنجاة من غرق، أو نحوه، كما يطلق على العهد.

 

والكلام تمثيل لهيئة اجتماعهم والتفافهم على دين الله ووصاياه وعهوده بهيئة استمساك جماعة بحبل ألقي إليهم منقذ لهم من غرق أو سقوط.

 

أو المعنى اعتصموا بعهد الله، كما قال في الآية بعدها: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 112]؛ أي: بعهد وذمة. ومن كلام الأنصار رضي الله عنهم: "يا رسولَ الله، إنَّ بيننا وبَيْنَ القوم حبالًا ونحن قاطعوها"- يعْنُون العهود والحِلْف.

 

قيل: والسبب فيه أن الرجل كان إذا سافر خاف، فيأخذ من القبيلة عَهدًا إلى الأخرى، ويُعْطَى سَهْمًا وحَبْلًا، ويكون معه كالعلامة، فسُمِّيَ العهدُ حَبْلًا لذلك.

 

وقيل: ﴿ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ ﴾ يعني: القرآن، كما في حديث الحارث الأعور، عن علِيٍّ مرفوعًا في صفة القرآن: "هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمتِينُ، وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ".

 

وتحقيقه: أن النازل في البئر لما كان يعتصم بالحبل، تحرُّزًا من السقوط فيها، وكان كتاب الله وعهده ودينه وطاعته، وموافقة جماعة المؤمنين حِرزًا لصاحبه من السقوط في جهنم - جعل ذلك حبلًا لله، وأمروا بالاعتصام به.

 

﴿ جَمِيعًا ﴾ تأكيد.. أي مجتمعين في الاعتصام. على القول الأول؛ أي: كونوا جميعًا مستمسكين بحبل الله، ولا يصح أن ينفصل منكم طائفة لا تأخذ بذلك الحبل؛ لأن الشيطان ينفذ إليكم عن طريق هذه الطائفة التي شذت وعصت أمر ربِّها.

 

وعلى القول الثاني: خذوا بالقرآن كله، ولا تجعلوه عضين تؤمنون ببعضه وتكفرون ببعضه، أو خذوا بشريعته كلها ولا تأخذوا بجزء منها دون جزء، فإنها كُلٌّ لَا يقبل التجزئة.

 

﴿ وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ تأكيد أيضًا.. أي: لا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلافِ بينكم كأهل الكتابِ أو كما كنتم متفرقين في الجاهلية يحارب بعضُكم بعضًا أو لا تُحدِثوا ما يوجب التفرقَ ويُزيل الأُلْفةَ التي أنتم عليها.

 

وقيل: أي لَا تتفرقوا في أنفسكم، فلا يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا تتنادوا بنداء الجاهلية، ولا تتفرَّقوا في دينكم، فتذهبوا في فهمه شيعًا وفرقًا مختلفةً، فتضلوا عن سبيل الله، ولا شيء يذهب بنور الحق المبين أكثر من اختلاف الأنظار في فهمه وإدراكه، والنظر إليه بروح التعصب الذي يغفل عن الاتجاه إلى الحق في كل جوانبه؛ ولذلك جاء النهي عن التفرُّق في الدين، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام: 159].

 

• وفيه وأن الشيء قد يؤكد بنفي ضده كما في قوله تعالى: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 140]، وفي الآية دليل على أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.

 

وقد وردت الأحاديثُ المتعددة بالنهي عن التفرُّق والأمر بالاجتماع والائتلاف كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ((إنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا، يَرْضى لَكُمْ: أنْ تَعْبدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وأنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وأنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاهُ اللهُ أمْرَكُمْ؛ وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا: قيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وإِضَاعَةَ الْمَالِ)).

 

وروى الترمذي عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بني إسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بني إسرائيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً))، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي))؛ [حسَّنه الألباني].

 

فضُمِنتْ لهم العِصْمةُ من الخطأ عند اتفاقهم، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضًا، وخِيفَ عليهم الافتراق والاختلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمة، فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومُسَلمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه.

 

قال القرطبي: وليس في الآية دليل على تحريم الاختلاف في الفروع؛ فإن ذلك ليس اختلافًا؛ إذ الاختلاف يتعذر معه الائتلاف والجمع، وأما حكم مسائل الاجتهاد، فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع، وما زالت الصحابة مختلفين في أحكام الحوادث، وهم -مع ذلك– متآلفون، وإنما منع الله الاختلاف الذي هو سبب الفساد، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((تَفَرَّقَت اليَهُودُ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً -أوْ اثنتين وَسَبْعِينَ فِرْقَةً- وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَتَفْتَرِقُ أمَّتِي ثلاثًا وسبعين فرْقَةً)).

 

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ هي نعمة الهداية والتأليف القلبي، وهو أعظم النعم على الجماعات والأمم. وفي ذلك تحريض على إجابة أمره تعالى إياهم بالاتفاق.

 

• وفيه: وجوب تذكُّر نعمة الله، وهذه مسألة مهمة؛ لأن الغفلة عن تذكُّر النعمة يستلزم الغفلة عن الشكر، والشكر واجب، قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، فالغفلة عن تذكُّر النعمة موجب أو مستلزم للغفلة عن الشكر.

 

والتذكير بنعمة الله تعالى طريق من طرق مواعظ الرسل. قال تعالى حكاية عن هود: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ﴾ [الأعراف: 69]، وقال عن شعيب: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ﴾ [الأعراف: 86]، وقال الله لموسى: ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾ [إبراهيم: 5].

 

﴿ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً ﴾ كما كان في الجاهلية بينكم من الإحَن والعداوات والحروب المتواصلة، فيذكر أن الأوس والخزرج كانا أخوَين لأب وأمٍّ، فوقعت بين أولادِهما العداوةُ والبغضاءُ، وتطاولت الحروبُ فيما بينهم مائةً وعشرين سنةً.

 

﴿ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾ ولم يقل: "بينكم"؛ لأن الائتلاف في القلوب. وهذا هو الذي عليه المدار، ليس المدار الائتلاف بالأجسام، كم من أمة ائتلفت بأجسامها ولكن قلوبها متفرقة، كما قال الله تعالى عن اليهود: ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر: 14]، فلا فائدة من اجتماع الأبدان مع تفرُّق القلوب.

 

ومن الذي يستطيع أن يؤلف بين قلوب الناس إلا الله عز وجل، فلا أحد يستطيع أبدًا سواه، يقول الله تعالى لنبيِّه محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 63].

 

ولقد حاول حكماؤهم وأولو الرأي منهم التأليف بينهم، وإصلاح ذات بينهم، بأفانين الدعاية من خطابة وجاه وشعر فلم يصلوا إلى ما ابتغوا حتى ألَّف الله بين قلوبهم بالإسلام فصاروا بذلك التأليف بمنزلة الأخوان.

 

• وفيه: تحريم التفرُّق في القلوب؛ لأن المدار على التفرُّق في القلوب، أما التفرُّق في الأبدان فضروري أن يتفرَّق الناس، وفي الأقوال أيضًا يتفرَّقون، وما أكثر الخلاف بين أهل العلم قديمًا وحديثًا في المسائل العلمية! لكن الذي يجب على المسلمين أن يبعدوا عنه، هو التفرُّق بينهم في القلوب؛ لأنه هو الذي عليه المدار؛ ولهذا قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ))؛ [مسلم] فالمدار على القلوب.

 

ففي هذه الآية دليل على تحريم التفرُّق في القلوب حتى لو تفرَّقت الأبدان أو تفرَّقت الأقوال، فالواجب أن القلوب لا تتفرَّق، وكان اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الاجتهاد المؤدي إلى التفرُّق في الأقوال لكن القلوب واحدة، لا يكره بعضهم بعضًا إذا خالفه في الرأي.

 

﴿ فَأَصْبَحْتُمْ ﴾ أصل الإصباح الدخول في الصباح الذي هو أول النهار؛ لكنه يطلق أحيانًا مجردًا من الزمان، ويُراد به «الصيرورة»؛ أي: صرتم إخوانًا.

 

قال ابن عطية: ﴿ فأصْبَحْتُمْ ﴾ عبارة عن الاستمرار -وإن كانت اللفظة مخصوصة بوقت- وإنما خُصَّت هذه اللفظة بهذا المعنى من حيث مبدأ النهار، وفيه مبدأ الأعمال، فالحال التي يحبُّها المرء من نفسه فيها هي التي يستمر عليها يومَه في الأغلب.

 

﴿ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ والتآلف معنى نفسي، والأخوة مظهر اجتماعي عملي.. وهي ليست أخُوَّة النسب إنما المراد أخوة الدين والصداقة. قال الزجاج: أصل الأخ في اللغة من التوخِّي وهو الطلب؛ فإن الأخ مقصده مقصد أخيه، والصديق مأخوذ من أن يصدق كل واحد من الصديقين ما في قلبه، ولا يُخْفِي عنه شيئًا.

 

ولم يبين هنا ما بلغته معاداتهم من الشدة، ولكنه بيَّن في موضع آخر أن معاداتهم بلغت من الشدة أمرًا عظيمًا حتى لو أنفق ما في الأرض كله؛ لإزالتها وللتأليف بين قلوبهم لم يفد ذلك شيئًا، وذلك في قوله: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63].

 

وقد امتنَّ الله عليهم بتغيير أحوالهم من أشنع حالة إلى أحسنها: فحالة كانوا عليها هي حالة العداوة والتفاني والتقاتل، وحالة أصبحوا عليها وهي حالة الأخوة، ولا يدرك الفرق بين الحالين إلا من كانوا في السوأى فأصبحوا في الحسنى، والناس إذا كانوا في حالة بؤس وضنك واعتادوها صار الشقاء دأبهم، وذلَّت له نفوسهم فلم يشعروا بما هم فيه، ولا يتفطنوا لوخيم عواقبه، حتى إذا هيئ لهم الصلاح، وأخذ يتطرَّق إليهم استفاقوا من شقوتهم، وعلموا سوء حالتهم، ولأجل هذا المعنى جمعت لهم هذه الآية في الامتنان بين ذكر الحالتين وما بينهما فقال: ﴿ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾.

 

والخطاب عام لكل المؤمنين في كل الأجيال وكل الأعصار، ويدخل في عمومه كل الأجناس وكل الشعوب، فالدعوة إلى التذكر دعوة عامة، وهي تذكر لماضي الانقسام، ثم من بعد الاتفاق والوئام، والطريق إلى الوحدة، ولكن إذا كان التذكير عامًّا، فإن الاختلاف الذي أشار إليه النص الكريم كان خاصًّا بطائفة من المؤمنين، وهم الذين عاصروا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المهاجرين والأنصار، فالأنصار أكلتهم الحرب التي قامت بين الأوس والخزرج حتى أتمَّ الله عليهم نعمة الهداية، والعرب جميعًا كانوا في تنابذ وتنافر حتى كادت بعض قبائلهم تفنيها الحروب التي لا تبقي ولا تذر.

 

ولماذا اعتبر الاختلاف السابق الخاص كأنه اختلاف عام، وخوطب به المؤمنون جميعًا؟ والجواب عن ذلك أن هذا للدلالة على وحدة الأمة، فما كان من ماضيها يخاطب به حاضرها للاعتبار والاتعاظ، ولأن سبب الاختلاف في كل نفس لا يقي منه إلا الهداية، فما وقع من الماضين يتوقع أن يقع من الحاضرين؛ لأن الإنسان ابن الإنسان، ولأن الخلاص طريقه واحد، فما خلص به الماضون يخلص به الحاضرون، إن اعتزموا سلوك ما سلكه الذين من قبلهم.

 

﴿ وَكُنْتُمْ ﴾ قبل الإسلام ﴿ عَلَى شَفَا ﴾ شفا الحفرةِ وشفَتُها: حَرْفها ﴿ حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ﴾ واختيار النار مشبهًا بها هنا؛ لأن النار أشد المهلكات إهلاكًا وأسرعها، وهذا هو المناسب في حمل الآية ليكون الامتنان بنعمتين محسوستين هما: نعمة الأخوة بعد العداوة، ونعمة السلامة بعد الخطر.

 

وقال جمهور المفسرين: أراد نار جهنم، ويكون الامتنان على هذا امتنانًا عليهم بالإيمان بعد الكفر؛ لأنهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام والأوثان، فهم على شفا حفرة، لو ماتوا على تلك الحال لسقطوا في الحفرة. لكن قبل أن يسقطوا في الحفرة أنقذهم الله بالإسلام، ولله الحمد والمنة.

 

فبيَّن الله عز وجل هنا حالهم الاجتماعية، وحالهم الدينية، حالهم الاجتماعية كانوا أعداء مختلفين متفرقين، فألَّف بين قلوبهم، وحالهم الدينية أنهم على شفا حفرة من النار، لم يبق عليهم أن يتساقطوا في النار إلا أن يموتوا على الكفر، ولكن الله تعالى أنقذهم بنعمته بهذا الدين.

 

﴿ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ والإنقاذ: التخليص والتنحِية.

 

وهذا السياق في شأن الأوْس والخَزْرَج، فإنه كانت بينهم حُروبٌ كثيرةٌ في الجاهلية، وعداوة شديدة وضغائن، وإحَنٌ وذُحُول طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم، صاروا إخوانًا متحابِّين بجلال الله، متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى.

 

وكانوا على شفا حُفْرة من النار بسبب كفرهم، فأبعدهم الله منها: أنْ هَدَاهُم للإيمان، وقد امتنَّ عليهم بذلك رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم قَسَم غنائم حُنَيْنٍ، فَعتَبَ من عتب منهم لمَّا فَضَّل عليهم في القِسْمَة بما أراه الله، فخطبهم فقال: ((يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، ألَمْ أجدْكُمْ ضُلالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَألَّفَكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً فأغْنَاكُمْ اللهُ بِي؟)) كلما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أمنُّ.

 

﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ﴾؛ أي: دلائلَه ﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ نعمة أخرى.. وهي نعمة التعليم والإرشاد، وإيضاح الحقائق حتى تكمل عقولهم، ويتبيَّنوا ما فيه صلاحهم. والبيان هنا بمعنى الإظهار والإيضاح.

 

والآيات يجوز أن يكون المراد بها النِّعَم، ويجوز أن يُراد بها دلائل عنايته تعالى بهم وتثقيف عقولهم وقلوبهم بأنوار المعارف الإلهية. وأن يُراد بها آيات القرآن فإنها غاية في الإفصاح عن المقاصد وإبلاغ المعاني إلى الأذهان.

 

والمعنى: يُبيِّن الله لكم تَبْيينًا مثل تبيينه لكم الآيات الواضحة، لكي تهتدوا بها.

 

أي كهذا البيان الذي بيَّنه الله سبحانه وتعالى لكم في محكم القرآن، وبيَّن لكم به سبيل هدايتكم، وبيَّن لكم به نعمة هدايتكم ونعمة أخوتكم، يبين سبحانه وتعالى دائمًا الآيات البيِّنات سواء كانت تلك الآيات قرآنية أم كانت كونية، وذلك لتقربوا دائمًا من الهداية، ولتكون بين أيديكم أسبابها، لعلكم تنالون الثمرة وهي الاهتداء الدائم، والله سبحانه وتعالى هو الهادي إلى سواء السبيل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اتقوا الله حق تقاته
  • اتقوا الله حق تقاته (خطبة)
  • غطوا الإناء

مختارات من الشبكة

  • هل نسخت {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته..}؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة {اتقوا الله حق تقاته}(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإخلاص في الذكر عند قيام الليل والأذان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (2) الملك(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • إتقان العمل في ضوء القرآن وسنة النبي العدنان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف الحقوق(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب